بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن الجوزي :
لما رأيت رأي نفسي في العلم حسنًا، فهي تقدمه على كل شيء، وَتَعْتَقِدُ الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل، وتقول: أقوى دليل لي على فضله على النوافل: أني رأيت كثيرًا ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول، فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح.
إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم، فصحت بها: فما الذي أفادك العلم؟! أين الخوف؟! أين القلق؟! أين الحذر؟! أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟!
أما كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الكل، ثم إنه قام حتى ورمت قدماه؟!
أما كان أبو بكر رضي الله عنه شجي النشيج، كثير البكاء؟!
أما كان في خد عمر رضي الله عنه خطان3 من آثار الدموع؟!
أما كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة؟!
أما كان علي رضي الله عنه يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع، ويقول: يا دنيا غري غيري؟!
أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق.
أما كان سعيد بن المسيب ملازمًا للمسجد، فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة؟!
أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر؟!
أما قالت ابنة الربيع بن خثيم له: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟!
فقال: إن أباك يخاف عذاب البيات؟!
أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق سوطًا في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر؟!
أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة، وكان يقول: وا لهفاه! سبقني العابدون، وقطع بي؟!
أما صام منصور بن المعتمر أربعين سنة؟!
أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف؟!
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟!
أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد؟!
احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به، فإنها حالة الكسالى الزمنى:
وخذ لك منك على مُهْلَةٍ ... ومقبل عيشك لم يدبر
وخف هجمةً لا تقيل العثار ... وتطوي الورود على المصدر
ومثل لنفسك أي الرعيل ... يضمك في حلبة المحشر