تجب الزكاة في خمسة أشياء:
1- بَهِيمَةُ الْأَنْعَامٍ:فتجب الزكاة في بهيمة الأنعام؛ وبهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم.
والإبل تشمل العِراب والبَخاتي([1]).
جاء في ((حاشية الروض المربع)): ((وأجمعوا على أن البَخاتي والعراب، والذكور والإناث في ذلك سواء))([2]).
وأما البقر فيشمل البقر، والجواميس.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أنَّ حكم الجواميس حكم البقر))([3]).
والغنم تشمل الماعز والضأن.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الضان والمعز يُجمعان في الصدقة))([4]).
ودليل وجوب زكاة بهيمة الأنعام السُّنَّة والإجماع:
فأما السُّنَّة: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا...» الحديث.
وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ... الحديث، وذكر فيه أنصبةَ بهيمة الأنعام([5]).
وأما الإجماع: فقد قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على وجوب الصدقة في: الإبل، والبقر، والغنم))([6]).
2- الأثمان: وهو الذهب والفضة وما يقوم مقامهما مِنَ العملات المستعملة بين الناس.
وزكاة الأثمان واجبة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع:
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35].
وأما السُّنَّة: فحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»([7]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْه ِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ»([8]).
وأما الإجماع: فقال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أنَّ الذهب إذا كان عشرين مثقالًا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه))([9]).
3- عُرُوضُ التِّجَارَةِ: وعُروض التجارة كُلُّ ما أُعِدَّ للتجارة والبيع والشراء مِنْ أجل الربح؛ كالثياب والعقارات والحيوانات.
فعروض التجارة لا تختص بمال معين؛ بل هي كلُّ ما أُعِدَّ للتجارة من أي نوع، ومن أي صنف كان.
ودليل وجوب زكاة عروض التجارة الكتاب والسُّنَّة والإجماع:
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267].
وأما السُّنَّة: فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
وأما الإجماع: فقد قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عليها الحول))([10]).
4- المعدن والركاز:
أولًا: المعدن: وهو كل ما خرج من الأرض، مما يُخلق فيها من غيرها مما له قيمة؛ من الحديد، والياقوت، والزبرجد، والبلور، والكحل؛ وكذلك المعادن الجارية؛ كالقار، والنفط، والكبريت، ونحو ذلك.
واشتقاق المعدن من عَدَنَ في المكان، يعدن: إذا أقام به؛ ومنه سُمِّيت جنة عدن، لأنها دار إقامة.
ودليل وجوب الزكاة في المعدن عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].
ثانيًا: الركاز: قال ابن قدامة رحمه الله: ((الرِّكَازُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْخُمْسِ مَا كَانَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ ؛ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِأَنْ تُرَى عَلَيْهِ عَلَامَاتُهُمْ، كَأَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ، وَصُوَرِهِمْ وَصُلُبِهِمْ، وَصُوَرِ أَصْنَامِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ، أَوْ اسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَالٍ لَهُمْ، أَوْ آيَةٌ مِنْ قُرْآنِ أَوَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهُوَ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْهُ؛ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْكُفْرِ، فَكَذَلِكَ [هُوَ لُقَطَةٌ]، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَارَ إلَى مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ مَا عَلَى جَمِيعِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ)) اهـ([11]).
وسُمِّي ركازًا لأنَّ صاحبه ركزه في الأرض؛ أي: أثبته.
وزكاة الركاز واجبة بالسُّنَّة والإجماع:
فأما السُّنَّة: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ»([12]).
وأما الإجماع: فقد قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَالْأَصْلُ فِي صَدَقَةِ الرِّكَازِ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَيْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ، إلَّا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَأَرْضِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: فِيمَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ الْخُمْسُ، وَفِيمَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ الزَّكَاةُ))اهـ([13]).
5- الثِّمَارِ: ودليل وجوب زكاة الثمار الكتاب والسُّنَّة والإجماع:
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].
وأما السُّنَّة: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»([14]).
وأما الإجماع: فقد قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الصدقة واجبة في: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب))([15]).
[1])) البخاتي: جمع بُختيّ؛ وهي إبل غِلَاظ طوال الأعناق ذَاتُ سنَامَيْنِ. انظر: ((مشارق الأنوار على صحيح الآثار)) (1/ 79).
[2])) ((حاشية الروض المربع)) (3/ 186).
[3])) ((الإجماع)) (ص45).
[4])) السابق.
[5])) أخرجه البخاري (1454)، وسيأتي بتمامه إن شاء الله.
[6])) ((الإجماع)) (ص45).
[7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1402)، ومسلم (987)، واللفظ له.
[8])) أخرجه البخاري (1403).
[9])) ((الإجماع)) (ص46).
[10])) ((الإجماع)) (ص48).
[11])) ((المغني)) (3/ 48).
[12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710).
[13])) ((المغني)) (3/ 48)، وانظر: ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (3/ 47).
[14])) أخرجه البخاري (1483).
[15])) ((الإجماع)) (ص45).