الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
فقد انتشر بين كثير من الناس في هذه الأزمنة أن الزيدية هم أقرب الناس إلى أهل السنة ، هكذا بإطلاق ، كما يقول الكشميري الهندي في فيض الباري على صحيح البخاري : وفي «مجموع زيد بن عليّ» - وهو زيدي من مُعَاصِري أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وإمام فِرْقة الزيدية، وهو ثِقَةٌ يروي الأحاديث الصِّحَاح، وهي أقرب المذاهب إلى أهل السنة من سائرهم. وسَبُّ الصحابة حرامٌ عندهم. إلا أن الآفة في كتابه من حيث جهالة ناقليه .أهـ
وهذا صحيح بالنسبة إلى مؤسس هذا المذهب ، إلا أنهم ـ أعني من أطلق العبارة التي نحن بصددها ـ لم يذكروا أن الزيدية فرق ، منها من هو أكفر من اليهود والنصارى ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلابد أن نبين أن الزيدية تنقسم إلى فرق ثلاث : الجارودية ، السليمانية ـ ويقال عنها الجريرية أيضا ـ ، وأما الثالثة فهي البترية .
ـ وينبغي أن يلحظ أن الإمام زيداً وأتباعه لا يحكمون بعصمة الإمام، ولا يمنعون الأمة من تعيين من تختاره للإمامة ، ولذا يجوّز الإمام زيد إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، ولا يقول بالتقية ، وكأن الشهرستاني يشير إلى ذلك بقوله: "ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك ، على أن هناك من الزيدية من يقول بعصمة فاطمة، وعلي، والحسين ، ومنهم من يقول بالنص على إمامة الثلاثة : علي وولديه.
وقال ابن الوزير: ...على أنّ القول بأنّ إجماع أهل البيت حجة مسألة خلاف بين أهل البيت, فإنّ فيهم من لا يقول بذلك -أعني الزّيديّة منهم- أمّا سائر الفرق فظاهر, فهؤلاء المعتزلة أقرب الفرق إلى الزّيديّة يخالف أكثرهم في هذه المسألة.أهـ
ـ ذكر الجارودية من الزيدية :
أولا : هم أتباع المعروف بأبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي المتوفى عام 150 وقيل 160 هـ , وقد وصف المحدثون أبا الجارود بأنه كذاب وليس بثقة , وأنه كان رافضيا يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحاب رسول الله ، وقال عنه الحافظ ابن حجر : رافضي , وكذلك كذبه الإمام يحيى بن معين رحمة الله على أهل الحديث .وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بالوصف دون الاسم وزعموا أيضا أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي وقالوا أيضا أن الحسن بن علي كان هو الإمام بعد علي ثم أخوه الحسين كان إماما بعد الحسن، ثم الإمامة شورى.
وافترقت الجارودية في هذا الترتيب فرقتين ؛ فرقة قالت : إن عليا نص على إمامة ابنه الحسن ، ثم نص الحسن على إمامة أخيه الحسين بعده ، ثم صارت الإمامة بعد الحسن والحسين شورى في ولدي الحسن والحسين فمن خرج منهم شاهرا سيفه داعيا الى دينه وكان عالما ورعا فهو الإمام ، وزعمت الفرقة الثانية منهم أن النبي هو الذي نص على إمامة الحسن بعد على وإمامة الحسين بعد الحسن.
ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الامام المنتظر فرقا :
منهم من لم يعين واحدا بالانتظار وقال : كل من شهر سيفه ودعا الى دينه من ولدى الحسن والحسين فهو الامام.ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبي طالب ولا يصدق بقتله ولا بموته ويزعم أنه هو المهدي المنتظر الذي يخرج فيملك الأرض وقول هؤلاء فيه كقول المحمدية من الإمامية في انتظارها محمد بن عبد الله بن الحسن بن على.ومنهم من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان ولا يصدق بموته.ومنهم من ينتظر محمد بن عمر الذي خرج بالكوفة ولا يصدق بقتله ولا بموته.
فهذا قول الجارودية وتكفيرهم واجب لتكفيرهم أصحاب رسول الله عليه السلام .
ـ ذكر السليمانية أو الجريرية منهم : هؤلاء أتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال : إن الإمامة شورى وأنها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمة وأجاز إمامة المفضول وأثبت إمامة أبي بكر وعمر وزعم أن الأمة تركت الأصلح في البيعة لهما لأن عليا كان أولى بالإمامة منهما إلا أن الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفرا ولا فسقا وكفر سليمان بن جرير بالأحداث التي نقمها الناقمون منه ، وأهل السنة يكفرون سليمان بن جرير من أجل أنه كفر عثمان رضي الله عنه ، والجريرية كفَّروا أيضا طلحةَ والزبير وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ، وقد شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، ومن كفر أهل الجنة فهو الكافر حقا وصدقا .
ـ ذكر البترية منهم ، وهم الأقرب بالنسبة إلى غيرهم :
الصالحية والبترية :
الصالحية : أصحاب الحسن بن صالح بن حي .
والبترية : أصحاب كثير النوا الأبتر .
وهما متفقان في المذهب .
الأولى : هؤلاء أتباع رجلين أحدهما : الحسن بن صالح بن حي ، وهو كوفي ولد في عام 100 هـ , وتوفي في عام 160هـ , وقد خرج له الإمام البخاري ومسلم في باب الأدب , وقد وثقه الجمهور وقيل : إنه ثقة فقيه عابد , لكنه رُمي بالتشيع , وقد ذهبت فرقة الصالحية مذهب ومعتقد السليمانية في الإمامة ، ولكنهم توقفوا في أمر عثمان بن عفان وفي الحكم عليه بالإيمان أو الكفر - عياذا بالله من هذا الضلال - .
يقول ابن حزم رحمه الله : وأقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة المنتمون إلى أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمزاني الفقيه القائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه والثابت عن الحسن بن صالح رحمه الله هو قولنا أن الإمامة في جميع قريش وتولي جميع الصحابة رضي الله عنهم إلا أنه كان يفضل عليا على جميعهم .أهـ
والثاني : كثير النوا الملقب بالأبتر وقولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير أنهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا على ذمه ولا على مدحه وهؤلاء أحسن حالا عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير ، وقد أخرج مسلم بن الحجاج حديث الحسن بن صالح بن حي في مسنده الصحيح ، ولم يخرج محمد بن اسماعيل البخاري حديثه في الصحيح ولكنه قال في كتاب التاريخ الكبير : الحسن بن صالح بن حي الكوفى سمع سماك بن حرب ومات سنة سبع وستين ومائة وهو من ثغور همذان وكنيته ابو عبد الله.
قال عبد القاهر الغدادي :
هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لاقرار الجارودية على تكفير أبي بكر وعمر ، والجارودية يكفرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبي بكر وعمر.
وقال : اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية على القول بأن أصحاب الكبائر من الامة يكونون مخلدين في النار فهم من هذا الوجه كالخوارج الذين أيأسوا أسراء المذنبين من رحمة الله تعالى {ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون}
إنما قيل لهذه الفرق الثلاث واتباعها "زيدية" لقولهم بإمامة زيد بن علي بن الحسن بن على بن ابى طالب في وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد وكان زيد ابن علي قد بايعه على إمامته خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم على والى العراق وهو يوسف بن عمر الثقفى عامل هشام بن عبد الملك على العراقيين فلما استمر القتال بينه وبين يوسف بن عمر الثقفى قالوا له : إنا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك على ابن أبي طالب فقال زيد : إني لا أقول فيهما إلا خيرا وما سمعت أبي يقول فيهما الا خيرا وانما خرجت على بنى امية الذين قاتلوا جدى الحسين وأغاروا على المدينة يوم الحرة ثم رموا بيتا لله بحجر المنجنيق والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذ سموا رافضة وثبت معه نصر بن حريمة العنسى ومعاوية بن اسحاق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتى رجل وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفى حتى قتلوا عن آخرهم وقتل زيد ثم نبش من قبره وصلب ثم أحرق بعد ذلك.وهرب ابنه يحيى بن زيد الى خراسان وخرج بناحية الجوزجانى على نصر بن بشار والى خراسان فبعث نصر بن بشار اليه مسلم ابن احوز المازنى في ثلاثة آلاف رجل فقتلوا يحيى بن زيد ومشهده بجوزجان معروف(1).
________________
(1) انظر منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 11 ـ 12 ، 132 ، ومقالات الإسلاميين للأشعري 1 / 67 وما بعدها ، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2 / 89 ، والملل والنحل للشهرستاني 1 / 141 ـ 142 ، والفرق بين الفرق للبغدادي ص 16 ـ 24 ، والروض الباسم لابن الوزير 2 / 205.
وانظر: البحر الزخار لابن المرتضى ص: 96 ، والمعلم الشامخ للمقبلي ص: 386، ونصرة مذاهب الزيدية لابن عباد ص: 164-196 ، والرسالة الوازعة ليحيى بن حمزة ص: 28.].