فضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري
تفسير القرآن بالسنة و أقوال الصحابة
المقدمة ........... أما بعد :

مازلنا في مقدمة التفسير و كنا في الدرس السابق تحدثنا عن طريقة من طرق تفسير كلام الله عز و جل ألا و هي ( تفسير القرآن بالقرآن ) فإذا لم يوجد في كتاب الله عز و جل ما يفسر كلامه تأتي الطريقة الثانية التي تليها و هي تفسير كلام الله عز و جل بكلام النبي صلى الله عليه و سلم ما الدليل ؟ قول الله عز و جل [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ] {النحل:44} كلام موجه إلى النبي صلى الله عليه و سلم لم ؟ ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، لا يمكن أن يُعطى اللهُ عز و جل قَدرهُ و لا يُعظّم قدر تعظيمه إلا إذا أثبت بأنه أرسل الرسل عليهم السلام ، فمن أنكر الرسل، أو أحداً منهم فلم يُعظّم الله عز و جل قال تعالى:[وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ] {الزُّمر:67} و ما قدّر اللهُ حق قدره لم ؟ [إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ] {الأنعام:91} ، لأن الله عز و جل لم يخلق هؤلاء البشر عبثا و لا سُدى ، و إنما خلقهم لعبادته ، و لا يمكن أن يُعبد الله عز و جل حقا ، إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة و السلام ، لذا قال صلى الله عليه و سلم كما في المسند و غيره ) ألا )، و ) ألا ) :تُسمى عند البلاغيين أداة تنبيه يراد منها التوكيد، فإذا سمعت كلمة (ألا ) فأعلم أن فيها إشارة إلى أن المُخاطب يجب أن يكون متنبها لما سيُلقى عليه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :) ألا إني أوتيت القرآن و مثله معه) ، ما هو الذي أوتيه النبي صلى الله عليه و سلم ؟ هو ( البيان التام لكلام الله ) ، و تتمة الحديث : ( ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول ما وجدنا في هذا القرآن من حلال أحللناه، و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه ) يشير بذلك أن هناك طائفة تدعى بالقرآنيين يقولون نحن لا نُعنى بشيء غير القرآن ،هذه كلمة جميلة حميدة في سياقها ، و لكنها تحمل الخبث، و الكفر لم ؟ لأنه لا يمكن أن تعرف قول الله عز و جل [وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ] {البقرة:43} إلا عن طريق كلام النبي صلى الله عليه و سلم،(وَأَقِيمُو الصَّلَاةَ) هل وجد في كتاب الله عز و جل أن صلاة الظهر أربع ركعات،و صلاة العصر أربع ركعات، و صلاة المغرب ثلاث ركعات، و العشاء أربع ركعات ، و هل وجد في كتاب الله عز و جل أن الفجر ركعتان ؟ لا يوجد ، ( وَآَتُوا الزَّكَاةَ) هل وجد في كتاب الله عز و جل أنصبة الزكاة ، و أنصبة الثمار ، و أنصبة الذهب و الفضة ؟ لا يوجد لكن أين وجد ؟ في سنة النبي صلى الله عليه و سلم ، و هؤلاء المُسَمّون بالقرآنيين يقولون لا نخرج عن منهج القرآن ، تالله و بالله لو أنهم صدقوا في مقولتهم: ( أنهم لا يخرجون عن منهج القرآن ) لآمنوا بالنبي صلى الله عليه و سلم لان في هذا القرآن قوله عز و جل (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، و من أمثلة ما فُسرت به بعض الآيات من سنة النبي صلى الله عليه و سلم و هذا بعض الشيء، و إلا فهناك كتبا تُعنى بهذا الشيء ، من بينها قول الله عز و جل ( [هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] {الحديد:3} ) ما معنى هذه الأسماء ؟ و لتعلم أن الآية إذا فُسرت بكلام الله عزو جل أو بكلام النبي صلى الله عليه و سلم فلا يُلتفت إلى ما سواهما ،هذه الآية فُُسرت بتفاسير من بعض المفسرين و لكن نقول على رَسْلِك أيها المفسر- لأن النبي صلى الله عليه و سلم هو أعلم بمراد الله عز و جل منك، و أفهم لكلام الله منك فإذا جاء تفسير لكلام الله عز و جل من النبي صلى الله عليه و سلم ، فلا تبحث عن معنى غيره ، فسر النبي صلى الله عليه و سلم كما في صحيح مسلم فقال ( هو الأول الذي ليس قبله شيء ، و هو الأخر الذي ليس بعده شيء و الظاهر الذي ليس فوقه شيء و الباطن الذي ليس دونه شيء ) هذا هو التفسير الذي لا يُعدل عنه ، مثال آخر : قوله عز و جل [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] {الأنفال:60} كلمة ( قوة ) هنا مُطْلقة ، و نكرة ليست معرفة ، و النكرة إذا جاءت في سياق الإثبات، فأعلم أنها مطلقة تصدق على أي قوة ، ففسر النبي صلى الله عليه و سلم كما جاء في صحيح مسلم على أن القوة هي قوة الرمي فقال : ( ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ،ألا إن القوة الرمي ) فالقوة الحقيقية هي الرمي في قتال العدو،و لا يُكتفى بالرمي الذي كان بالسابق ،و لكن يتعدي إلى كل نوع من أنواع الرمي إلى قيام الساعة ،لكن لو قال قائل أن هناك حديثا مقتضاه أن النبي صلى الله عليه و سلم لا يعلم من كلام الله إلا عددا من كلام الله علمه إياه جبريل ، فيقال إن هذا الحديث كما قال ابن القيم رحمة الله عليه في التفسير إنه منكر لا يُثبت و لو صح فإنه يحمل على آيات استأثر الله بها فهي من الغيب فأُعلم بها النبي صلى الله عليه و سلم و مدلول هذا قوله : [إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ] {الجنّ:27} و كما قال تعالى [وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ] {آل عمران:179} [وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ] {البقرة:255} إذا لم توجد تفاسيرللآيات في السنة فماذا نصنع ؟ نأتي إلى تفسير الصحابة رضوان الله عليهم لم تفسير الصحابة بالذات ؟ لأنهم تلقوا هذا القرآن من النبي صلى الله عليه و سلم وهم أقرب إلى عصر النبوة و هم أوسع علما و أوسع فهما فيكون الصواب معهم أقرب من غيرهم و لا أدل من قول بن مسعود رضي الله عنه ( و الله إني لأعلم كل آية في كتاب الله أين و متى و في من نزلت ، و الله لو أعلم أن أحد أعلم مني تبلغه المطايا أي الإبل لأتيت إليه) و أعظم ما يؤخذ منه تفسير كلام الله هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم و ابن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين ، و إذا لم توجد ؟ تأتي الطريقة الرابعة و هي :( تفسير كلام الله عز و جل بأقوال التابعين ) فإن كثير من أئمة السلف أخذوا من كلام التابعين مثل من ؟ مثل مجاهد بن جبر و كان طالبا عند ابن عباس رضي الله عنه و لذا يقول :(عرضت القرآن كله على ابن عباس ثلاث مرات أعرض كلام الله عليه آية أية ) و لذا يقول سفيان الثوري رحمه الله ( إذا آتاك التفسير من مجاهد فحسبك به ) عكرمة مولى بن عباس ، الحسن البصري ، و العجب أيها الإخوة أن معظم المفسرين من التابعين هم من الموالي و لكن أنظر كيف رفع الله هؤلاء ليصبحوا أعلاما ترفع و ترسم أسماؤهم في كتب التفسير و لذا في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه و سلم ( أن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين ) في رواية عند ابن ماجة أن عمر رضي على الله عنه ولى صحابيا على مكة من الأحرار فذهب عمر في سفر فالتقى عمر بهذا الأمير فقال له تركت مكة و من وليت عليها ؟ قال وليت عليها ( ابن أبي أبزى ) قال و من هو ؟ قال رجل مولى قال كيف تولي على الناس رجل من الرقيق ؟ قال هذا الصحابي لابن عمر رضي الله عنهما( أنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض ) فلما وصلت هذه الكلمات إلى مسامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف و تذكر قول النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين ) و للحديث تتمة وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.