الاحتياج المعنوي بين المُكرِم والكَرَم



إذا حضر المكرِم حضر الكرم


قال "وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في تغيير الترتيب بين الدخول والدعاء في سورتي البقرة والأعراف،فقد ورد هذا الجزء من الآية الكريمة في آيتين من سورتي البقرة والأعراف، فقد قال في سورة البقرة"وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين "(البقرة 58)وقال في سورة الأعراف "وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين"(الأعرا ف 161)وفي هاتين الآيتين عدة أمور منها:
أولا: قال في سورة البقرة(وإذ قلنا) ببناء الفعل للمعلوم بينما قال في سورة الأعراف (وإذ قيل لهم ) بالبناء للمجهول ،لأن جميع آيات سورة البقرة التي تسبق هذه الآية تبدأ بقوله :وإذ نجيناكم ،وإذ فرقنا ،وإذ واعدنا ،وإذ آتينا ،وظللنا ،فجاءت هذه الآية على غرار الآيات السابقة ببناء الفعل للمعلوم ،حيث عدد الله سبحانه و نعمه على بني إسرائيل ، أما في سورة الأعراف فالأمر لا يتطلب ذكر الفاعل .
ثانيا :قال في سورة البقرة (فكلوا) بينما قال في سورة الأعراف (وكلوا) لأن الأكل في سورة البقرة مترتب على الدخول ،كما أنه يتحدث إليهم قبل دخولهم ،أما في سورة الأعراف فالأكل غير مترتب على الدخول كما أنه يتحدث إليهم على أساس أنهم ساكنون فيها .
ثالثا: قال في سورة البقرة (رغدا) ولم يقل ذلك في الأعراف ، ففي سورة البقرة حضر المكرِم فحضر الكرم ،وعندما غاب المكرم غاب الكرم ، وبينهما احتياج معنوي ، ومن أجل الترغيب في الدخول ،وأن هذه القرية تحتوي على كل ما لذّ وطاب أما في سورة الأعراف فيخاطبهم وكأنهم ساكنون فيها ولا يوجد داع لترغيبهم فيها أو في الدخول.
رابعا:قال في سورة البقرة "وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) بتقديم الدخول على القول، بينما قال في سورة الأعراف (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا) لأن آية البقرة تبدأ بفعل الدخول(ادخلوا) ،وبينهما احتياج معنوي ،أما سورة الأعراف فلا تبدأ بفعل الدخول ، كما أن سورة البقرة تترتب من الخاص إلى العام فالدخول أخص بالداخل من الدعاء ،فالإنسان يدخل ويدعو، أما آية الأعراف فتترتب من العام إلى الخاص ،فهناك السكن ثم الأكل ثم الدعاء ثم الدخول.
خامسا :قال في سورة البقرة(نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) بينما قال في سورة الأعراف (نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) فجاء في سورة البقرة بجمع الكثرة (خطايا) ،وهذا من كرم المكرم وحضوره ،ومن أجل الحث والترغيب على فعل الخير وأتبع ذلك بقوله (وسنزيد المحسنين) بذكر الواو من أجل التشديد والمبالغة ،وذلك لأن الله سبحانه وتعالى عدد الذنوب التي التي اقترفها بنو إسرائيل ،ويريد منهم ويرغبهم على فعل الخير من أجل أن يكفر عنهم هذه الذنوب ،أما في سورة الأعراف فلم يذكر الفاعل ،كما أن الأمر لا يتطلب الحث والترغيب حيث لم يذكر ذنوبهم .

وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس .