المسكوت عنه في الفِكر الحوثي



أمس الأول كنتُ أطالع اختلاف النحويين في إعراب العبارة الشهيرة في النحو ” أكلوني البراغيث ” ، وهي عبارة تدلُّ على إختلاف لغات العرب ولهجاتهم .
واتفق أن ظهر في الإعلام ما يُشير إلى سيطرة الروافض على مقاليد الحُكم في اليمن . وقد تعجبتُ من هذه الموافقة المطابقة للواقع ، فالحوثييِّن براغيث عاثت في اليمن فساداً ودماراً .
الحوثيون لهم فكر ومعتقد لم يُنبش من المحلِّلين والإعلامييِّن وبعض المعتنين بقراءة الواقع السياسي . ولقد بات هذا الفِكر في حكم المسكوت عنه . وقد تقرَّر عند الأصولييِّن أن توابع الأعمال ومُكمِّلاتها تابعة لها .

لقد قال الله تعالى : ” ولا يحيق المكر السيُِّء إلا بأهله ” ( فاطر: 43) ، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لكل غادر لواء يوم القيامة ، يرفع له بقدر غدره . ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة ” أخرجه مسلم .
جُملة : ( الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام ) ! .
جملة ماكرة نُقشت على البِزَّة العسكرية للعصابة الحوثية في شوارع صنعاء ، وقد شاهدها الملايين من البشر .
أراد الله أن يظهر للناس منهج هذه العصابة المجرمة ، علامة على أكتافهم لكل من دبَّ ودرج في أرض اليمن وخارجه ، لبيان سوء منقلبها ونِفاقها .
بين يدي وأنا أرقم هذا المقال في – مكتبتي – خمس وثائق مصورة من الخزانة الحوثية ، وهي وثائق مطابقة للأصل وممهورة بتوقيع ” عبد الملك الحوثي ” وختمه ، يزعم فيها أن جماعة الحوثي اصطفاها الله على بقية الخلق تحت بند الإصطفاء .
وتُلغي الوثيقة حق الجماعات الأخرى مهما كانت، وتؤكِّد الوثيقة أن نهج الهداية والأمان من الضلال بعد كتاب الله في أهل بيت الحوثي دون سواهم، لأنهم حجج الله في أرضه، وقرناء كتابه .
وتؤكِّد أيضاً أن أيَّ اجتهاد أو تجديد لا يتفق مع آرائهم وفكرهم أو يخالف أهل بيتهم فهو مردود، بل هو مفسد للدِّين، لأنه يُعتبر خِلافاً لمن أمر الله بطاعتهم .

وتقرر الوثيقة : أن الله اصطفى أهل بيت الحوثي على المسلمين، كما اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، وجعلهم هداة الأمة وورثة الكتاب .
وتؤكِّد الوثيقة : أن ما يقع من النقد للعلماء ، فإنه لا يقصد به علماء أهل البيت وشيعتهم وعلومهم .
من أراد أن يقف على منهجية الفِكر والمكر الحوثي وأسراره ، يجب عليه نفض غبار التراث الزيدي القديم – وهي فرع منه – ليعرف كيف انحرفت الزيدية عن الجادة الصحيحة ، ثم يربط ما تحصَّل لديه بالواقع الحوثي ودوره التأريخي المعاصر .
الزيدية – التي انشقَّ منها الحوثي – فرقة من الشيعة تُنسب إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك . وكان زيدٌ يُفضِّل عليَّ بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتولَّى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما . وكان يرى الخروج على أئمة الجور . توفي مقتولًا سنة 122ه .
الزيدية يرون أن كل فاطمي ظهرت فيه الشجاعة وأمارات الإمامة فتجب مبايعته وتجب طاعته . ولهذا جوَّزوا مبايعة إمامين في بلد واحد. وهذه الفائدة مهمة ويجب التفطُّن لها في الواقع الحوثي .

الجارودية – وهي طائفة من الزيدية وإليها ينتسب الحوثي وجماعته -يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على إمامة عليِّ رضي الله عنه بالوصف لا بالتسمية ، وكفَّروا كل مخالف يرى غير هذا الرأي .
انتشر مذهب الزيدية- - بفروعه الحسنة والمعوجَّة على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين مؤسس دولة الشرفاء العلويين ، وهو الذي قنَّن الفقه الهادوي في اليمن وأقام دولته . وقد استمرت دولته من سنة 284ه إلى سنة 1382ه . بمعنى أنها عُمِّرت ثمان وتسعون وألف سنة .
المكر الحوثي بنى قاعدته الشعبية على أن الأمة مرتدَّة لأنها تركت إمامة عليِّ رضي الله عنه ، ولأن الأمة أهملت القيام بحق الأئمة المعصومين – عندهم – الذين لا يجوز عليهم الخطأ ولا السهو ، وقالوا بإنكار إمامة المفضول والقول بالإختيار .

من المؤسف أن اليمن – من قرون طويلة – كانت حاضنة للجهل والضياع الِّديني والفكري ، وبؤرة لمن أراد أن يلبس لبوس الدِّين من المبتدعة والزنادقة ومن لفَّ لفَّهم .
وقد ألمح الإمام الشوكاني( ت: 1250هـ ) رحمه الله تعالى إلى شيٍ من هذا في مصنَّفاته حين قال : ” إذا بلغ بعضُ معاصريهم إلى رتبة الإجتهاد وخالف شيئاً باجتهاده جعلوه خارجاً عن الدِّين ، وهذا شأن غالب أهل اليمن مع علمائهم “ .
من المكر الحوثي الذي لم يتفطَّن له الكثيرون أن الحرية الفكرية التي تأسَّست على الفقه الزيدي قديماً، أستغلت من الجماعات الحوثية ومنظِّريها المعاصرين ، للتدليس على الناس في عقائدهم وعلمائهم بالزور أحياناً، وبالتدليس في أحيانٍ أُخر ، وبالخيانة واستباحة الدم والمال في كثير من الأحوال . وكل من قرأ التاريخ الزيدي في منهجه المنحرف يُقرُّ بذلك ولا يُنكره .
ولهذا عُرف في التاريخ اليمني خاصة أن الرافضة منهم لا يُخلصون المودة لغير رافضي ، وإن آثره بجميع ما يملكه ، حتى وإن كان الآخر لهم بمنزلة الخَوَل ! ، وقد أشرتُ إلى ذلك في كتابي : ” دهاقنة اليمن “ .
من أعلام الحوثييِّن الذين صنَّفوا الوهابية على أنها الفئة الباغية على الحقوق المشروعة للزيدية الجارودية : ” بدر الدين الحوثي “(ت: 1432هـ ) وهو يُعدُّ من أهم المراجع الفقهية والروحية للحوثية المعاصرة ، وهو الذي أسَّس حزب الحق اليمني ، وهو حزب سياسي معاصر .
ومن أراد أن يعرف عقل هذا الهالِك وفكره فليُطالع كتابه : ” تحرير الأفكار عن تقليد الأشرار ” ، والأشرار الذين يقصدهم هم أهل السنة والجماعة، أهل الحديث قديماً وحديثاً .
من زعماء الزيدية الذين كان لهم صولة وجولة في كسر شوكة أهل السنة والجماعة ” حسين بدر الدين الحوثي ” ( ت: 1425هـ) وهو الذي أسَّس حركة الشباب المؤمن ، وهو لقب يُطلق على الحوثييِّن لرفع معنوياتهم عند العامة وعند أضدادهم .
ومن أسباب المكر الديني والسياسي التي قام بها ، تأسِّيسه للمدارس الزيدية المنحرفة في صعدة ، ومحاربته لأهل الحديث حوله في دمَّاج وغيرها من القرى الشافعية السنية ، وتهويله لخطر الوهابية في سائر أرجاء اليمن .وهذه فائدة مهمة يجب التفطُّن لها في الواقع اليمني الحالي .
وقد كانت له رحلات عقدية وسياسية مشبوهة إلى إيران ولبنان لا تخفى على كل متأمِّل .
ومن أسباب المكر السياسي والديني ما قام به ” عبد الملك الحوثي ” من تأثير على القبائل اليمنية – من سنين طويلة إلى اليوم – بالخطابات والدعوة الى الحشد والاعتصام ، لتوريط الحكومة اليمنية في حالة من الفوضى والإضطراب ، وشراء ذِّمم بعضهم بالمال وتوزيع صكوك الغفران ، ونحوها من الوعود البرَّاقة .
وقد نجح الحوثي وعصابته في تأسِّيس فضائية المسيرة ، وإذاعة سام إف إم ، للردِّ على خصومهم في الداخل والخارج ، وهي مُموَّلة بشكل كامل من الروافض في إيران .
ومن أسباب المكر المعنوية والمادية التي استقوت بها العصابة الحوثية ، تمسكها بالأحزاب اليسارية والناصرية والقومية في تقسيم المجتمع اليمني وفرك نواته التي نشأت على الفطرة ، مما عجَّل بهروب أهل الخير والعلم من الساحة اليمنية خوفاً على أرواحهم من خنجر الغدر والخيانة التي عُرفت بها هذه العصابة .
ما تقدَّم من إشارة لبعض أسباب المكر الديني والسياسي عند الحوثيين، كانت هي المفتاح الذي وصلت به هذه العصابة إلى قصر الرئاسة في صنعاء ، والهيمنة على مفاصل الدولة وثرواتها ومؤسساتها ومحاربة أهل السنة فيها .
إن إمتلاك الحوثيين للأسلحة الثقيلة وآليات الِّلوائين الأول والثالث وحصارهم للقصر الجمهوري ، دليل على أن هذه الجماعة تُخطِّط لهذه اللحظة من سنين طويلة ولأهداف دنيئة ، لا تريد خيرًا لليمن ولا لأهل السنة فيها .
ما تقدَّم من تتبع للفكر الحوثي من دهاليز المعتقد والسياسة إلى قصر الرئاسة ، يدلُّ على أن هذه الجماعة تقوم بتحالفات تحت الكواليس لأجندات خاصة ورؤى مرسومة للهيمنة وبسط النفوذ ، وقد أعانهم على ذلك طول نَفَسِهم في ترتيب ملفاتهم ، وأناتهم في إنتظار ثمار مكرهم . ولا يرتاب في ذلك من له أدنى مسكة عقل .
الحوثيون استفادوا من تأريخهم – بغض النظر عن إنحرافه – واستفادوا من مراجعهم ، واستفادوا من حُبِّهم لآل البيت ، واستطاعوا بدهاء توظيفه للتأثير على الناس وغَسل أدمغتهم ، واستفادوا من دهائهم الطويل في عقد الصَفقات والتحالفات مع الأيدي القوية لخدمة أجندتهم المنحرفة .
وهم بهذا المعنى جمعوا بين الفجور والنِّفاق ، حتى وإن أبطنوا خِلاف ذلك . وقد صدق الإمام الشافعي (ت: 204هـ ) رحمه الله تعالى حين قال: ” من حَكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم ، استدلالاً على أن ما أظهروا يحمل غير ما أبطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة ، لم يسلم عندي من خِلاف التنزيل والسنة “ .

والخلاصة أن الحوثييِّن يعملون لترسيخ فكر ومعتقد منحرف، ظلَّ مركوماً سنيناً طويلة ، ومع هذا الفكر تدرَّعوا بأسباب القوة المادية والمعنوية .
والمأمول من أهل السنة والجماعة حكاماً وعلماء وطلبة علم وأهل رأي ومشورة ، أن يُوحِّدوا كلمتهم ويُنظِّموا صفوفهم ويلمُّوا شَعَثهم ، لتدارك خطر هذه الزمرة الفاسدة قبل فوات الأوان ، ولا يكونوا متفرِّقين ضعفاء كحبات الشعير . وفي المرفوع : ” يذهب الصالحون الأوَّل فالأول ، ويبقى حُفالة كَحُفالة الشعير أو التمر ، لا يُباليهم الله باله ” أخرجه البخاري .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

1436/4/3هـ
http://ahmad-mosfer.com/1226