عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا تَنْظُرِ الْأَمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى رُكْبَتِهِ مِنَ الْعَوْرَةِ([1])».
قال البيهقي رحمه الله: ((الْمُرَادُ بِهِ نهيُ الْأَمَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَا زُوِّجَتْ([2])))اهـ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ([3])». فدلَّ على أن ما بين السُّرَّة إلى الركبة عورة؛ وهو مذهب الجمهور. وأما ما ورد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ([4])». وما ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...([5]). ففي هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر فخذيه. ولذلك فقد ذهب بعض العلماء أن الفخذين ليسا من العورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عنهما؛ ولو كانا من العورة لَمَا كشفهما النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهو مذهب ضعيف؛ لأن فيه تركًا للأحاديث القائلة بأنَّ الفخذ من العورة. والصواب – جمعًا بين الأحاديث – هو ما ذهب إليه الجمهور أنَّ الفخذ من العورة؛ ولكنَّ عورته مخففة. قال العلامة الألباني رحمه الله: ((أدلة القائلين بأن الفخذ ليس بعورة فعلية من جهة ومبيحة من جهة أخرى، وأدلة القائلين بأنه عورة قولية من جهة وحاظرة من جهة أخرى؛ ومن القواعد الأصولية التي تساعد على الترجيح بين الأدلة والاختيار بعيدًا عن الهوى والغرض قاعدتان: الأولى: الحاظر مُقَدَّم على المبيح. والأخرى: القول مُقَدَّم على الفعل؛ لاحتمال الخصوصية وغيرها؛ مع أن الفعل في بعض الأدلة المشار إليها لا يظهر فيها أنه كان مقصودًا متعمدًا؛ كحديث أنس وأثر أبي بكر، أضف إلى ذلك أنها وقائع أعيان لا عموم لها؛ بخلاف الأدلة القولية فهي شريعة عامة وعليها جرى عمل المسلمين سلفًا وخلفًا بحيث لا نعلم أن أحدًا منهم كان يمشي أو يجلس كاشفًا عن فخذيه كما يفعل بعض الكفار اليوم ومن يقلدهم من المسلمين الذين يلبسون البنطلون الذي يسمونه بـ(الشورت) وهو (التُّبَّانُ) في اللغة. ولهذا فلا ينبغي التردد في كون الفخذ عورة ترجيحًا للأدلة القولية، فلا جرم أنْ ذهب إليه أكثر العلماء، وجزم به الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/ 52- 53) و"السيل الجرار" (1/ 160– 161). نعم، يمكن القول بأن عورة الفخذين أخف من عورة السوأتين؛ وهو الذي مال إليه ابن القيم في "تهذيب السنن"([6])))اهـ.
[1])) أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (4114)، والبيهقي في ((الكبير)) (7/ 151)، واللفظ له، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (1803)، والأرناؤوط.
[2])) ((السنن الكبير)) (2/ 320).
[3])) أخرجه أحمد (15926)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2798)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وصححه الألباني ((تمام المنة)) (160)، والأرناؤوط بشواهده.
[4])) أخرجه مسلم (2401).
[5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).
[6])) ((تمام المنة)) (159/ 160).