منقول من: د. عبد الرحمن بن محمد بن شريف
4 ) - عن عائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ r، :((إنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ.)).
التَّخْريج: أخرجه أحمد في ((المسند)): 6/47 قال: ((ثنا إسماعيل، ثنا خالد الحذَّاء، عن أبي قِلابة، عن عائشةَ، رضي الله عنها)) الحديث.
وأخرجه أحمد في ((المسند)): 6/99، وابن أبي شَيْيَةَ في ((المُصَنَّف)): (8/515، و:11/27)، وفي (( الإيمان)) برقم: (19)، والتِّرْمِذِيّ، برقم: (2612)، في الإيمان، باب ماجاء في استكمال الإيمان ونقصانه، والنَّسائي في عُشرة، باب لطف الرجل أهله، برقم: (272) ((من السنن الكبرى))، وابن السُّنِّي في ((عمل اليوم والليلة))، برقم: (228)، والحاكم في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/53، من طريق خالد الحذاء، عن أبي قِلابَةَ، عن عائشةَ.( [8])
قال أبوعيسى: ((هذا حديث صحيح، ولانعرفُ لأبي قِلاَبَةَ سماعاً من عائشة.))( [9]).
وقال الحاكم: ((رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين، ولم يُخَرِّجاه بهذا اللفظ)). وتعقبه الذهبي فقال: ((فيه انقطاع)).
وقد نبه الحاكمُ إلى هذا الانقطاعِ في ((المُسْتَدْرَك)) : 1/3 فقال:
((...وراه ابن عُلَيَّةَ، عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة، عن عائشة، وأنا أخشى أنَّ أبا قِلابةَ لم يسمعه عن عائشة)).
قلت: أبو قِلابَةَ هو ((عبدالله بن زيد الجَرْمِيُّ البصريُّ، قال ابن حَجَرٍ: ثقة، فاضل، كثير الإرسال.. مات بالشام هارباً من القضاء، سنة أربع ومائة، وقيل بعدها.ع.))( [10])
قال الذهبي في ((الميزان)): ((..ثقة في نفسه، إلاّ أنه يُدلِّس عَمَّن لحقهم، وعَمَّن لم يلحقهم، وكان له صحف يُحَدِّثُ منها ويُدَلِّس.))( [11]).
وتابع الذهبي على وصفه بالتَّدْليس العلائيُّ في ((جامع التحصيل))، والحلبي في ((التبيين))( [12])، وابـن حَجـَرٍ في ((تعريف أهل التقديس)).( [13])
قلت: إنَّ الذهبي هنا يُطلق التَّدْليس على الإرسال: وهو رواية الراوي عمَّن لم يعاصره ولم يدركه.
والتَّدْليس: هو أن يروي الراوي عمَّن لقيه، أو عاصره مالم يسمع منه، ولايقول في ذلك: حَدَّثَنا، ولا أخبرنا وما أشبههما، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان، ونحو ذلك.
وقد قيد الحافظ ابن حَجَرٍ التَّدْليس بقسم اللقاء وجعل المعاصرة إرسالاً خفيَّاً، قال: والذي يظهر لي من تصرفات الحذاق منهم أنَّ التَّدْليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أنَّ رواية المُخَضْرَمِيَن مثل: قيس ابن أبي حازم، وأبي عثمان النَّهدي وغيرهما عن النبيِّ r، من قبيل الإرسال.
أي لوكان مجرد المعاصرة يُكتفى به في التَّدْليس لكان هؤلاء من المدلِّسين، لأَنَّهُم عاصروا النبي r قطعاً، وعلى هذا مشى الخطيب البغدادي، والعلائي، وقال: وعليه جمهور العلماء.
قال ابن حَجَرٍ: والتحقيق فيه التفصيل وهو : أنَّ مَن ذُكِرَ بالتَّدْليس، أو الإرسال، إذا ذَكَرَ بالصيغة الموهمة عمَّن لقيه فهو تدليس، أو عمَّن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمَّن لم يُدركه فهو مطلق الإرسال( [14]).
قال أبو حاتمٍ: ((وأبو قلابة لايعرفُ له تدليس))( [15])، وقال أبو زُرْعة: أبو قِلابَةَ عن عليٍّ مرسل ، وقال يحيى بن معين: أبو قلابة عن النعمان ابن بشير مرسل.( [16])
وقال الذهبي بعد أن نقل قول أبي حاتم: ((معنى هذا أنه إذا روى شيئاً عن عمرَ، أو أبي هُرَيْرَةَ مثلاً مرسلاً لا يدري مَنِ الذي حَدَّثَهُ به، بخلاف تدليس الحَسنِ البصريّ، فإنه كان يأخُذُ عن كلِّ ضرب، ثم يُسقطهم كعلي بن زيد تلميذه.))( [17]) وقال ابن حَجَرٍ مُعَلِّقاً على قول أبي حاتمٍ: (( وهذا ممَّا يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقــاء في التَّدْليــس لا الاكتفاء بالمعاصرة.))( [18])فوصف الذهبي أبي قلابة بالتَّدْليس فيه توسع لأَنَّهُ أدخل الإرسال في التَّدْليس، لذا فإن الحافظ ابن حَجَرٍ اكتفى بوصفه في التقريب بأنه: ((كثير الإرسال)).
أمَّا سماعه من عائشة، رضي الله عنها فقال العلائي: ((وبخط الضياء أنه لم يسمع من أبي ثعلبة، الخشنيّ، ولايعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها.
قلت: روايته عن عائشة في صحيح مُسْلِم، وكأنَّه على قاعدته.))( [19])
والرواية في ((صحيح مُسْلِم)): قال: ((وحَدَّثَنا عليُّ بنُ حَجَرٍ السَّعدي، ويعقوب بنُ إبراهيم الدَّوْرَقِيُّ، قال ابنُ حُجْرٍ:حَدَّثَن إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، عن أيُّوبَ، عن القا سمِ وأبي قلابَةَ، عن عائشةَ، قالت:كان رسولُ اللهِr، يَبْعَث بِالهدي، أفْتِلُ قَلاَئِدَهَا بِيَديَّ، ثُمَّ لايُمْسِكُ عن شيءٍ، ولايُمسكُ عنهُ الحلالَ.))( [20])
وأخرجه البُخَارِيّ في ((التاريخ الكبير)): 2/272، في ترجمة (الحارث بن عبدالرحـمن)، برقــم: (2433)، قـال: (.. وقال أبو الأصبغ: حَدَّثَنا محمد ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن عبدالرحمن ابن مغيرة بن أبي ذباب، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبيr قال: ((أكملكم إِيمَاناً، أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً.)) قال أبو عبدالله: حَدَّثَني صاحب لنا عن أبي الأصبغ.).
وأخرجه الخَرَائِطِيّ في ((مكارم الأخلاق))، برقم: (44)، حَدَّثَنا التُّرْفُقِيُّ، حَدَّثَنا أحمد بن خالد الوهبيُّ، ثنا محمد بن إسحاق، عن الحارث ابن عبدالرحمن، بهذا الإسناد.
وفيه محمد بن إسحاق بن يسار المطَّلبي مولاهم ، قال ابن حَجَرٍ: ((صدوق يُدَلِّس.. مات سنة خمسين ومائة، ويقال بعدها. خت م4))، التقريب: 467، فالإسناد حسن لو سَلِمَ من تدليس ابن إسحاق.
وأخرجه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)): 7/212 من طريق جعفر بن حم بن حفص النخشبي، حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبيِّ، حَدَّثَنا أفلح بن حُميد، عن القاسم ابن محمد، عن عائشة، قالت:قال رسول الله r: ((إنَّ خِياركم أَحْسنكم أخلاقا وألطفكم بأهله.)). الحديث.
وقد ترجم الخطيب البغدادي لجعفر بن حم بن حفص، أبي محمد النخشبي في ((تاريخ بغداد))، ولم يذكر فيه جرحــاً ولا تعديلاً.
وقال: (( قدم بغداد حاجاً، وحَدَّثَ بها، عن محمد بن أيوب الرازيِّ، روى عنه علي بن عمر السُّكَّرِيُّ - قَدِمَ علينا حاجاً سنة عشرين وثلاثمائة - حَدَّثَنا أبومحمد جعفر بن حم...)) الحديث.
ويلاحظ على إسناد هذا الحديث قوله: ((حَدَّثَنا محمد بن أيوب القعنبي، حَدَّثَنا أفلح بن حميد..)). فإنَ محمد بن أيوب لم يُنْسَب بالقعنبيِّ وإنما بالرازي( [21])، هذه واحدة.
والثانية: أن محمد بن أيوب الرازي لم يرو عن أفلح بن حميد، وإنَّما روى عن عبدالله بن مَسْلِمةَ القَعْنَبِيِّ ، وروى القعنبيُّ عن أفلح بن حُميد.( [22])
وعلى هذا فيحتمل أن يكون قد سقط من(( تاريخ بغداد)):((عن)) القَعْنَبِيِّ.
وهذا إسنادٌ جيدٌ إن سَلِمَ جعفر بن محمد بن حم من الوهم، أو من الجرح.
د. عبد الرحمن بن محمد بن شريف
مدرس الحديث بقسم أصول الدين - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة قطر - الدوحة