تمايز معنى وإعراب التراكيب في إطار الرتبة
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث المعنى والإعراب في إطار الرتبة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيب :

قال تعالى:"*واشتعل الرأس شيبا "*
ونقــــــــول:و شتعل شيب الرأس .

فمن جهة المعنى ،التركيب الأول يفيد الشمول ،وتحول الرأس إلى كتلة من الشيب ،فالشيب قد غزاه عن آخره،أو شاع فيه ،وأخذه من نواحيه وأنه قد استغرقه وعمَّ جملته ،حتى لم يبق من السواد شيء ،أو لم يبق منه إلا ما لا يُعتد به ،وجاء هذا المعنى نتيجة ارتباط فعل الاشتعال مع الرأس ،أما التركيب الثاني فلا يفيد الشمول ،بل يفيد وقوع الشيب فيه وإصابته جانبا منه ، ومثل ذلك قوله تعالى "وفجَّرنا الأرض عيونا "،فالأرض كلها تحولت إلى عيون متفجرة ، بفعل ارتباط الأرض مع فعل التفجير، وهذا المعنى لا يفيده قولنا :وفجرنا عيون الأرض ، ومثل ذلك قولنا:اشتعل البيت نارا ،واشتعلت نار البيت ،وهما بنفس المعنى .
أما من جهة الإعراب ،فالرأس في التركيب الأول فاعل وقع منه فعل الاشتعال ،والفعل بحاجة للفاعل ، والفاعل مميَّز مبهم وبحاجة للتمييز الذي يرفع الإبهام عنه ، وشيبا تمييز منصوب ،أما الشيب فهو الفاعل في التركيب الثاني ،وقع منه فعل الاشتعال، وارتبط به ،ولكل فعل فاعل ، واحتاج هذا الفاعل النكرة إلى الإضافة فأضفناه إلى الرأس من أجل التعريف .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايزمعنى وإعراب التراكيب.