( فضائل العلماء )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد فيا عباد الله / نصدِّر حديثنا في هذا اليوم بمقولة لابن القيم رحمه الله تعالى ، يقول رحمه الله كما في مدارج السالكين : لقد استشهد الله عز وجل بأهل العلم على أجل مشهود به ، وهو التوحيد ، وقرن شهادتهم وشهادة الملائكة ، وفي ضمن ذلك تعديل لهم ، لأنه عز وجل لا يستشهد بمجروح " يفهم من كلامه رحمه الله بيان فضل أهل العلم ، وأن الله عز وجل فضلهم وميزهم ، فلما أشهد نفسه سبحانه وتعالى على أنه هو الإله المعبود وحده ، أشهد الملائكة وأشهد أهل العلم { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَة ُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران18 ، إذاً – عباد الله – للعلماء فضل ومنزلة ومكانة وقدر ، ومن تتبع وتلا كلام الله جل وعلا ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجد الكثير من ذلك ، فمن فضائل العلماء ، وعنيأعني بالعلماء الذين يُتبعون القول بالعمل ، العلماء الربانيون . أن ابن سيرين رحمه الله الذي روى عن أبي هريرة رضي الله عنه فسَّر هذا الاختصار في الصلاة فسره بأنه وضع اليد على الخاصرة في الصلاة . ومن فضائل العلماء : أن الله عز وجل لم يجعلهم هم وغيرهم في منزلة واحدة ، بل فرق بينهم { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }الرعد19 { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9 ومن فضائل العلماء : أنهم هم أهل الخشية ، وأهل الخوف من الله عز وجل ، وكيف لا يتأتى لهم ذلك ، وقد أودع الله عز وجل في قلوبهم نور العلم ، قال جل وعلا { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28 ومن فضائل العلماء : أن الله عز وجل رفع درجتهم وأعلى مكانتهم فمن أرادهم بسوء أو بإحطاط منزلة ، فإنه معرض للوعيد ، لأنه مخالف لما يريده الله من رفعتهم ، فيصدق عليه قول الله عز وجل في الحديث القدسي كما في صحيح البخاري ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) قال جل وعلا { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة11 ومن فضائل العلماء : أنهم يظهرون مقاصد الدين ومقاصد الشرع { وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }البقرة230 { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فصلت3 ، والآيات في ذلك كثيرة . ومن فضائل العلماء : أنهم كلما رسخوا في العلم كلما خشوا الله عز وجل وخافوا منه ، وخافوا أن يتكلموا في الدين بما لا يعلمون ، ولذلك في مقام المتشابه ماذا قال عز وجل ؟ { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } ما مقام الراسخين في العلم ؟ { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ{7} وخشوا على أنفسهم من الزيغ ، ولذا دعوا الله عز وجل { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ{8} لم هذا الدعاء منهم ؟ لأنهم يخشون هذا اليوم ؟ { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{9} . ومن فضائل العلماء : أنهم يستشعرون الآيات والعبر التي أنزلها الله بالأمم السالفة ، ولذلك لما ذكر جل وعلا قصة قوم صالح ، وما حلَّ بهم من العذاب ، قال عز وجل { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }النمل52 ومن فضائل العلماء : أنهم يعرفون مغزى الأمثال التي يضربها الله عز وجل في كتابه { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }العنكبوت43 ولذا بعض السلف يقول إذا لم أفهم مثلا ضربه الله عز وجل في كتابه عزيت نفسي ، قيل له لم ؟ قال لأني لست من أهل العلم، لأن الله عز وجل قال { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }العنكبوت43 ومن فضائل العلماء : أن الله عز وجل أودع في قلوبهم نور العلم ، ونور الله لا يؤتى لعاصي { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ }العنكبوت49 ومن فضائل العلماء : وهذه مزية لهم ، أنهم يتحدثون ويصدعون بقولهم يوم المعاد على الأشهاد ، فهم يتحدثون ويرفعون صوتهم ، قال الله عز وجل { قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ }النحل27 { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }الروم56 ومن فضائل العلماء : أن الرحال تشد إليهم وأن الركب تجثا أمامهم ، لما لهم من الفضل ، ولذلك أمر الله جل وعلا نبيه موسى عليه السلام ( لما سئل موسى عليه السلام من هو أعلم أهل الأرض ؟ قال أنا ، فعتب الله عز وجل وعليه لأنه لم يرد العلم إليه ، فأمره أن يذهب إلى الخضر ) مع أن موسى عليه الصلاة والسلام أرفع مقامة وأعلى منزلة من الخضر ، لكن أمر أن يذهب إليه ليتعلم منه ، وهو من ؟ موسى عليه السلام ، كما قص الله عز وجل ذلك في سورة الكهف .


يتبع..