تفضيل بعض القرآن على بعض
في قراءتنا شرح النووي لصحيح مسلم بلغنا فضائل بعض السور، ثم أورد حديث أبي المنذر، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم : «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال صلى الله عليه وسلم : «والله ليهنك العلم أبا المنذر» (ليهنك العلم، أي: ليكن العلم هنيئا لك) مسلم.
بعد أن خرجنا من المسجد، سألني صاحبي.
- ألا يمكن أن نستشهد بقول الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو نُفْسِها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} (البقرة: 106)؟
- في التفسير أن الله ينسخ ما يشاء من الآيات والأحكام، والآية الناسخة خير من المنسوخة، إما بالتخفيف أو بزيادة الأجر، ومع ذلك فإن الحديث الصحيح يثبت أن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي المنذر، وكذلك في البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأنه يتقالها (يعتبرها قليلة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».
قاطعني.
- هل يجوز لي أن أقرأ الإخلاص ثلاث مرات وأقول إني ختمت القرآن؟
- كلا، لا تعتبر أنك ختمت القرآن مع أن لك أجر ختمه من حيث الأصل، ففي الحديث عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟» قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال صلى الله عليه وسلم : «قل هو الله أحد يعدل ثلث القرآن» (مسلم)، ولكن الذي يختم القرآن كله لاشك أن أجره أعظم.
قاطعني، وكأنه يسمع شيئاً جديداً.
- توقف هنا، ماذا تعني أن لي أجر ختمه، ولكن أجر من يختم المصحف أعظم؟!
- قلت لك أجر ختمه من حيث الأصل وليس لك في المضاعفات، ونحن نعلم أن الحسنات لها مضاعفات، فإذا أنفقت ديناراً ستنال أجرك بالمضاعفات - إن شاء الله - كأنك أنفقت (700) دينار وأقله يكون لك أجر كأنك أنفقت (10) دنانير، وهكذا مثلاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «من صل صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة» وفي رواية: «تامة.. تامة.. تامة» (صحيح الترغيب والترهيب)، فهذا له أصل أجر من حج واعتمر، ولكن دون شك من ذهب حقيقة ببدنه وبذل ماله وتعب لأداء الحج والعمرة له أصل الأجر ومضاعفات كثيرة لا يعلمها إلا الله فأجره دون شك أعظم ممن جلس في المسجد بعد صلاة الصبح، ثم صلى بعد طلوع الشمس، والمسلم يسأل الله مضاعفات الأجر؛ وذلك أن الحسنات تضاعف.
ولذلك قال العلماء: هلك من غلبت آحاده عشراته، أي سيئاته حسناته؛ وذلك أن السيئات آحاد، والحسنات عشرات على أقل تضعيف.
- لأول مرة أعرف هذا الأصل، ولنرجع إلى موضوعنا في تفضيل بعد الآيات والسور على بعض!
- عموما الآيات التي تتعلق بالله سبحانه وتعالى أسمائه وصفاته والتوحيد والعبودية لله وحده، أعظم ثوابا من تلك التي تخبر عن أحكام الوضوء والطلاق والميراث وغيرها.
قال العلماء: إن القرآن إما أخبار وإما أحكام وإما صفات الله ووحدانيته، فهو ثلاثة أثلاث، وسورة الإخلاص عدلت ثلث القرآن لأنها كلها عن وحدانية الله عز وجل.
- هل سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن؟!
- في الحديث عن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه- قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال صلى الله عليه وسلم : «ألم يقل الله تعالى استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم»، ثم قال: «لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» فأخذ بيدي فلما أردنا أن تخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» (رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه).
اعداد: د. أمير الحداد