اختلف العلماء فيما يجب على الزوج اجتنابُه من زوجته الحائض على أقوال :
القول الأول : اجتناب جميع البدن ، وهو مروي عن ابن عباس، واستدلوا بالآية: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222].
قالوا : إن الله أمر باعتزال النساء ، ولم يخصص من ذلك شيئًا دون شيء ، فوجب اعتزالُ جميع بدن المرأة لعموم الآية .
وأجيب عنه بأنه قول شاذٌّ خارج عن قول العلماء ، وإن كان عموم الآية يقتضيه ؛ فالسنة الثابتة بخلافه . قاله القرطبى؛ انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/86
القول الثاني : اجتناب ما بين السرة والركبة ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، واستدلوا بأدلة ، منها :
1- عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (وكان يأمرني فأتَّزِرُ، فيباشرني وأنا حائض) . البخاري 295 فأتزر ؛ أي : أشد إزارًا على وسطي .
وأجيب عنه أنه دليل على حلِّ ما فوق الإزار لا على تحريم غيره ، وقال بعضهم : هذا يدل على الاستحباب جمعًا بين الأدلة . انظر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/245 .
2- عن عمر بن الخطاب قال : سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمَّا يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قال : فقال : ((ما فوق الإزار)) . مسند أبي داود الطيالسي 49، وسنن سعيد بن منصور 2143، ومصنف ابن أبي شيبة 16834، وفي إسناده مجهول، ورواه أبو داود 213 من حديث معاذ بن جبل، وضعفه الألباني ، وقال : به ثلاث علل: (تدليس بقية، وضعف سعد الأغطش، والانقطاع بين عائذ ومعاذ)، ورواه مالك في الموطأ 93 من حديث زيد بن أسلم، قال ابن عبدالبر: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث مسندًا بهذا اللفظ؛ التمهيد 2/369.
القول الثالث : اجتناب موضع الأذى (الفرج) ، وهو مذهب كثير من العلماء ؛ كالثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، واستدلوا :
1- بقوله - تعالى -: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222].
قالوا : والمحيض هو اسم لمكان الحيض ، كمَقِيل ومَبِيت ، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما بعده .
2- حديث أنس بن مالك ، وفيه : ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) . مسلم (302) ، والنكاح المقصود به الجماع في الفَرْج .
فالحديث دلَّ على أمرين :
الأول: تحريم مجامعة الحائض ، وهذا بإجماع المسلمين المؤيَّد بصريح القرآن وصريح السنة .
الثاني: حلّ ما عدا الجماع ، أو جواز ما عدا الجماع .
وهذا هو الراجح ؛ لأن الحديث خاصٌّ في مسألة الجماع ، والآية عامة ، فيقدم الخاص على العام ، وأن حديث أنس بن مالك قولٌ ، وحديث عائشة فعل ، فيقدَّم القول على الفعل ، والله أعلم .
وهذا ما رجحه الطحاوي وابن المنذر والنووي وغيرهم . انظر: فتح الباري 1/404، وشرح مسلم للنووي 3/205.