موسوعة( شعراء العربية)


شعراء العصر الاموي -3


بقلم - فالح الحجية


11


الطرماح
الحكم بن الحكيم الطائي


هو ابو نفرالحكم بن الحكيم بن الحكم بن نقر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن أمام بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيى.
والطرماح كنيته غلبت على اسمه فقيل الشاعرالطرماح حتى غلبت على اسمه وعرف بها
واستعملها هو في شعره فقال :
أنا الطرماح فاسأل بي بني ثعل
قومي إذا اختلط التصدير بالحقبِ
وكني ابو نفر و ايضا ابو ضبيبة
وكلمة الطرماح لغة: تعنى الطويل او المرتفع ويقال طرمح البناء أي اطاله ورفعه وفي لغة طي تعني ( الحية الطويلة ) ثم أطلقت مجازاً على كل من يرفع رأسه تبخترا وزهواً. وربما كني بالطرماح منها استنادا لهذا المعنى حيث كان معتدا بنفسه مزهواً بها وقيل ان من خصاله الكبر والفخر والتعالي وفي نفسه علوا وزهوا.
وقد ذكر الاصفهاني في كتابه الاغاني حالة تؤيد ذلك قال انها رويت عن الشاعر ابي تمام الطائي:
(مر الطرماح بن حكيم في مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته.
فقال رجل : من هذا الخطار؟
فسمعه فقال:أنا الذي أقول:


لقد زادني حباً لنفسي أنني
بغيضٌ إلى كل امرىءِ غير طائل


وقيل كني بالطرماح لقوله :


ألا أيها الليل الطويل الا اصبحي
وما الاصباح منك بأروح


بلى إن للعينينِ في الصبح راحةً
بطرحهما طرفيهما كل مطرح


ولد في بلاد الشام ثمّ انتقل إلى الكوفة
نشأ الطرماح في بيت شرف وعز ومجد في قومه طيى . وطيىء قبيلة ذات عز قديم لما لديها من مآثر ومكارم في الجاهلية والاسلام ومن خطر وشأن بين القبائل العربية وما حققه هذا المجد له من رفعة ومكانة بين الناس. فيدل بهذه المكانة ويفخر بها وقد انعكس ذلك على نفسيته وبما يحس به في قرارة نفسه المتعالية من خطر في المجتمع الذي عاشه وما حققه له من رفعة ومكانة بين الناس في شعره يقول:


لقد زادني حباً لنفسي أنني
بغيض إلى كل امرىء غير طائل


إذ ما رآني قطع الطرف بينه
وبيني فعل العارف المتجاهل


ملأت عليه الأرض حتى كأنه ا
من الضيق في عينيه كفة حابل


وإني شقيٌّ باللئام ولا تــــــرى
شقياً من عِطف امرئ غير واصلِ


إذا ما رآه الكاشحون ترمّــزوا
حــذارا وأومـــــــوا كلهم بالأناملِ


ولعلنا نجد في هذه الخصلة من طبع الطرماح وإحساسه بعظمته قويٌّ صادقٌ وإحساسُ من يؤمن بما يقول. وهو كثيراً ما يوجّه التهديد في مجال فخره إلى خصومه ويُطالبهم بأن يمتنعوا عن هجائه فإنّه إذا ما غضب لا يستطيع احد حمل غضبه وولوجه في الشرّ والأذى ويكون عسيرا وهو نعم المرء لأصدقائه لا يظلمهم يقول:


فإن أشمط فلم أشمط لئــــــــيماً
ولا متخشعاً للنــــــــــــ ــائبات


ولا كِفْلَ الغروسة شاب غِمْــراً
أصـمّ القلب حشويّ الـطـّـيات


أنا ابن الحرب ربتني ولـــــيداً
إلى أن شبتُ واكتهلت لـداتـــي


وضارستُ الأمور وضارستني
فلم أعْجزْ ولــم تضعف قـناتي


لعل حلومكم تأوي إليـــــــــــك م
إذا شمّرتُ واضطرمت شذاتي


كان في طبع الطرماح حدة وزهو يحس بنفسه الكبر والاستعلاء يقول :
أنا الشمس لما أن تغيب ليلها
وغارت فيما تبدو لعين نجومها


تراها عيون الناظرين إذا بدت
قريباً ولا يسطيعها من يرومها


أجر خطايا في معد وطيىء
وأغشمها فلينه نفساً حليمهاً


الا ان نشأة الطرماح فيها اختلاف لدى مؤرخي الادب العربي وتضاربت اقوالهم فهناك من يحسب ان نشأته عراقية فهذا الاصمعي البصري يروي عن شعبة بن الحجاج انه سال الطرماح عن نشأته فاجابه ان نشاته با رض السواد وارض السواد هي العراق وفي ذلك يقول الطرماح :


طال في شط نهروان اغتماضي


والنهروان نهر كان موجودا في العراق ولاتزال اثاره موجودة لحد ظاهرة هذه اللحظة
ويؤيده الراي ابن قتيبة في الشعراء إذ ذكر أن الطرماح نشأ بالسواد .
بينما يذهب ابن عساكر انه :
( شامي المولد والمنشأ كوفي الدار )
وكذلك الاصفهاني في كتابه الاغاني حيث جاء فيه:
( ومنشؤه بالشام. وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشام )
وانه ايضا نقل عن ابن قتيبة:
الرواية التالية:
(فقيل للكميت: لأعجب من صفاء ما بينك وبين الطرماح على تباعد ما يجمعكما من النسب والمذهب والبلاد، وهو شامي قحطاني وأنت كوفي نزاري)
بينما يذكر الجاحظ في البيان والتبيين:


(وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة وكان الطرماح يتعصب لأهل الشام )
الا اني ارى ومن خلال دراستي لشعره انه عراقي النشأة والسكن فسواء ولد بالشام ام بالعراق فقد سكن الكوفة واستقر بها او باطرافها فكان يظهرعليه انه بدوي النشأة والكلام وقد ظهرذلك في شعره اما هواه فهو شامي الراي والهوى يقول : :


إذا الشام لم تثبت منابر ملكه
وطدنا له أركانه فاستقرت


وقوله :
:
في عزنا انتصر النبي محمد
وبنا تثبت في دمشق المنبر


و كذلك قوله للفرزدق :


ونجّاك من أزد العراق كتائب
لقحطان أهل الشام لما استهلّت


وقصد الشاعر بلاد فارس في شبابه تاركا دياره وأهله وزوجته مبتغياً معيشة أفضل في كرمان ورزقاً أوفر وحياةً أرغد يصور لنا سأمه وضجره وتخوّفه، فيبدو لنا حزينا يشكو لوعة الفراق وحرقة الأشواق فقد أمضى في (كرمان) حولاً أرّقته أيّامه وأذاقته مرّ العذاب والغربة والحنين إلى الديار بل هي سمة من سمات الشّاعر في حياته يقول:


لئن قرَّ في كرمان ليلي فربـّمــا
حلا بــين تلِّيْ بابلٍ فالمضيَّحِ


كفى حَزَنَاً يا سلمَ أن كان ذاهبا
بكرمانَ بي حولٌ ولم أتسرَّحِ


فيضطر لترك بلاد فارس عائدا إلى الكوفة ويستقرّ فيها ومن ثم رحل إلى واسط قاصدا خالد القسري من أجل العطاء ويبدو أنَّ الطرمّاح كان يختلف إلى خالد مرّةً كلَّ عامٍ فهو يخاطبه:


إنّي امرؤ لك لا لغيرك ما أَنِي
منكم أشيم قـصــاوبَ الأمطار


أرجو وآمل كلّ عام نفحـــــةً
منكم تدقّ خطائـــــر الإقتار


شهد الطرماح بعضاً من الخصومات القبليّة حيث كان الشعراء يتعصّبون لقبائلهم فكانت مهاجاة الطرماح والفرزدق.
قال الفرزدق:


أتاني ورحلي بالمدينة وقعة
لآل تميم أقعدت كلّ قائم


فانشد الطرماح قصيدته التي مطلعها:


لولا فوارسُ مذحج ابنة مذحج
والأزدُ زعزع واستبيح العسكرُ


وقيل احتدم الهجاء بين الطرمّاح والفرزدق بعد ثورة يزيد بن المهلب إذ كانت هذه الثورة أمل القحطانيين بعامتهم، وانتصارها يعني القضاء على القيسيّة مما جعل تميم تتحالف مع القيسية واتفقتا على إخمادهذه الثورة مما حدى بالطرماح ان يهجو تميماً أقذع الهجاء ويصفهم بالذلّ والهوان وكيف أنّهم قبلوا حكم يزيد بن المهلب يقول:


بأيّ بـــــــــــــل اد تطلب العزّ بعدما
بمولدها هانت تمــــــــــــي م وذلتِ


ونجّاك من أزد الـعــــــراق كتائبٌ
لقحطان أهل الشام لما اســــتهلتِ


هــــــم الفاتقون المراتقون وأنــــتمُ
عضاريط للسوءات حيث استحلتِ


ويفتُقُ جانبينا ونرتــــــــــق فـــتقه
إذا ما عظيمات الأمــور استــجلت


وفي قصيدة اخرى يقول :


ولوحان وِرْدُ تميم ثمّ قيل لــهـــا
حوض الرسول عليه الأزد لــم ترد


أو أنزل الله وحـيــــــــاً أن يعذبها
إن لم تعد لقتال الأزد لم تـــــــعد


لا عزّ نصر امرئ أضحى له فرس
على تميم يريد النصر من أحد


لو كان يخفى على الرحمن خافية
من خلقه خفيت عنه بنو أســـد


ومن الملاحظ ان الطرماح كان شديد الفخر بقومه وبنفسه وفي ديوانه كثيرة قصائده قي ذلك فهذا الشعور وثيق الصلة بحبّ كلّ الشاعر لنفسه وفخره بها إذ نجده مصوراً تصويراً واضحاً في شعره فقد كان الطرمّاح تيّاها فخوراً بحبّ نفسه وبقومه يقول:


إِنِّي صَرَمْتُ مِنَ الصِّبا آرَابي
وسَلَوْتُ بَعْدَ تعِلَّة ٍ وتَيابي


أزْمَانَ كُنْتُ إذا سَمِعْتُ حَمامَة
ً هَدَلَتْ بَكَيْتُ لِشائِقِ الأطْرابِ


مجدٌ أناخَ أبوكَ في بذخاتهِ
طُول.... واهل مفْرَع الأَطْنابِ


بيتٌ بجيحٌ في قماقمِ طيىء
ٍ بَخٍّ لذِلِكَ عِزُّ بَيْتٍ رَابي


بيتٌ سماعة ُ والأمينُ عمادهُ
والأثرمان وفارسُ الهلاّبِ


عمي الذي صبحَ الجلائبَ غدوة
ً في نَهْرَوانَ بِجْفَلٍ مِطْنابِ


وأبو الفَوَارِسِ مُحْتَبٍ بِفِنَائِهِ
نفرُ النفيرِ، وموئلُ الهرّابِ


فَهُناكَ، إِنْ تسْألْ تَجِدْهُمْ والِدي
وهُمُ سَناءُ عَشِيرَتي ونِصَابي


يَهْدِي أوائِلَها، كَأنَّ لِواءَهُ
أوْهَتْ مَفارِقَ هامَة ِ الكَذَّابِ


وعلا سجاحاً مثلها، فتجدلتْ،
ضَرْباً بكُلِّ مُهَنَّدٍ قَضَّابِ


يومَ البُطاحِ، وطيىء ٌ تردي بها
جُرْدُ المُتُونِ، لَوَاحِقُ الأقْرابِ


يَصْهَلْنَ للِنَّظَرِ البَعِيدِ كَأنَّها
عِقْبَانُ يَوْمِ دُجُنَّة ٍ وضَبابِ


بل أيها الرجلُ المفاخرُ طيئاً
أعزبتَ لبّكَ أيّما إعزابِ


إِنَّ العَرَارَة َ والنُّبُوحَ لِطَيِّىء
ٍ والعزَّ عندَ تكاملِ الأحسابِ


توفي الطرماح عام \ 102 هجرية – 722 ميلادية وقيل في عام \105 بينما يذكر الدكتور شوقي ضيف انه توفي في 112 هجرية –732ميلادية.
ومن روائع شعره هذه القصيدة أيضا:


جَدِّي أبُو حَنْبَلٍ، فَاسْأَلْ بِمَنْصِبِهِ
أزْمَانَ أَسْنَى ، ونَفْرُ بْنُ الأَغَرِّ أبِي


لأمهاتٍ جرَى في بضعهنَّ لنَا
ماءُ الكرامِ رشاداً غيرَ ذي ريبِ


شُمِّ العَرَانِينِ والأَحْسَابِ مِنْ ثُعَلٍ
ومنْ جديلة َ، لا يسجدنَ للصُّلُبِ


معالياتِ عنِ الخزيرِ، مسكنُها
أطرافُ نجدٍ منْ أهل الطّلحِ والكنبِ


إذا السّماءُ لقومٍ غيرِنا صرمتْ
عنانَها في الرّضا منهمْ وفي الغضبِ


إِنْ نَأَخُذِ النَّاسَ لا تُدْرَكْ أِخِيذَتُنا
أوْ نَطَّلِبْ نَتَعَدَّ الحَقَّ في الطَّلَبِ


منّا الفوارسُ والأملاكُ، قدْ علمتْ
عُلْيَا مَعَدّ، ومِنّا كُلُّ ذي حَسَبِ


كعامرِ بنِ جُوينٍ في مركّبهِ
أوْ مِثْلِ أَوْسِ بْنِ سُعْدَى سَيِّدِ العَرَبِ


المنعمِ النّعمَ اللاتي سمعتَ بها
في الجاهليّة ِ والفكّاكِ للكُربِ


أوْ كالفَتَى حِاتِمٍ إِذْ قَالَ: مَا مَلَكَتْ
كفّايَ للنّاسِ نهبَى يومَ ذي خشبِ


أوْ كابنِ حية َ لمّا طرَّ شاربُهُ
أَزْمَانَ يَمْلِكُ أَهْلَ الرِّيفِ والقَتَبِ


سادَ العِراقَ وأَلْفَى فِيهِ والِدَهُ
مطلّباً بتراتٍ غيرَ مطّلبِ


كَمْ مِنْ رَئِيسٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ مِنْ مُضَرٍ
ومِنْ رَبِيعَة َ نَائي الدَّارِ والنَّسَبِ


قدْ باتَ زيدٌ إلى الهطّالِ قارنَهُ
مواشِكاَ للمطايا، طيّعَ الخببِ


ليسَ ابنُ يشكرَ معتدّاً بمثلِهِمْ
حتّى يرقّى إلى الجوزاءِ في سببِ
د
طَابَتْ رَبِيعَة ُ أعْلاَهَا وأسْفَلَها
ويشكرُ اللؤمِ لمْ تكثرْ ولمْ تطبِ


نحنُ الرؤوسُ على منهاجِ أوّلِنا
مِنْ مَذْحِجٍ، مَنْ يُسَوِّي الرَّأْسَ بِالذَّنَبِ؟




امير البيـــــــــــ ـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************** ****