قال صاحب القاموس: وسموا كذا!

مركز جنات للدراسات


"القاموس المحيط" للعلاَّمة مَجْدِ الدِّين أبي الطَّاهر محمد بن يعقوب الشِّيرازي الفَيْرُوزآبادي ، مِن الكتب التي قلَّ أن يوجد لها نظير في تاريخ البشَر؛ ولذلك عكف عليه الناسُ دَرْسًا وشرحًا، واتخذوه مرجعًا وملاذًا؛ بل صار بعضُ أهل العلم يحفظونه، كما هو معروف عند طلبة العلم في شنقيط.
وقد عِيب عليه أشياء ليس هذا محلَّ ذِكرها، إلا أنها لا تنقص من قدره، ولا تقلل من مرتبته؛ وحسْبُه أنه لم يُنسج على منواله، ولم يأتِ أحدٌ بمثاله.
وأما محاسنه، فالذي يعنينا هنا منها أنه يَذكر الأسماء التي أطلقَتْها العربُ على رجالها ونسائها؛ ليُعرف الوصفُ الباقي على أصله، من المنقول إلى العَلَمية، ويكاد ينفرد بهذه الخصيصة من بين المعجمات الأخرى التي لا تذكر ذلك إلا عَرَضًا، بخلاف "القاموس" الذي يقصد ذلك قصدًا.
ومن المعجَمات التي تذكر ذلك أيضًا "المُغْرِب" للمطرزي؛ مثال ذلك قوله (ص 56):
"رجل أبجر ناتئ السُّرَّة، وبه سُمي والد غالب بن أبجر، وبه بَجَرٌ؛ أي: نُتُوء في السرة، وبَجَرة بفتحتين مِثله، وبها سمي والد (مقسم بن بجرة) في حديث رفع اليدين".
ولا شك في أهمية هذه الفائدة العظيمة عند الباحثين، الذين يحتاجون كثيرًا إلى الوقوف على مثل هذه الأسماء المختصة بالأعلام.
ولو أُفرد هذا الموضوع بدراسة في رسالة علمية لكان فيه فائدة، لا سيَّما إذا كان معه موازنةٌ بالمعجمات الأخرى، وكذلك بباقي كتب اللغة.
مثال ذلك قول صاحب "القاموس" في مادة (ع ب د):
"وسَمَّوْا: عِبادًا وعُبادًا ومَعْبَدًا وعِبْديدًا وأعْبُدًا وعَبَّادًا وعابِدًا وعَبِيدًا وعُبَيْدًا وعُبَيْدَةَ وعَبِيدَةَ وعَبْدَةَ، وعُبْدَةَ وعُبَادَةَ - بضَمِّهِما - وعَبْدَلاً وعَبْدَكًا وعَبْدُوسًا".
ولكنه لا يذكر أمثلةً على كل واحد من هذه الأسماء؛ لأنها كثيرة عندهم، إلا أنه قد يذكر ذلك إن كان في ذِكْره نكتة، كأن يكون نادرًا، أو له ضبط يختلف عن غيره، كما قال في هذه المادة نفسها:
"وعَبْدَةُ بنُ الطَّبيبِ بالفتح، وعَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ بالتحريك".
والجادَّة عند صاحب "القاموس" أن يقول: (وسَمَّوْا) أوَّلاً، ثم يذكر الأسماء، فمن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: ضَبًّا وضَبَّابًا وضِبابًا ومُضِبًّا، كَشَدَّادٍ وكِتابٍ ومُحِبٍّ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوا: سَعِيدًا ومَسْعُودًا ومَسْعَدَةَ ومُساعِدًا وسَعْدونَ وسَعْدانَ وأسْعَدَ وسُعودًا، ولِلنِّساءِ: سُعادُ وسَعْدَةُ وسَعيدَةُ وسُعَيْدَةُ".
ويُفهم من كلامه في هذا الموضع - أنَّ الأصل في الأسماء المذكورة حمْلُها على الرجال.
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: طُلَيْبًا وطالِبًا وطَلاَّبًا ومُطَّلِبًا وطَلَبَةَ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: نَباتًا كسَحابٍ، ونَباتَةَ ونُباتَةَ، وكزُبَيْرٍ وجُهَيْنَةَ، ونَبْتًا ونابِتًا".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: حارِثةَ وحُوَيْرِثًا وحُرَيْثًا وحُرْثانَ بالضم، وحَرَّاثًا ككتَّانٍ وكمُحَمَّدٍ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: ضارِحًا وضَرَّاحًا ومُضَرِّحًا، كشَدَّادٍ ومُحَدِّثٍ"
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: حَيْدَةَ وحِيدًا بالكسر، وأحْيَدَ وحَيادَةَ وحَيْدَانَ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: راشِدًا ورُشْدًا كقُفْلٍ وأميرٍ وزُبَيْرٍ وجَبَلٍ وسَحْبانَ وسَحابٍ ومَسْكَنٍ ومُظْهِرٍ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوا: زَيْدًا وزُيَيْدًا وزِيادًا وزَيَّادًا وزِيادَةَ وزَيَّادَةَ وزَيْدَكًا ومَزِيدًا وزَيْدَلاً وزَيْدَوَيْهِ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: عائِذًا وعائِذَةَ ومُعاذًا ومُعاذَةَ وعَوْذًا وعِياذًا ومُعَوِّذًا".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا حِمارًا وحُمْرانَ وحَمْراءَ وحُمَيْراءَ".
ومن ذلك قوله:
"وسَمَّوْا: نَصيرًا وناصِرًا ومَنْصورًا ونَصَّارًا".
وتَظهر الفائدة من استعماله (وسمَّوا) في معرفة الأسماء المصروفة من الأسماء الممنوعة من الصرف؛ لأن ما بعدها منصوب، بخلاف قوله مثلاً: (ومن أسمائهم كذا)؛ لأن ما بعدها مرفوع.
وأحيانًا يذكر الاسم أوَّلاً ثم يقول: (وبه سموا)، كما في قوله:
"الغَرْقَدُ: شجرٌ عِظامٌ، أو هي العَوْسَجُ إذا عَظُمَ، واحِدُهُ: غَرْقَدَةٌ، وبها سَمَّوْا".
وكما في قوله:
"والسَّمُرُ بضم الميمِ: شَجَرٌ م [معروف]، واحِدَتُها: سَمُرَةٌ، وبها سَمَّوْا".
وكما في قوله:
"النَّرْزُ: الاسْتِخْفَاءُ من فَزَعٍ، وبه سَمَّوْا: نَرْزَةَ ونارزة".
وإلى لقاء آخر، وفائدة أخرى عن "القاموس المحيط".