09-12-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
هذا ما حاول الكاتب "طريف العتيق" - أحد العلمانيين - الوصول إليه من خلال مقال له بعنونا: "عبثية مبدأ الهداية في النص القرآني"، والمنشور على موقع "الأوان" الذي يرفع شعار: "الأون من أجل ثقافة علمانية عقلانية".

ليس غريبا أن يوجه العلمانيون سهام حقدهم وبغضهم على القرآن الكريم، فهو مصدر التشريع الإسلامي الأول، والكتاب السماوي الوحيد الذي لم يطرأ عليه شيء من التحريف أو التبديل، وهو ما يغيظ أعداء الدين.

وإذا كان بعض العلمانيين ينكر نسبة القرآن الكريم إلى كلام الله تعالى، ويزعم أنه من صنع البشر جملة وتفصيلا، فإن البعض الآخر يحاول الوصول إلى هذا الهدف من خلال محاولة التشغيب على المعاني الواردة في تفسيره، والزعم بأنها – أي التفاسير – قد أعادت القرآن الكريم إلى مصدره البشري.

هذا ما حاول الكاتب "طريف العتيق" - أحد العلمانيين - الوصول إليه من خلال مقال له بعنونا: "عبثية مبدأ الهداية في النص القرآني"، والمنشور على موقع "الأوان" الذي يرفع شعار: "الأون من أجل ثقافة علمانية عقلانية".

فبعد أن ذكر الكاتب الآيات التي تدل على مبدأ الهداية في القرآن الكريم، راح يشكك في تلك الهداية من خلال عنوان فقرة في المقال "إلهية أم بشرية"، والتي حاول التشكيك فيها بمصدر القرآن الكريم بقوله: "مما يمكن ملاحظته بالنظر والتأمل، أن النصوص القرآنية في مجملها يعوزها الجهد البشري في ترتيب الموضوعات، وفهم المعاني، واستيضاح المقصود، بالإضافة إلى كشف الغموض ووضع آليات تمنع التناقض وتزيل الالتباس، وهذا ما أنتج مكتبة ضخمة من التفاسير والموسوعات القرآنية، التي فاقت حجم القرآن نفسه، الأمر الذي أفقد الهداية معناها الإلهي وأحالها لهداية بشرية صرفة"!!

وهي شبهة علمانية طالما حاولوا التسلل من خلالها لنقض ألوهية القرآن الكريم، إلا أنها - وكل بقية شبهات العلمانيين - ذهبت أدراج الرياح، بعد أن ووجهت بسيل من الردود الإسلامية النقلية والعلمية والعقلية.

ولعل أهم هذه الردود أن معظم ألفاظ القرآن الكريم واضحة ومفهومة ولا تحتاج إلى أي تأويل أو تفسير، وأن غموض بعض الألفاظ قد جاء شرحه في آيات أخرى من القرآن الكريم، أو تولت السنة النبوية الصحيحة بيانه وتفصيله، فالقرآن الكريم جاء بالألفاظ العامة والمجملة والمطلقة، وقد ترك التفصيل والتوضيح للسنة النبوية، فكيف يفقد تفسير بعض المعاني من القرآن أو السنة الهداية عن القرآن الكريم؟!!

ومن الباحثين الذين فندوا مزاعم العلمانيين حول علم التفسير بشكل عام، وردت على شبهاتهم حول التفسير ومفهومه وقواعده بشكل علمي رصين بشكل خاص، الكاتبة "منى محمد بهي الدين الشافعي" في كتابها النافع : "التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم "عرض ونقد".

ولعل من أجمل ردود الكاتبة على شبهات العلمانيين كانت على الشبهة القائلة : بأن المفسر ينشئ معنى النص، وأن النصوص ما هي إلا قوالب فارغة من المعاني، وأنه من المستحيل الوصول لمراد الله في الآيات، وأن التفسير يحول النص من الإلهية للبشرية....

ويتابع كاتب المقال في سرد شبهته على القرآن الكريم والتفسير بقوله: "ويمكن وفق هذا المنظور إعادة الاطلاع على أدبيات التيارات الدينية المختلفة، للانتباه إلى أنها رغم ما تدعيه من اتباع النصّ الإلهي إنما تتبع في المحصلة نتاج العقل البشري، وآلياته في الفهم والدراسة، لا غير، سواء أكانت تيارات متطرفة أم معتدلة، تتبنى روح العصر أو تحاول فرض رؤيتها على الحياة. وهي بالتالي لا تختلف بالجوهر عن التيارات التي تصفها بالوضعية، غير أن هذه الأخيرة لا تدعي أن رؤيتها للحياة معصومة من الخطأ، بل تطرحها في سياق من النقد المستمر، خلافا للتيارات الدينية التي تقدم فهمها على أنه إلهي، مزينة إياه بالنصوص المختلفة، بعد وضعها في السياق الفكري الذي اختارت، فإن للنص الواحد سياقات فكرية وعقدية وفقهية تختلف من تيار لآخر"

وهي شبهة يحاول الكثير من العلمانيين العزف على وترها، ألا وهي اختلاف بعض الفقهاء أو العلماء قديما وحديثا في بعض المسائل الفقهية القابلة للاختلاف، إلا أن الكاتب وأمثاله من العلمانيين تناسوا أمرين هامين:

الأول: أن الجزء الأكبر من الإسلام متفق عليه بين جميع التيارات الإسلامية المنتسبة بحق لأهل السنة والجماعة، ولا وجود لأي خلاف بشأنها، فهل من شأن ذلك أن يجعل العلمانيين يؤمنون بالنص القرآني المتفق عليه بينهم؟!!

الثاني: أن المختلف فيه لا يخرج عن كونه اختلاف ضمن دائرة النص القرآني القابل لأكثر من وجه، كما في كلمة "قرء" الواردة في قوله تعالى{وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [البقرة: 228].

إن غاية ما يريده صاحب المقال هو تشكيك المسلم بقرآنه وكلام ربه، من خلال تشكيكه في التفاسير التي بين أيدينا، ولكن غايته لن تتحقق بإذن الله تعالى، ما دام في الأمة علماء أفذاذ يصدون عنه كيد الحاقدين، ويردون عنه مكر الماكرين.