جزاء المُعرِض عن ذكر الله
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله تعالى :"*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى*
وفي هذه الآيات الكريمة ما يلي:
أولا:أضاف الله - سبحانه وتعالى- الذكر إليه من أجل التعظيم والتشريف .
ثانيا: في قوله تعالى:" فإن له معيشة ضنكا "جاءت الفاء لربط الجواب بالشرط ، ولولاها لحصل اللبس ، وجاء جواب الشرط جملة اسمية مؤكدة بإنَّ لإفادة التوكيد والثبات ،فهذه الحياة ثابتة ومؤكدة لا مناص منها،وفي هذه الجملة تقدم شبه الجملة "له" من أجل التخصيص ومنع اللبس ،لأن بقاء شبه الجملة في مكانه يجعله صفة للنكرة ،وتأخر الاسم ليتصل بصفته ،كما تأخرت الصفة "ضنكا" من أجل الهدف اللفظي وهو تساوي الفواصل ، واختار تعالى كلمة"ضنكا" والتي تعني شدة التعب والضيق ،وبين هذه الكلمة وبين الإعراض عن ذكر الله احتياج معنوي والجزاء من جنس العمل ،وتقدمت المعيشة الضنكى على الحشر يوم القيامة بالزمن ،وتأخر الحشر ليتصل بقول الكافر"ربِّ لم حشرتني ".
ثالثا:جاء الفعل قال بلفظ الماضي للدلالة على تحقق القول ،وهو من قبيل "ونفخ في الصور".
رابعا:حذف ياء المتكلم " المضاف إليه" من كلمة "رب"لأن المقام لا يتسع للإطالة ،فالكافر في حالة نفسية متعبة ،ولا أهمية معنوية عنده لياء المتكلم .
خامسا:قال تعالى "وقد كنت بصيرا" وهذا آكد وأقوى معنويا من"وكنت بصيرا".
سادسا:جاء الله تعالى بصيغة المبالغة "بصيرا" للدلالة على شدة الرؤية في الدنيا ،بينما هو أعمى في الآخرة ،من أجل بث الحزن في نفوسهم .
سابعا:جاءت كلمة "قال" الثانية للفصل بين كلام الكافر وكلام الله تعالى ،ولولاها لصار الكلام واحدا وحصل اللبس .
ثامنا :تقديم المفعول على الفاعل في "أتتك آياتنا" بحسب الأهمية المعنوية للفعل ، لأن بقاءه منفصلا متأخرا في مكانه يثير اللبس.
تاسعا:أضاف الله تعالى الآيات إلى ضمير العظمة للتعظيم والتشريف .
عاشرا :ينصب المتكلم كلمة "اليومَ" والفعل ما زال في الذاكرة ،ويربط بين الظرف والفعل المتأخر برابط الاحتياج المعنوي ،ويدلل على هذه العلاقة بواسطة علامة أمن اللبس .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس.