بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد أن تكلم شيخ الإسلام عن القلندرية والملامية أصل في جنس هؤلاء من المسلمين؛ فقال في مجموع الفتاوى (35/ 165):..وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك.وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات: يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير؛ والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار".وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن " الإيمان " من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم؛ لعلي أضل عن الله ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان..قلت: فالواجب على الدعاة والعلماء معرفة الحق والدعوة إليه برفق، والرد على الشبهات بما فتح الله به عليهم؛ وعدم التسرع في إطلاق الأحكام، فأكثر غلط الناس من جهة العموم والقياس، وأن يأخذوا بعين الاعتبار تفشي الجهل في العلم والعمل؛ ليعذروا الناس كما عذرهم الشرع والعقل، والأمثلة التي ذكرها شيخ الإسلام -رحمة الله تعالى عليه- فيها غنية لأولي الألباب، وغيرها كثير؛ فلا داعي للإطالة في ذلك، ولا يغرنك شهرة كائن من كان في إطلاقه للتكفير والتبديع والتفسيق، وعدها من أخطائه التي قد يعذر فيها ونرجو أن يغفرها الله له.. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا..وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.