دور منزلة المعنى في جمال التشبيه عند امرئ القيس
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،فجمال اللغة أو قبحها أو تناقضها يعود إلى منزلة المعنى ورتبة الكلمات بعضها من بعض كما هو الحال في التشبيه الحسن لامرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا // لدى وكرها العناب والحشف البالي
يعلق الجرجاني على هذا البيت بقوله:"واعلم أن ما كان من التركيب في صورة بيت امرئ القيس فإنما يستحق الفضل من حيث اختصار اللفظ وحسن الترتيب فيه "، ففي هذا البيت لف ونشر،واللف هو: قلوب الطير في حالتي الرطوبة واليبس ، والنشر هو:العناب والحشف البالي، والنشر في بيت امرئ القيس يترتب من الأهم إلى الأقل أهمية ،حيث أعطى الأول من الأشياء المنشورة للأول من الأشياء الملفوفة ،كما أعطى الثاني للثاني ،من أجل أن تترتب المعاني بحسب الأهمية المعنوية ،وبهذا تحصل الإصابة في التشبيه ،والإصابة في التشبيه تعود إلى منزلة المعنى بين الكلمات.
ومن التشبيه القبيح قوله:
وأركب في الروع خيفانة // كسا وجهها سعف منتشر
حيث شبه شعر الناصية بسعف النخلة ، والشعر إذا غطى العينين لم يكن الفرس كريما ،فلا يوجد احتياج معنوي بين الفعل "كسا" وبين سعف النخل ،أو لانعدام الأهمية المعنوية بين شعر الناصية وسعف النخل ،حيث جمع بين الأشياء المتباعدة ،فلا إصابة في التشبيه لانعدام منزلة المعنى بين الكلمات .
وهذا يعني أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة ، تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ، وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايزجمال التشبيه.