أبْـنَـاءُ الأَصْـلابِ وَبَـنَـاتُ الأفْـكَـارِ !
إنَّـهُ مِـنَ الـشَّـائِـعِ الـذَّائِـعِ بَـيْـنَ الـعَـارِفِـيـن َ أنَّ اخْـتِـيَـارَ الـمَـرْءِ قِـطْـعَـةٌ مِـنْ عَـقْـلِـهِ , وَيَـدُلُّ عَـلَـى الـمَـرْءِ حُـسْـنُ اخْـتِـيَـارِهِ وَنَـقْـلِـهِ , وَكُـلُّ كِـتَـابٍ مُـصَـنَّـفٍ أو كَـلامٍ مُـؤَلَّـفٌ يُـعَـبِّـرُ عَـنْ شَـخْـصِـيَّـةِ صَـاحِـبِـهِ , وَيُـعْـطِـي صُـورَةً عَـنْ تَـفْـكِـيـرِهِ وَعَـقْـلِـهِ وَقَـدْ يُـعَـبِّـرُ عَـنْ صِـفَـاتِـهِ وَخُـلُـقِـهِ , وَقَـدْ قَـالَ الـقَـائِـلُ :
قَـدْ عَـرَفْـنَـاكَ بِـاخْـتِـيَـار ِكَ إذْ كـا *** نَ دَلِـيـلًا عَـلَـى الـمَـرْءِ اخْـتِـيَـارُهُ
وَمِـمَّـا يُـنْـسَـبُ لأفْـلاطُـون الـفَـيْـلَـسُـ وفِ الـرُّومَـانِـي ِّ : عُـقُـولُ الـنَّـاسِ مُـدَوَّنَـةٌ عِـنْـدَ أَطْـرَافِ أَقْـلامِـهِـم , وَظَـاهِـرَةٌ في حُـسْـنِ اخْـتِـيَـارِهِ ـم !
وَصَـدَقَ وَهُـوَ كَـذُوبٌ !!
وَقَـدْ كَـانَ أَهْـلُ الـعِـلْـمِ يُـعْـتَـنُـونَ بِـعُـلُـومِـهِ ـم وَيَـغَـارُونَ عَـلَـى بَـنَـاتِ أَفْـكَـارِهِـم ِ وَيَـحْـتَـفِـل ُـونَ بِـمَـا جَـادَتْ بِـهِ قَـرَائِـحُـهُـ م وَأنْـتَـجَـتْـ هُ عُـقُـولُـهُـم , حَـتَّـى إنَّـهُـم مِـنْ شِـدَّةِ حَـفَـاوَتِـهِـ مْ بِـذَلِـكَ اعْـتَـبَـرُوا أَفْـكَـارَهُـم بِـمَـنْـزِلَـة ِ ذُرِّيَّـتِـهِـ م وَنَـسْـلِـهِـم , بَـلْ رَبَّـمَـا كَـانَـتْ أَفْـكَـارُهُـم عِـنْـدَهُـم بِـمَـنْـزِلَـة ٍ أَعْـلَـى مِـنْ ذَلِـكَ وَأغْـلَـى !!
قَـالَ بَـعْـضُـهُـم : عِـلْـمُ الـرَّجُـلِ وَلَـدُهُ الـمُـخَـلَّـدِ !
وَقَـالَ الآخَـرُ :
وَمَـا نَـسْـلُ صُـلْـبِـي كَـنَـسْـلِ قَـلْـبِـي *** مَـنْ قَـاسَ رُدَّ لَـهُ قِـيَـاسُـهُ !
وَقَـالَ أبُـو الـفَـتْـحِ عَـلِـيُّ بْـنُ مُـحَـمَّـدٍ الـبُـسْـتِـي :
يَـقُـولُـونَ ذِكْـرُ الـمَـرْءِ يَـبْـقَـى بِـنَـسْـلِـهِ *** وَلَـيْـسَ لَـهُ ذِكْـرٌ إذَا لَـمْ يَـكُـنْ نَـسْـلُ
فَـقُـلْـتُ لَـهُـم نَـسْـلِـي بَـدَائِـعُ حِـكْـمَـتِـي *** فَـمَـنْ سَـرَّهُ نَـسْـلٌ فَـإنَّـا بِـذَا نَـسْـلُـو
وَالآخَـرُ أَبُـو الـفَـتْـحِ عُـثْـمَـانُ بْـنُ جِـنِّـي الـنَّـحْـوِيُّ الـفَـائِـقُ , إمَـامُ الـعَـرَبِـيَّـ ةِ في زَمَـانِـهِ وَمِـنْ حُـذَّاقِ أَهْـلِ الأَدَبِ وَأَعْـلَـمِـهِ ـم بِـصِـنَـاعَـةِ الـنَّـحْـوِ وَالـتَّـصْـرِي ـفِ , تِـلْـمِـيـذُ أبِـي عَـلِـيٍّ الـفَـارِسِـيِّ , وَتَـخَـرَّجَ عَـلَـيْـهِ الأَكَـابِـرُ = قَـدْ كَـانَ أَبُـوهُ عَـبْـدًا رُومِـيًّـا مَـمْـلُـوكًـا , فَـكَـأنَّ بَـعْـضَ الـنَّـاسِ عَـيَّـرَهُ بِـخِـسَّـةِ نَـسَـبِـهِ , فَـقَـالَ قَـصِـيـدَةً طَـوِيـلَـةً رَدًّا عَـلَـى مَـنْ قَـالَ ذَلِـكَ , وَمِـنْ جُـمْـلَـتِـهَـ ا قَـوْلُـهُ :
فَـإنْ أُصْـبِـحْ بِـلا نَـسَـبٍ *** فَـعِـلْـمِـي في الـوَرَى نَـسَـبِـي !
إذا عَـلِـمْـتَ ذَلِـكَ فَـاعْـتَـنِ بِـعِـلْـمِـكَ وَتَـنْـمِـيَـة ِ أَفْـكَـارِكَ وَتَـطْـوِيـرِ عَـقْـلِـكِ وَتَـثْـقِـيـفِ نَـفْـسِـكَ , وَابْـذُلْ - إنِ اسْـتَـطَـعْـتَ - مِـنَ الـوَقْـتِ وَالـجُـهْـدِ وَالـمَـالِ في سَـبِـيـلِ ذَلِـكَ مِـثْـلَ أو أكْـثَـرَ مِـمَّـا تُـنْـفِـقُـهُ عَـلَـى نَـفْـسِـكَ وَأوْلادِكَ في طَـعَـامِـهِـم وَشَـرَابِـهِـم وَمَـسْـكَـنِـه ِـم وَحِـفْـظِ عَـافِـيَـتِـهِ ـم وَتَـحْـسِـيـنِ تَـعْـلِـيـمِـه ِـم بَـلْ وَالـتَّـرْفِـي ـهِ عَـنْـهُـم , فَـإنَّـمَـا عِـلْـمُـكَ هُـوَ وَلَـدُكَ الـمُـخَـلَّـدِ , وَنَـحْـنُ لَـمْ نَـعْـرِفْ الأَئِـمَّـةَ الـسَّـابِـقِـي ـنَ وَلَـمْ يَـشْـتَـهِـرْ ذِكْـرُهُـم عِـنْـدَنَـا بِـنَـسْـلِـهِـ مْ وَأَبْـنَـاءِ صُـلْـبِـهِـم , وَإنَّـمَـا عُـرِفُـوا وَحَـازُوا الـفَـضْـلَ وَالـشَّـرَفَ بِـعِـلْـمِـهِـ مْ وَبَـنَـاتِ أفْـكَـارِهِـم , وَالـلَّـهُ أَعْـلَـمُ .
كتبه/ طارق عبد الرازق.