06-10-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
وقد شملت الدراسة على فصلين وخاتمة, تحدث الباحث في الفصل الأول عن التكوين العلمي للشيخ وأثره في الافتاء, بينما تناول الفصل الثاني خصائص الفتوى عند ابن عثيمين, لتنتهي الدراسة بخاتمة تناولت بناء مدرسة الشيخ في الافتاء.

منهجية الفتوى عند الشيخ ابن عثيمين
إعداد الدكتور مسعود صبري
بحث محكم مقدم لندوة جهود الشيخ العثيمين العلمية
ـــــــــــــــ ــــــ
كانت الفتوى وما تزال موضع اهتمام المسلمين نظرا لدورها الكبير في الإجابة على أسئلتهم الفقهية الدينية الحياتية، والتي تبين لهم الحلال من الحرام والصحيح من الفاسد والباطل في العبادات والمعاملات، وقد أردا الباحث من وراء دراسته هذه الوقوف عند فتاوى الشيخ ابن عثيمين وجهوده فيها، وأثر تكوينه العلمي في الإفتاء، والخروج بمنهج علمي من خلال فتاوى الشيخ ليكون مرجعا للمفتين.
وقد شملت الدراسة على فصلين وخاتمة، تحدث الباحث في الفصل الأول عن التكوين العلمي للشيخ وأثره في الافتاء، بينما تناول الفصل الثاني خصائص الفتوى عند ابن عثيمين، لتنتهي الدراسة بخاتمة تناولت بناء مدرسة الشيخ في الافتاء.
في الفصل الأول وبعد تعريف الفتوى لغة وشرعا، وتعريف المفتي والمستفتي والقاضي، بدأ الباحث بذكر العوامل التي أثرت وأغنت الفتوى عند الشيخ ابن عثيمين، ومن أهم هذه العوامل:
1- تلقيه العلم على عدد كبير من العلماء كالعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي وعبد العزيز بن باز ومحمد بن عبد العزيز المطوع ومحمد الأمين الشنقيطي وغيرهم كثير.
2- تدريسه العلوم الشرعية في وقت مبكر، حيث شجعه الشيخ السعدي على التدريس وهو ما يزال طالبا، ثم عين مدرسا في المعهد العلمي بعنيزة فور تخرجه من المعهد العلمي بالرياض، ثم تولى الإمامة والتدريس بالجامع الكبير في عنيزة خلفا لشيخه السعدي، ناهيك عن المحاضرات والتدريس بالحرمين، وقد ظل الشيخ مدرسا حتى توفاه الله، وقد درس عشرات الكتب التي ذكر الباحث بعضا منها.
3- كتب الشيخ التي جمع معظمها طلابه كفتاويه التي جمعها الشيخ فهد بن ناصر السليمان.
4- ممارسة الفتوى بكثرة سواء عن طريق المشافهة في المسجد أو عبر الإذاعة والتلفزيون أو على شبكة الانترنت، مما أعطى لفتاويه بعدا اجتماعيا إصلاحيا نظرا لكون الأسئلة وليدة حاجة الناس وتعبير صادق عن واقعهم ومعاشهم.
5- الجمع بين عدد من العلوم التي جعلت الشيخ موسوعيا من حيث جمعه علوم الفقه والأصول والتفسير والحديث، والذي كان له أثر على منهجية وتأصيل فتاويه.
وإلى جانب هذه العوامل تناول الباحث في الفصل الأول مجالات الفتوى عند الشيخ ابن عثيمين، مشيرا إلى شمولية تلك الفتاوى الأحكام العقائدية كفتاوى التوحيد والإسلام والإيمان والجن والشياطين والقضاء والقدر والسحر والشرك والبدعة والتوسل وغير ذلك، كما شملت التفسير وعلوم القرآن كمسائل أخذ الأجرة على قراءة القرآن والقراءة الجماعية وغيرها، ناهيك عن فتاوى مصطلح الحديث وفتاوى الفقه بجميع أبوابه.
وقد ذكر الباحث بعض الملاحظات على هذه الفتاوى تتلخص بكونها وليدة الواقع، مما يستتبع ضرورة إدراك المفتي للواقع الذي يعيش فيه، إضافة إلى البعد التربوي والدعوي الذي أضفاه الشيخ على فتاويه، مما يؤكد دور المفتي في حل مشكلات المسلمين النفسية والاجتماعية.
في الفصل الثاني من الدراسة تناول الباحث المعالم المنهجية للفتوى عند الشيخ ابن عثيمين، فمن المعالم المنهجية نظريا عند الشيخ شروط الفتوى من حيث علم المفتي بالمسألة يقينا وتصورها تصورا تاما، إضافة لوقوع الحادثة المسؤول عنها فعلا، وأن لا يترتب على الفتوى ما هو أكثر منها ضررا، ومن المعالم أيضا شروط الاجتهاد المعروفة عند العلماء، كالعلم بالأدلة الشرعية وصحة الحديث وضعفه والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الشروط.
أما المعالم المنهجية من ناحية التطبيق فقد استنبطها الباحث من خلال فتاوى الشيخ العملية، ومن أهم هذه المعالم: الإعلاء من شأن الدليل الشرعي فذكر الدليل عند الشيخ من أبرز معالم فتاواه، وهو لا يلجأ كثيرا لأقوال العلماء بل يلجأ غالبا لنصوص الكتاب والسنة، كما أنه يذكر الخلاف الفقهي دون ذكر التفاصيل مع الترجيح، حيث يعمل التوسط في فتاويه بين الطول الممل والاختصار المخل.
ومن المعالم المنهجية التطبيقية أيضا استناده للقواعد الفقهية، والإرشاد إلى البديل المباح عند الإفتاء بالنهي، وترك الخلاف إن خالف الدليل أو عمل السلف، وتقديم هدي السلف على العادات والتقاليد، والاحتياط في الفتوى إذا كانت محل احتياط، حيث لا يصدر الشيخ حينها رأيا بل يفتي بوضع الاحتمالات المتعددة، مع حكم كل احتمال وفقا لطبيعته.
ومن المعالم أيضا تصحيح المفاهيم بأن يزيل اللبس الذي يتوهمه السائل و يصححها له، والاستناد إلى فهم الواقع في الفتوى وربط الفتوى بالواقع، كما أنه يصرح بالمذهب الحنبلي أكثر من غيره، ولا يغفل الشيخ الدور الإصلاحي للفتوى، فليست الفتوى عنده مجرد بيان للحكم فحسب، وعدم التوسع في سد الذرائع، بل يستعملها متى وضحت الحاجة إليها، وأخيرا التوقف إن لم يظهر له رأي.
وفي ختام الدراسة رسم الباحث نموذجا لتكوين المفتي العالم المتمكن من الأحكام الشرعية المدرك لواقع الناس ومعاشهم الفاعل في مجتمعه بدور نشط حسب منهج ابن عثيمين ومدرسته في الفتوى من خلال تحقيق البنود التالية:
1- الاهتمام بدراسة العلوم العربية والإسلامية على طريقة السلف الصالح.
2- الانتقال بعد ذلك للتدريس بإجازة من شيخه وأستاذه الذي دربه وأهله.
3- ممارسة الفتوى بالجواب على أسئلة الناس غير مقتصر على بيان الحكم الشرعي فحسب.
4- التزام المفتي في فتواه الدليل المستمد من الكتاب والسنة.
5- مراعاة المفتي لقواعد الإفتاء من معرفة الواقع وتطبيق منهج الاجتهاد التنزيلي وتفعيل مقاصد الشريعة في الإفتاء.
جزى الله الباحث خير الجزاء على هذه الدراسة القيمة، ونفع بها المفتين والمستفتين والمسلمين أجمعين. والحمد لله رب العالمين.