الداعية بين الكون وآياته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد
يقول الله تعالى : " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر "
والله أعلم بمراده سنجول بخواطرنا في ربط آيات الكون بالتذكرة ( هذه الخاطرة سمعتها قديما من د عاطف الغرياني )
يأمرنا الله تعالى أن ننظر ونتأمل ؛ لذلك قيل : تفكر ساعة خير من عبادة سنة
كيف تكون هذه الآيات حولنا ولا نعتبر ولا نتفكر فيها .
أيها الداعية : لو تمعنت الآيات لوجدت ارتباطا وثيقا بين آيات الله في كونه وبين الداعية الذي يذكر الناس .
" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت "
انظر إلى الإبل وما تمتازبها خَلقا وخُلقا، فهي في الخلق عظيمة وعجيبة لم تعرفها العرب إنما جاء بها الفرس قديما لبلاد العرب ، وقيل : إنها خلقت من الجن ، ولها فقه يختلف عن باقي الأنعام (( لا تصلوا في مبارك الإبل )) ومريض الكبد والاستسقاء يستشفي (( بأبوالها وألبانها )) – كما في قصة العرنيين – تسمى سفينة الصحراء ، تتحمل المشاق والعطش ؛ هي عنوان الصبر ، ويؤكل لحمها وتحمل الأثقال ومركب ذلول .........ومآرب أخرى
فأنت أيها الداعية عندما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وجب عليك أن تصبر على ماأصابك ؛ لأنه من عزم الأمور ، وكما عزمت على التواصي بالحق وجب عليك أن تتواصى بالصبر ؛لأنه ما قال الحق أحد إلا وسمع مالا يرضى .
فالجمل قوي صبور وكذلك الداعية .
"و إلى السماء كيف رفعت "
العلو والعزة التى تتلألأ في الداعية هي نجومه لو سقطت لانطفأت سماؤه ، فهو عزيز وعال في غير كبر .
فالسماء كما هي عالية ، ولكنها تأتي بالسحب لتعطف على العطاشى وتُظل الحيارى ، وكذلك الداعية فهو بدينه عزيز ويعطف على البعيدين يأخذ بأيديهم بلين . فهي بشمسها تضيء وتدفئ .
" وإلى الجبال كيف نصبت "
الجبال أوتاد الأرض ولولاها لاهتزت وزلزلت فهي الرواسي الشامخات وكذلك الداعية مرفوع الرأس شامخ صامد ما تزيده المحن إلا صلابة ، وتكسر على ظهره عهود الظلم ، وبعدها يقف شامخا فما تؤثر فيه القلاقل كأن ريحا أتته فشاح بوجهه عنها ، قمة الرسوخ والصلابة والجلد والثبات علىالتوحيد وعقيدة الولاء والبراء لا تهزه الرياح ولا تؤثر فيه عوامل التعرية والنحت وهطول السيول . ومع ذلك تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب تدور مع الكون حيث دار يجدد من نفسه في غير ضعة ولا مخالفة ، يجدد وسائل دعوته فهو يكتب ويتكلم وعلى شبكة التواصل يحاور ويذكر ، شامخ وراسي ولا يقف في مكانه .
" وإلى الأرض كيف سطحت "
مثالا للتواضع في غير ذل وخنوع وضعة ، الأرض مليئة بالكنوز المدفونة ، فهذا الداعية المتواضع المملوء احتراما وأدبا ثم علما ، الأرض تستقبل ما تنزله السماء بكل رضا من ماء لتجعله في أنهار وجداول لخدمة الإنسان .
ومع ذلك بداخلها براكين نار ولكن أنت لا ترى إلا ظاهرها الجميل ماء وخضرة وجبال ( مختلف ألوانه )
فالداعية مملوءة رأسه بالعلوم ، وقلبه معمور بالاطمئنان ، متواضع لين للمؤمنين ، عزيز مع غيرهم ، يحمل في كبده نيران وهم على أمته لو خرجت لأحرقت السحب المملوءة بالماء ،
هذه صفات الداعية المتلائمة مع الكون الذي يعيش فيه ، ومع هذه التذكرة فما أنت إلا مذكر كما ترى آيات الكون . السماء تريد أن تسقط على تارك الصلاة والأرض تريد بلعه والبحار إغراقه فكذلك أنت ما عليك إلا البلاغ القولي ، كما لهم البلاغ البصري فلست بمصيطر عليهم " ما من حسابك عليهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء "
-- عفوا هذا ليس تفسيرا ، كي لا أقحم الآيات فالله أعلم بمراده
، ولكنها خواطر أثَّرت فيّ فقلت ننشرها كي نتعظ بالتفكر والتذكر والله أعلم ، فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان _
إن تجد عيبا فسد الخللا جل من لاعيب فيه وعلا
وصل اللهم على محمد وآله .
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
عادل الغرياني