تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 91

الموضوع: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)


    العناصر:
    اسمه ونسبه
    مولده ونشأته
    سبقه إلى الإسلام
    مشاهده وجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده
    علمه وفقهه
    إمامته وتعليمه
    بعثته إلى اليمن
    سماحته وورعه
    صفاته وشمائله
    بعض أخباره
    مناقبه وفضائله
    استفاضة ثناء علماء الصحابة والتابعين عليه
    مواعظه ووصاياه
    وفاته
    رواة التفسير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
    مما روي عنه في التفسير



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)



    اسمه ونسبه:
    هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُدَي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.
    ذكر نسبه الكلبي، وابن إسحاق، وخليفة بن خياط، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم، ومنهم من لا يذكر أوساً، ومنهم وقع في الرواية عنه تصحيف، ووقع في بعض كتب الأنساب والتراجم خلاف في جرّ نسبه، لكن المعتمد وهو قول جمهورهم أنه من بني أديّ بن سعد بن علي، من الخزرج.
    -قال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة: (معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن غنم بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، وكان في بني سلمة). رواه الحاكم في المستدرك.
    قوله: (ابن غنم) هذا تصحيف، وصوابه: (ابن أُدَيّ).
    - وقال خليفة بن خياط: (معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُدَي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم).
    - وقال يعقوب بن سفيان: (معاذ بن جبل بن عمرو بن عائذ بن عدي بن كعب بن أُدَي بن سعد بن علي ابن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، عقبي بدري).
    -وقال إبراهيم الحزامي: حدثني محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: «معاذ بن جبل بن عمرو أحد بني سَلِمَة بن الخزرج، يكنى أبا عبد الرحمن». رواه الحاكم في المستدرك.
    قلت: قوله: (أحد بني سلمة) فيه تجوّز، فسلمة وأدي أخوان، وهما ابنا سعد بن علي بن أسد، لكن كان بنو أُدي بطن قليل العدد، ويجمعهم مع أبناء عمومتهم منازل متقاربة، وكان معاذ بن جبل يؤمّهم في الصلاة.
    - وقال ابن إسحاق: (وإنما ادّعته بنو سلِمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة لأمّه).
    - وقال ابن سعد: (وأخوه لأمّه عبد الله بن الجدّ بن قيس من أهل بدر).
    فالأقرب أن يكون زوج أمّه الجدّ بن قيس.
    - وقال خليفة بن خياط: (أمّه هند بنت سهل من بني رفاعة من جهينة).
    ولمعاذ أخت اسمها الصعبة بنت جبل، ذكرها ابن سعد في المبايعات.


    مولده ونشأته
    ولد معاذ قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبع سنين على أرجح الأقوال، ونشأ في المدينة على قلّة في خاصة قومه بني أُدي بن سعد، وكانت الكثرة لأبناء أعمامهم من بني سلمة بن سعد، رهط البراء بن معرور، وأبي اليَسَر، وكعب بن مالك، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، رضي الله عنهم.
    ولم أجد لجَبلٍ والد معاذ ذكراً في كتب السير والأخبار، ولعله مات قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.


    سبقه إلى الإسلام
    كان معاذ بن جبل من السابقين الأولين إلى الإسلام من الأنصار، أسلم مع أوّل من أسلم منهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو شابّ حدَث السنّ، وكان ممن يكسر أصنام قومه.
    - قال ابن إسحاق: (والذين كسروا آلهة بني سلمة: معاذ بن جبل، وعبد الله بن أنيس، وثعلبة بن غنمة، وهم في بني سواد بن غنم).
    - قال ابن هشام: (وإنما نسب ابنُ إسحاق معاذ بن جبل في بني سواد، وليس منهم، لأنه فيهم).
    قلت: أي نشأ فيهم، وهم قرابته.
    - وقال ابن سعد: (وكان معاذ بن جبل لما أسلم يكسر أصنام بني سلمة هو وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن أنيس).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)



    مشاهده وجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده
    شهد معاذ بيعة العقبة الثانية وهو ابن ثمان عشرة سنة، ثم شهد بدراً وهو ابن عشرين سنة أو إحدى وعشرين، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك إلى اليمن معلّماً وقاضياً وأميراً؛ فمكث فيها إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعث إلى أبي بكر يستأذنه في الرجوع؛ فأذن له؛ فمكث في المدينة مدة يسيرة ثم خرج إلى الجهاد في الشام والتعليم والقضاء فيها، وبقي فيها إلى أن مات في طاعون عَمَواس.


    علمه وفقهه
    أوتي معاذ بن جبل قلباً واعياً، ونفساً زكية، وخلقاً سمحاً، وهمّة عالية، ونهمة في طلب العلم، وحرصاً على أبواب الخير، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان أحرص ما يكون على قراءة القرآن؛ فقرأ على ابن مسعود في أوّل الأمر حتى حذق ما لديه، ثمّ قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع القرآن في عهده، وكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
    - قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: (جاء معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقرئني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرئه»، فأقرأته ما كان معي، ثم اختلفت أنا وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه معاذ، فكان معلّما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي شيبة.
    -وقال شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي)متفق عليه.
    - وقال إبراهيم النخعي، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ، ومعاذ بن جبل». رواه البخاري.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمّ قومه». رواه البخاري، ورواه مسلم من طريق منصور بن المعتمر عن عمرو عن جابر أنَّ معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة.
    - وقال زائدة الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((كيف تقول في الصلاة؟))
    قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حولها ندندن)). رواه أحمد وأبو داوود، ورواه ابن ماجه، وابن خزيمة وغيرهما من طريق جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
    قال ابن خزيمة: (الدندنة الكلام الذي لا يفهم).
    - وقال معمر، عن عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويبعدني عن النار.
    قال: « لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت».
    ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى {يعملون}.
    ثم قال: « ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟».
    قلت: بلى يا رسول الله!
    قال: « رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد».
    ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟!».
    قلت: بلى يا رسول الله!
    فأخذ بلسانه فقال: «كفَّ عليك هذا».
    قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟!!
    قال: « ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟ ». رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في الكبرى.
    وقد رواه أحمد أيضاً وغيره من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عروة بن النزال وعن ميمون بن أبي شبيب، والحديث صحيح بمجموع هذه الطرق.
    - وقال حرملة بن عمران التجيبي، عن أبي السِّمط سعيد بن أبي سعيد المهري، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصني؟
    قال: (( اعبد الله ولا تشرك به شيئاً )).
    قال: يا نبي الله زدني؟
    قال: (( إذا أسأت فأحسن )).
    قال: يا نبي الله زدني؟
    قال: (( استقم وأحسن خلقك للناس)). رواه يعقوب بن سفيان، وابن حبان، والطبراني، والحاكم في المستدرك.


    إمامته وتعليمه
    انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً لتعليم القرآن والتفقيه في شرائع الدين، فعلّم في المدينة، وفي مكة بعد الفتح، وفي اليمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليها معلّماً قاضياً وأميراً، ثمّ عاد إلى المدينة في خلافة أبي بكر، ثمّ انتدبه عمر إلى حمص وفلسطين ليقرئ أهلها ويعلّمهم؛ فعلّم في حمص حتى رضي، ثم انتقل إلى فلسطين؛ فبقي فيها معلّماً حتى مات في طاعون عمواس سنة 18هـ وهو ابن ثمانية وثلاثين.
    -قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف معاذ بن جبل رضي الله عنه على أهل مكة حين خرج إلى حنين، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس القرآن وأن يفقههم في الدين، ثم صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامدا إلى المدينة، وخلف معاذ بن جبل على أهل مكة». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: (يا بني أود! إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تعلمون أن المعاد إلى الله عز وجل، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وإقامة لا ظعن، وخلود لا موت، في أجساد لا تموت). رواه الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في البعث والنشور.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)




    بعثته إلى اليمن
    - قال يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب». رواه البخاري.
    - وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن، فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا».
    فقال أبو موسى: يا نبي الله إنَّ أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع.
    فقال: «كل مسكر حرام».
    فانطلقا؛ فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟
    قال: قائماً وقاعداً وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوّقاً.
    قال: (أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي).
    وضرب فسطاطا، فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: (لأضربن عنقه). رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني أنَّ معاذاً لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: (( يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمرَّ بمسجدي وقبري))
    فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تبك يا معاذ، البكاء، أو إن البكاء من الشيطان )). رواه أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى.
    قال البيهقي: (وهذا في بعثته الثانية).
    - وقال أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي: حدثنا أبو معاوية شيبان، عن أشعث، عن الأسود بن يزيد، قال: (أتانا معاذ بن جبل باليمن معلّماً وأميراً؛ فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف والأخت النصف). رواه البخاري.
    - وقال الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلينا، قال: فسمعت تكبيرةً مع الفجر لرجلٍ أجشّ الصوت.
    قال: فألقيت عليه محبَّتي.
    قال: (فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتاً، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في السنن الكبرى.


    سماحته وورعه
    - قال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رجلاً سمحاً شاباً جميلاً من أفضل شباب قومه، وكان لا يمسكُ شيئاً؛ فلم يزل يدّان حتى أغلق ماله كله من الدين، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلب إليه أن يسأل غرماءَه أن يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لأحد من أجل أحد، تركوا لمعاذ بن جبل من أجل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فباع النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ ماله في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليجبره؛ فمكث معاذ باليمن وكان أوَّل من اتّجر في مال الله هو، ومكث حتى أصاب، وحتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قبض قال عمر لأبي بكر: (أرسل إلى هذا الرجل، فدع له ما يعيّشه، وخذ سائره منه).
    فقال أبو بكر: (إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبره، ولست بآخذٍ منه شيئاً إلا أن يعطيني).
    فانطلق عمر إلى معاذ إذ لم يطعه أبو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال معاذ: (إنما أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني، ولست بفاعلٍ).
    ثم لقي معاذ عمر فقال: (قد أطعتك، وأنا فاعل ما أمرتني به، إني أريت في المنام أني في حومة ماء، قد خشيت الغرق، فخلصتني منه يا عمر).
    فأتى معاذٌ أبا بكر فذكر ذلك له، وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً حتى بيَّن له سوطه.
    فقال أبو بكر: (لا والله لا آخذه منك، قد وهبته لك).
    قال عمر: (هذا حين طاب وحلَّ).
    قال: (فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في دلائل النبوة.
    وأما قوله: (حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً) إن كانت هذه العبارة محفوظة ففيها تجوّز؛ لأنه ثبت شهوده لغزوة تبوك، وإنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك البعثة الأولى وذلك عام تسع للهجرة، ثم بعثه ثانية بعد ذلك بعام.
    - وقال عبيد بن غنام بن حفص بن غياث النخعي: حدثني أبي، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل أبو بكر رضي الله عنهما عمر على الموسم، فلقي معاذاً بمكة ومعه رقيق، فقال: ما هؤلاء؟
    فقال: «هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر».
    فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر.
    قال: فلقيه من الغد، فقال: «يا ابن الخطاب، لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، وما أراني إلا مطيعك».
    قال: فأتى بهم أبا بكر، فقال: «هؤلاء أُهْدوا لي وهؤلاء لك».
    قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك، فخرج معاذ إلى الصلاة، فإذا هم يصلون خلفه، فقال معاذ: «لمن تصلون؟»
    قالوا: لله عز وجل.
    فقال: «فأنتم له، فأعتقهم». رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في دلائل النبوة.
    وروى ابن سعد والحاكم أيضاً نحوه من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش، عن شقيق.
    - وقال أبو إسحاق السبيعي، عن سعيد بن وهب الخيواني قال: جلب أعرابيٌّ غنماً فمرَّ به معاذ بن جبل فساومه، فحلف الأعرابي أن لا يبيعه بذلك، ثم مرَّ به الأعرابي بعد ذلك، فقال لمعاذ: هل لك فيها؟
    قال: «بكم؟»
    قال: بالثمن الذي أعطيتني.
    فقال معاذ: « ما كنت لأوثمك ». رواه عبد الرزاق.


    صفاته وشمائله
    - قال جعفر بن برقان الكلابي: أخبرنا حبيب بن أبي مرزوق، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي مسلم الخولاني قال: دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من أصحاب النبي عليه السلام، وإذا فيهم شاب أكحل العينين، برّاق الثنايا، ساكت لا يتكلم، فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه.
    فقلت لجليس لي: من هذا؟
    قال: (معاذ بن جبل). رواه ابن سعد، وابن عساكر، وزاد: (فوقع له في نفسي حبّ؛ فكنت معهم حتى تفرّقوا، ثم هجَّرتُ إلى المسجد؛ فإذا معاذ بن جبل قائمٌ يصلّي إلى سارية؛ فسكتّ لا يكلمني؛ فصليت ثم جلست بيني وبينه السارية؛ فاحتبيت بردائي، ثم جلس فسكت، لا يكلمني، وسكت لا أكلمه، ثم قلت: (والله إني لأحبك).
    قال: (فيم تحبني؟).
    قال: قلت: (في الله).
    قال: فأخذ بحبوتي؛ فجرَّني إليه هنية ثم قال: (أبشر إن كنت صادقاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء)).
    قال: فخرجت فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: يا أبا الوليد ألا أحدثك بما حدثني به معاذ بن جبل في المتحابين؟!
    قال: فأنا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى الربّ تعالى قال: [حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتواصلين في].
    ورواه أحمد وابن حبان بنحوه من طريق أبي المليح الرقي عن حبيب بن أبي مرزوق به.
    -وقال أبو حازم بن دينار، عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجّرتُ فوجدتُه قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي.
    قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله
    إني لأحبك لله
    فقال: أالله؟
    فقلت: أالله.
    فقال: أالله؟
    فقلت: أالله.
    فقال: أالله؟
    فقلت: أالله.
    قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ)). رواه مالك في الموطأ، وأحمد في المسند، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان.
    قلت: كان عمر أبي إدريس الخولاني عشر سنين حين رآه، وذلك أنه ولد عام حنين.
    - وقال ابن وهب: أخبرني مالك بن أنس، عن أبي حازم بن دينار، عن أبي إدريس الخولاني قال: (دخلت مسجد دمشق فإذا أنا برجل براق الثنايا، طويل الصمت، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل: معاذ بن جبل رضي الله عنه). رواه الحاكم في المستدرك.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)




    بعض أخباره
    - وقال عبد المؤمن بن خالد الحنفي: حدثنا عبد الله بن بريدة الأسلمي، عن أبي الأسود الديلي، قال: قلت لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: حدثني عن قصة الشيطان حين أخذته، فقال: جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقة المسلمين فجعلت الثمر في غرفة، فوجدت فيه نقصانا، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا الشيطان يأخذه» قال: فدخلت الغرفة فأغلقت الباب علي فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب، ثم تصور في صورة فيل، ثم تصور في صورة أخرى، فدخل من شق الباب فشددت إزاري علي فجعل يأكل من التمر، قال: فوثبت إليه فضبطته فالتقت يداي عليه فقلت: يا عدو الله، فقال: خل عني فإني كبير ذو عيال كثير وأنا فقير وأنا من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل أن يبعث صاحبكم، فلما بعث أخرجنا عنها فخل عني، فلن أعود إليك فخليت عنه، وجاء جبريل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فنادى مناديه أين معاذ بن جبل، فقمت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك يا معاذ؟» فأخبرته فقال: «أما إنه سيعود» فعاد، قال: فدخلت الغرفة، وأغلقت علي الباب فدخل من شق الباب، فجعل يأكل من التمر فصنعت به كما صنعت في المرة الأولى، فقال: خل عني فإني لن أعود إليك، فقلت: يا عدو الله ألم تقل: لا أعود؟ قال: فإني لن أعود وآية ذلك علي أن لا يقرأ أحد منكم خاتمة البقرة فيدخل أحد منا في بيته تلك الليلة). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان، قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك، يحدث حين تخلَّف عن قصة تبوك ؛ فذكر الحديث بطوله، وفيه: قال كعب: ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك؛ فقال: وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب؟»
    فقال رجل من بني سلمة: (يا رسول الله! حبسه برداه، ونظره في عطفه).
    فقال معاذ بن جبل: (بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.
    - وقال معاذ بن هشام الدستوائي: حدثني أبي، حدثني القاسم بن عوف الشيباني قال: حدثنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسيسيهم وبطارقتهم، ورأى اليهود يسجدون لأحبارهم ورهبانهم وربانيهم وعلمائهم وفقهائهم، فقال: لأي شيء تفعلون هذا؟
    قالوا: هذه تحية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
    قلت: فنحن أحق أن نصنع بنبينا.
    فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم، لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها، ولا تجد امرأةٌ حلاوةَ الإيمان حتى تؤدّي حقَّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب». رواه الحاكم في المستدرك.
    ورواه بن ماجه وابن حبان والبيهقي بنحوه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى.
    ورواه البزار والطبراني في الكبير من طريق قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم.


    مناقبه وفضائله
    مناقب معاذ كثيرة جداً؛ فقد كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بيعة العقبة، وغزوة بدر، وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل كان من المعلّمين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر وعمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتدبه للتعليم والقضاء.
    وكان مع كلّ ذلك حسَن الخَلقِ والخُلُق، كريماً مفضالاً، وكان من أحبّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل حلف له أنّه يحبّه.
    -قال عقبة بن مسلم التجيبي: حدثني أبو عبد الرحمن الحبُلّي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال:(( يا معاذ! والله إني لأحبك )).
    فقال له معاذ: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك).
    قال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والنسائي في السنن الكبري.
    -وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( أرحم أمتي بأمّتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح).رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى.
    - وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، بئس الرجل فلان وفلان» حتى عدّ سبعة، رواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والنسائي في السنن والكبرى، وغيرهم.
    ورواه الحاكم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل به، وزاد قال عبد العزيز بن أبي حازم: (سبعة رجال سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمهم لنا سهيل).
    -وقال يحيى بن أبي عمرو السَّيباني عن أبي العَجْفَاء عن عمر بن الخطاب مرفوعاً:(يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة).رواه أبو نعيم وابن أبي عاصم، وروي من طرق أخرى يشدّ بعضها بعضاً، وفي لفظ: (( معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة )).
    والسيباني بالسين المهملة بطنٌ من حِمْيَر.
    واختلف في تفسير الرتوة؛ فقيل: هي الخطوة أو أقرب، وقيل: مقدار رمية بسهم، وقيل غير ذلك، والقول الأول أحظى بالشواهد.

    استفاضة ثناء علماء الصحابة والتابعين عليه
    - وقال موسى بن علي بن رباح اللخمي، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بالجابية فقال: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإنَّ الله تعالى جعلني خازناً». رواه سعيد بن منصور في سننه، والحاكم في مستدركه.
    - وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخرٍ أن زيد بن أسلم حدثه، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: «تمنوا».
    فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق.
    وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجوهراً؛ فأنفقه في سبيل الله وأتصدق.
    ثم قال عمر: «تمنوا».
    فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين!
    فقال عمر: «أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان». رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك.
    - قال شعبة بن الحجاج: حدثنا فراس [بن يحيى الهمداني] عن الشعبي عن مسروق قال: كنا عند بن مسعود فقرأ: (إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)
    فقال فروة بن نوفل: نسي.
    فقال عبد الله: (من نسي أنا كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام). رواه مسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة، والحاكم في مستدركه.
    - وقال سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعي، قال: كان عبد الله بن عمرو يقول: (حدثونا عن العاقِلَين).
    فيقال: من العاقلان؟
    فيقول: (معاذ وأبو الدرداء). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
    - وقال مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: (انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الستة: إلى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت). رواه الحاكم وابن عساكر.
    - وقال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا أبو مسهر، أخبرنا سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس، ثم كان بعد سعيد بن المسيب). رواه ابن عساكر.
    - قال الحافظ ابن عساكر: (كان ابن مسعود يسمّيه الأمة القانت، كان من أفضل شباب الأنصار حلماً وحياءً وبذلاً وسخاءً، وضيء الوجه، أكحل العينين، براق الثنايا، جميلاً وسيماً، أردفه النبي صلى الله عليه وسلم وراءه؛ فكان رديفه، وشيَّعه النبي صلى الله عليه وسلم ماشياً في مخرجه إلى اليمن وهو راكب، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عامله على اليمن، مات شهيداً بالشام في طاعون عمواس، لم يعقب).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)




    مواعظه ووصاياه

    لمعاذ بن جبل وصايا جليلة نافعة تدل على ما يكتنز وراءها من العلم والفهم والنصح، وسأذكر طائفة منها هنا وطائفة منها في خبر وفاته رضي الله عنه.
    - قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذا الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا!
    قال: أجلسوني.
    فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقولها ثلاث مرات فالتمسوا العلم عند أربعة رهط، عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» رواه أحمد، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، وأبو بشر الدولابي في الكنى، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم.
    وفي رواية: ((إنَّ العلمَ والإيمانَ مكانهما إلى يوم القيامة، ومَنِ ابتغاهما وَجَدَهما)).
    - وقال حماد بن سلمة: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن يزيد بن أبي عميرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (تكون فتن فيكثر فيها المال، ويفتح القرآن حتى يقرأ الرجل والمرأة والصغير والكبير والمنافق والمؤمن، فيقرأه الرجل فلا يتبع، فيقول: والله لأقرأنه علانية، فيقرأه علانية فلا يتبع، فيتخذ مسجداً، ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإياكم وإياه؛ فإنه بدعة وضلالة). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال ابن شهاب الزهري: حدثني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن يزيد بن عميرة - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - أخبره قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر حين يجلس إلا قال: «الله حكم قسط هلك المرتابون».
    فقال معاذ بن جبل يوماً: (إنَّ من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟!! ما هم بمتبعيّ حتى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنَّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنَّ الشيطانَ قد يقول كلمة الضلالةِ على لسانِ الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق).
    قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أنَّ الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟!
    قال: «بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟!! ولا يثنينّك ذلك عنه، فإنَّه لعله أن يراجع، وتلقَّ الحقَّ إذا سمعتَه فإنَّ على الحقِّ نوراً». رواه أبو داوود في سننه، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في السنن الكبرى من طرق عن الزهري.
    قال أبو داود: (قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: "ولا ينئينَّك ذلك عنه" مكان "يثنينك"، وقال صالح بن كيسان عن الزهري في هذا: "المشبهات" مكان "المشتهرات"، وقال: "لا يثنينك" كما قال عقيل، وقال ابن إسحاق عن الزهري قال: "بلى ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟!!").
    - وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو المغيرة الحمصي، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني عمرو بن قيس السكوني، قال: حدثني عاصم بن حميد قال: سمعت معاذاً يقول: (إنكم لن تروا من الدنيا إلا بلاء وفتنة، ولن يزداد الأمر إلا شدة، ولن تروا من الأئمة إلا غلظة، ولن تروا أمراً يهولكم أو يشتدّ عليكم إلا حقَّره بعده ما هو أشد منه).
    قال أحمد بن حنبل: (اللهم رضينا . اللهم رضينا). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال محمد بن المبارك الصوري: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، حدثنا شيخ يكنى أبا عمرو، عن معاذ بن جبل، قال: (سيبلى القرآن في صدور أقوامٍ كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئاً). رواه الدارمي موقوفاً على معاذ، وله شواهد.
    - وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سَلِمة عن معاذ بن جبل أنه قال: (كيف أنتم عند ثلاث: دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن؟)
    فسكتوا.
    فقال معاذ بن جبل: (أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي، ومن لا فليس بنافعته دنياه.
    وأما زلة عالم؛ فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب.
    وأما جدال منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه)
    . رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله كلهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة به، وألفاظهم متقاربة.
    - وقال جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال المحاربي قال: قال معاذ بن جبل لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني نذكر الله. رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان، وابن أبي شيبة في المصنف، وعلّقه البخاري في صحيحه.
    - وقال محمد بن سيرين: جاء رجل معاذ بن جبل معه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه ويوصونه فقال له معاذ: (إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت ما قال لك أصحابك: إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا فإنه يأتي بك أو يمر بك على نصيبك من الدنيا فيتنظمه لك انتظاما فيزول معك أينما زلت). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال عبد الوهاب: حدثنا عبيد الله، عن سليمان بن حبيب، عن سعيد بن عشارة قال: كنت أرعى غنما نحو الشام، فذكر لي ركب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعرضت لهم فقلت: علموني، فقدموا إليَّ كلاماً كلّهم يأمرني بخير، وورائهم رجل على ناقة له فقال: مسألتك؟ وإني أراهم قد أكثروا عليك.
    قال: أجل، والله لقد أكثروا علي حتى ما حفظت شيئاً مما قالوا.
    قال: إني سأجمع لك ذلك في أمرين: إنه لا غنى بك عن حظك من الدنيا، وأنت إلى حظك من الآخرة أفقر، فإذا عرض لك أمران أحدهما لله، والآخر للدنيا فخذ الذي لله يأتي على حاجتك من الدنيا فينتظمها انتظام الدمية، ثم يزول معك حيث مازلت). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال مسعر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: قال معاذ: «صل ونم، وصم وأفطر، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوات أو دعوة مظلوم».رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، أن أبا الزاهرية، حدثه عن جبير بن نفير، عن معاذ بن جبل، أنه قال: (إذا أحببتَ أخاً فلا تماره، ولا تشاره، ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق له عدواً فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينك وبينه). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال الوليد بن مسلم: سمعت يزيد بن أبي مريم قال: سمعت أبا إدريس الخولاني، يقول: قال معاذ بن جبل رحمه الله: إنك مجالس قوما لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات، قال الوليد: فذكرت لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال: نعم حدثني أبو طلحة حكيم بن دينار أنهم كانوا يقولون: (آية الدعاء المستجاب إذا رأيت الناس غفلوا، فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات). رواه أحمد في الزهد.
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا الصلت بن راشد قال: سألت طاووسا عن شيء؛ فانتهرني.
    وقال: أكان هذا؟
    قلت: نعم.
    قال: آلله؟
    قلت: آلله.
    قال: إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل أنه قال: (أيها الناس! لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سُدّد، أو قال: وُفّق). رواه الدارمي في سننه، وأبو بكر الآجري في أخلاق العلماء، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن.


    وفاته
    - قال عبد الله بن العلاء بن زبر: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس، قال: سمعت عوف بن مالك، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: (( اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً). رواه البخاري.
    - وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا مَسَرَّة بن معبد، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: قال معاذ بن جبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ستهاجرون إلى الشام فيفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحرة يأخذ بمراقّ الرجل يستشهد الله به أنفسهم، ويزكي به أعمالهم )).
    اللهم إن كنت تعلم أن معاذ بن جبل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه، فأصابهم الطاعون فلم يبق منهم أحد فطعن في أصبعه السبابة، فكان يقول: (ما يسرني أن لي بها حمر النعم). رواه أحمد، وإسماعيل بن عبيد الله لم يدرك معاذاً، لكن يشهد له ما بعده.
    - قال هشام بن خالد الدمشقي: الحسن بن يحيى الخشني، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تنزلون منزلا يقال له: الجابية يصيبكم فيه داءٌ مثل غدَّة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم، ويزكّي به أعمالكم)). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال موسى بن عبيدة الربذي، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة قال: لما أصيب أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس استخلف معاذَ بن جبل، واشتد الوجع؛ فقال الناس: (يا معاذ! ادع الله يرفع عنا هذا الرجز).
    فقال: « إنه ليس برجز، ولكنه دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يختص الله بها من يشاء منكم». رواه الطبراني في المعجم الكبير، وفيه انقطاع.
    - وقال ثابت بن يزيد الأحول: حدثنا عاصم، عن أبي منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام، فذكر الطاعون فقال: «إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وقبض الصالحين قبلكم. اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة» ثم نزل من مقامه ذلك، فدخل على عبد الرحمن بن معاذ فقال: عبد الرحمن: {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} فقال معاذ: ({ستجدني إن شاء الله من الصابرين}). رواه أحمد في المسند.
    - وقال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد بن عميرة الزبيدي أنه لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا؟
    قال: أجلسوني.
    قال: (إنَّ العلم والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما، إن العلم والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه عاشر عشرة في الجنة)). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال حماد بن سلمة: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن يزيد بن أبي عميرة قال: ولما مرض معاذ بن جبل مرضه الذي قبض فيه كان يغشى عليه أحيانا، ويفيق أحيانا، حتى غشي عليه غشية ظننا أنه قد قبض، ثم أفاق وأنا مقابله أبكي، فقال: «ما يبكيك؟»
    قلت: والله لا أبكي على دنيا كنت أنالها منك، ولا على نسب بيني وبينك، ولكن أبكي على العلم والحكم الذي أسمع منك يذهب.
    قال: (فلا تبكِ فإنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما؛ فابتغه حيث ابتغاه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم وتلا: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين}، وابتغه بعدي عند أربعة نفر، وإن لم تجده عند واحد منهم فسل عن الناس أعيانه: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان، وعويمر أبو الدرداء، وإياك وزيغة الحكيم وحكم المنافق).
    قال: قلت: وكيف لي أن أعلم زيغة الحكيم؟
    قال: «كلمة ضلالة يلقيها الشيطان على لسان الرجل فلا يحملها ولا يتأمل منه، فإن المنافق قد يقول الحق، فخذ العلم أنى جاءك فإن على الحق نورا، وإياك ومعضلات الأمور». رواه الحاكم في المستدرك.

    - وقال يحيى بن عمرو بن راشد الليثي: حدثنا ابن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن شيخ بمكة - يعني ابن سابط - عن عمرو بن ميمون، قال: قدم علينا معاذ بن جبل ونحن باليمن، فقال: يا أهل اليمن أسلموا تسلموا، إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم؛ فوقعت له في قلبي محبة، فلم أفارقه حتى مات؛ فلما حضره الموت بكيتُ.
    فقال لي: ما يبكيك؟
    فقلت: أما إنه ليس عليك أبكي، إنما أبكي على العلم الذي يذهب معك.
    قال: (إنَّ العلم والإيمان ثابتان إلى يوم القيامة، فالتمس العلم عند أربعة، عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام فإنه عاشر عشرة في الجنة، وسلمان الخير، وعويمر أبي الدرداء).
    فلحقت بعبد الله بن مسعود فأمرني بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «صلّ الصلاة لوقتها، واجعل صلاتهم تسبيحاً»
    فذكرت فضيلة الجماعة فضرب على فخذي وقال: (ويحك إن الجماعة ما وافق طاعة الله). رواه الطبراني في مسند الشاميين، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    وقوله: (واجعل صلاتهم تسبيحاً). أي: نافلة، وذلك لأنهم كانوا يؤخرون الصلاة.
    - وقال معاذ بن هشام الدستوائي: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرحل، قال: «يا معاذ بن جبل!»، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك.
    قال: «يا معاذ».
    قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً.
    قال: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار».
    قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟
    قال: «إذا يتكلوا»
    قال: (وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً). رواه البخاري.
    - وقال حميد بن عبد الله المزني، عن عيسى بن شريح بن حصين، عن ابن مالك بن يخامر، عن أبيه مالك بن يخامر أنه حضر وأصحابٌ له معاذ بن جبل عند وفاته؛ فقال له مالك: يا أبا عبد الرحمن حدثنا حديثا ينفعنا الله به.
    فقال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لكم فيه منفعة إلا قد حدثتكم به إلا حديثاً واحداً، ولو أعلم أني أقوم من مضجعي هذا لم أحدثكم به، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من مات لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنة». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
    - وقال سويد بن سعيد الحدثاني: حدثنا زياد بن الربيع، عن هشام، عن ابن سيرين، عن ابن الديلمي، قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ فلما حضرته الوفاة قلنا له: يرحمك الله! إنا إنما صحبناك وانقطعنا إليك واتبعناك لمثل هذا اليوم لتحدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من مات وهو موقن بثلاث: أن الله تبارك وتعالى حقّ، وأنَّ الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور ))
    قال ابن سيرين: فنسيت، إما قال: (( أدخله الجنة )) وإما قال: (( نجا من النار )). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    -قال موسى بن عقبة: (مات سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس وهو ابن ثمان وثلاثين سنة).
    - وقال النووي: (توفي في طاعون عَمَواس بالشام سنة ثمان عشرة، وقيل: سبع عشرة، والصحيح الأول، وقبره في مشاق غور بيان، وعمواس التي نسب إليها الطاعون بالرملة وبيت المقدس، نُسب الطاعون إليها لأنه بدأ بها، هو بفتح العين والميم، وتوفى شهيداً في الطاعون، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل: أربع وثلاثين، وقيل: ثمان وثلاثين).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل

    5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)


    رواة التفسير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
    قرأ عليه جماعة من الصحابة والتابعين في بلدان شتى، ومن أشهر من قرأ عليه:الأسود بن يزيد النخعي قرأ عليه في اليمن قبل أن ينتقل إلى العراق، وفي حمص عبد الله بن قيس السكوني.
    وروى عنه من الصحابة: أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وغيرهم.
    ومن التابعين: مالك بن يخامر السكسكي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وقيس بن أبي حازم البجلي، وكثير بن مرة الحضرمي، ويزيد بن عميرة الزبيدي، وأبو مسلم الخولاني، وعمرو بن ميمون الأودي، وعاصم بن حميد السكوني، وعبد الله بن سلِمة المرادي، وأبو إدريس الخولاني، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وغيرهم.
    واختلف في سماع مسروق منه، وقد أدركه.
    وأرسل عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وميمون بن أبي شبيب الربعي، وعطاء بن يسار المدني، وسالم بن أبي الجعد، وخالد بن معدان، وطاووس بن كيسان، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص، وشهر بن حوشب، ومكحول، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعبادة بن نُسي الكندي، وعمرو بن مرة الجملي، وأبو ظبيان، وابن شهاب الزهري.
    وقد قلّت الرواية عنه لتقدّم وفاته.
    مما روي عنه في التفسير
    أ: قال إبراهيم النخعي عن خاله الأسود بن يزيد عن ابن مسعود أنَّ رجلاً لقي امرأة في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت:{وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله! لهذا خاصة أو لنا عامة؟ قال: (( بل لكم عامة)). رواه عبد الرزاق وأحمد وابن جرير.
    ب: وقال سريج بن النعمان الجوهري: حدثنا ابن الرماح عمر بن ميمون [البلخي] قال: حدثنا حميد بن أبي الخزامى قال: سئل معاذ بن جبل عن قول الله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} قال:{لا انفصام لها} يعني: لا انقطاع لها- مرتين- دون دخول الجنة). رواه ابن أبي حاتم، وفيه انقطاع.
    ج: وقال مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي حسين، عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود! إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله؛ إلى الجنة أو إلى النار {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير (29)}).رواه ابن أبي حاتم، والحاكم.
    د: وقال الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة، قال: خطبنا معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه، فقال: (أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنّة، والله إنّي لأطمع أن يكون عامّة من تصيبون بفارس والرّوم في الجنّة، فإنّ أحدهم يعمل الخير فيقول: أحسنت بارك الله فيك، أحسنت رحمك الله، والله يقول: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله} ). رواه الحاكم في المستدرك.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    6: أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري (ت:30هـ)
    وهو أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري.
    يكنى أبا المنذر، وأبا الطفيل.
    شهد بيعة العقبة الثانية، وبدراً وما بعدها، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل روي أنه كان أقرأ الصحابة، وكان من أعلمهم بالقضاء.
    - قال عمرو بن مرة، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبدَ الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب». رواه البخاري في صحيحه، ورواه أحمد، ومسلم من طريق الأعمش عن أبي وائل عن مسروق.
    - وقال همّامٌ: حدّثنا قتادة، قال: سألت أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه: من جمع القرآن على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟
    قال: (أربعةٌ، كلّهم من الأنصار: أبيّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبلٍ، وزيد بن ثابتٍ، وأبو زيدٍ). رواه البخاري.
    - وقال أبو السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر»رواه أحمد، ومسلم.
    - وقال شعبة: سمعت قتادة، يحدث عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}»، قال: وسماني لك؟ قال: «نعم»، قال: فبكى. رواه البخاري ومسلم.
    - وقال أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت عليَّ سورة، وأمرت أن أقرئكها».
    قال: قلت: أسميت لك؟
    قال: «نعم».
    قلت لأبيّ: أفرحت بذلك يا أبا المنذر؟
    قال: (وما يمنعني والله تعالى وتبارك يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}؟). رواه البخاري في خلق أفعال العباد، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: « أبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحنِ أبيّ، وأبيّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء » رواه البخاري.
    - وقال محمّد بن شعيب بن شابورٍ: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبرٍ، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه، أنّه كان يقرأ: [إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة، حميّة الجاهليّة ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله] فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه، فبعث إليه، وهو يهنأ ناقةً له، فدخل عليه، فدعا ناسًا من أصحابه، فيهم زيد بن ثابتٍ فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيدٌ على قراءتنا اليوم، فغلّظ له عمر، فقال له أبيٌّ: أأتكلّم؟
    فقال: تكلّم.
    قال: « لقد علمتَ أنّي كنتُ أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويقرئني، وأنتم بالباب، فإن أحببت أن أقرئ النّاس على ما أقرأني أقرأتُ، وإلّا لم أقرئ حرفًا ما حييت» قال: (بل أقرئ النّاس). رواه الحاكم في المستدرك.
    ورواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، وغيره، عن عطية بن قيس، عن أبي إدريس الخولاني أن أبا الدرداء وأصحاباً له خرجوا بمصحفهم حتى قدموا المدينة يثبّتون حروفه على عمر، وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب...) فذكر الخبر بنحوه.
    - وقال هشيم بن بشير: أنبأنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خرشة بن الحر، قال: رأى معي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوحاً مكتوباً فيه: {إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}؛ فقال لي عمر: من أملى عليك؟
    فقلت: أبي بن كعب.
    فقال عمر: كان أبيٌّ أقرأنا للمنسوخ.
    فقرأها عمر: [فامضوا إلى ذكر الله]). رواه سعيد بن منصور.
    - وقال أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب قال: سمعت أبيّ بن كعبٍ، «أما أنا فأقرأ القرآن في ثماني ليال». رواه عبد الرزاق، وابن سعد.
    - وقال هشيم بن بشير: حدثنا خالد، عن أبي قلابة (أنّ أبيّ بن كعبٍ كان يختم القرآن في كلّ ثمانٍ، وأنّ تميمًا الدّاريّ كان يختم في كلّ سبعٍ). رواه سعيد بن منصور.
    - وقال الحسن بن صالح عن مطرف، عن الشعبي، عن مسروق، قال: (كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي، وزيد، وأبو موسى). رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
    - وقال ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي قال: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر في خلافته، فانتهيت إلى المدينة ليلاً، فغدوت عليه، وقد أعطيت فطنةً ولساناً - أو قال: منطقاً - فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب، فقال لما فرغت: (كل قولك كان مقارباً إلا وقوعك في الدنيا، وهل تدري ما الدنيا؟ إنَّ الدنيا فيها بلاغنا - أو قال: زادنا - إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة).
    قال: فأخذ في الدنيا رجل هو أعلم بها مني.
    فقلت: يا أمير المؤمنين! من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟
    قال: (سيد المسلمين أبي بن كعب). رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن سعد في الطبقات.
    - قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سمعت أبا مسهر يقول: (أبيّ بن كعب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنصار، فلم يمت حتى قالوا: سيد المسلمين). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال عبد الملك بن سعيد ابن أبجر الهمداني، عن الشعبي، عن مسروق قال: سألت أبي بن كعب عن مسألة؛ فقال: يا ابن أخي! أكان هذا؟
    قلت: لا.
    قال: «فأحمنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا». رواه ابن سعد.
    - وقال ابن سعد: (وقد شهد أبي بن كعب العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعا، وكان أبي يكتب في الجاهلية قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم).

    صفاته
    - قال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت البناني، وحميد، عن الحسن، عن عتي السعدي قال: «قدمت المدينة فجلست إلى رجل أبيض الرأس واللحية يحدث، وإذا هو أبي بن كعب». رواه ابن سعد.
    - وقال يونس ومبارك عن الحسن: حدثنا عتي السعدي، قال: «رأيت أبي بن كعب رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية ما يخضب». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
    - وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: (إن أبي بن كعب بن عمرو بن مالك بن النجار مات في خلافة عثمان، وكان أبيض الرأس واللحية). رواه الحاكم.

    مواعظه ووصاياه
    - قال عثمان بن غياث الراسبي: سمعت أبا السليل، قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس حتى يكثر عليه، فيصعد على ظهر بيت، فيحدث الناس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي آية في القرآن أعظم؟ "
    فقال رجل: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
    قال: فوضع يده بين كتفي، قال: فوجدت بردها بين ثديي، أو قال: فوضع يده بين ثديي، فوجدت بردها بين كتفي، قال: (( يهنك يا أبا المنذر العلم العلم)). رواه أحمد في المسند، ومسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري، وزاد: فصعد فوق بيت فحدثهم، قال: إن الله تعالى إذا ما أحبَّ عبداً في السماء أنزل حبه إلى ملائكته فنادى مناد: إن الله تعالى قد أحبَّ فلاناً فأحبوه؛ فينزل حبّه إلى أهل الأرض، وإذا أبغض عبداً في السماء أنزل بغضه إلى الملائكة فنادى مناد: إن الله قد أبغض فلاناً فأبغضوه، فينزل بغضه إلى أهل الأرض).
    - قال أبو هارون الغنوي، عن مسلم بن شداد، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، قال: «ما من عبد ترك شيئا لله عز وجل إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه حيث لا يحتسب». رواه أبو نعيم في الحلية.
    - وقال عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن أبي داوود، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ، وسنةٍ ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فمسته النار أبدًا، وليس من عبدٍ على سبيلٍ، وسنةٍ ذكر الله فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرةٍ يبس ورقها، فهي كذلك إذ أصابتها ريحٌ فتحات ورقها عنها إلا تحاتت خطاياه، كما يتحات من هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادًا في سنةٍ وسبيلٍ خيرٌ من اجتهادٍ في غير سنةٍ وسبيلٍ، فانظروا أعمالكم، فإن كانت اقتصادًا واجتهادًا أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم). رواه ابن المبارك في الزهد، والإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، وغيرهم.
    ووقع عند أبي نعيم عن أبي العالية بدل أبي داوود.
    - وقال أسلم المنقري: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، يحدث عن أبيه، قال: لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: «كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم، فكلوه إلى عالمه». رواه الحاكم.
    - وقال يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: « تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.

    وفاته
    - قال جعفر بن سليمان الضبعي: أخبرنا أبو عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، وإذا الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق حلق يتحدثون، قال: فجعلت أمضي إلى الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبين كأنما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة ولا آسى عليهم، قالها ثلاث مرات، قال: فجلست إليه فتحدث مما قضي له، ثم قام، فلما قام سألت عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبي بن كعب سيد المسلمين، فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رث المنزل ورث الكسوة يشبه بعضه بعضا، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم سألني ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكثر شيء سؤالا. قال: فلما قال ذلك غضبت فجثوت على ركبتي واستقبلت القبلة ورفعت يدي، فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك، إنا ننفق نفقاتنا، وننصب أبداننا، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهمونا، وقالوا لنا؛ فبكى أبي، وجعل يترضاني وقال: ويحك م أذهب هناك، ثم قال: إني أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمنَّ بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أخاف فيه لومة لائم، ثم أراه قام، فلما قال ذلك انصرفت عنه، وجعلت أنتظر الجمعة لأسمع كلامه، قال: فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي، فإذا السكك غاصة بالناس، لا آخذ في سكة إلا يلقاني الناس، قلت: ما شأن الناس؟
    قالوا: نحسبك غريبا.
    قلت: أجل.
    قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب.
    قال: فلقيت أبا موسى بالعراق، فحدثته بالحديث، فقال: والهفاه ألا كان بقي حتى يبلغنا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد، وأبو يعلى، والحاكم.
    - وقال عوف، عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي، قال: قلت لابي بن كعب: ما شأنكم يا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير أن نستفيده عندكم فتهاونون بنا؟!
    فقال أبي: أما والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولنَّ قولاً لا أبالي استحييتموني أو قتلتموني.
    قال: فلما كان يوم الجمعة من بين الأيام، خرجت من منزلي، فإذا أهل المدينة يؤذنون في سككها، فقلت لبعضهم: ما شأن الناس؟!
    قالوا: وما أنت من أهل البلد؟
    قلت: لا.
    قال: فإنَّ سيد المسلمين مات اليوم.
    قلت: من هو؟
    قال: أبي بن كعب.
    فقلت في نفسي: (والله ما رأيت كاليوم في الستر أشد مما ستر هذا الرجل). رواه ابن سعد

    تاريخ وفاته
    وقد اختلف في سنة وفاته اختلافاً كثيراً على أقوال أشهرها ستة أقوال:
    القول الأول: سنة تسع عشرة للهجرة، وهو قول أبي أحمد الحاكم.
    والقول الثاني: سنة تسع عشرة أو عشرين للهجرة، وهو قول يحيى بن معين.
    والقول الثالث: سنة اثنتين وعشرين للهجرة، وهو قول محمد بن عبد الله بن نمير، وأبي عبيد.
    والقول الرابع: سنة ثلاثين في خلافة عثمان سنة 30هـ وهو أرجح، لأنه روي عنه أنه شهد كتابة المصاحف العثمانية، وكانت سنة خمس وعشرين للهجرة.
    - قال الواقدي: (وهو أثبت هذه الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان بن عفان أمره أن يجمع القرآن).
    والقول الخامس: مات سنة اثنتين وثلاثين، وهو قول خليفة بن خياط.
    والقول السادس: مات سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين، وهو قول عبيد الله بن سعد الزهري.
    - قال أبو الزنباع روح بن الفرج: حدثنا يحيى بن بكير، قال: (توفي أبي بن كعب رضي الله عنه، يكنى أبا المنذر بالمدينة سنة ثنتين وعشرين، وقائل يقول: سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه). رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال محمد بن عبد الله بن نمير: «مات أبي بن كعب رضي الله عنه، في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين» قال ابن نمير: ويقول بعضهم: «في خلافة عثمان رضي الله عنهم». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: (إن أبي بن كعب بن عمرو بن مالك بن النجار مات في خلافة عثمان، وكان أبيض الرأس واللحية). رواه الحاكم.
    - قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (كانت وفاته بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ظهر الطعن على عثمان). رواة التفسير عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه

    رواة التفسير عن أبيّ بن كعب:
    من الصحابة: سهل بن سعد، وابن عباس، وأنس بن مالك، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي.
    ومن التابعين: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد الرحمن الحبُلّي، وزر بن حبيش، ويحيى بن يعمر.
    وأرسل عنه: الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة.

    مما روي عنه في التفسير:
    1:
    قال سفيان الثوري، عن عاصمٍ وعبدة، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: سألت أبيّ بن كعبٍ عن المعوّذتين؟ فقال: (سألت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قيل لي فقلت» فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم). رواه البخاري.
    2- قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} قال: (مثل المؤمن قد جُعل الإيمانُ والقرآنُ في صدره {كمشكاةٍ} قال: المشكاة: صدره، {فيها مصباحٌ} قال: والمصباح القرآن والإيمان الّذي جعل في صدره، {المصباح في زجاجةٍ}، قال: والزّجاجة: قلبه، {الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد} قال: فمثله ممّا استنار فيه القرآن والإيمان كأنّه كوكبٌ درّيٌّ، يقول: مضيءٌ، {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ} والشّجرة المباركة، أصل المباركة: الإخلاص للّه وحده، وعبادته، لا شريك له. {لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} قال: فمثله مثل شجرةٍ التفّ بها الشّجر، فهي خضراء ناعمةٌ، لا تصيبها الشّمس على أيّ حالٍ كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيءٌ من الغير، وقد ابتلي بها فثبّته اللّه فيها، فهو بين أربع خلالٍ: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق؛ فهو في سائر النّاس كالرّجل الحيّ يمشي في قبور الأموات. قال: {نورٌ على نورٍ} فهو يتقلّب في خمسةٍ من النّور: فكلامه نورٌ، وعمله نورٌ، ومدخله نورٌ، ومخرجه نورٌ، ومصيره إلى النّور يوم القيامة في الجنّة). رواه ابن جرير.
    3: وقال عليّ بن الحسين بن واقدٍ: حدّثني أبي، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوسٍ واحدةٍ، كانوا لا يبيتون إلّا بالسّلاح، ولا يصبحون إلّا فيه؛ فقالوا: ترون أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف إلّا الله؟
    فنزلت: {وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} إلى {ومن كفر بعد ذلك} يعني بالنّعمة {فأولئك هم الفاسقون}). رواه الحاكم في المستدرك.
    4. وقال أبو رجاء محرز بن عبد الله الجزري، عن صدقة بن عبد الله السمين وفيه ضعف، عن إبراهيم بن مرة، قال: جاء رجل إلى أبي فقال: يا أبا المنذر، آية في كتاب الله قد غمّتني!
    قال: أي آية؟
    قال: {من يعمل سوءا يجز به}.
    قال: (ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر فيلقى الله تعالى فلا ذنب له). رواه أبو نعيم في الحلية، وإبراهيم بن مرة لم يدرك أبيّ بن كعب.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)

    العناصر:
    اسمه ونسبه
    نشأته وإسلامه
    هجرته إلى الحبشة
    هجرته إلى المدينة
    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    شدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
    ما روي أنه نزل فيه من القرآن
    علمه وقراءته وفقهه
    هديه وسمته
    ثناء الصحابة والتابعين عليه
    ابتعاثه إلى الكوفة
    إقراؤه وتعليمه
    إملاؤه المصاحف
    تهيّبه التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
    صفاته وشمائله
    بعض أخباره
    مرضه ووفاته
    مواعظه ووصاياه
    رواة القراءة والتفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه
    مما روي عنه في التفسير



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    اسمه ونسبه
    اختلف في نسبه على أقوال أشهرها ما اختاره ابن سعد والبلاذري.
    - قال ابن سعد: (عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة واسم مدركة عمرو بن إلياس بن مضر، ويكنى أبا عبد الرحمن).
    وقال البلاذري مثله.
    - وقال أحمد ابن رشدين المصري: أملى عليَّ موسى بن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: عبد الله بن مسعود بن كاهل بن حبيب بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
    - وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: «عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن كاهل بن الحارث بن سعد بن هذيل من حلفاء بني زهرة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.

    وجدّة عبد الله لأمّه امرأةٌ من بني زهرة بن كلاب، ولذلك حالف أبوه مسعود أخوال زوجته وهو بنو عبدِ بن الحارث بن زهرة بن كلاب من قريش.
    - قال أبو القاسم البغوي: (أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن الحارث بن الهذلي حليف بني زهرة).
    - قال ابن سعد: (حالف مسعود بن غافل عبد بن الحارث بن زهرة في الجاهلية، وأم عبد الله بن مسعود أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب).


    نشأته وإسلامه
    نشأ ابن مسعود بمكة، وكان يرعى الغنم لعقبة بن أبي معيط، وأسلم قديماً مع السابقين الأوّلين إلى الإسلام وهو غلام، ثم نشأ في الإسلام نشأة حسنة.
    وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير بن العوام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أوّل الإسلام يؤاخي بين بعض أصحابه ليعين الغنيّ الفقير، والقويّ الضعيف.
    - قال يعلى بن مسلم المكي، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: (إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - قال الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله: «لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا». رواه ابن أبي شيبة، والطبراني في الكبير.
    - قال عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنت غلاماً يافعاً أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين؛ فقالا: يا غلام! هل عندك من لبن تسقينا؟
    قلت: إني مؤتمن ولست ساقيكما.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟»
    قلت: نعم.
    فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح الضرع ودعا؛ فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة منقعرة أو منقرة؛ فاحتلب فيها فشرب، وشرب أبو بكر، ثم شربت، ثم قال للضرع: « اقلص » فقلص.
    قال: فأتيته بعد ذلك فقلت: (علمني من هذا القول).
    قال: « إنك غلام معلم». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي.
    - وقال يعقوب بن إبراهيم الزهري: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه قال: كان أوَّلَ من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود قال: اجتمع يوماً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمَن رجلٌ يُسمعِهُموه؟
    قال عبد الله بن مسعود: «أنا».
    قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
    قال: «دعوني فإنَّ الله عز وجل سيمنعني».
    قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها فقام عند المقام، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم رافعاً صوته {الرحمن علم القرآن}.
    قال: ثم استقبلها يقرأ فيها.
    قال: وتأملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟
    قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه.
    فقالوا: هذا الذي خشينا عليك.
    قال: «ما كان أعداءُ الله أهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها».
    قالوا: (حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، أن ابن مسعود، قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين). رواه مسلم.


    هجرته إلى الحبشة
    هاجر ابن مسعود الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة مع من عاد، ثم هاجر إلى المدينة بعد ذلك.
    - قال سعيد بن يحيى الأموي: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال: فيمن شهد بدرا وفي مهاجرة الحبشة: (عبد الله بن مسعود حليف بني زهرة). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي عميس، عن القاسم بن عبد الرحمن: «أن عبد الله بن مسعود أُخذ في أرض الحبشة في شيء، فرشا دينارين». رواه ابن سعد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)


    هجرته إلى المدينة
    هاجر ابن مسعود رضي الله عنه إلى المدينة، وكان شديد القرب منه، يخدمه، ويتعلّم منه، ويكثر الدخول عليه حتى ظُنَّ أنه من أهل بيته.


    جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
    شهد بدراً، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
    وكان ممن استجاب الله وللرسول في غزوة حمراء الأسد، وممن بايع تحت الشجرة، وممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين.

    - قال أبو خيثمة زهير بن معاوية الكوفي، عن سليمان التيمي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ينظر ما صنع أبو جهل». فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: أأنت، أبو جهل؟
    قال: فأخذ بلحيته، قال: وهل فوق رجل قتلتموه، أو رجل قتله قومه). رواه البخاري.


    شدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
    كان ابن مسعود رضي الله عنه شديد الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان من أعرف الناس بهديه وسمته، ومن أعلم الناس بتنزيل القرآن، ومقاصد الحديث النبوي.
    - قال الحسن بن عبيد الله النخعي: حدثنا إبراهيم بن سويد، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذنك عليَّ أن ترفع الحجاب، وأن تستمع سوادي حتى أنهاك». رواه أحمد، ومسلم، وابن أبي شيبة.
    - - قال أحمد بن حنبل: (سوادي: سرّي، أذن له أن يسمع سرّه).
    - وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الأسود بن يزيد، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «قدمت أنا وأخي من اليمن؛ فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمَّه إلا من أهل البيت، من كثرة دخولهم ولزومهم له» رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي قال: ذهب علقمة إلى الشأم؛ فأتى المسجد فصلى ركعتين، فقال: اللهم ارزقني جليساً، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟
    قال: من أهل الكوفة؟
    قال: (أليس فيكم صاحب السرّ الذي كان لا يعلمه غيره؟! يعني حذيفة
    أليس فيكم - أو كان فيكم - الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان؟! يعني عماراً
    أوليس فيكم صاحب السواك والوساد؟! يعني ابن مسعود). رواه أحمد والبخاري، وابن سعد.
    وفي رواية أحمد: "اللهمّ وفقني جليساً صالحاً".
    وفي رواية ابن سعد: "صاحب السواد".
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «كان عبد الله يُلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه، ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه ابن سعد، وهو مرسل.
    - وقال وكيع: حدثنا المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي المليح الهذلي، قال: «كان عبد الله يستر النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويمشي معه في الأرض وحشا». رواه ابن أبي شيبة، وفيه انقطاع.
    - وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات عبد الله بن مسعود فقال أحدهما لصاحبه: (أتراه ترك بعده مثله؟!)
    فقال: (إن قلت ذاك، إن كان ليدخل إذا حُجبنا، ويشهد إذا غبنا).رواه مسلم، وابن سعد.
    - وقال مجاهد بن جبر: حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر قال: سمعت ابن مسعود، يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: (السلام - يعني - على النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)




    ما روي أنه نزل فيه من القرآن
    - قال علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا} إلى آخر الآية، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: أنت منهم». رواه مسلم.
    - قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (نزلت في ستة، أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا له: تدني هؤلاء؟!!). رواه مسلم في صحيحه، ورواه النسائي في فضائل الصحابة وقال في آخره: (فأنزلت أن ائذن لهؤلاء).
    - وقال إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: أنبأنا عبيد الله بن موسى، قال: أنبأنا المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر؛ فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك؛ فإنهم وإنهم.
    قال: وكنت أنا، وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورجلان نسيت أسماءَهما؛ فأنزل الله عز وجل {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله {الظالمين}). رواه النسائي في فضائل الصحابة.
    - وقال محمد بن عبد الله الأسدي، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر؛ فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا.
    قال: (وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه؛ فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}). رواه مسلم في صحيحه.
    - وقال سًنيد: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قال عكرمة [في قول الله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}: (نزلت في ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل). رواه ابن جرير.
    - وقال المسعودي، عن علي بن علي السائب، عن إبراهيم النخعي، قال: قال عبد الله: (نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر، قوله: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}). رواه ابن أبي حاتم.


    علمه وقراءته وفقهه
    كان من علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، حسنَ الصوت بقراءة القرآن، حفظ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وجمع القرآن في عهده، وعرضه عليه مراراً، حتى روي أنه عرضه عليه في العام الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين؛ فأنبأه أنه محسن.
    وكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بشَّره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد له بإحسان القراءة، وكان من أعلم الصحابة بنزول القرآن,

    - قال مسروق بن الأجدع: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث إليه؛ فذكرنا يوماً عبد الله بن مسعود، فقال: لقد ذكرتم رجلاً لا أزال أحبّه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد فبدأ به، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة )). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت»رواه البخاري وابن أبي شيبة.
    - وقال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، قال: كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف؛ فقال رجل: ما هكذا أنزلت!!
    قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت» ووجد منه ريح الخمر، فقال: (أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر فضربه الحد). رواه البخاري.

    - وقال عبد الملك بن ميسرة: سمعت النزال بن سبرة الهلالي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلا قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسنٌ، ولا تختلفوا، فإنَّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا». رواه البخاري في صحيحه.

    - وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعبد الله يصلي، فافتتح بسورة النساء فَسَحَلَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، ثم قعد، ثم سأل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سل تعطه، سل تعطه)).
    فقال فيما يقول: (اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبينا محمد في أعلى جنة الخلد)
    (فأتى عمر عبد الله ليبشره، فوجد أبا بكر قد سبقه). رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان.
    - وقال عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن المصطلق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد.
    - وقال الأعمش: حدثنا شقيق بن سلمة، قال: خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: «والله لقد أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم» رواه البخاري ومسلم.
    - وقال الأعمش: حدثنا مسلم [بن صبيح]، عن مسروق، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري.
    - وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: نُبّئت أن ابن مسعود، قال: «لو أعلم أنَّ أحداً تبلغنيه الإبل أحدث عهداً بالعرضة الأخيرة مني لأتيته، أو لتكلفت أن آتيه». رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، والواسطة بين ابن سيرين وابن مسعود لم تُسمَّ، لكن يشهد لهذا الخبر ما رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والنسائي في الكبرى والحاكم وغيرهم من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أيّ القراءتين تعدون أوَّل؟
    قالوا: قراءة عبد الله.
    قال: (لا، بل هي الآخرة، كان يعرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة؛ فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين، فشهد عبد الله؛ فعلم ما نُسخ وما بُدِّل).
    - وقال الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة، قال: سمعت أبا موسى، يقول: «لمجلسٌ كنت أجالسه عبد الله أوثق من عمل سنة». رواه ابن أبي شيبة.


    هديه وسمته
    كان ابن مسعود رضي الله عنه من أشبه الصحابة هدياً وسمتاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أقربهم وسيلة إلى الله، وأعلاهم منزلة في العلم والدين.
    - قال عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد». رواه الحاكم في المستدرك، وهذا إسناد صحيح لولا أنّ بعض الرواة أدخل فيه بين عبد الملك وربعي مولى لربعيّ، لكن للحديث طرق وشواهد يقوّي بعضها بعضاً.
    - وقال إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحدا أقرب سمتاً وهدياً ودلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد» رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال زائدة، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت قاعداً مع حذيفة؛ فأقبل عبد الله بن مسعود، فقال حذيفة: « إنَّ أشبه الناس هدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود، والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنَّ عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة). رواه أحمد، والترمذي.
    - وقال أبو الوليد الطيالسي: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يقول: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والهدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أمّ عبد حتى يواريه جدار بيت».
    قال: «ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة». رواه ابن سعد.
    - قال أبو معاوية الضرير: أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: «كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته».
    (وكان علقمة يشبه بعبد الله). رواه ابن سعد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)




    ثناء الصحابة والتابعين عليه
    ثناء الصحابة والتابعين على ابن مسعود رضي الله عنه مستفيض لما عرفوا عنه من العلم والهدي الصالح.
    - قال عبد الله بن نمير عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: كنت جالساً في القوم عند عمر إذ جاء رجل نحيف قليل؛ فجعل عمر ينظر إليه ويتهلل وجهه، ثم قال: «كُنَيْفٌ ملئ علماً، كنيف ملئ علماً، كنيف ملئ علماً» فإذا هو ابن مسعود). ابن سعد في الطبقات، وأحمد في فضائل الصحابة.
    والكُنيف تصغير كِنفٍ على جهة التحبيب والمدح، وهو وعاء يجمع فيه الراعي أو الصانع أداته وما يحتاج إليه.
    - قال أبو منصور الأزهري: (شَبّه عمر قلْبَ ابنَ مسعودٍ بكِنْف الرَّاعِي، لأنَّ فيهِ مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه، فَفِيهِ كلُّ مَا يُرِيد، هكذا قلْبُ ابن مسعود قد جمع فيه كلّ ما يحتاج إليهِ الناسُ من العلوم).
    وقال في موضع آخر: (أراد أنه وعاء للعلوم بمنزلة الوعاء الذي يضع فيه الرجل أداته، وتصغيره على جهة المدح له).
    - وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي خالد، قال: وفدت إلى عمر ففضل أهل الشام علينا في الجائزة، فقلنا له فقال: «يا أهل الكوفة أجزعتم أن فضلت أهل الشام عليكم في الجائزة لبعد شقتهم، لقد آثرتكم بابن أم عبد». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قالوا: أخبرنا عن عبد الله!
    قال: «علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى بذلك علماً». رواه ابن أبي شيبة.
    - قال الأعمش، عن حبة بن جوين قال: كنا عند علي، فذكرنا بعض قول عبد الله، وأثنى القوم عليه، فقالوا يا أمير المؤمنين: ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا، ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مجالسة، ولا أشد ورعاً من عبد الله بن مسعود فقال علي: نشدتكم الله، إنه لصدق من قلوبكم؟
    قالوا: نعم.
    فقال: «اللهم إني أشهدك اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا أو أفضل». رواه ابن سعد.
    - وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حَبَّة قال: لما قدم علي الكوفة أتاه نفر من أصحاب عبد الله، فسألهم عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم.
    قال: (وأنا أقول فيه مثل الذي قالوا أو أفضل، قرأ القرآن؛ فأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة). رواه ابن سعد.
    - وقال محمد بن أبي عبيدة المسعودي: حدثنا أبي، عن الأعمش، عن العلاء بن بدر، عن تميم بن حذلم قال: «قد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر فما رأيت أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه يوم القيامة منك يا عبد الله بن مسعود». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في التاريخ الكبير، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم [بن صبيح]، عن مسروق، قال: (شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
    ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله). رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن سعد، والطبراني في الكبير.
    - وقال الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: (لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدتهم كالإخاذ؛ فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المِئَة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم؛ فوجدت عبد الله من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو خيثمة في كتاب العلم، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
    - وقال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن إدريس، عن مالك بن مغول قال: قال الشعبي: (ما دخل الكوفة أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفع علماً، ولا أفقه صاحباً من ابن مسعود). رواه حنبل ابن إسحاق كما في تاريخ ابن عساكر.


    ابتعاثه إلى الكوفة
    كان ابن مسعود من جلساء عمر في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى حمص غازياً، ثمّ كتب إليه عمر ينتدبه إلى الكوفة معلّماً ووزيراً لعمار بن ياسر، وأميناً على بيت المال.
    فاتخذ سكناً بجوار المسجد الجامع في الكوفة، وكان له أثر مبارك على أهل الكوفة، أحبّوه وانتفعوا به، وكثر الناس في حلقاته، حتى كان يدور عليهم، ويحضهم على القرآن، وكان له مجلس وعظ كلّ خميس يذكّر فيه أصحابه ولا يطيل عليهم.
    - قال وهيب بن خالد، عن داود، عن عامر الشعبي أنَّ مهاجرَ عبد الله بن مسعود كان بحمص، فحدره عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: «إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه». رواه ابن سعد.
    - وقال سفيان الثوري، عن أي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب العبدي قال: قرئ علينا كتاب عمر ههنا [يريد بالكوفة]: « إني بعثت إليكم عمارا أميراً، وبعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا، وآثرتكم بابن أم عبد على نفسي، وجعلته على بيت مالكم». رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف.
    - وقال أبو القاسم البغوي: (سكن الكوفة، وابتنى بها داراً إلى جانب المسجد).
    - وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: (عبد الله بن مسعود يكنى أبا عبد الرحمن، وكان على القضاء وبيت المال بالكوفة عاملاً لعمر). رواه أبو القاسم البغوي.


    إقراؤه وتعليمه
    - قال أبو إسحاق السبيعي: أخبرني أبو عبيدة أن ابن مسعود إذا أصبح فخرج، أتاه الناس إلى داره فيقول: «على مكانكم»، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن، فيقول: «يا فلان بأي سورة أنت؟» فيخبرونه، فيقول: «بأي آية فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول تعلّمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض».
    قال: (فيظن الرجل أنها ليست في القرآن آية خير منها، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك حتى يقول ذلك لكلهم).رواه عبد الرزاق في المصنف والطبراني في المعجم الكبير.
    - قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، قال: كنا جلوسا مع ابن مسعود، فجاء خبّاب، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرءوا كما تقرأ؟
    قال: أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟
    قال: أجل
    قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير، أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟
    قال: أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه!
    فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن.
    قال عبد الله: (ما أقرأ شيئاً إلا وهو يقرؤه). رواه البخاري.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن جامع بن شداد المحاربي قال: أخبرنا عبد الله بن مرداس قال: «كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت ونحن نشتهي أن يزيدنا». رواه ابن سعد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)



    إملاؤه المصاحف
    كان ابن مسعود رضي الله عنه يملي المصاحف عن ظهر قلب، ويعلّم القرآن، فَكُثَرت كتابةُ المصاحف في الكوفة في عهده حتى جعل موضعاً في المسجد لعرض المصاحف.
    - قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه!!
    فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شُعبتي الرَّحْل!
    فقال: ومن هو ويحك؟!
    قال: عبد الله بن مسعود
    فما زال يطفأ ويسرَّى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: (ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه"). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
    - قال شريك بن عبد الله النخعي، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش قال: كنا نعرض المصاحف على عبد الله فسأله رجل من ثقيف فقال: يا أبا عبد الرحمن، أي الأعمال أفضل؟
    قال: «الصلاة، ومن لم يصلّ فلا دين له»رواه ابن أبي شيبة ، وله متابع يأتي ذكره قريباً.
    - وقال شعبة، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: كان عبد الله رضي الله عنه يعجبه أن يقعد حيث تُعرض المصاحف فجاءه ابن الحضارمة، رجلٌ من ثقيف فقال: أي درجات الإسلام أفضل؟
    قال: «الصلاة على وقتها من ترك الصلاة فلا دين له». رواه محمّد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وهذا يدلّ على أنه قد خصص مكاناً لعرض المصاحف.
    - وقال سحيم بن نوفل: كنا نعرض المصاحف عند عبد الله؛ فجاءت جارية أعرابية إلى رجلٍ من القوم؛ فقالت: اطلب راقياً فإنَّ فلانا قد لقع فرسك بعينه؛ فتركه يدور كأنه فلك!!
    قال: فقال عبد الله لا تطلب راقياً اذهب فانفث في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا ثم قل: "بسم الله، لا باس لا باس، أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا يذهب بالضر إلا أنت"
    قال: فذهب الرجل ثم رجع؛ فقال: فعلت الذي أمرتني؛ فأكل وبال وراث). رواه الطبراني في الدعوات والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق سفيان الثوري عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن سحيم به.


    تهيّبه التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
    - قال مالك بن إسماعيل بن درهم الكوفي: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه حدث يوماً حديثاً، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرعد، وأرعدت ثيابه، ثم قال: (أو نحو ذا، أو شبه ذا). رواه ابن سعد.
    - وقال المسعودي، عن مسلم البطين، عن عمرو بن ميمون قال: اختلفت إلى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فغشيه كرب حتى جعل العرق يتحدر، ثم قال: (إن شاء الله، إما فوق ذلك، أو دون ذلك، أو قريبا من ذلك). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن عمرو بن ميمون قال: (صحبت ابن مسعود ثمانية عشر شهراً؛ فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً). رواه ابن عساكر.
    - وقال نعيم بن حماد: أخبرنا ابن زبان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري عن عون بن عبد الله قال: (أحصينا حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بضع وخمسون حديثاً). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    وابن زبان الدمشقي ويقال: الحمصي، ويقال: ابن زيّان بالياء، له ترجمة في تاريخ دمشق، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.


    صفاته وشمائله
    - قال محمد بن الفضيل بن غزوان: حدثنا مغيرة، عن أم موسى، قالت: سمعت علياً يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه بشيء منها، فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه، فضحكوا منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تضحكون؟! لَرِجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد». رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد.
    - وقال حماد بن سلمة، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراك، قال: فضحك القوم من دقة ساقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟»
    قالوا: من دقة ساقه.
    فقال: «هي أثقل في الميزان من أحد». رواه ابن سعد، وأحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: «رأيت عبد الله بن مسعود رجلاً خفيف اللحم». رواه ابن سعد.
    - وقال يزيد بن هارون: أخبرنا المسعودي، عن سليمان بن ميناء، عن نفيع مولى عبد الله قال: «كان عبد الله بن مسعود من أجود الناس ثوبا أبيض، من أطيب الناس ريحا». رواه ابن سعد.
    - وقال محمد بن عبد الله الأسدي: أخبرنا مسعر، عن محمد بن جحادة، عن طلحة قال: «كان عبد الله يعرف بالليل بريح الطيب». رواه ابن سعد.
    - وقال الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: (كان عبد الله لطيفاً فطناً). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
    - وقال وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: قال هبيرة بن يريم: «كان لعبد الله شعر يرفعه على أذنيه، كأنما جعل بعسل».
    قال وكيع: (يعني لا يغادر شعرة شعرة). رواه ابن سعد.
    - وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان [الثوري]، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال: «كان ابن مسعود يغسل رأسه ثم يترك شعره من وراء أذنيه». رواه الطبراني في الكبير.
    - وقال أبو نعيم الفضيل بن دكين: أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم قال: «كان شعر عبد الله بن مسعود يبلغ ترقوته، فرأيته إذا صلى يجعله وراء أذنيه». رواه ابن سعد.
    - وقال يوسف بن عدي التيمي: أخبرنا محمد بن عتبة الرقي، عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن المسيب قال: (كأني أنظر إلى ابن مسعود عظيم البطن حَمْش الساقين). رواه أبو القاسم البغوي.
    - وقال هشيم بن بشير: أخبرنا سيار، عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك.
    فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك!
    فقال عبد الله: (إني لست مثلك! إن بساقي حموشة، وأنا أؤم الناس).
    فبلغ ذلك عمر فجعل يضرب الرجل ويقول: (أتردّ على ابن مسعود؟!). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)

    بعض أخباره
    - قال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال: «كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس ورفع كلامه كي يستأنسوا». رواه ابن سعد.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ما رأيت فقيها أقلَّ صوماً من عبد الله بن مسعود.
    فقيل له: لم لا تصوم؟
    فقال: (إني أختار الصلاة عن الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة). رواه ابن سعد.
    - وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: " مرض مرضا فجزع فيه، قال: فقلنا له: ما رأيناك جزعت في مرض ما جزعت في مرضك هذا، فقال: «إنه أخذني وأقرب بي من الغفلة». رواه ابن سعد.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عبد الله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وقد كان عثمان حرمه عطاءه سنتين، فأتاه الزبير فقال: «إن عياله أحوج إليه من بيت المال، فأعطاه عطاءه عشرين ألفا، أو خمسة وعشرين ألفا». رواه ابن سعد.
    - وقال يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: دخل الزبير بن العوام على عثمان بعد وفاة عبد الله بن مسعود فقال: «أعطني عطاء عبد الله، فأهل عبد الله أحق به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألف درهم». رواه ابن سعد.


    مرضه ووفاته
    قدم على عثمان المدينة، وفي طريقه اجتاز بالربذة وشهد وفاة أبي ذرّ رضي الله عنه، وصلى عليه، ثم مرض بالمدينة أياما ثم توفي بها سنة 32هـ، فصلى عليه عثمان، ودُفن بالبقيع رضي الله عنه.
    وأوصى إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله.
    - قال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني بريدة بن سفيان الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي قال: خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره فأوصاهم أن اغسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأعينونا على غسله ودفنه، ففعلوا فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق؛ فقام إليه غلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك)). رواه ابن سعد في الطبقات، وإسحاق ابن راهويه كما في المطالب العالية، ومحمد بن كعب القرظي إمام في السِّيَر، لكن بريدة بن سفيان متكلَّم فيه.

    - قال أبو الزنباع رَوْحُ بن الفرج المصري: حدثنا يحيى بن بكير قال: «توفي عبد الله بن مسعود ويكنى أبا عبد الرحمن وهو ابن بضع وستين سنة، وفي سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة، وأوصى إلى الزبير بن العوام، وصلى عليه ودفن بالبقيع». رواه الطبراني في المعجم الكبير.


    مواعظه ووصاياه
    لابن مسعود وصايا جليلة مبثوثة في دواوين السنة، وقد أفردها ابن أبي شيبة في باب طويل من كتاب الزهد في مصنفه، وذكر أبو داوود في كتاب الزهد طائفة منها.
    - قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي، أن عامر بن واثلة [أبا الطفيل] حدثه أنه سمع عبد الله بن مسعود، يقول: (الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره). رواه مسلم في صحيحه.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود بن يزيد، قال: قال عبد الله: (ما من نفس برة ولا فاجرة إلا وإن الموت خير لها من الحياة، لئن كان براً لقد قال الله: {وما عند الله خير للأبرار}، ولئن كان فاجرا لقد قال الله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد.
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، والأعمش، عن عمارة، عن الأسود، قالا: قال عبد الله: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه؛ فقال به هكذا؛ فطار). رواه أحمد.
    - وقال عبد الرحمن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله: «كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار به جهلا». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن زبيد اليامي قال: قال عبد الله بن مسعود: «إنَّ الرَّوْحَ والفَرَج في اليقين والرضى، وإنَّ الهمَّ والحزنَ في الشكّ والسخط». رواه ابن المبارك في الزهد.
    - وقال سفيان الثوري، عن زبيد اليامي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب؛ فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان، فمن ضنَّ بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: "لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر"). رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في الزهد.
    ورواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه من هذا الطريق دون قوله: (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم).
    - وقال جرير، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: لقد أتاني اليوم رجل، فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه، فقال: أرأيت رجلاً مُؤْدِياً نشيطاً يخرج مع أمرائنا في المغازي؛ فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها؟!
    فقلت له: « والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعسى أن لا يُعزم علينا في أمرٍ إلا مرة حتى نفعله، وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شكَّ في نفسه شيء سأل رجلاً فشفاه منه، وأوشك أن لا تجدوه، والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثَّغب شرب صفوه وبقي كدره». رواه البخاري.
    المؤدِي بالتخفيف: مكتمل الأداة للحرب، والثَّغب بقيّة الغدير أو الماء القليل الذي استنقع في صخرة أو موضع مطمئنّ من الأرض.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: (ما شبهت ما غبر من الدنيا إلا بثَغْب شرب صفوه وبقي كدره، ولا يزال أحدكم بخير ما اتقى الله، وإذا حاك في صدره شيء أتى رجلاً فشفاه منه، وأيم الله لأوشك أن لا تجدوه). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن زبيد اليامي قال: قال عبد الله: «قولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عُجُلاً مذاييعَ بُذُرا». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
    ورواه وكيع في الزهد من طريق سفيان الثوري عن زبيد به.
    - وقال يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، قال: (تعلموا تعلموا؛ فإذا علمتم فاعملوا). رواه ابن أبي شيبة، والدارمي، ويعقوب بن سفيان.
    - وقال هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعود: (إنما هذه القلوب أوعية؛ فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدثني أشعث بن أبي خالد، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء فليفعل، حيث لا يناله اللصوص، ولا يأكله السوس؛ فإنَّ قلب كل امرئ عند كنزه). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « من أراد الآخرة أضرَّ بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضرَّ بالآخرة، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك.
    ورواه هناد بن السري في الزهد من طريق قبيصة عن سفيان الثوري به وزاد: (إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، كثير معطوه، قليل سؤّاله، الصلوات فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وإنَّ من ورائكم زماناً كثير خطباؤه، قليل علماؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطب، إن من البيان سحراً).
    - وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: (تعودوا الخير فإنما الخير في العادة). رواه وكيع في الزهد، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطبراني في الكبير.
    - وقال جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن خيثمة، قال: قال عبد الله: (انظروا الناس عند مضاجعهم؛ فإذا رأيتم العبد يموت على خير ما ترونه فارجوا له الخير، وإذا رأيتموه يموت على شرّ ما ترونه فخافوا عليه؛ فإنَّ العبد إذا كان شقياً وإن أعجب الناس بعض عمله قيّض له شيطان فأرداه وأهلكه حتى يدركه الشقاء الذي كتب عليه، وإذا كان سعيداً وإن كان الناس يكرهون بعض عمله قيّض له ملك؛ فأرشده وسدده حتى تدركه السعادة التي كتبت له). رواه ابن أبي شيبة.
    وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، وفد جده أبو سبرة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما خيثمة فإمام ثقة لكنّه لم يسمع من ابن مسعود، إنما كان يروي عن بعض أصحابه كالأسود بن يزيد، لكن لهذا الأثر ما يشهد له، وهو حديث ابن مسعود المشهور: حدثنا الصادق المصدوق إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفة ... الحديث.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)


    رواة القراءة والتفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه
    رُزِقَ ابن مسعود أصحابَ صدق حفظوا علمه، ونشروه، فكثرت الروايات عنه جداً، فهو من أكثر من يروى عنهم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم.
    - قال صالح بن الإمام أحمد: حدثني أبي قال: (عبد الله بن مسعود هذلي، وكان بدرياً وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رضيت لأمتي بما رضي لها ابن أم عبد))، وهو فقيه أهل الكوفة ومعلمهم، وليس يعدل أهل الكوفة بقوله شيئاً، وليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبل صاحباً من ابن مسعود).
    - وقال علي بن المديني: (أصحاب عبد الله سُرُجُ هذه القرية).
    قرأ عليه: معاذ بن جبل، وجماعة من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
    وقرأ عليه من التابعين: علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وأبو عمرو الشيباني، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
    وممن روى عنه في التفسير: مسروق بن الأجدع الهمداني، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعلقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، والربيع بن خثيم الثوري، وزر بن حبيش، وعمرو بن ميمون الأودي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو الزعراء عبد الله بن هانئ الكندي.
    وأرسل عنه: ابنه أبو عبيدة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة، وأبو الجوزاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، والمسيب بن رافع، وأبو البختري، وعطاء بن يسار.
    وأما ما أرسله إبراهيم النخعي فقد اختلف فيه؛ فمن أهل العلم من يصححه لأنه إنما يروي عن ابن مسعود من طريق الثقات كعلقمة بن قيس والأسود بن زيد.


    مما روي عنه في التفسير
    1: قال يزيد بن زريع: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان [النهدي]، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رجلاً أصاب من امرأة قبلة؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: {وأقم الصلاة طرفي النهار، وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين}.
    قال الرجل: ألي هذه؟
    قال: «لمن عمل بها من أمتي». رواه البخاري، ومسلم.
    2: قال أبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، عن مسروق، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: إنّما كان هذا، لأنّ قريشًا لمّا استعصوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل اللّه تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ. يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ}.
    قال: فأُتي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: يا رسول اللّه: استسق اللّه لمضر، فإنّها قد هلكت!
    قال: «لمضر؟! إنّك لجريءٌ».
    فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت: {إنّكم عائدون}؛ فلمّا أصابتهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: (يعني يوم بدرٍ). رواه البخاري، ومسلم.
    3: قال الأعمش، عن أبي ظبيان قال: كنا نعرض المصاحف عند علقمة فقرأ هذه الآية: [إن في ذلك لآيات للموقنين]، فقال عبد الله: (اليقين الإيمان كله، وقرأ هذه الآية:{إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}).
    قال: فقال عبد الله: (الصبر نصف الإيمان). رواه الحاكم في المستدرك، وعلّق البخاري بعضه في صحيحه، ورواه مختصراً وكيع في الزهد، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني في المعجم الكبير، وغيرهم.
    تنبيه: وقوله: [إن في ذلك لآيات للموقنين] هكذا في مستدرك الحاكم وتفسير ابن جرير وتفسير ابن أبي حاتم، وهي ليست فيما بين أيدينا من المصاحف العثمانية، لكنّها رويت عن ثلاثة من السلف: ابن مسعود ومغيرة بن مقسم والعلاء بن يزيد؛ فإن لم يكن ذلك وهم من بعض الرواة فربما كانت في بعض المصاحف القديمة مما تركت القراءة به من الأحرف الأخرى، والذي في مصاحفنا قوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين}.
    4. وقال أبو عوانة اليشكري: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، قال: سألت زرَّ بن حبيش عن قول الله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: حدثنا ابن مسعود: « أنه رأى جبريل له ستمائة جناح». رواه البخاري في صحيحه، ورواه مسلم من طريق عباد بن العوام عن أبي إسحاق الشيباني به.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)


    العناصر:
    اسمه ونسبه
    إسلامه
    مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي
    مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده
    أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
    - تعليمه القرآن وتفقيهه في الدين
    - تولّيه القضاء
    مختارات من أحاديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم
    تورّعه في التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
    فضائله ومناقبه
    علمه وعبادته
    زهده وورعه
    تخوّفه النفاق وتعوّذه منه
    تفكّره واعتباره
    أهله وأولاده
    بعض أخباره
    ثناء الصحابة والتابعين عليه
    مرض موته
    تاريخ وفاته
    ما رؤي فيه بعد موته
    مواعظه ووصاياه
    مراسيل المواعظ المروية عنه
    كتابة مواعظ أبي الدرداء رضي الله عنه
    رواة القراءة والتفسير عن أبي الدرداء رضي الله عنه
    مما روي عنه في التفسير



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)



    اسمه ونسبه
    هو عويمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عيشةَ بنِ أميةَ بن مالكِ بنِ عامرةَ بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري.
    وقد وقع في نسبه تصحيف كثير في كتب التراجم والأنساب، ومن أجود من حقّ نسبه عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه "أخبار قبائل الخزرج".
    وقيل اسمه عامر، وعويمر لقب، لكنّه خلاف المشهور.
    - قال أبو حفص الفلاس: سألت رجلاً من ولد أبي الدرداء فقال: (هو خامس أبٍ لي، اسمه عامر بن مالك).
    اشتهر أبو الدرداء بكنيته، وهو أخو عبد الله بن رواحة لأمّه.

    إسلامه
    اجتهد أخوه لأمّه عبد الله بن رواحة في ترغيبه في الإسلام حتى أسلم بعد بدر؛ فحسن إسلامه، وأقبل على القرآن والعبادة، وفتح له فيهما حتى جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أكثر الصحابة عبادة وتعليماً للقرآن.
    - قال عبد الله بن وهب: أخبرنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: كان أبو الدرداء يعبد صنماً في الجاهلية، وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فسرقا صنمه؛ فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك، ويقول: (ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟!)
    فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحدٍ دفع عن نفسه ونفعها.
    فقال أبو الدرداء: أعدّي لي في المغتسل ماء؛ فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلَّته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛ فقال: (هذا أبو الدرداء ما أراه جاء إلا في طلبنا).
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما جاء ليسلم؛ فإنَّ ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم).رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    ورواه الطبراني وابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح بنحوه.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثني سعيد بن عبد العزيز أنَّ أبا الدرداء أسلم يوم بدر، وشهد أحداً؛ فأبلى يومئذٍ، وفرض له عمر في أربعمائة ألحقه بالبدريين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.


    مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي
    آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي؛ فكان في تآخيهما بركة ونفع لهما وللمسلمين.
    - قال جعفر بن عون المخزومي: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء؛ فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟
    قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
    فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل؟
    قال: فإني صائم.
    قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
    قال: فأكل؛ فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
    قال: نم، فنام.
    ثم ذهب يقوم فقال: نم.
    فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا؛ فقال له سلمان: (إنَّ لربّك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه).
    فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان». رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان.
    - وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: «آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وآخى بين عوف بن مالك وبين صعب بن جثامة». رواه أبو يعلى الموصلي.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين





    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)

    مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده
    شهد أبو الدرداء يوم أحد، وأبلى فيه بلاء حسناً، وشهد ما بعده من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاهد في زمان أبي بكر وعمر وعثمان، فشهد فتح دمشق وحمص، وقاد بعض السرايا في فتوح الشام، وكان على رأس جيش في فتح دمشق، وغزا في البحر في أوّل خلافة عثمان، وكان ممن شهد فتح قبرص، وكان يرابط أحياناً ببيروت.
    - قال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز أنّ أبا الدرداء أسلم بعد بدر وشهد أحداً وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يردَّ من على الجبل؛ فردّهم وحده). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال يحيى بن عبد الرحمن البابلتي: حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني شريح بن عبيد، قال: لما هزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس , فلما أظلهم المشركون من [فورهم] فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [اللهم] ليس لهم أن يعلونا» فثاب إليهم [إليه] يومئذ ناس؛ فانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى إذا دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الفارس عويمر» وقال: «حكيم أمتي عويمر». رواه الطبراني في مسند الشاميين، وهو مرسل.
    - وقال أبو الجماهر محمد بن عثمان الدمشقي: حدثنا الهيثم بن حميد، أخبرني محمد بن يزيد الرحبي: سمعت أبا الأشعث، عن أبي عثمان الصنعاني قال: (لما فتح الله عز وجل علينا دمشق؛ خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة ببرزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح؛ ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السِّمْط؛ فأوطأ الله بنا ما دون النهر يعني الفرات، وحاصرنا عانات، وأصابنا لأواء، وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا). رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، ويعقوب بن سفيان في المعرفة كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.
    - وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء أنه شهد فتح قبرس.
    قال جبير: (ورأيته يبكي، والسبي يفرق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال الوليد بن مسلم: أخبرنا ثور، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، قال: (لما افتتح المسلمون قبرس، وفرّق بين أهلها، فقعد بعضهم يبكي إلى بعض، وبكى أبو الدرداء، فقلت: ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأذلّ الشرك وأهله؟
    قال: (دعنا منك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره! بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في العقوبات.
    - وقال يحيى بن حمزة، عن عروة بن رويم، عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: قدم علينا سلمان دمشق، فلم يبق فينا شريفٌ إلا عرض عليه المنزل.
    فقال: إني عزمت أن أنزل على بشير بن سعد مرَّتي هذه.
    فسأل عن أبي الدرداء فقيل: مرابط.
    فقال: وأين مرابطكم يا أهل دمشق؟
    قالوا: ببيروت.
    قال: (فخرج إلى بيروت). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، وأحمد بن يحيى البلاذري في "أنساب الأشراف" وزاد: قال سلمان: يا أهل بيروت! ألا أحدّثكم حديثا يُذهب الله به عنكم غرض الرباط، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( رباط يوم كصيام شهرٍ وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر، وأجري له ما كان يعمل إلى يوم القيامة)).


    أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
    شهد أبو الدرداء فتوح الشام، وقاد بعض السرايا فيها، وكان يقصّ على الجند، ويعلّم القرآن، ثم لما استقرّت ولاية للمسلمين على الشام؛ نزل حمص فعلّم بها، ثم نقله عمر إلى دمشق، وولاه القضاء، ونيابة الأمير معاوية إذا غاب، وبقي قاضياً، ومعلّماً للقرآن، وآمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، ومجتهداً في العبادة، والنصح، والتعليم، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وقد نشر في الشام علماً غزيراً مباركاً.

    تعليمه القرآن وتفقيهه في الدين
    كان أكثر اشتغاله رضي الله عنه بتعليم القرآن، والتفقيه فيه؛ وكثر طلابه في الشام جداً، حتى روي أنه طلب مرة أن يُعدّوا فعدّوهم فزادوا على ألف وستمائة، وكان يجعل على كلّ عشرة عريفاً، فإذا أحكم القارئ منهم انتقل إليه فعرض عليه.
    - قال سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن محمد بن كعب القرظ القرظي قال: جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعِنّي يا أميرَ المؤمنين برجالٍ يعلمونهم؛ فدعا عمرُ أولئك الخمسة فقال لهم: إنَّ إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين؛ فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا؛ فقالوا: ما كنا لنتساهم؛ هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأمَّا هذا فسقيم لأبيّ بن كعب؛ فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء.
    فقال عمر: (ابدأوا بحمص؛ فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس؛ فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين، وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات). رواه ابن سعد في الطبقات وهذا سياقه وهو أتمّ، ورواه البخاري في التاريخ الصغير باختصار فيه وزاد: (وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل معاذ بها حتى مات عام طاعون عمواس، وصار عبادة بعدُ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات).
    - وقال الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبِ أبي الدرداء قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا.
    قال: (فعددت ألفاً وستمائة ونيفاً؛ فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛ فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدما فيهم). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورجاله ثقات.
    - وقال سويد بن عبد العزيز التنوخي: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك.
    وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته). ذكره علم الدين السخاوي في "جمال القراء"، والذهبي في معرفة القراء الكبار.
    قلت: سويد بن عبد العزيز(ت:194هـ) ضعّفه غير واحد من الأئمة لضعف ضبطه، وكان قارئاً صدوقاً غير متّهم، وهو قاضي بعلبك، ولد سنة 108هـ، وقرأ على يحيى بن الحارث الذماري، بقراءته على ابن عامر، وابن عامر ولد سنة 21هـ؛ وكان له نحو 12 سنة حين مات أبو الدرداء.
    - وقال إسماعيل بن عيّاشٍ الحمصي، عن محمّد بن يزيد، عن عمير بن ربيعة قال: «رأيت أبا الدّرداء يدرس القرآن في جماعةٍ من أصحابه». رواه سعيد بن منصور في سننه.

    تولّيه القضاء
    تولّى أبو الدرداء قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ذلك في أوائل إمارة معاوية على الشام.
    - قال خالد بن يزيد المري، عن هشام بن الغاز عن مكحول: (أنَّ عمر انتقل أبا الدرداء من حمص إلى دمشق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: (عمر أمّر أبا الدرداء على القضاء يعني بدمشق، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب). رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال علي بن الجعد: حدثنا شعبة عن أبي النضر، مسلم بن عبد الله قال: سمعت جبلة بن عبد الرحمن قال: (كان أبو الدرداء خليفة معاوية بالشام). رواه ابن عساكر.
    - وقال عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد قال: استُعمل أبو الدرداء على القضاء؛ فأصبح يهنئونه فقال: (أتهنئوني بالقضاء، وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين؟!! ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
    - وقال مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعمّا لك. وإن كنت متطبباً؛ فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار).
    فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما، وقال: ارجعا إليَّ أعيدا عليَّ قصّتكما، متطبب والله). رواه مالك في الموطأ، ويحيى بن سعيد لم يدرك أبا الدرداء.

    - وقال الحافظ ابن عساكر: (شهد اليرموك، وكان قاص أهله، وحضر حصار دمشق، ثم سكن حمص ثم انتقله عمر بن الخطاب إلى دمشق وولي بها القضاء، وكانت داره بدمشق بباب البريد، وهو الذي يعرف اليوم بدار العزي).

    مختارات من أحاديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم
    روى أبو الدرداء أحاديث جليلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأحاديث:
    - قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي حظه من الرفق، أعطي حظه من الخير، ومن منع حظه من الرفق، منع حظه من الخير». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، ورواه أبو جعفر ابن البختري، وزاد:
    وقال: ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟
    قال: ((خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء)).
    - وقال إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن خاله عطاء بن نافع أنهم دخلوا على أم الدرداء، فأخبرتهم أنها سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل شيء في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن)). رواه أحمد في المسند.
    - وقال شعبة بن الحجاج: سمعت القاسم بن أبي بزة، عن عطاء الكيخاراني، عن أمّ الدرداء، عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن». رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داوود في سننه.
    - وقال قتادة: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدّث عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟».
    فقيل: ومن يطيق ذلك؟
    قال: ((اقرأ: قل هو الله أحد)). رواه أحمد في المسند.
    - وقال قتادة، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود.
    - وقال زائدة بن قدامة الثقفي: حدثنا السائب بن حبيش الكلاعي، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: قال أبو الدرداء أين مسكنك؟
    قال: قلت: قرية دون حمص.
    قال أبو الدرداء: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة نفر في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)).
    فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي ألفاظ بعضهم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة...)
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟».
    قالوا: بلى.
    قال: ((إصلاح ذات البين))
    قال: ((وفساد ذات البين هي الحالقة)). رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه، والترمذي في جامعه، وهناد بن السري في الزهد.
    - وقال أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه). رواه أحمد في المسند، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان.
    - وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر النهشلي، عن مرزوق أبي بكر التيمي، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.
    ورواه أحمد أيضاً وغيره من طريق ليث بن أبي سليم عن شهرب بن حوشب، عن أم الدرداء به.
    وروى نحوه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، مرفوعاً.
    فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق.
    - وقال بقية بن الوليد: حدثنا صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري). رواه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان، ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، وبقية يدلّس تدليس التسوية.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)

    تورّعه في التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
    - قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء أنه كان إذا حدَّث بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إن لا هكذا فكشكله). رواه أبو زرعة الدمشقي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، والدارمي في سننه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في الكفاية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: حدثنا بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس قال: سمعت أبا الدرداء - إذا فرغ من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (هذا، أو نحو هذا أو شكله). رواه أبو زرعة الدمشقي، والطبراني في مسند الشاميين، والخطيب البغدادي في الكفاية.
    - وقال محمد بن كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا حدّث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا، أو نحوه، أو شبهه، أو شكله). رواه الدارمي.
    - وقال أحمد بن إسحاق الباهلي: حدثنا ابن داود قال: حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة، عن يزيد بن أبي مالك وربيعة بن يزيد، ومكحول قالوا: إن أبا الدرداء رضي الله عنه كان إذا حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قال: (هكذا أو شكله). رواه أبو يعلى الموصلي كما في المطالب العالية.

    فضائله ومناقبه
    مناقب أبي الدرداء رضي الله عنه كثيرة:
    - منها ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ ربي عزَّ وجلَّ وعدني بأبي الدرداء أن يسلم). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - ومنها حديث هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا يزيد بن أبي مريم، أنّ أبا عبد الله حدّثه أنَّ أبا الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا فرطكم على الحوض؛ فلا ألفينَّ ما نوزعت في أحدكم؛ فأقول: هذا منّي؛ فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك؟!
    فقلت: (يا رسول الله! ادع الله أن لا يجعلني منهم).
    قال: (( إنك لستَ منهم)). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    وأبو عبد الله ، ويقال: عبيد الله هو مسلم بن مشكم كاتب أبي الدرداء.
    - ومنها: بلاؤه الحسن يوم أحد، وشهوده المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
    - ومنها: جمعه القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
    - ومنها: اشتغاله بالجهاد والقضاء وتعليم القرآن والتفقيه في الدين والإفتاء والوعظ والإرشاد والتعبّد حتى توفيّ رضي الله عنه وأرضاه.

    علمه وعبادته
    قرأ أبو الدرداء على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على القرآن حتى جمعه في عهده صلى الله عليه وسلم، واجتهد في العلم والعبادة، وأكثر على نفسه حتى أمره سلمان الفارسي بالاقتصاد، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على ذلك.
    - قال عبد الله بن المثنى: حدثني ثابت البناني، وثمامة، عن أنس بن مالك، قال: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد). رواه البخاري.
    - وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عامر بن شراحيل الشعبي وكان لقي نحو خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قرؤوا القرآن في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أبيٌّ، ومعاذٌ، وزيدٌ، وأبو زيدٍ، وأبو الدّرداء، وسعيد بن عبيدٍ، ولم يقرأه أحدٌ من الخلفاء من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ عثمان، وقرأه مجمّع ابن جارية إلاّ سورةً أو سورتين). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال الأعمش، عن خيثمة، عن أبي الدرداء قال: «كنت تاجراً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة؛ فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة، وتركت التجارة». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال الأوزاعي: حدّثنا حسان بن عطية، قال: قال أبو الدرداء: «لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل، فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ إلا رجلاً ببِرْكِ الغُمَاد لرحلت إليه». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - - قال أبو عبيد: (وهو أقصى هجر باليمن... والصواب: ببرك بالكسر، والغماد بضم الغين).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •