الأم التي نريد
مجلة الفرقان


الأم التي نريد
- نريدُ الأمَّ التي تُربِّي أولادَها تربيةً إيمانية، فتُبصِّرهم بأمور دينهم مِن عبادات وطاعات، وتشجيع لحِفْظ كتاب الله -تعالى. - نريد الأُمَّ التي تغمُرُ أبناءها بالحبِّ والرحمة والحنان والشفقة؛ لأن هذه هي قاعدةُ انطلاق الفضيلة لديهم، وعليها يكونُ تعاملهم مع الحياة فيما بعدُ. - نريد الأم التي تُعامِل أولادها بمنطقيَّة وحكمة، مع إيمانٍ واتصالٍ بالله -تعالى-، فيَرثُون ذلك منها ويجعَلونه في شخصياتهم. - نريد الأم التي تضعُ نُصْبَ عينَيْها تهيئةَ أبنائها لنصرة الإسلام ورفعة رايته، وتكون خلفهم مُشجِّعة، تشدُّ من أزرِهم، وتُحفِّز هممَهم. - نريد الأم التي تُربِّي أولادَها التربيةَ النفسيَّة المتكاملة، فتُعلِّمهم ضبطَ سلوكهم، وضبط انفعالاتهم العامَّة، وانفعالاتهم مع والديهم وإخوتهم، ومَن هم أكبر سنًّا لتحقيق الأمن الانفعالي. - نريد الأمَّ التي تشجِّع أبناءها ليتعوَّدوا الثقة بالنفس، وتُشعِرهم بالأمان والاطمئنان ليتعلَّموا الثقةَ بالآخرين. - نريد الأمَّ التي تعتني بأوقات فراغ أطفالها، وتُنمِّي فيهم ما يوسع خيالهم ومداركهم، بقصص الأنبياء وقصص القرآن والسُّنة والسيرة النبوية، وغزوات الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسيرة أصحابه مِن بعده، والتابعين والفاتحين على امتدادِ تاريخ الإسلام العظيم. - نريد الأمَّ التي تستطيعُ أن تقوم على أبنائها قيامًا كاملًا؛ بحيث تخرجهم للمجتمع حاملين قِيَمَهم الإسلامية، من غير أن يفقدوا رُوح عصرهم واستعدادَهم له، ليكونوا عنصرًا فعَّالًا في المجتمع من أجل رُقيِّه وتقدُّمِه. - نريد الأمَّ التي تُربِّي بناتِها على الحياء، وتُربِّيهن على أصولِ التربية وأساسياتها، وعلى حقوق الزوج وواجباتها نحوَه؛ -فهي غدًا زوجةٌ- وعلى حسن التعامل والأدب والاحترام - فهي غدًا داعيةٌ تتعامل مع الآخرين - وعلى الحجاب والحياء - فهي غدًا امرأةٌ فاضلة. - نريد التي تُخرِج أعلامًا تضاء الدنيا بهم، كأم الإمام ابن حنبل تقول له: اذهَبْ يا بني، أستودِعُك الله، فإنه لا تضيع عنده الودائع، وأم الإمام البخاري وأمهات الآلاف من العلماء والمجاهدين والأبطال، اللاتي نشَّأن أبناءَهن على العزة والرفعة والسمو، وغَرَسْنَ في نفوسهم حبَّ المعالي، مِن: علم، وجهاد، ودعوة.
استقرار الأسرة وأثره في تفوق الأبناء
معروف أن الجوّ العائلي الذي تسوده الخلافات أو المشكلات، يؤدي إلى الاضطرابات العاطفية التي تدفع إلى عدم الاستقرار والاطمئنان، وهذا من شأنه خَلْق اضطرابات نفسية عند الأبناء بما قد يؤثر على إقباله واستيعابه للمواد الدراسية، ومن ثم تحصيله الدراسي، على عكس التلميذ الذي يعيش في جو عائلي يسوده الاستقرار والاطمئنان والتفاهم؛ فإن هذا الجو يشجّع التلميذ على الدراسة والاستعداد للتعلّم، ويُزيد من قدرته على الاستيعاب وفهم المواد الدراسية، ومن ثم يكون تحصيله الدراسي جيدا وكبيرا.
بركة دعاء الأم
تزوجت امرأة رجلاً يُدعى إسماعيل، وكان عالماً جليلاً، درس على يد الإمام مالك، وكان ثمرة هذا الزواج المبارك إنجاب طفل أسموه (محمداً)، وما لبث أن مات زوجها إسماعيل، تاركا لها ولابنها الصغير مالاً كثيراً، فأخذت الأم تربي ابنها تربية إسلامية مباركة، أرادت أن يكون عالماً من علماء المسلمين، ولكن -مع الأسف الشديد- فإن ابنها أكمه- أي أعمى منذ صغره!
وحينها فمن الصعوبة أن ينتقل من شيخ إلى شيخ، ومن بلد إلى بلد لطلب العلم، ولكن فتح الله عليها باب الدعاء، فبدأت تدعو الله بإخلاص وبنية صادقة أن يرد الله بصره، وفي إحدى الليالي وهي نائمة وإذا بها ترى في منامها الخليل إبراهيم -عليه السلام- يقول لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك، «فاستيقظت المرأة وإذا بها ترى ابنها مبصراً!
‏فبدأت الأم المباركة توجهه لطلب العلم، والسعي في تحصيله، حتى فتح الله عليه من العلوم وحفظها، بدعاء أمه الصادق، وثبات النية الصالحة، فألف بعد ذلك كتاباً من أصح الكتب في هذه الدنيا بعد كتاب الله وهو: (الجامع الصحيح) المشهور بكتاب (صحيح البخاري)، نعم إنه الإمام المحدث والفقيه (محمد بن إسماعيل البخاري )
من القواعد النبوية التي تميز النساء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيرُ نساءٍ ركِبْنَ الإبلَ صالحُ نساءِ قريشٍ؛ أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده»، قال النووي: فيه فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال، وهي الحنو على الأولاد والشفقة عليهم، وحسن تربيتهم، والقيام عليهم إذا كانوا يتامى، ونحو ذلك، ومراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه، وحسن تدبيره في النفقة وغيرها، وصيانته، ونحو ذلك. تلك هي إحدى القواعد النبوية التي تميز النساء، وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضحة الدلالة؛ لأنها بانية الحياة، وداعمة مسيرتها، تقدم مِن غير أن تطلب العوض، وتعطي مِن غير أن تسأل الثمن، وإن كان في الوجود إيثار فهو عند الأم، وإن كان في الوجود إخلاص فهو إخلاص الأم، لكن الأمر لا يتعلَّق بأمومة وبنوَّة فحَسْبُ، لكنه يتعلق بنتائج تلك الأمومة، وَجُود عطائها، ومن هنا يأتي التفاوت بين الأمهات.
لا تنشغلوا عن أبنائكم
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُفُّ عبدالله وعبيد الله وكَثيراً، بني العباس، ثم يقول: «من سَبَقَ إلىَّ فله كذا وكذا»، قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبّلهم، ويَلزَمُهُمْ، كلما نتخيل هذا المشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم الخلق وأكثرهم انشغالا بهموم الناس وأحوالهم وما يصلحهم واستغراق أيامه بالأحداث العظام والمهام الكبرى، ومع كل ذلك يداعب الأطفال ويلاعبهم ألعابا هادفة، ويتواضع لهم ويخفض لهم جناح الحنان ويضاحكهم ويقبلهم ويلزمهم، ثم إذا صرفنا أبصارنا في أحوال الآباء واحتجاج أكثرهم بانشغالهم وانهماكهم في طلب الرزق، وعدم منح أبنائهم ولو ساعة في الأسبوع للعب معهم، أو ترك أبنائهم للشاشات والقنوات والهواتف حتى تتيبس عقولهم وتنحرف فطرهم، ثم نشكو من سوء أحوال أبنائنا رغم توفير احتياجاتهم والكد من أجلهم؛ وما ذلك إلا أننا لم نقتد بالنبي المعلم والرسول المربي والأب الكامل - صلى الله عليه وسلم .