تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: معنى قول الأئمة: «لا أدري»

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    99

    افتراضي معنى قول الأئمة: «لا أدري»

    ورد أن الإمام مالك رحمه الله سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب منها عن اثنتين وثلاثين مسألة بقوله: «لا أدري».
    وجاءه رجلٌ بأربعين مسألة، فما أجابه منها إِلَّا في خمس مسائل.
    وسٌئل مرة عن اثنين وعشرين مسألة، فما أجاب منها إلا في واحدة أو اثنتين.
    وربما يُسأل عن مائة مسألة، فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي: «لا أدري»(1).
    وكان يقول: «جُنَّة العالم قوله: لا أدري. فإذا أضاعها أصيبت مقاتله»(2).
    وكان رحمه الله ربما سُئل فتوقَّف، فإذا قال له السائل- وقد جاءه من مسيرة ستَّة أشهر-: أيُّ شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعتُ إليهم؟! قال: «تقول لهم: قال مالك: لا أُحْسِن»(3).
    وقال ابن وهب: «لو شئتُ أن أملأ ألواحي من قول مالك: «لا أدري» لفعلتُ»(4).

    فليس من المعقول أن يُسأل الإمام عن (40) أو (100) مسألة، فلا يعرف إجابة (90%) منها، وهو مَن يشار إليه، وقد ملأ الدنيا علمًا وفهمًا وفقهًا.
    والأئمة يذكرون هذه الحكايات في توقِّي مالك عن الفتوى إلا فيما يحسنه ويعلمه، ويعدُّونه من فضائل الإمام رحمه اللَّه.

    فما تأويل هذه الحكايات؟
    قد تكون هذه المسائل من المسائل التي السكوت فيها أسلم، فسكت فيها متعمِّدًا..
    ويؤيِّد هذا والله أعلم ما ورد أن رجلًا سأله عن مسألة استودعه إياها أهلُ المغرب، فقال: «ما أدري ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا، ولا سمعنا أحدًا من أشياخنا تكلم بها»(5). فسكوته فيها أسلم له.
    ولذلك كان رحمه الله يقول: «إن عندي لأحاديث ما حدَّثت بها قطُّ، ولا سُمعت مني، ولا أحدِّث بها حتى أموت»(6).
    ويقول: «أدركتُ هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه اليوم». يريد المسائل(7).

    والأقرب أن عدم معرفة مالك أو غيره من الأوائل الإجابة عن الأسئلة، ليس لعجزه عن التكلم فيها برأي، فالكثير يستطيع الكلام في أغلب أو كل المسائل برأي..
    ولكن والله أعلم عدم معرفة مالك الإجابة، يعني عدم حفظه لأثر عمن سبق في ذلك؛ لأنهم كانوا يعتمدون غالبًا على الأثر (قرآن، سنة، قول صاحب، قول تابع)، ويعزفون عن الرأي.
    فقد كان مالك رحمه الله يقول: «ينبغي للعالم أن يألف فيما أَشْكل عليه قول: لا أدري؛ فإنه عسى أن يهيَّأ له خير». وقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي». وقال: «الملائكة قد قالت: {لا علم لنا} [البقرة: 32]»(8).

    ويؤيد ذلك ما ورد أنهم سألوا ابن مسعود رضي الله عنه عن الرجل يموت وله امرأة لم يدخل بها ولم يسمِّ لها مهرًا، فردَّهم، وقال: «ما سُئلت عن شيء منذ فارقتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشد عليَّ من هذا، ما سمعتُ فيها من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، سلوا غيري، هل تجدون فيها أثرًا؟». قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما نجد فيها. فتردَّدوا فيها شهرًا، ثم سألوه، فقال: «أقول فيها برأيي، فإن يك خطأً فمني ومن الشيطان، وإن يك صوابًا، فمن الله..»(9).
    وصحَّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري»(10).
    وقال رضي الله عنهما لجابر بن زيد: «يا جابر، إنك من فقهاء أهل البصرة، وستستفتى، فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية»(11).
    وروي أن رجلًا جاء إلى الشَّعْبي يسأله عن شيء، فقال: «كان ابن مسعود يقول فيه كذا وكذا».
    قال أخبرني أنت برأيك.
    فقال: «أَلَا تعجبون من هذا؟ أخبرته عن ابن مسعود ويسألني عن رأيي!»(12).
    وسئل مرةً عن شيء، فلم يكن عنده فيه شيء، فقيل له: قل برأيك. قال : «وما تصنع برأيي! بُلْ على رأيي»(13).
    وقال: «ما حدَّثوك عن أصحاب رسول الله فخُذْ به، وما قالوا فيه برأيهم فبُلْ عليه»(14).
    وقال عاصم الأحول: كنت عند ابن سيرين، فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا بكر، ما تقول في كذا؟ قال: «ما أحفظ فيها شيئًا». فقلنا له: فقل فيها برأيك. قال: «أقول فيها برأيي، ثم أرجع عن ذلك الرأي، لا والله»(15).
    وسأل رجلٌ سعيدَ بن جُبير عن آية من كتاب الله عز وجل، فقال له سعيد: «الله أعلم». فقال له الرجل: قل فيها أصلحك الله برأيك. فقال: «أقول في كتاب الله برأيي؟!»(16).
    وسُئل عطاء عن شيء، فقال: «لا أدري». فقيل له: قل فيها برأيك. قال: «إني لأستحي من الله أن يُدان في أرضه برأيي»(17).
    ومثله عن قتادة قال: «لا أدري». فقيل: قل فيها برأيك. فقال: «ما قلتُ برأي منذ (ثلاثين) أربعين سنةً»(18).
    فقولهم: «لا أدري»= «ما أحفظ فيها شيئًا»= «لا أحسن»= «فلم يكن عنده فيه شيء»= وهي بمعنى قول ابن عمر رضي الله عنهما: «العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري». والله أعلم.
    ...........................
    (1) ينظر: «الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء» لابن عبد البر (ص 38)، و«ترتيب المدارك» للقاضي عياض (1/ 181- 184)، و«سير أعلام النبلاء» (8/ 69، 77)، و«الموافقات» (5/ 326).
    (2) ينظر: «أخلاق العلماء» للآجري (ص 115)، و«جامع بيان العلم وفضله» (1580)، و«تاريخ دمشق» (8/ 363)، و«سير أعلام النبلاء» (8/ 77)، ورفعها كذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
    (3) ينظر: «الجرح والتعديل» (1/ 18)، و«أخلاق العلماء» للآجري (ص 116)، و«حلية الأولياء» (6/ 323)، و«المدخل إلى السنن الكبرى» للبيهقي (816)، و«الانتقاء» (ص 37- 38)، و«جامع بيان العلم وفضله» (1573)، و«الفقيه والمتفقه» (2/ 370)، و«ترتيب المدارك» (1/ 180- 181)، و«تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 385).
    (4) ينظر: «جامع بيان العلم وفضله» (1575، 1576)، و«سير أعلام النبلاء» (8/ 97).
    (5) ينظر: «ترتيب المدارك» (1/ 180)، و«الموافقات» (5/ 325).
    (6) ينظر: «حلية الأولياء» (6/ 321).
    (7) ينظر: «الفقيه والمتفقه» (2/ 15).
    (8) ينظر: «جامع بيان العلم» (1574، 1578، 1579).
    (9) ينظر: «مصنف عبد الرزاق» (11745)، و«مصنف ابن أبي شيبة» (17117)، و«مسند أحمد» (18460)، و«سنن النسائي» (6/ 121).
    (10) ينظر: «المعجم الأوسط» للطبراني (1001)، و«الكامل» لابن عدي (1/ 288)، و«التمهيد» (4/ 266)، و«جامع بيان العلم وفضله» (1387)، و«تاريخ بغداد» (4/ 243)، و«الترغيب والترهيب» لقِوام السنة (2140)، و«الطيوريات» (754)، و«فيض القدير» (4/ 388)، ورُوي مرفوعًا، ولا يصح. ينظر: «السلسلة الضعيفة» (3941).
    (11) ينظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (2/ 204).
    (12) ينظر: «مسند الدارمي» (109).
    (13) ينظر: «طبقات ابن سعد» (8/ 368).
    (14) ينظر: «جامع بيان العلم وفضله» (1438، 1439).
    (15) ينظر: «حلية الأولياء» (2/ 268).
    (16) ينظر: «تفسير سعيد بن منصور» (41)، و«شعب الإيمان» (2088)، و« ذم الكلام وأهله» للهروي (288).
    (17) ينظر: «مسند الدارمي» (108).
    (18) ينظر: «طبقات ابن سعد» (9/ 228)، و«مسند ابن الجعد» (1022، 1023)، و«مسند الدارمي» (107).

  2. #2

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا أخي الفاضل محمود شعبان على هذا البحث القيم ، والحقيقة أن قول العلماء " لا أدري " هو على ظاهره ؛ بمعنى أنهم لا يدرون حل المسألة في ذلك الزمن الذي سئلوا عنها ، إذ لو كانوا يعلمون وسكتوا عن الجواب لدخلوا تحت الوعيد الشديد لكاتم العلم الذي سئل عنه .
    وهذا أمر محال في حق هؤلاء الأئمة الأعلام فهم أحق بذكر العلم ونشره بين الناس ، وهم أيضا أنزه الناس عن كتمان العلم الشرعي عن الناس ، وما تفضلتم به من تحرزهم عن الإفتاء بناء على الرأي المجرد متجه راجح في حقهم ، لأن هذا الأمر دين والدين لا يقال فيه بالرأي والظن والتخمين !؟
    بل لابد من البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة النبوية الصحيحة ، فإن لم يجد العالم في المسألة دليلا شرعيا صحيحا فيجتهد بناء على القواعد والأدلة الشرعية المعروفة كالقياس والإستصحاب والعرف والموازنة بين المصالح والمفاسد وهذا معروف في علم أصول الفقه .
    ولا شك أن قول العالم النحرير مثل الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة رحمة الله عليهم هذه المقالة أمام الناس وطلبة العلم ؛ تربية لهم تربية بالغة على الورع والخشية من القول في دين الله تعالى بغير علم فلله درهم وعليه أجرهم
    والله أعلم.

  3. افتراضي

    ينظر كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم، ففيه ما ذكره الأخ الفاضل وزيادة، لمن أمعن النظر، وأوغل في البحث، وجمع أشتاته، واستقصى أطرافه، والله الموفق وعليه التكلان.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  4. افتراضي

    ومن جملة ما ذكره ابن القيم هنالك، في هذا الباب، عندما شرع في بيان الأصول الخمسة، التي يعتمد عليها الإمام أحمد بن حنبل في الفتوى، فقال بعد أن ساقها: "فهذه الأصول الخمسة(1)، من أصول فتاويه، وعليها مدارها، وقد يتوقف في الفتوى؛ لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين". "إعلام الموقعين"(1/26).
    __________
    (1) وهي: النصوص، وفتاوى الصحابة، والاختيار من فتاوى الصحابة عند اختلافهم، والمرسل من الحديث، والقياس عند الضرورة.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: معنى قول الأئمة: «لا أدري»

    بارك الله فيكم .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2015
    الدولة
    Libya
    المشاركات
    147

    افتراضي رد: معنى قول الأئمة: «لا أدري»

    تنويه:
    فقولهم: «لا أدري»= «ما أحفظ فيها شيئًا»= «لا أحسن»= «فلم يكن عنده فيه شيء»= وهي بمعنى قول ابن عمر رضي الله عنهما: «العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري». والله أعلم.
    .
    لكن قولهم "لا أدري" تعني لا يدري ضبط العلم بالمعلوم وليست تعني الجهل بالمعلوم ؟ واضح ؟ تبارك الله عليك.
    .
    قول العالم "لا أدري" يعني المسألة فيها أكثر من قول واكثر من موضع إما في القرآن وإما في السنة أو معا ؟ ولكنه لا يدري صواب كلامه إن تكلم حسب سؤال السائل في تلكم المسألة ؟
    ولهذا يصعب عليه توفير قول واحد على السؤال الفتوى ؟
    وفي هذا يحيل أغلب اهل العلم إلى موضع ومصدر أو موقع كمؤسسة ونيابة ومحكمة وقضاء وهكذا ؟ الفحوى والإحالة مهمتان جدا في قضايا الإفتاء. ويكثر هذا عند المالكية كابن وهب والسدوسي والقرطبي وغيرهم.
    .
    أما قول "الله أعلم" هو النفي لجنس العلم بتلكم المسألة ؟
    .
    فافهم هذا ! فهو يعينك على فهم مالك بن أنس رحمه الله.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •