بسم الله الرحمن الرحيم


الاستشراق والتنصير


* تعريف الاستشراق:


هو دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه، وخاصة الإسلام لأهداف مختلفة شتى، ومن أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين([1]).


* تعريف التنصير:


هو حركة دينية سياسية استعمارية بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبية؛ بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب.


وساعدهم في ذلك ثلاثة عوامل:


- انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلامي. - النفوذ الغربي في كثير من بلدان المسلمين. - ضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم، أو ييسرون لهم السبل رغباً ورهباً أو نفاقاً لهم([2]). * التنصير كهدف من أهداف الاستشراق: يقرر كثير من الباحثين الذين درسوا أهداف الاستشراق أن الهدف الديني يقف على قمة هذه البواعث، ذلك أن العلاقة بين الغرب والإسلام قائمة على "صراع" ديني ظهر واضحاً أثناء الحروب الصليبية التي امتدت قرنين من الزمان من سنة 489-691هـ، 1095-1291م، هذا مع الأخذ في الحسبان الرأي القائل أن هذه الحروب لما تنته، ولن تنتهي مصداقاً لقول الباري –عز وجل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)([3])، والمعلوم أن المستشرقين ليسوا جميعاً ممن ينتمون إلى النصرانية ديناً، ففيهم المستشرقون اليهود الذين خدموا اليهودية من خلال دراساتهم الاستشراقية، كما أن فيهم الملحدين الذين خدموا الإلحاد من خلال اهتمامهم بالمنطقة العربية والإسلامية، ومحاولاتهم نشر الإلحاد في هذه البقاع بديلاً عن الإسلام. ويمكن أن يدخل هؤلاء جميعاً تحت الهدف الديني، إذا ما توسعنا في هذا المصطلح، وهناك انتساب واضح إلى العلمانية عند فئة أخرى من المستشرقين، كما أن هناك انتساباً صريحاً للصهيونية عند فئة أخرى من المستشرقين مما يعني أن هناك انتساباً صريحاً للتنصير عند فئة ثالثة من المستشرقين، وهذا يؤيد أن النظرة إلى الإستشراق التنصيري لا تحتاج إلى شيء من التعسف أو تلمس البراهين لتأييد وجود منصرين مستشرقين، ذلك أن فئة منهم لم تتورع عن قبول اللقب الديني، أو الرتبة الدينية "الأب" , أو "الأسقف" أو "البطريرك" أو "المطران" سابقاً للاسم الأصلي([4]). ومن الأهداف الفرعية للهدف الديني الرئيسي للاستشراق الهدف التنصيري، إذ وجد جمع من المستشرقين هدفوا من دراستهم للشرق إلى تعميق فكرة التنصير في هذا المجتمع وحاولوا بطريقتهم العلمية تحقيق مفهوم التنصير، مع ما تعرض له هذا المفهوم من تحوير، لا سيما عندما يكون موجهاً لمجتمع متدين كالمجتمع المسلم، وبما يحمله المفهوم من حماية النصارى من الإسلام، والحد من انتشاره بين النصارى وفي مواطنهم، ومن ثم الحد من انتشاره بين غير النصارى في مواطنهم أيضاً، كما يمكن أن يكون من الأهداف الدينية التنصيرية السعي إلى توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، الأمر الذي يستدعي وجود الاستشراق والإفادة منه في هذا الشأن. ([5]) وكثيراً ممن يسعى لهذا الهدف ظاهراً ليس هو جل مراده في الحقيقة؛ ذلك أن حملات التنصير تهدف لهدم الإسلام قبل أن تكون لنشر النصرانية؛ حيث أن "الكثرة المطلقة من الذين يمولون تلك الحملات، ومن الذين يأتون فيها، لا صلة بين أهدافهم الحقيقية والدين الذي يزعمون أنهم جاؤوا لنشره".([6])


* مؤيدات هذا الهدف: 1- أن أساس العلاقة بين الشرق والغرب قد قامت على العداء الديني، ورفض الإسلام بديلاً للنصرانية في الشرق وغيره، بما في ذلك حماية النصارى الشرقيين من الإسلام، والتأثير على الأرثوذوكس في الشرق واستقطابهم للكنيسة الكاثولوليكية في الغرب. ([7]) 2- أن طلائع المستشرقين من النصارى كانوا ذوي مناصب دينية، وأنهم قد انطلقوا من الكنائس والأديرة، ويعود هذا إلى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. 3- أن كثيراً من المستشرقين قد بدأوا حياتهم العلمية بدراسة اللاهوت قبل التفرغ لميدان الدراسات الاستشراقية، وكان همهم إرساء نهضة الكنيسة وتعاليمها، لا سيما في العصور الوسطى، أي أن هدفهم كان تنصيرياً واضحاً، فكأن الاستشراق إنما قام ليغذي التنصير بالمعلومة المنقولة بلغة المنصّر، رغم محاولات تعميم اللاتينية لغةً للتنصير. ([8]) 4- أن التنصير قد اتكأ كثيراً على الاستشراق في الحصول على المعلومات عن المجتمعات المستهدفة، لا سيما الإسلامية، وخاصةً عندما اكتسب مفهوم التنصير معنىً أوسع من مجرد الإدخال في النصرانية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في الكتاب والسنة والسيرة وغيرها، فكان فرسان هذا التطور في المفهوم هم المستشرقين. ([9]) 5- أن الاستشراق نال رعاية الكنيسة ومباركتها عندما ثبت فشل الحروب العسكرية من خلال انحسار المد الغربي الصليبي بعد جهود قرنين من الزمان، فاتجهت الكنيسة الغربية إلى التنصير من خلال الفكر والثقافة والعلم فكان التوجه إلى ما نسميه اليوم بالغزو الفكري في تحقيق ما فشل فيه سلاح الغزو الحربي. ([10]) * التفريق بين الظاهرتين: لن يذهب بنا الموقف من الاستشراق والتنصير إلى الحد الذي يدعونا أن نقرر أنهما "وجهان لعملة واحدة، وأن الاستشراق تنصير من وجوه، والتنصير استشراق من وجوه؛ ذلك أن هذا الإطلاق لا يتفق مع هاتين الظاهرتين، فالاستشراق ليس كله تنصيراً، والتنصير ليس كله استشراقاً. وبالتالي فإنه يمكننا القول أن ليس كل مستشرق منصراً، كما أنه ليس كل منصِّر مستشرقاً. والإحصاءات المتغيرة تذكر أن هناك سبعة عشر مليون منصر يعملون وفق استراتيجيات بعيدة المدى، ولديهم ميزانيات "فلكية" ينفقون منها بغير حساب، وقد تصل في بعض الإحصائيات إلى ما يزيد عن مئة وثمانين مليار دولار، ولا ينتظر أن نفترض أن هذا العدد كله يدخل في تعداد المستشرقين، إذ لا يتوقع أن يكون هناك مستشرقون بالملايين([11]). ولا ينقض هذا التفريق بين ظاهرتين بعض التقارب في الأهداف، إذ الاشتراك في هدف أو أكثر بين ظاهرتين أو أكثر لا يعني بالضرورة أنها جميعاً يمكن أن تحوم في "بوتقة" واحدة. ونحن ندرك أن هناك مجموعة من التيارات التي تتناقض مع مقومات المجتمع المسلم وتسعى إلى أن تحل محل الإسلام فيه، أو تسعى إلى أن تقلل من شأنه في عيون أبنائه وأذهانهم، ومع اتفاقها في هذا الهدف فهي مختلفة فيما بينها، بل إن بعضها يحارب بعضاً للتناقض الواضح بينها، والأصل عدم الخلط هنا حتى ولو كان هذا الخلط يخدم الوصول إلى نتيجة، أو يسعى إلى مزيد من الإقناع. ([12]) وعلى هذا فإن الارتباط بين هذه التيارات قام على الاشتراك في مصالح، وقد لا يكون هذا الارتباط قائماً لولا هذه المصالح من ناحية، ومن ناحية أخرى لم توجد هذه المصالح المشتركة تيارات جديدة انبعثت من هذه المصالح، وعرفت على أنها وليدتها، ذلك أن التنصير لم ينتظر الاستشراق ليقوم ويحقق بعض أهدافه، وليس بالضرورة أن يكون قيام التنصير لتحقيق أهداف الاستشراق. *
بعض المستشرقون المنصرون:

1- أدامز، تشارلز: أمريكي عين مديراً للمدرسة اللاهوتية في العباسية بمصر، من آثاره الإسلام والتجديد في مصر.
2- أسين بلاثيوس، ميجويل: إسباني، اشتهر بدراسة حركة التفاعل الثقافي بين الإسلام والنصرانية. ومن أثاره مذهب ابن رشد.
3- أبوجي، الأب (1819-1895م): من الرهبان اليسوعيين، وهو فرنسي، صنف كتباً دينية ومدرسية.
4- أدلرد أوف باث (1070-1135م): بريطاني، من طلائع المستشرقين، نسبة إلى مدينة باث، انخرط في سلك الرهبانية البندكتية وهي أقدم جماعة تنصيرية.
5- إرثي، أوجوستين، الأب (ق 206): إسباني، من الرهبان تخصص في تاريخ الفرنسيسكانيين في القدس، وقضي عمره مشرفاً على مكتبه آباء دير المخلص بالقدس، صدر له فهرست تفصيلي مصور لمنشورات مطبعة الآباء الفرنسيسكانيين بالقدس. 6-واطسون تشارلز: ت(1948م). أمريكي من مواليد مصر عمل جاهداً لإنشاء الجامعة الأمريكية بمصر، وكان أول رئيس لها كتب عن الإسلام والوطنية([13]).


([1]) مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية (الإستشراقية)، أ د/ خالد بن عبدالله القاسم ج1، ص18.
([2]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب ج2، ص665.
([3]) سورة البقرة، آية رقم (120).

([4])المستشرقون والتنصير، د. علي إبراهيم النملة، ص17.
([5])الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، مازن بن صلاح مطبقاني، ص29.
([6]) التبشير والاستعمار في البلاد العربية، د. مصطفى خالدي، ود. عمر فروخ، ص34.
([7]) المستشرقون والتاريخ الإسلامي، علي حسين الخربوطلي، ص31-34.
([8]) المستشرقون والتنصير، د. علي النملة، ص19-20.
([9]) أحمد عبدالحليم السايح، الاستشراق في ميزان نقد الفكر الإسلامي ، ص17.
([10]) بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته، سعيد عبدالفتاح عاشور ، ص12.
([11]) التنصير والاستعمار في أفريقيا السوداء، عبدالعزيز الكحلوت، ص38.
([12]) أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها. عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني. ص49-51.
([13])المستشرقون، نجيب العقيقي، ج 3، ص144-145.