لم يجتريء أحد من أهل العلم والإنصاف ـ فيما علمت ـ قد وصف الذهبي بأنه مميع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأنت لم تنتبه لما قلته من الفرق بين الترجمة وذكر المحاسن والمثالب ، وبين الثناء المحض ، فلا تجد ترجمة في السير أو غيره إلا وقد بين فيه حاله وأنه قليل الدين أو يحل قتله أو نحو ذلك ، كما بينته سالفا.
ووصف الذهبي للبعض بالذكاء مثلا ، لا يستلزم أنه يوافقه على بدعته ومذهبه ، أو أنه إذا وصفه بالإمامة يكون كذلك ثناء عليه ، بل قد يكون الإنساء ذكيا وهو مبتدع ضال ، بله ملحد ويكون ذكيا ، فليس هذا مدحا إنما هو وصف حاله الذي عليه من الذكاء ، وأما وصفه بالإمامة فقد يكون إخبارا عن حاله أنه إمام في مذهبه أوبدعته ، ومع ذلك يصفه الذهبي بما يوضح رأيه فيه بقوله مثلا فيما نقلته آنفا عن الشهاب : يتوقد ذكاء، مع قوله "
إنه قليل الدين
"
وأن مصنفاته " سائرها ليست من علوم الإسلام "
وأن الذين أفتوا بقتله " أحسنوا وأصابوا
".
وقد يكون الذهبي قد لان في بعض كلامه في بعض الأحيان ـ وليس تمييعا كما ذكرتَ ـ ولو كان ذلك كذلك لما انتُقِد الذهبيُّ من قبل مخالفيه على تأليفه لبعض كتبه واعتقاده ، ولطاروا بذلك أي مطار .
مثل هذه العقائد، قال محمد زاهد الكوثري ـ وهو معروف بالضلال ـ عن كتاب " العلو ": " ولو لم يؤلفه لكان أحسن له في دينه وسمعته لأن فيه مآخذ كثيرة، وقد شهر عن الذهبي أنه كان شافعي الفروع حنبلي المعتقد (1) ".
وما أوردتُه قبلُ ـ ووصفته أنت بأنه ليس في محل النزاع تماما ـ وإذا بك تنقله ـ لأنه في الحقيقة في محل النزاع :
وأسوأ شيء قاله: أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق. فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلا تعظيم الباري عزوجل من الطرفين، ولكن الأكمل في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف رضي الله عنهم.أهـ
ومع كون الذهبي يبدعهم وهو يقول بأن قصدهم تعظيم الباري أو تنزيهه ، فقد قال شيخه شيخ الإسلام هذا في مجموع الفتاوى 17 / 99 : فالقدرية من المعتزلة وغيرهم قصدوا تعظيم الرب وتنزيهه عما ظنوه قبيحا من الأفعال وظلما ...أهـ
وهو رحمه الله من أشد المناوئين لأهل البدع والضلال .
وقد خالف شيخه في بعض المسائل لكن قولك بأنه يخالفه في الأصول والفروع . كيف والسبكي يقول : أضرت به صحبته
لابن تيمية .
فليتك تنقل لنا ما ذكرتَه من أن الذهبي قد صرح بأنه يخالف شيخ الإسلام في الأصول والفروع ( هكذا بنصه من كتاب له دون واسطة )
وأما إن كنت تقصد أنه يشير إلى أن شيخ الإسلام قد خالف الناس في الأصول والفروع ، فقد قال ابن القيم رحمه الله :
لانعرف له مسألة خرق فيها الإجماع ،ومن ادعى ذلك فهو إما جاهل ،وإما كاذب ؛ولكن مانُسب إليه الانفراد به ينقسم إلى أربعة أقسام :
الأول :
مايستغرب جدا ،فينسب إليه أنه خالف الإجماع ؛لندور القائل به وخفائه على كثير من الناس ،ولحكاية بعض الناس الإجماع على خلافه .
الثاني :
ماهو خارج عن مذاهب الأئمة الأربعة ؛لكن قد قاله بعض الصحابة أو السلف أو التابعين ،والخلاف فيه محكي .
الثالث :
ماهو خارج عن مذهب الإمام أحمد – رضي الله عنه – الذي اشتهر هو – أعني : شيخ الإسلام – بالنسبة إليه ؛لكن قد قال به
___________
(1) " ذيل تذكر الحفاظ " 348 هامش 2