الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
هذا فائدة جليلة عظيمة في الاتباع من حديث رواه الشيخان
الحديث
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَ ا أُحُدٌ،
إلى أن قال ( أبو ذر ) ثُمَّ قَالَ لِي ( أي النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر ):
«مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: «لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «وَهَلْ سَمِعْتَهُ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ .
في هذا الحديث فوائد جليلة أهمها بيان منزلة التوحيد وأنه أعظم مكفر للذنوب وأنه سبب دخول الجنة
وفي الحديث فائدة جليلة أخرى هي قرينة التوحيد وهي محل موضوعنا ألا وهي ( الاتباع ) أو (المتابعة ) للنبي صلى الله عليه وسل حين قال أبو ذر ( فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: «لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، )
هنا يتبين لنا منزلة الاتباع وتعظيم أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الصحابة الكرام , وعدم الأخذ بالرأي والعاطفة حتى وإن كانت عاطفة أو رأي لنصرة الدين والغيرة على الدين
فأبو ذر رضي الله عنه حين سمع الصوت خاف أن يكون أحد قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم وربما بلغ خوفه إلى درجة الخوف على حياة النبي صلى الله عليه وسلم , فالنبي عليه الصلاة والسلام كان مُعَرَّضا للخطر ومحاولات الاغتيال من أطراف شتى منهم اليهود ومنهم المشركون
وقد تعرض بالفعل لمحاولات اغتيال كان منها ما تسبب بموته حين دست يهودية له السم في الشاة بأبي هو وأمي ونفسي
وبالرغم من كل هذه المخاوف التزم أبو ذر أمر النبي صلى الله عليه وسلم , وقدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم على رأيه وعاطفته
في هذا الحديث درس عظيم في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى لو كان هذا الاتباع على حساب رأينا وعاطفتنا
وفيه أيضاً درس ( للشباب خصوصا ) على وجوب الأخذ عن العلماء الراسخين وأن نصرة الدين بالعاطفة لا تكفي بل لا بد من الاتباع الذي لا يتحقق إلا بالعلم
وفيه أيضا أن العاطفة قد لا تتفق مع النص الشرعي
وأن ليس كل ما في الدين قد يعجبك ويوافق رأيك وعاطفتك



فأبو ذر رضي الله عنه هَمَّ ( بعاطفته ورأيه ) أن يغادر مكانه ويذهب ليطمئن على النبي صلى الله عليه وسلم , ولا شك أن الخوف على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم ما يستفز عاطفة المسلم , لكن بالرغم من ذلك منعه تعظيمه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم اتباعه فقدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم على عاطفته ورأيه
وتغليب العاطفة والرأي على الاتباع هو باب دخل منه الشيطان على كثير من الناس فطعنوا بسبب ذلك في كبار علماء المسلمين لأنهم لم يُفتوا أو يتكلموا بما يرى هؤلاء
واتهموهم بأنهم علماء سلاطين وأنهم يكتمون العلم وأنهم وأنهم
بينما العلماء يتبعون الدليل وينظرون في المفاسد والمصالح حتى لو لم يعجب الناس أما الجهال ومن قل نصيبهم من العلم ومن غلبتهم أهواؤهم فيقدمون عاطفتهم ورأيهم ويريدون من العلماء أن يفتوا بما يعجبهم
وبسبب ذلك أيضاً ردت جماعات من المبتدعة الأحاديث الصحيحة المتواترة التي تأمر بالصبر على جور الحكام وأثرة الحكام وعدم الخروج عليهم
وبسبب ذلك أيضاً سُفكت الدماء المعصومة باسم الجهاد وكُفِّر المسلمون ( كما يفعل الخوارج في زمننا هذا ومن قبل)
نظير هذا الحديث ما رواه الشيخان عن سهل بن حُنَيْف رضي الله عنه أنه قال ( اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ ( أي يوم الحُدَيْبية ) وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)
أي لا تسيروا وفق آرائكم وعواطفكم وتخالفوا الدليل فإن الله ورسوله أعلم .
الاتباع هو أصل أصيل في الدين وهو معنى الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسوله الله ,
لا إله إلا الله , إفراد الله بالعبادة محمد رسول الله , إفراد الرسول ﷺ بالاتباع
يقول الله عز وجل ( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ ) الآية
والله أعلم وأحكم وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد , والحمد لله رب العالمين
22/شعبان/1435 هـ
===================

صحيفة الرؤية السلفية