تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 247-وما بعدها)
-سنة ثمان عشرة ومائتين
فيها تُوُفّي أبو مُسْهِر الغسّانيّ شيخ الشام، ومُعَلّى بن أسد العمِّيّ، ويحيى بن عبد الله البابْلُتّيّ على الصحيح، ومحمد بن الصَّلْت الأَسَديّ الكُوفيُّ، وعبد الله بن يوسف التِّنِّيسيّ، وحَجّاج بن أبي منيع الرَّصافيّ، وإسحاق بن بكر بن مضر المصري، ومحمد بن نوح العِجْليّ، والخليفة المأمون، وحبيب كاتب مالك، وبشر المريسي.
وفيها اهتم المأمون ببناء طُوَانة من أرض الروم، وحشد لها الرجال والصُّنّاع، وأمر ببنائها ميلًا في ميل، وقرّر ولده العبّاس على بنائها، ولزِمه عليها أموال لَا يحصيها إلّا الله تعالى، وهي على فم الدَّرْب ممّا يلي طَرَسُوس. وافتتح عدّة حصون.


ذِكر المِحْنة
في أثناء السنة كتب المأمون إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخُزَاعيّ ابن عمّ طاهر بن الحُسين، في امتحان العلماء، كتابًا يقولُ فيه: وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسَّواد الأكبر مِن حَشو الرَّعيّة، وسَفْلَة العامّة، ممّن لَا نظر له ولا رَوِيّة ولا استضاءة بنور العِلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعَمًى عنه، وضلالةٍ عن حقيقة ديِنه، وقصورٍ أن يَقْدُرُوا الله حق [ص:248] قَدْره، ويعرفوه كُنْه معرفته، ويُفرّقوا بينه وبين خلْقه، وذلك أنّهم ساوَوْا بين الله وبين خلْقِهِ، وبين ما أُنزل من القرآن. فأطبقوا على أنّه قديم لم يخلقْه الله ويخترعه. وقد قال تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} فكلّ ما جعله الله فقد خلقه كما قال: {وجعل الظلمات والنور}، وقال: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سبق}، فأخبر أنّه قصصٌ لأمور أحدثهُ بعدها. وقال: {أحكمت آياته ثم فصلت}، والله مُحْكم كتابَه ومُفَصِّلُهُ، فهو خالقه ومُبْتَدِعُهُ. ثم انتسبوا إلى السُّنّة، وأنّهم أهل الحقّ والجماعة، وأنّ مَن سواهم أهل الباطل والكُفْر. فاستطالوا بذلك وغرّوا به الجهّال، حتّى مال قوم من أهلِ السَّمْت الكاذب والتَّخَشُّع لغير الله إلى موافقتهم، فنزعوا الحقّ إلى باطلهم، واتّخذوا دون الله وليجةً إلى ضلالهم، إلى أن قال: فرأى أمير المؤمنين أنّ أولئك شرّ الأمّة، المنقوصون من التّوحيد حظًا، أوعيةُ الجهالة وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق في أوليائه، والهائل على أعدائه مِن أهل دِين الله، وأحقُّ أن يُتَّهم في صِدْقه، وتُطرح شهادته، ولا يوثق به، من عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالتوحيد، وكان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا.
ولعمر أمير المؤمنين، إنّ أكْذَب النّاس مَن كذب على الله ووحْيه. وتخرّص الباطل، ولم يعرف الله حقيقة معرفته. فاجْمَعْ مَن بحضرتك من القُضاة، فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عمّا يعتقدون في خلق الله وإحداثه. وأعلمهم أنّي غير مستعينٍ في عملٍ ولا واثقٌ بمن لا يوثق بدينه. فإذا أقرّوا بذلك ووافقوا فمُرهم بنصّ مَن بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترْك شهادة مَن لم يُقِرّ أنّه مخلوق. واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك.
وكتب المأمون إليه أيضًا في إِشخاص سبعة أنفُس، وهم: محمد بن سعْد كاتب الواقديّ، ويحيى بن مَعِين، وأبو خَيْثَمَة، وأبو مسلم مُسْتملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدَّوْرقيّ. فأُشْخِصوا إليه، فامتحنهم بخلْق القرآن فأجابوه، فردّهم من الرَّقّة إلى بغداد، وسبب طَلَبهم أنّهم توقّفوا أولًا، ثم أجابوه تَقِيّةً. وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يُحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء [ص:249] السبعة، ففعل ذلك، فأجابه طائفة وامتنع آخرون. فكان يحيى بن مَعِين وغيره يقولون أَجَبْنا خوفًا من السيف.

ثم كتب المأمون كتابًا آخر من جنس الأول إلى إسحاق، وأمره بإحضار من امتنع، فأحضرَ جماعةً منهم: أحمد بن حنبل، وبِشْر بن الوليد الكِنْدِيّ، وأبو حسّان الزّياديّ، وعليّ بن أبي مقاتل، والفضل بن غانم، وعُبيد الله بن عمر القَوَاريريّ، وعليّ بن الْجَعْد، وسَجّادة، والذّيّال بن الهيثم، وقُتَيبة بن سعيد، وكان حينئذٍ ببغداد، وسَعْدويْه الواسطيّ، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وابن الهِرْش، وابن عُلَيّة الأكبر، ومحمد بن نوح العِجْليّ، ويحيى بن عبد الرحمن العُمَريّ، وأبو نصر التّمّار، وأبو مَعْمَر القطِيعيّ، ومحمد بن حاتم بن ميمون، وغيرهم. وعُرِض عليهم كتاب المأمون فَعَرَّضوا، ووَرَّوْا ولم يُجيبوا ولم يُنكروا.


فقال لبِشْر بن الوليد: ما تقول؟ قال: قد عرَّفْتُ أميرَ المؤمنين غيرَ مرّة، قال: وإن فقد تجدد من أمير المؤمنين كتاب، قال: أقول: كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا. أمخلوقٌ هو؟ قال: ما أحُسِنُ غيرَ ما قلت لك. وقد استعهدتُ أميرَ المؤمنين أن لَا أتكلم فيه، ثم قال لعليّ بن أبي مقاتل: ما تقول؟ قال: القرآن كلام الله، وإنْ أمَرَنَا أميرُ المؤمنين بشيءٍ سمِعنا وأطعنا، وأجاب أبو حسان الزّياديّ بنحو من ذلك، ثم قال لأحمد بن حنبل: ما تقول؟ قال: كلام الله، قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: هو كلام الله لَا أزيد على هذا، ثم امتحن الباقين وكتب بجواباتهم، وقال ابن البكّاء الأكبر: أقول القرآن مجعولٌ ومُحْدَثٌ لوُرُود النّصّ بذلك، فقال له إسحاق بن إبراهيم: والمجعول مخلوق؟ قال: نعم، قال: فالقرآن مخلوق؟ قال: لَا أقول مخلوق، ثم وجه بجواباتهم إلى المأمون، فورد عليه كتاب المأمون: بَلَغَنا ما أجاب به مُتَصَنِعَةُ أهل القبلة، وملتمسوا الرياسة، فيما ليسوا له بأهلٍ، فمن لم يُجِب أنّه مخلوق فامنعْه من الفتوى والرواية.


ويقول في الكتاب: فأمّا ما قال بِشْر فقد كذب، لم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك عهد أكثر من إخبار أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص، والقول بأنّ القرآن مخلوق، فادعُ به إليك، فإنْ تاب فأَشْهِرْ أمره، وإِنْ أصرّ على شِرْكه، ودفع أن يكون القرآن مخلوقًا بكُفْره وإلحاده فاضربْ عُنُقه، وابعث إلينا برأسه. وكذلك إبراهيم بن المهْدي فامتَحِنْه، فإنْ أجاب، [ص:250] وإلّا فاضربْ عُنُقه. وأمّا عليّ بن أبي مقاتل، فقُل له: ألستَ القائل لأمير المؤمنين: إنّك تحلِّل وتحرِّم. وأما الذَّيّال فأَعْلِمْه أنّه كان في الطّعام الذي سرقه من الأنبار ما يشغله. وأمّا أحمد بن يزيد أبو العوّام وقوله: إنّه لَا يُحْسِن الجواب في القرآن، فأَعْلِمْه أنّه صبيُّ في عقله لَا في سِنِّه، جاهلٌ سيُحْسِن الجواب إذا أُدِّب، ثم إنْ لم يفعل كان السيفُ من وراء ذلك. وأمّا أحمد بن حنبل فأَعْلِمْه أنّ أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته، واستدّل على جَهْله وآفته بها. وأمّا الفضل بن غانم، فأَعلْمِهْ أنّه لم يَخْفَ على أمير المؤمنين ما كان فيه بمصر، وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة، يعني في ولايته القضاء. وأمّا الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلا ولاء دَعِيٍّ. فأنكر أبو حسّان أن يكون مولى لزياد بن أبيه، وإنّما قيل له: الزّياديّ لأمرٍ من الأمور. قال: وأمّا أبو نصر التّمّار فإنّ أمير المؤمنين شبَّه خساسة عقله بخساسة متجره. وأمّا ابن نوح، وابن حاتم فأعْلِمْهم أنّهم مشاغيل بأكل الرِّبا عن الوقوف على التوحيد، وإنّ أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله إلا لآرابهم، وما نزل به كتابُ الله في أمثالهم لَاستحلّ ذلك، فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شِرْكًا، وصاروا للنَّصارى شَبَهًا؟ وأمّا ابن شجاع فأعلمه أنه صاحبه بالأمس، والمستخرج منه ما استخرجه من المال الذي كان استحلَّه من مال الأمير عليّ بن هشام. وأمّا سَعدويْه الواسطيّ، فقل له: قبّح الله رجلًا بلغ به التصنُّع للحديث والحرص على الرياسة فيه، أنْ تمنّى وقت المحنة. وأمّا المعروف بسَجّادة، وإنكاره أن يكون سمع ممّن كان يجالس من العلماء القولَ بأنّ القرآن مخلوق، فأَعْلِمْه أنّ في شغله وإعداد النَّوَى، وحُكمه لإصلاح سجّادته، وبالودائع الّتي دفعها إليه عليّ بن يحيى وغيره ما أذهله عن التوحيد. وأما القواريري ففيما تكشف من أحواله، وقبوله الرّشا والمصانعات ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه. وأمّا يحيى العُمريّ، فإنْ كان من ولد عمر بن الخطّاب فجوابه معروف. وأمّا محمد بن الحسن بن عليّ بن عاصم، فإنّه لو كان مُقْتديًا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النِّحْلَةَ التي حُكِيَتْ عنه، وأنّه بعدَ صبيٌّ يحتاج إلى أن يُعلَّم. وقد كان أمير المؤمنين وجّه إليك المعروف بأبي مُسْهِر بعد أن نصّه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن، فجمجم عنها ولَجْلج فيها حتّى دعا له أمير المؤمنين بالسيف، فأقرّ ذميمًا، فأَنْصِصْه عن إقراره، فإنْ كان مقيمًا عليه فأشْهِر ذلك وأظْهِرْه. ومَن لم يرجع عن شِرْكه ممّن سمَّيتُ بعد بِشر، وابن المهديّ، فاحمِلْهم موثَّقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم، فإنْ لم يرجعوا حملهم على السيف.


قال: فأجابوا كلّهم عند ذلك، إلّا أحمد بن حنبل، وسجّادة، ومحمد بن نوح، والقواريريّ، فأمرَ بهم إسحاق فقُيِّدوا، ثم سألهم من الغد وهم في القيود فأجاب سجّادة، ثم عاودهم ثالثًا فأجاب القواريريّ، ووجَّه بأحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح المضروب إلى طَرَسُوس، ثم بلغ المأمون أنهم إنما أجابوا مُكْرَهينَ، فغضِب وأمر بإحضارهم إليه، فلما صاروا إلى الرقة تلقتهم وفاةُ المأمون، وكذا جاء الخبر بموت المأمون إلى أحمد، ولطف الله وفرج. وأمّا محمد بن نوح فكان عديلًا لأحمد بن حنبل في المَحْمل، فمات، فوليه أحمد بالرَّحْبة وصلّى عليه ودفنه رحمه الله تعالى.


وأما المأمون فمرض بالروم، فلما اشتدّ مرضه طلب ابنَه العبّاس لِيَقْدم عليه، وهو يظنّ أنّه لَا يدركه، فأتاه وهو مجهود، وقد نفذت الكُتُب إلى البلدان فيها: مِن عبد الله المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده بهذا النّصّ. فقيل: إنّ ذلك وُقِّع بأمر المأمون، وقيل: بل كتبوا ذلك وقت غشيٍ أصابه، فأقام العبّاس عنده أيّامًا حتّى مات.


ذِكر وصيّة المأمون

" هذا ما أشهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أنّ الله وحده لَا شريك له في مُلكه، وأنّه خالقٌ وما سواه مخلوق. ولا يخلو القرآن من أن يكون شيئًا له مثلٌ، والله لَا مثل له " إلى أن قال: " والبعث حقّ، وإنّي مذنب أرجو وأخاف، فإذا متُّ فوجّهوني وليُصّلّ عليّ أقربكم منّي نَسَبًا، وليُكبّرْ خمسًا "، وذكر وصايا [ص:252] من هذا النّوع، إلى أن قال: " فرحِم الله عبدًا اتَّعظ وفكّر فيما حتّم الله على جميع خلقه من الْفَنَاءِ، وقضى عليهم من الموت الذي لَا بدّ منه، فالحمد لله الذي توحّد بالبقاء، ثم لينظُر المرءُ ما كنت فيه من عزّ الخلافة، هل أغنى عنّي شيئًا إذا جاء أمر الله؟ لَا والله. ولكن أضعف به علي الحساب، فيا لَيْتَ عبد الله بن هارون لم يك بشرا بل ليته لم يك شيئًا. يا أبا إسحاق، ادْنُ منّي واتَّعِظْ بما ترى، وخُذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذ طوّقَكَها اللَّهُ تعالى عمل المريد لله، الخائف من عقابه، ولا تغترّ بالله وتَمْهيله، فكأنْ قد نزل بك الموت. ولا تغفل أمر الرعيّة الرعيّةَ الرعيّةَ، الْعَوَامَّ الْعَوَامَّ، فإنّ المُلْك بهم اللَّهَ اللَّهَ فيهم وفي غيرهم. يا أبا إسحاق، عليك عهد الله لتقَومّن بحقّ الله في عباده، ولتؤثِرَنّ طاعة الله على معصيته. قال: اللهمّ نعم، قال: فانظُر من كنت تسمعني أقدمه فأضعف له التقدمة. وعبد الله بن طاهر أقرّه على عمله، فقد عرفت بلاءه وغَنَاءه، وأبو عبد الله بن أبي دُؤاد لَا يُفارقك، وأشْرِكْه في المشورة في كل أمرك، ولا تتّخذنّ بعدي وزيرًا، فقد علمت ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس، وخُبْث سريرته حتّى أبعدْتُهُ، هؤلاء بنو عمّك من ذُرِّيَّة أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه، أحسِنْ صُحْبتهم، وتجاوَزْ عن مُسِيئهم، وأَعطهِم الصِّلات.

ثم تُوُفّي في رجب، ودفن بطرسوس.

وكان أول من بايع المعتصم: العبّاسُ بنُ المأمون.

قال محمد بن عُبيد الله المُسبّحي في " تاريخ مصر ": كتب المعتصم إلى نائبه على مصر كُنْدر، وإلى قاضي مصر هارون بن عبد الله الزُّهْريّ كتابًا بخطّ الفضل بن مروان يمتحن فيه الناس بخلْق القرآن. فأحضرهم القاضي هارون، فأجاب عامّة الشهود وأكثر الفقهاء، إلّا من هرب منهم. وكان هارون إذا شهد عندَه عدلْان سألهما عن القرآن، فإنْ أقرّا أنّه مخلوق قبلهما، وأخذ بذلك المؤذِّنون والمحدثون. وأُمِرَ المعلمون أن يعلموا الصّبيان كتعليم القرآن، يعني القول بخلق القرآن. وبقيت المحنة إلى أن وُلِّيَ الخلافةَ المتوكّل سنة اثنتين وثلاثين.


وفيها وقع الوباء العظيم بمصر، فمات أكثرهم، وغلا السِّعر هذه السنة وبعض سنة تسع عشرة، قال: ولم تبقَ دارٌ ولا قرية إلّا مات أكثر أهلها، ولم يبق بمصر رئيس ولا شريف مشهور، وولّت الدنيا عمّن بقي من أولادهم، وركبهم الذُّلّ، وجفاهم السلطان؛ لأنّهم خرجوا غير مرّة وأثاروا الفتنة.


ثم سَرَدَ مَن مات من أشرافهم من أول دولة المأمون إلى آخرها، فسمَّى من كبارهم أبا نصر الوليد بن يعفر بن الصّبّاح بن أبرهة، تُوُفّي سنة سبعٍ وتسعين ومائة، وإبراهيم بن حوّى تُوُفّي فيها، وإبراهيم بن نافع الطّائيّ، تُوُفّي سنة ثمانٍ وتسعين، وعثمان بن بلادة فيها، وهاشم بن حديج، ومحمد بن حسّان بن عتاهية سنة تسعٍ وتسعين، وهبيرة بن هاشم بن حديج، وزُرْعة بن معاوية سنة مائتين. ثم سمَّى عددًا كثيرًا لَا نعرفهم كان لهم جاه وحشمة في عصرهم بمصرهم، انْمحت آثارهم وانطوت أخبارهم.


وفيها أمر المعتصم بهدم طُوَانة الّتي قدمنا أنّ المأمون أمر ببنائها، ثم حُمِل ما بها من الآلات والسلاح، وتفرّق ما تعب عليه المأمون، وسافر الناس الذين أُسكنِوا بها إلى بلادهم، ثم انصرف المعتصم إلى بغداد، فدخلها في أول رمضان من السنة.


وفيها عظُم الخَطْب واشتدّ الأمر بالخُرّميّة - لعنهم الله - ودخل في دِينهم خلق من أهل بلاد هَمذان وبلاد إصبهان، وجيّشوا بأرض همذان، فسار لحربهم إسحاق بن إبراهيم بن مُصْعَب في ذي القعدة، فظفر بهم، وقتل منهم ملحمة عُظمى. فيُقال: إنّه قُتِل منهم ببلاد همذان ستّين ألفًا، وهرب باقيهم إلى بلاد الروم، وكان المصافّ بأرض همذان مما يلي الرّيّ. وبعضهم يقول: قُتِل منهم فوق المائة ألف، وكانت ملحمة هائلة". انتهى بنصه.