احذر من الشيطان (فإنه عدوك) :
في الحديث : (إن الشيطان يأتي أحدَكم وهو في صلاته ، فيأخذ شعرةً من دُبُرِه ، فيمدُّها فيرى أنه قد أحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا) . حسن لغيره : أحمد (12236) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا وصححه لغيره الألبانيُّ .
- أن الشيطان لا يتوانى عن إضلال الإنسان وإبعاده عن الطريق المستقيم ، وعن تلبيس أمر العبادة عليه ؛ فعن ابن مسعود قال: (إن الشيطان ليُطِيف بالرجل في صلاته ليقطع عليه صلاته، فإذا أعياه نفخ في دُبُره، فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئًا، فلا ينصرفنَّ حتى يجد ريحًا أو يسمع صوتًا) . عبدالرزاق في مصنفه 536، والطبراني في المعجم الكبير 9130، وقال الهيثمي 1/:42: رجاله موثَّقون.
• فكن منه على حذر ، فقد ذكر الله - عز وجل - صفات الشيطان في القرآن ، فمنها ما قاله موسى - عليه السلام -: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 15] ، وقال - تعالى - لآدم وحواء: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22].
• إذًا فالشيطان عدوٌّ ومضل ومبين ، مضل معلومة ؛ لأنه يضل الإنسان عن الطريق المستقيم ، أما مبين فهي من أعجب العجب ؛ لأنه واضح وبيِّن ، ومع ذلك يتبعه كثير من الناس ؛ لذلك أمرنا الله - سبحانه - وحذَّرنا ليس من اتباع الشيطان ، ولكن من اتباع خُطُواتِ الشيطان ؛ لأنه يجرُّ المرء ويستزِلُّه خطوة خطوة ، فقد ورد التحذير من ذلك في أربعةِ مواضع من القرآن :
1- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة:
2- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].
3- ﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 142]
4- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21].
• إذًا الشيطان يدعو إلى كل فحشاء وكل منكر ، ويمكننا أن نجمل ما يدعو إليه في ستة أصناف يندرج تحتها مئات المعاصي والآثام ، وهي :
1- الشرك بالله :
قال - تعالى - على لسان إبليس: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16] ؛ أي : كما أغويتني وأضللتني وأهلكتني لأقعدن لعبادك الذين خلقتهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه ، على الصراط المستقيم ؛ أي : طريق الحق وسبيل النجاة ، ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ، ولا يوحِّدوك بسبب إضلالك إياي .تفسير ابن كثير 2/8.
وفي حديث سبرة بن أبي فاكه ، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (إن الشيطان قعَد لابنِ آدمَ بأطرُقِه، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال له: أتُسلِمُ وتَذَرُ دِينك ودِين آبائك ، وآباء أبيك ؟ قال : فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة ، فقال : أتُهاجِر وتَذَر أرضك وسماءك ، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِّوَل- هو الحبل الطويل، يُشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس، ليدور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه؛ قاله في النهاية- قال : فعصاه فهاجر ، قال : ثم قعَد له بطريق الجهاد ، فقال: هو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال ، قال : فعصاه فجاهد)) ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (فمَن فعل ذلك منهم فمات ، كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة ، أو قُتل كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة ، وإن غرِق كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة ، أو وَقَصَتْه دابَّة كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنة) . النسائي 3134، وأحمد 15958، وابن أبي شيبة 19329، وصححه الألباني في صحيح الجامع 736.
2- البدع :
فإن المبتدعة أعداء الرسل، وهم الذين غيَّروا دين الله، وأمَروا الناسَ أن يعبُدوا الله بشرعٍ لم يأتِ به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأذن به اللهُ - سبحانه وتعالى.
3- الكبائر :
فإن أفلت المرءُ من الشرك والبدع، زيَّن له الشيطانُ الوقوعَ في الكبائر؛ كي يُهلِكه، عياذًا بالله.
4- الصغائر :
شيء يسير، ومكوث المرء على الصغائر أعظمُ من إتيانه الكبائر، فرُبَّ عبدٍ وقع في كبيرة كانت هي بداية الهداية، ولكن الصغائر يستهين بها العبد غالبًا، ومن القطر تدفق الخلجان، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
5- التوسع في المباحات :
وهذا باب عظيم لكل مَن يفطن له؛ لأنه مباحٌ ليس بمحرَّم، فالشيطان يفتح على العبد هذا الباب حتى يجعله أسيرَ هواه، والتلذذ في المباحات؛ فعن عائشة أنها سمِعَتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من ساعةٍ تمرُّ بابن آدم لم يكن ذكَر الله فيها بخير إلا خسِر عندها يوم القيامة . الطبراني في الأوسط 8316، والبيهقي في شعب الإيمان 508 وقال: وفي هذا الإسناد ضَعْفٌ، غير أن له شواهدَ من حديث معاذ، وصحَّحه الألباني في الصحيحة 2197، وتراجع عن تصحيحه؛ انظر: السلسلة الضعيفة 10/740-774.
6- الانشغال بالمفضول عن الفاضل :
أكثر الناس يقع في هذا، ولا يفطن له إلا العلماء، فالأعمال الصالحة درجات، فإن كان العبد سيعمل عملاً صالحًا ولا بد، وسوس الشيطان له كي ينقله من العمل الأعلى درجة إلى الأقل حتى يفوِّت عليه الفرصة الأعلى.
فمراد الشيطان من بني آدم أوضحه الله - عز وجل - أوضح بيانٍ في القرآن؛ حيث قال: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].
فالشيطان مرادُه أن يُدخِل الناس النار، فيدعوهم إلى الكفر، فإن أنجا الله العبد من الكفر، دعاه إلى البدعة، فإن نجا من البدعة ولزم طريق السنة، أوقعه في الكبائر، فإن نجا من الكبيرة، أوقعه في الصغائر، فإن نجا من الصغائر، شغله بالمباح الذي لا ثواب فيه ولا عقاب عن الأهم، فإن نجا من هذه، شغله بالمفضول عن الفاضل، وإن كان المفضول خيرًا أيضًا، لا بد أن يضع أمامه عَقبة من العقبات.
لذا أوصيك بالعلم ، فمن خلاله تستطيع أن تواجه مكائد الشيطان، فإن من مكائده أن يدعو الإنسان أن يتكلم بغير علم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168، 169].