تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 23 من 23

الموضوع: سؤال عن سقط "مريب" في سير أعلام النبلاء

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: سؤال عن سقط "مريب" في سير أعلام النبلاء

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    "إنّما العِبْرةُ بِكثْرة الـمَحاسِن"
    قائل هذا الكلام هو الذهبيّ نفسه. فلْنتأمَّله...
    ولا يُنكر أحدٌ أنّ تحقيق "سير أعلام النبلاء" من التحقيقات كثيرة المحاسن، وأنّه من جواهر تحقيق المطوَّلات في عصرنا.
    نعم، اعترته هناتٌ هنا وهناك، لكنّها من الشعث الخفيف الذي يُلَمّ أصحابه عليه... وأيُّ الرجال المهذَّبُ؟
    وهذه الهنات إنما هي نكت سوداء طفيفة خفيفة، لا تكاد تظهر في الأيادي البيضاء للمحققين.
    ولكن العتب على أخينا أبي عبد الرحمن الطائي ووصفه للسقط بأنه "مريب"!
    "لا مريب إلا الشيطان"، يا أخي (ابتسامة)
    ولو وصفه بـ "المربِك"، لكان أكثر مناسبةً...
    وإذا كان "سقط" الصفحة 504 من الجزء العاشر مربِكًا، فإنّ "سقط" الصفحة 578 أشدّ إرباكًا. والفرق بينهما أنّ الأول من مروي الذهبي، فأمكن التحقق من نصّه الكامل؛ أمّا الثاني، فهو من كلام الذهبي، ولا يمكن التثبّت من تمامه إلا بالعودة إلى المخطوط.
    والفرق الثاني هو أنّ المحقِّق علَّق على الكلام الذي طرأ عليه "الإسقاط" في الموضع الأول، بينما لم يفعل ذلك في الموضع الثاني، وتركنا حيارى أمام أربع نقاط متتالية...
    وهذه النقاط الأربع لغز، وهي من بدع الرقم التي لم يصلنا بيان المراد منها! هل تدل على البياض؟ أم الطمس؟ أم الكشط؟ لست أدري...
    ثم إنّني وجدت المحقق في الصفحة 511 من الجزء نفسه استخدم هذه النقاط الأربع، مشيرًا إلى وقوع بياض في الأصل. فهل هذا مطَّرد في الكتاب كلّه؟ الأمر يحتاج إلى تتبُّع واستقراء...
    ولكن، هل وقوع هذا "السقط" في موضعين من جزء واحد مدعاة إلى الارتياب في نية المحقق؟
    هل هو قرينة على مجاملة الدار أو المحقق للشيعة، كما أومأ إلى ذلك أحد الأفاضل؟
    لا أظن ذلك...
    والدليل على سحب هذه الريبة من الاعتبار هو أنّ اسم الرافضة جاء في عشرات المواضع من الكتاب المطبوع، وجاء في كثير منها ملحقا بأحكام أَشَدّ وألفاظ أقسى وأشنع من الكلام الذي استوقفنا.
    بل في الجزء العاشر نفسه، تجد قول الإمام الشافعي: "لم أرَ أحدًا أشْهَدَ بالزُّور مِن الرّافضة" (ص 89).
    وتجد قول الذهبي: "فدأب الروافض رواية الأباطيل، أو ردّ ما في الصحاح والمسانيد" (93).
    ولو أنّ المحققين أو صاحب الدار استحضروا هاجس مجاملة الشيعة أو الخوف منهم، لبيَّضوا كلَّ تلك المواضع.
    ثم إنّ معرفة صاحب الدار ومعرفة الشيخ نعيم تجعلنا نجزم باستبعاد هذا الاعتبار المرتاب المريب...
    بقي الآن تفسير سر هذا "السقط"...
    وغالب الظنِّ عندي أنَّ وقوعه في الموضع الأوَّل (ص504) سببه التحرّي والتمحيص. إذ من المحتمل أنّ المحقق وقف على نص كلام أبي عبيد منسوبًا إلى الدوري مع الإحالة في مصدر وسيط، وأنّه –من باب الأمانة العلمية- أثبت الإحالة ولم يقوِّم النص، رجاء الاطلاع على المصدر الأصل، أي: تاريخ الدوري. وهذا يقع أحيانًا للمحقِّقين والباحثين، فتجدهم يضعون هامشًا ونيّتهم العودة إليه لإكماله، ثم يعزب عن بالهم ذلك. وقد أشار إلى هذه المسألة الفاضل عبد الله الحمراني، جزاه الله خيرًا...
    لكن يعكِّر على هذا الاعتذار: وقوع نفس السقط، في الجزء نفسه، في الصفحة رقم 578. وفي هذا الموضع، وُضعَت النقاط الأربع بين "الجهمية" و"أهل الأهواء"؛ لكن غاب البيان والتعليق.
    وظني أنّ مردّ هذا إلى الناسخ. لعلَّه لم يكتب الكلمة بشكل واضح، أو كتبها مصحفة، فتوقف المحقق بشأنها بغية التأكد، ثم نسي...
    ولعل أحد الرافضة أغضب الناسخَ ذلك اليوم، فطمس اسمهم وهو يخطُّه، متمنِّيًا أن يُطمَسوا من الوجود... (ابتسامة).
    وهنا تحسن الإشارة إلى أنّ الفرق الأساس بين الموضعين (الصفحة 504 والصفحة 578) هو أنّ الموضع الأول كلام منقول، والثاني من كلام الذهبي. ولو تتبَّع أحدنا كل المواضع التي من كلام الذهبي، لوجد في ضبطها هنات من المحقّقين؛ ذلك لأنه لا مصدر لهم للمقابلة والتثبّت والتحقيق سوى المخطوط، بخلاف المرويات...
    وأكتفي هنا بثلاثة أمثلة:
    1_ جاء في "سير أعلام النبلاء" (ج11، ص537-538)
    "وروى عليُّ بن محمد الـحَبيبي، عن صالح جَزَرة، قال: كان عبّاد يشتِم عثمان، رضي الله عنه، وسمعتُه، يقول: الله أعدلُ من أن يُدخل طلحةَ والزُّبيرَ الجنة، قاتَلا علياً بعد أن بايعاه.
    وقال ابنُ جرير: سمعتُه، يقول: من لم يبرأْ في صلاته كلَّ يوم من أعداء آل محمد، حُشر مَعَهم.
    قلتُ: هذا الكلامُ مَبْدأ الرفض، بل نَكُفُّ، ونستغفر للأمّة، فإنّ آل محمد في إيَّاهم قد عادى بعضُهم بعضاً واقتتلوا على الملك وتمتْ عظائم، فَمِن أيِّهم نبرأ ؟ !"
    ويبدو لي أنّ الصواب: "فإنّ آل محمَّدٍ في أيَّامِهم قد عادى بعضهم بعضًا". والله أعلم.
    2_ وفيه (ج10، ص 93):
    "فأمّا ما تنقُله الرافضةُ وأهلُ البِدَع في كُتُبِهم من ذلك، فلا نُعَرِّجُ عليه، ولا كرامةَ، فأكثرهُ باطلٌ وكَذِبٌ وافتراءٌ، فدأبُ الروافضِ روايةُ الأباطيل، أو رَدُّ ما في الصحاحِ والمسانيدِ، ومتى إفاقَةُ مَن بِه سَكَران؟!"
    و"سَكَران" بفتح السين والكاف: من مصادر "سَكِرَ". لكن سياق كلام الذهبي يدلّ على أنه لم يُرِد المصدر، بل أراد مثنَّى السُّكْر؛ وهو يقصد: رواية الأباطيل، ورَدّ ما في الصحاح. ثم إنّ عبارته تحيلنا على مصدره، وهو قول الخليع الشامي (أو ديك الجن):
    سكْران: سُكْر هوى وسُكْر مُدامةٍ --- أَنَّى يفيق فتى به سُكْرانِ
    فالصواب: "ومتى إفاقَةُ مَن بِه سُكْرانِ؟!" والله أعلم.
    3_ وفيه أيضًا (ج 1، ص 188):
    "إياك يا جري أَن تنظر إلى هذا البدري شزْراً لِهفوة بدتْ منه، فإنها قد غُفِرت، وهو من أَهل الجنة.
    وإياك يا رافضيّ أن تُلوّح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار."
    ثم قال المحقق في الهامش رقم (2) من الصفحة نفسها:
    "سهّل همزة جريء لتتَّسق السجعة مع البدري. وهو على فعيل من جرؤ: إذا هجم على الأمر بدون توقف.
    وقد تحرفت في المطبوع إلى " جبري ".
    وقوله "لتتسق السجعة مع البدري" غريب!
    وظنّي، والله أعلم، أنّ الصواب: "إياك يا حَرُورِيُّ"، وأنّها الْتبستْ على الناسخ فحرّفها، كما فعل في مواضع أخر. ومؤاخذة الناس بالهفوات والحكم عليهم: من دأب الحروريّة...
    لكن هذه الهنات وغيرها من محقّقي السِّيَر لا ينبغي أن تصرفنا عن الجهد الجليل الذي بذلوه لإخراج هذا الكتاب. فقد توخّوا الإتقان.. والجودة على عملهم غالبة.. وهو من الأعمال التي إذا قرأتَها لن تقول: "ما أحْوَجَ هذا الكتاب إلى إعادة تحقيق!"
    وفي وقوع بعض الهفوات من المجيدين فوائد للمتدبِّرين. منها: أنّه كُتِب للكمال ألاّ يلازم البشر. ومنها: التنبيه إلى ضرورة التحوُّط والتأني والتدقيق لمن اشتغل بهذا الفن...ومنها: لفت انتباه من لم يكن على علم بالكتاب المحقق إليه، فيُقبِل عليه، ولو بنيّة النقد...
    ومنها أيضًا: دفع العين، حفظنا الله من شرورها! (ابتسامة)
    والهفوات القليلة في التحقيق الجيد، كالندبة في الوجه الجميل...
    أمّا مسألة احتمال مجاملة المحققين للشيعة أو الخوف منهم، فهي غير واردة إطلاقًا في نظري، والكتاب المطبوع الذي بين أيدينا يؤيِّد نفي هذه الشبهة عنهم وعن الناشر.
    وقبل الختام، أذكِّر بما افتتحت به الكلام: "إنّما العِبْرةُ بِكثْرة الـمَحاسِن"
    وأرى من المناسب إيراده ضمن سياقه، لعلّه يكون مادّة لتأمُّل المنصفين:
    قال الذهبي، في الصفحة 45-46 من الجزء 20:
    "قلتُ: غُلاةُ الـمُعتزلة، وغُلاةُ الشِّيعة، وغُلاةُ الحنابلة، وغُلاةُ الاشاعرة، وغُلاةُ الـمُرجِئَة، وغُلاةُ الجهميّة، وغُلاةُ الكَرّامية، قد ماجت بهم الدنيا، وكثُروا، وفيهم أذكياءُ وعُبّادٌ وعُلماء، نسألُ الله العفوَ والمغفرةَ لأهلِ التوحيد، ونبرَأُ إلى الله من الهوى والبِدَعِ، ونُحِبُّ السُّنَّة وأهلَها، ونُحِبُّ العالِمَ على ما فيه من الاتباعِ والصفاتِ الحميدة، ولا نُحِبُّ ما ابتدعَ فيه بتأويل سائغ، وإنما العِبْرَةُ بكثرةِ الـمَحَاسن."
    نسأل الله أن يكثّر محاسننا، وأن يعفو عن مساوئنا، ويسترها علينا، وأن يهدينا إلى إدراكها وتداركها، وأن يقيِّض لنا مَن يبصِّرنا بها لنتجنّبها...

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: سؤال عن سقط "مريب" في سير أعلام النبلاء

    الأخ الفاضل: عبد الله الحمراني
    جوزيتَ خيرًا على حسن الظن بأخيك.
    ولئن أصبتَ في كلامك كله، فقد أخطأتَ في موضع واحد، وهو وصفك لي بالشيخ.
    وهذا من أدبك..
    لكن اعلمْ أنّه ليس لي من حظ في هذا اللقب إلا تعليمي لأولادي وبعض أبناء العائلة... بل وبعض هؤلاء ينكِر عليَّ حقَّ المشيخة، تنصُّلا من واجباتهم! (ابتسامة)
    بقي الآن أن نحدّد نوع خطئك: هل هو خطأ "مريب"؟ أم غريب؟ أم مربِك؟ (ابتسامة أخرى)
    جزاك الله خيرًا..
    ولا تنسنا من دعائك.

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    6,048

    افتراضي رد: سؤال عن سقط "مريب" في سير أعلام النبلاء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    الأخ الفاضل: عبد الله الحمراني
    جوزيتَ خيرًا على حسن الظن بأخيك.
    ولئن أصبتَ في كلامك كله، فقد أخطأتَ في موضع واحد، وهو وصفك لي بالشيخ.
    وهذا من أدبك..
    لكن اعلمْ أنّه ليس لي من حظ في هذا اللقب إلا تعليمي لأولادي وبعض أبناء العائلة... بل وبعض هؤلاء ينكِر عليَّ حقَّ المشيخة، تنصُّلا من واجباتهم! (ابتسامة)
    بقي الآن أن نحدّد نوع خطئك: هل هو خطأ "مريب"؟ أم غريب؟ أم مربِك؟ (ابتسامة أخرى)
    جزاك الله خيرًا..
    ولا تنسنا من دعائك.
    أستغفر الله!
    أما عن وصفي إياكم بـ(الشيخ) فهو من باب (إنزال الناس منازلهم)، ومشاركاتكم يتجلى فيها أصالة علم وحسن تعليم.
    ومنكم نتعلم الأدب.
    فإذا تقرر ذلك؛ فلا يستقيم أن يحدد قولي بـ"مُريب" أو "غريب" أو "مرِبك". (ابتســـامة)
    ونحن أحوج إلى دعواتكم، منكم إلى دعواتنا.
    وآفة العقلِ الهوى ، فمن علا *** على هواه عقله ، فقد نجا
    ابن دريد

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •