تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: الحدود والمصطلحات.

  1. #1

    افتراضي الحدود والمصطلحات.

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى
    أخي العوضي، هذا ما وعدتك به من إفراد موضوع حول موقف العلماء من تحديد المصطلحات والبحث فيها، فقد أوردت ملاحظات أردت استيضاحها منك أكثر

    قلت:
    أولا: لم يعرف التدقيق في المصطلحات عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، وإنما عرف عند المتأخرين جدا، وكان السلف يرسلون الكلام إرسالا اعتمادا على فهم المعنى حتى لو لم يكن اللفظ دقيقا، وقد نبه على ذلك عدد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية.

    أقول: في نظري إن البحث في تحديد المصطلحات وبيان ما تحتها من المعاني لخير سبيل لتفادي بعض الأغلاط المبنية على سوء فهم بعض العبارات، فقد تقرر في غير علم أن الاشتراك في المعاني مثلا قد يوقع في سوء الاستنتاج، ولذا يحسن بيان المعاني المرادة في الاستدلالات لتتضح النتائج.
    أما عن الاحتجاج على عدم جدوى التدقيق في المصطلحات بأن الصحابة والتابعين لم يعرف عنهم ذلك، فهو في نظري ضعيف لأن ذلك قد يجري في سائر العلوم، فقد كانوا مستغنين بفضل الله تعالى ثم بجودة قرائحهم وسلامة ألسنتهم من تقرير قواعد العلوم واستنباط جزئياتها على نحو ما فعل المتأخرون. ثم في إرسالهم الكلام كانوا قطعا يعتمدون على فهم المعاني المتعارفة بينهم، والمتفق عليها، وتلك هي الغاية من البحث والتدقيق في المصطلحات والتعريفات، وهي رسم المعاني المرادة في الأذهان.

    قولك:
    ثانيا: إن كان المقصود بالمصطلاحات والحدود مجرد الفهم فلا إشكال في ذلك ؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وإن كان المراد بناء الأحكام عليها فهذا خطأ واضح؛ لأن الحد ليس نصا شرعيا ولا أمرا متفقا عليه.

    أقول: لا شك أن المراد بالمصطلحات والتعريفات تصوير المعاني وانتقاشها في الأذهان، وبالتالي فهمها، أو البناء لعملية فهمها. أما أنه لا مشاحة في الاصطلاح فمعنى ذلك أنه لا إشكال في اختلاف بعض العبارات إن اتفقنا في أصل المعاني، ولا يخفى أن هذا غير مستمر، ففي بعض الأحيان تختلف العبارات ويكون ذلك سببا في اختلاف المعاني.
    أما عن مسألة بناء الأحكام على فهم المصطلحات، فهذا في نظري عين الصواب عند الجميع لأن الحكم فرع فهم المعاني، وهي لا تتميز إلا بالتعريفات - أو الحدود -. أما كون التعريف ليس نصا شرعيا فلا يخالف في ذلك أحد على حد علمي، وكونه ليس أمرا متفقا عليه فكذلك لا يخالف فيه أحد، إذ لكل باحث مصطلحاته وتعريفاته، لكن عليه أن يثبت صحتها، وليس ذلك إلا بتدقيق البحث فيها ودفع ما يرد عليها. نعم في بعض الأحيان يكون فهم النص الشرعي موقوفا على فهم بعض المصطلحات، وذلك لا ينكر.

    قولك:
    ثالثا: لا يوجد عند أهل العلم حد متفق عليه في شيء من الأشياء على الإطلاق، ولا يسلم لهم حد من اعتراض حتى في أكثر الأشياء شهرة كـ(العلم) مثلا، فقد اختلفوا في حده على خمسة عشر قولا ولا يسلم واحد منها من اعتراض.

    أقول: الاختلاف سنة جارية، ولا يلزم من عدم اتفاق أهل العلم على تعريفات موحدة إبطال التفصيل والتدقيق في التعريف، فنحن نعلم أن الحق ثابت وإن اختلف فيه الناس، فكذلك حقائق الأشياء المعرفة ثابتة وإن اختلف تعريف الناس لها، وقطعا ليست كل التعريفات خاطئة. فمثلا العلم له حقيقة، اختلف التعبير عنها، وكل سلك مسلكا خاصا في ذلك على حسب أصوله، وقطعا ليست كلها صحيحة لتناقضها في بعض الأحيان، لكن في البعض الآخر تكون صحيحة مكملة لبعضها البعض، وتتقلص الاعتراضات حتى تكون غير ذات قيمة، فمثلا إذا قلنا إن العلم صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هي به، كان هذا التعريف جامعا مانعا لحقيقة العلم، وكانت الاعتراضات الواردة عليه مدفوعة، وصارت الأحكام المبنية على هذا التعريف أصح.

    قلت:
    رابعا: عرفنا بالتتبع والاستقراء أن هذه الحدود أوقعت كثيرا من العلماء في الأخطاء؛ لأنهم قد يأخذون هذه الحدود مسلمة عمن سبقهم ثم يعاملونها معاملة النصوص الشرعية من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وغير ذلك فيستنبطون منها ما لعله لم يرد على خاطر من وضع الحد إطلاقا، وهذا معلوم في كثير من العلوم كالنحو وأصول الفقه والقواعد الفقهية وغيرها.

    أقول: لا يخفى أن الاستقراء في هذه الأمور لا يكفي، فكما أوقعت التعريفات كثيرا من العلماء في الخطأ قد أدت بكثير من العلماء إلى دقة وصواب الأحكام سواء عقلية أو شرعية، أما أخذها مسلمة فذلك يتراوح من عالم إلى آخر، وليست قاعدة مستمرة، أما معاملتها معاملة النصوص الشرعية فلا أظن ذلك يصدر من عامي فضلا عن عالم، أقصد تقديسها، أما إذا كان المقصود من ذلك الاعتماد على فهمها لحسن فهم النصوص الشرعية فذلك هو المسلك الوحيد بعد الصحابة والتابعين. والله تعالى أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    191

    افتراضي

    أخي الكريم أبا عبيدة

    هل الموضوع خاصٌ بكما ..حفظكما الله؟
    أو تأذنون لنا بالمشاركة فيه.
    [align=center]الأخوّة
    إذا المرْءُ إنْ أرضيتُهُ كان لي أخاً و إنْ أسهُ عاداني وما هوَ لي بأخْ
    فلا خيرَ في وِدِّ امرئٍ ليس صافياً تراهُ بأدرانِ المساوي قد اتَّسخْ
    و لا خيرَ في وِدٍّ يكونُ تكلُّفـاً و لا في ودودٍ حيثُ لنتَ لهُ شَمَخْ
    و ما الودُّ إلا ما تكنَّفَهُ الحشا متى تهزُزِ الأحداثُ أحداثَهُ رَسَخْ[/align]

  3. #3

    افتراضي

    ... بل هو للجميع

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    510

    افتراضي

    جميل هذا التباحث، ولكم أرهق طلبة العلم مثل هذه المواضيع التي لا تعود عليهم بالنفع والفائدة، بل هي مضيعة للعمر، أن يقضي سني بحثه وطلبه وجده في تحرير المصطلحات، ثم لا يجد من وراء ذلك فائدة كبيرة.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    أخي الكريم أبا عبيدة

    جزاك الله خيرا على إنشاء هذا الموضوع، وبرغم أني أخالفك فيما قلت إلا أن النقاش في هذا الموضوع لن يخلو من فائدة؛ لأنه يكون كالتقعيد والتأصيل في مسائل مهمة تفيد جمعا من طلاب العلم.

    وبدأة ذي بدء أحب أن أنبهك على خطأ في كلامك، أو يمكنك أن تقول: ( شيء يوهمه كلامك )، وهو أنك لا تفرق بين ( أهمية التفريق بين المشتركات والمتقاربات ) وبين ( أهمية معرفة الحدود والمصطلحات ).

    فلا شك أن التفريق بين الألفاظ المتقاربة والتمييز بين المشتركات في مواطنها وسياقها من أهم الأمور لطالب العلم، بل إن عدم الاهتمام بهذا الأمر أوقع كثيرا من الناس في أخطاء فاحشة في أعظم أصول الدين كما بين شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من كتبه كـ(بيان تلبيس الجهمية)، وذلك أنهم يخدعون الناس بالألفاظ التي فيها إيهام واشتراك، كـ(الجهة) و(الحيز) و(الجوهر) و(العرض) و(التشبيه) و(الانقسام) و(التجسيم) و(الأحد) وغير ذلك، ثم يبنون على هذه الكلمات أحكاما مخالفة للكتاب والسنة.

    ولا يخفى عليك يا أخي الفاضل أن التمييز بين المتشابهات لا يلزم منه معرفة الحدود؛ فإن كل عاقل يميز مثلا بين العلم والحس، ويميز بين البديهة والنظر، ويميز بين الطول والقصر، ويميز بين الصلاة والزكاة، وبين العادة والعبادة، ولا يلزم من كل ذلك أن يكون عارفا بالحد لكل منها.
    فمثلا إذا نظرنا إلى تعريف الصلاة وجدنا بعض العلماء يقول (الصلاة عبادة مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم)، وبعضهم يقول (الصلاة قربة فعلية ذات إحرام وسلام أو سجود فقط)، فوجدنا بعض الناس يستند إلى هذا التعريف الثاني في مسألة اشتراط الوضوء واستقبال القبلة لسجود التلاوة، ولا شك أن هذا لا يلزم المخالف؛ لأنه استناد إلى التعريف المذهبي للصلاة.
    ولذلك تجد أهل كل مذهب يخالفون غيرهم في الحدود والاصطلاحات، فيغيرون فيها بناء على ما يوافق مذهبهم، فيكون الحد تحصيلا للحاصل، فلا يفيد في ترجيح قول على قول؛ بل يزيد المسائل خلافا فوق الخلاف، فبعد أن كان الخلاف في الحقائق صار في الحقائق والأسماء والتعريفات والحدود والاصطلاحات.

    ثم إنني لا أنكر استعمال التعريفات والحدود والاصطلاحات، فهو أمر مهم في تقريب العلوم والمسائل لطلبة العلم، ولكني أنكر بناء الأحكام على هذه التعريفات والحدود، وذلك من وجهين:
    الوجه الأول: أن هذه الحدود إنما وضعناها نحن، فكيف نلزم مخالفنا بما وضعناه نحن؟ أما إن كانت المسألة مجرد اصطلاح فلا مشاحة في الاصطلاح، وهذه كلمة إجماع بين أهل العلم.
    الوجه الثاني: أن هذه الحدود وضعت بناء على العلم بالمحدود؛ لأن الذي يضع حدا لشيء يستحيل أن يضعه إلا إن كان على معرفة به، فإن الإنسان لا يستطيع أن يحد شيئا يجهله، فإن كان هذا الحد أصلا مبنيا على معرفتنا بهذا الشيء فإن هذا الحد يكون تحصيلا للحاصل؛ لأنه لم يفدنا معرفة زائدة عما نعرفه أصلا.
    ثم إن الذي يضع حدا للشيء يجب أن تكون معرفته به معرفة إحاطة واستيعاب، لأن المعرفة الناقصة بالشيء لا تكفي لوضع حد جامع مانع له، ولا شك أن معرفة الشيء معرفة إحاطة واستيعاب شبيه بالمحال، وحتى لو فرضت فهي في القليل النادر، والنادر لا حكم له.

    فالخلاصة أنني أوافقك في أهمية بيان الفروق بين المعاني والألفاظ المشتركة استنادا إلى أدلة متفق عليها بين المتناظرين تدل على هذه الفروق أو الاختلافات، أما الاستناد إلى مجرد تعريف من وضع إنسان يخطئ ويصيب إذا لم يقع اتفاق على هذا التعريف فهو خطأ واضح.

    وأما التعريف الذي ذكرته للعلم فعليه اعتراض، وهو أن قولك (المذكور) إشارة إلى شيء مجهول، وهذا في الحقيقة هرب واضح من ذكر كلمة (المعلوم) بدل (المذكور)، ولكن هذا الهرب لا ينفعك شيئا؛ لأن هذا هو المعنى المقصود من التعريف الذي ذكرته، ولا شك أن هذا التعريف عليه اعتراض واضح وهو الإشارة إلى المعرف في داخل التعريف، فكأنك عرفت العلم بالاستناد إلى (المعلوم)، مع أن (المعلوم) لا بد في تعريفه من ذكر (العلم)، ولا شك أن هذا دور، والدور باطل.

    والمقصود يا أخي الكريم أن هذه الحدود والتعريفات ليست أدلة، وإنما هي تحتاج لأدلة، فإن كان الاستناد إلى هذه الأدلة فبها ونعمت، وإن كان الاستناد إلى التعريف نفسه فكيف يصح الاستناد إلى دليل إن كان هو نفسه محتاجا لدليل؟
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  6. #6

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حماد مشاهدة المشاركة
    جميل هذا التباحث، ولكم أرهق طلبة العلم مثل هذه المواضيع التي لا تعود عليهم بالنفع والفائدة، بل هي مضيعة للعمر، أن يقضي سني بحثه وطلبه وجده في تحرير المصطلحات، ثم لا يجد من وراء ذلك فائدة كبيرة.
    أخي أبو حماد، رضي الله عنه،

    الحكم على الشيء ردا أو قبولا، فرع عن كونه معقولا. فصحة الأحكام التي طولبنا شرعا بإسنادها إلى موضوعاتها مترتب على دقة تصورنا للمحكوم عليه والمحكوم به،
    فهل تعرف طريقا لتحصيل تلك المدراكات التصورية - بعد تحصيل بعضها بالعلوم الضرورية - غير التعريفات التي ترسم المعاني في القلوب؟؟

    أخي أبو مالك، رضي الله عنه

    كلامك يفتح مجالا للبحث الطويل..

    سأبدأ بدفع ما أوردته على تعريف العلم،

    وقبل ذلك أظنك - والله أعلم - لست في حاجة للتذكير بأن الغرض من التعريفات بجميع أنواعها من الحدود التامة والناقصة والرسوم التامة والناقصة وغيرها إدراك المسميات بقدر الطاقة البشرية، فتماما كما لم يكلفنا الله تعالى بما لا طاقة لنا به من إدراك الحقائق الإلهية لم يكلفنا بإدراك جميع الحقائق الوجودية، وبأن المعارف الإنسانية منها ضرورية توجد اضطرارا فينا، ومنها نظرية تدرك بالفكر، ولا أظنك - والله أعلم - تخالف في ذلك، ومن المعلوم أيضا أن الإدراكات النظرية لها مبادئ يُنطلق منها لإدراكها وهي العلوم الضرورية، ولا يخفى عليك - إن شاء الله - أن التصورات منقسمة إلى تصورات ضرورية حاصلة في قلوبنا اضطرارا، وإلى تصورات نظرية تدرك عادة بالتعريفات بحسب الطاقة، وعليه فالبحث في التعريفات لتحصيل التصورات النظرية أمر لا مفر منه إذا أردنا تحصيل المعارف، واشدد عضدك بهذه الدقائق فسنحتاجها لدفع شبهة الدور التي أوردتها يا أخي الفاضل...

    فقولك: (المذكور) إشارة إلى شيء مجهول. إلخ
    أقول: التعريف الذي ذكرتُه قد جلب فوائد زائدة على مجرد العلم الذي يعتبر ضروري الإدراك، فنحن انطلقنا من لفظ العلم الذي مسماه حاصل ضرورة في القلوب لنحصل به معارف أخرى، منها أنه صفة وجودية، ومنها أنه يقوم بالذات العالمة، ومنها أنه يكشف ويجلي كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، واختيار لفظ المذكور عدول عن لفظ المعلوم لاستبعاد إيهام الدور، وإلا فالدور منكسر لكون جزء المعرف - بالفتح - هنا - وهو إدراك مسمى العلم بديهة - حاصل في القلب ضرورة، والمذكور يتناول الموجود والمعدوم والكلي و الجزئي والمفرد والمركب والواجب والممكن والمستحيل ... فناسب إيراده في التعريف،
    والحاصل أن الدور غير وارد إلا إذا توقف إداك جميع حقائق المعرف - بالفتح - على المعرف - بالكسر -، وهذا غير لازم هنا لأن بعض حقائق المعرف - بالفتح - مدركة بالضرورة فانكسر الدور، وصار المعرف - بالكسر - محصلا لحقائق أخرى متعلقة بالمعرف - بالفتح - المدرك ضرورة.. فتأمل وتفكر

    وذيل المبحث طويل.. ونيله ليس بالقليل

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    أخي الكريم
    أنا لا أنازعك في فوائد التعريفات والحدود، ولكن أنازعك في أنها هل تفيد شيئا جديدا؟
    فمن المستحيل أن يفيدك تعريف المحدود شيئا لم تكن تعرفه؛ لأن تعريفك له مبني أصلا على معرفتك به، فإذا أفادك الحد شيئا لم تكن تعرفه أدى ذلك إلى تأثير النتيجة في السبب، أو المعلول في علته، وهو محال.

    وأما قولك إن العلم أصلا ضروري لا يحتاج لتعريف، فلا يخفى عليك أن هذا شيء قد اختلفوا فيه، بل بعضهم قال: إنه لا يمكن حده أصلا، وبغض النظر عن اختلافهم، فهذا الاختلاف لم يفدنا شيئا جديدا، وكل من يذهب إلى مذهب معين في تعريفه العلم لم يستفد شيئا جديدا بخلاف ما كان يعلمه.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبيدة الهاني مشاهدة المشاركة
    أخي أبو حماد، رضي الله عنه،
    الحكم على الشيء ردا أو قبولا، فرع عن كونه معقولا. فصحة الأحكام التي طولبنا شرعا بإسنادها إلى موضوعاتها مترتب على دقة تصورنا للمحكوم عليه والمحكوم به،
    فهل تعرف طريقا لتحصيل تلك المدراكات التصورية - بعد تحصيل بعضها بالعلوم الضرورية - غير التعريفات التي ترسم المعاني في القلوب؟؟
    يا أخي الكريم عجبا لك !!
    ترتب الشيء على الشيء معناه أنه لا يمكن تحصيله ولا العمل به إلا بعد تحصيل ما هو مترتب عليه، وهذا غير صحيح بالاتفاق هنا، وذلك من أوجه:
    الأول: أنه لو كان متوقفا عليه لكان هذا الحد واجب المعرفة على كل من أراد أن يعمل بالمحدود، وذلك غير صحيح بالاتفاق، فإن المصلي لا يجب عليه اتفاقا معرفة حد الصلاة، والمزكي لا يجب عليه اتفاقا معرفة حد الزكاة، والحاج لا يجب عليه اتفاقا معرفة حد الحج.
    بل إن الفقيه أو المجتهد لا يلزمه اتفاقا أن يعرف حد هذه الأشياء، بل يكفيه أن يعرف لوازمها وعوارضها، وهذا لا يستلزم علمه بالحد اتفاقا.
    الثاني: أن ذلك لو كان متوقفا عليها لكان من أوجب الواجبات، ولكان أكثر إيجابا من الواجبات نفسها، ولكان بيان ذلك لازما للشارع، وهذا باطل بالاتفاق.
    الثالث: أن الناس قديما وحديثا يكتفون بالتعريف بالمثال، وهذا أمر مشهور معروف في جميع الأمم والعصور، ولا يشترط أحد منهم معرفة الحد في صحة التصور، فالعرب في الجاهلية لم يكونوا يعرفون هذه الحدود لشيء من الأشياء إطلاقا، وكذلك لم يشتهر ذلك عن أمة من الأمم بخلاف اليونان، وحتى اليونان متنازعون متناقضون في كثير من حدودهم وتعريفاتهم.
    والصحابة رضوان الله عليهم لم يرد عن أحد منهم مطلقا أنه ألزم الناس معرفة الحد، ولا جاء عن أحد منهم أنه لا يمكن معرفة الأشياء إلا بعد تصورها بالحدود، وإنما كانوا يكتفون بالتصور الجزئي الذي يفرق بين الأشياء تفريقا كافيا للتمييز بين المشكلات، ولذلك اشتهر عنهم كثيرا تعريفهم للأشياء بالتمثيل والتقريب وإن لم يكن على نمط الحد المنطقي، وهذا أمر مشهور متواتر عنهم لا ينازع فيه أحد، وقد نبه عليه غير واحد من أهل العلم من المفسرين والمتكلمين والفقهاء.
    الرابع: أن المحدود لو كان لا يتصور إلا بالحد لكان تصور المحدود متوقفا على تصور الحد، ولكن تصور الحد أصلا لا يمكن أن يحصل إلا بتصور المحدود، وهذا يؤدي إلى دور، وهو باطل.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبيدة الهاني مشاهدة المشاركة
    ولا يخفى عليك - إن شاء الله - أن التصورات منقسمة إلى تصورات ضرورية حاصلة في قلوبنا اضطرارا، وإلى تصورات نظرية تدرك عادة بالتعريفات بحسب الطاقة، وعليه فالبحث في التعريفات لتحصيل التصورات النظرية أمر لا مفر منه إذا أردنا تحصيل المعارف، واشدد عضدك بهذه الدقائق فسنحتاجها لدفع شبهة الدور التي أوردتها يا أخي الفاضل...
    لعلك تقصد ( وإلى تصورات نظرية تدرك بدقيق الفكر بحسب الطاقة )، ولا أظنك تعني المرقوم بالزرقة؛ لأن تصورنا للشيء لو كان متوقفا على تعريفه، فإما أن نقول: إن هذا التعريف وضعناه نحن وإما أن نقول وضعه غيرنا، لا يصح أن نقول وضعناه نحن؛ لأننا لا نستطيع أن نضع التعريف إلا بناء على حصول التصور ابتداء، ونحن جعلنا التصور متوقفا على التعريف فلا يصح.
    وإن قلنا إن هذا التعريف وضعه غيرنا، فهذا الواضع كيف تصور هذا الشيء؟ إما أن يكون تصوره بنفسه وحينئذ يبطل توقف التصور على التعريف وإما أن يكون نقله عن غيره، فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل.

    فإذا ثبت أنك تريد المرقوم بالحمرة فحينئذ نقول:
    لا يخلو التعريف المبني على دقيق الفكر أن يكون (مبنيا على مقدمات بدهية، أو مقدمات برهانية عقلية قطعية، أو مقدمات سمعية نقلية)
    أو أن يكون (مبنيا على توهمات أو ظنون جدلية خطابية غير يقينية أو أمور اصطلاحية)
    فإن كان الأول فهو نتيجة صحيحة مبنية على مقدمات صحيحة، ومع ذلك فلا يتوقف إدراك الشيء أو تصوره عليها؛ لأن الذي استخرج الحد بدقيق فكره تصور المحدود قبل أن يضع الحد، والفائدة التي حصل عليها من بعده هي تيسير الأمر عليهم بدلا من كد الذهن في استخراج ما استخرجوه.
    وإن كان الثاني فهو خاص بمن وضعه لا يلزم غيره، ولا يتوقف عليه تصور شيء من الأشياء.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    ولكي يكون نقاشنا عمليا مفيدا فالأفضل أن تذكر لنا أخي الكريم شيئا يتوقف تصوره على معرفة الحد ثم نتناقش فيه.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  11. #11

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي مشاهدة المشاركة
    أخي الكريم
    أنا لا أنازعك في فوائد التعريفات والحدود، ولكن أنازعك في أنها هل تفيد شيئا جديدا؟
    فمن المستحيل أن يفيدك تعريف المحدود شيئا لم تكن تعرفه؛ لأن تعريفك له مبني أصلا على معرفتك به، فإذا أفادك الحد شيئا لم تكن تعرفه أدى ذلك إلى تأثير النتيجة في السبب، أو المعلول في علته، وهو محال.
    أخي الكريم مالك...
    أقول لك: هذا هو محل النزاع! وهو: هل تفيد التعريفات والحدود معرفة جديدة أم لا؟
    خلاصة كلامك مبنية على أن التصوات كلها ضرورية، فلا يفيد التعريف معرفة كانت مفقودة.. وهذا خلاف التحقيق قطعا! ومعلوم أن الذي أيد هذا الرأي هو الفخر الرازي حيث استدل على ذلك بأن المطلوب معرفته بالتعريف إما مشعور به فطلبه تحصيل للحاصل ، وإما غير مشعور به فالتوجه لطلبه متعذر، ومعلوم أنه رجع في "المعالم الدينية" مثلا عن ذلك واقتفى أثر التحقيق وهو أن الشيء يمكن أن يكون مشعورا به من وجه دون وجه، فيكون القول الشارح أو المعرف بغض النظر عن درجته من حد تام أو ناقص إلخ كاشفا عن باقي الوجوه أو بعضها، فتكون الأحكام المبنية على تمام التصورات أصح.. ولا نزاع في ذلك.
    والعجيب أنك أخي الكريم تستعمل في ردودك علي مصطلحات ليست معرفتها بديهية قطعا، كما أن حصولها في الأذهان صعب إلا بتعريفها تعريفا صحيحا، وإذا خضت في تعريفها لتبين للقارئ مرادك باستعمالها فلن تستطيع إلى ذلك سبيلا إلا بسلوك قسم من أقسام التعريفات، فأين المفر من التدقيق في التعريفات؟؟
    فقد ذكرت:
    - الدور.
    -التسلسل.
    - العلة.
    - المعلول.
    وغيرها...
    وإذا قلنا بأن معاني هذه المصطلحات حاصلة بديهة في الأذهان فقد نكون جانبنا الصواب بلا شك... وأنت خبير بأن التسلسل مثلا اختلف فيه الناس بين مجوز له وبين محيل، ولو كان حصوله بديهي في العقل أو متوقف فقط على تعريف لفظي تنبيهي على معرفته لما اختلف في حكمه.. وقس على ذلك من الأمثلة الكثير..
    فنعود ونقول: إن الحكم فرع عن التصور، والتصوات منقسمة إلى بديهية ضرورية تحصل في النفس بلا سبب من نظر أو غيره، ومنها ما يحصل بمجرد الالتفات بتنبيه بلفظ مشهور أو غيره، ومنها ما يكتسب معرفتها بببحث عن ذاتياتها وفصولها وخواصها وترتيبها على نحو يجلي المتصور في الذهن ليكون الحكم عليه بسلب أو إيجاب أو نفي أو إثبات أو غير ذلك من الأحكام مطابقا للواقع..

    ملاحظة: لماذا التركيز في مداخلاتك على مصطلح الحد؟ مع أن الحدود بالمفهوم الاصطلاحي وهو جمع سائر ذاتيات المحدود وتحصيل كامل حقيقته في الذهن يكاد يكون متعذرا، والأحكام غير متوقفة عليها فضلا عن تطبيق الأحكام الشرعية! ثم لم أسمع بمن قال بذلك - وهو توقيف تطبيق الأحكام الشرعية على معرفة "الحدود!" ، فمن قال بذلك؟؟!!

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبيدة الهاني مشاهدة المشاركة
    أخي الكريم مالك...
    أقول لك: هذا هو محل النزاع! وهو: هل تفيد التعريفات والحدود معرفة جديدة أم لا؟
    خلاصة كلامك مبنية على أن التصوات كلها ضرورية، فلا يفيد التعريف معرفة كانت مفقودة.. وهذا خلاف التحقيق قطعا!
    أخي الفاضل، أشعر أننا قد اقتربنا من نقطة توافق إن شاء الله تعالى
    وأنا لم أقل مطلقا إن التصورات كلها ضرورية، فهذا عند النظر لا يمكن أن يستقيم على ساق، وإلا كان الناس جميعا مستوين في التصور، وهذا لا يقوله عاقل.

    ولكن الذي أقوله: إن التصورات الموضوعة قد تفيد شيئا لغير من وضعها، ولكن هذا الشيء يُعلم تقليدا حتى يقف سامعه على الدليل الذي استند إليه واضعه فيه.

    أما أن يكون الحد أو التصور نفسه دليلا على حجية شيء ما، فهذا هو ما أنازعك فيه.

    فأنا لا أنازعك في أن وضع العالم لتعريف معين أو حد معين لشيء معين مفيد لطلبة العلم في ذلك بأن ييسر عليهم تصور هذا الشيء الذي أتعب العالم فكره فيه حتى وضع لهم حده أو تعريفه.

    ولكن ما أنازعك فيه هو في كون هذا التعريف أو الحد يمكن الاستناد إليه في الاستدلال على مسألة خلافية؛ فالمقصود أن الحد أو التعريف يستدل عليه لا يستدل به، فهذه هي النقطة التي أناقشك فيها.
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •