تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة!

  1. Post مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة!

    21-09-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
    فالأنبياء معصومون في كل ما يخص أمور الرسالة والنبوة، ومعصومون من كل كبيرة وصغيرة مستقبحة، ومن كل خارم للمروءة، فهم الأوصياء والأمناء على وحيه الدالين عليه خلقه، و«من المقطوع به أن الأنبياء والرسل هم صفوة البشر، خلقهم الله تعالى على الفطرة السليمة، النقية عن الآفات الخلقية، وقد هيأ لهم الله -جل وعلا- نشأة أعدهم بها لتحمل أمانة دعوة الخلق إلى التوحيد والعمل الصالح، فهم مكلفون من الله عز وعلا بهداية الخلق بالبيان الواضح، وإقامة الحجة الدامغة ومقارعة الخصوم، يزين ذلك عقل راحج، وفطانة راشدة تبهت عقول المعاندين والمجادلين بالباطل».


    مما لا شك فيك أن الأنبياء قد بلَّغوا كل ما أمرهم الله بتبليغه، ولم يكتموا شيئا، ولم ينسوا شيئا، ولم يخونوا ولم يكذبوا، ومن شك في ذلك طرفة عين أو ظن بهم نقصا أو عيبا فقد كفر، وخرج عن ملة الإسلام بلا أوبة، إلا أن يصحح اعتقاده في أنبياء الله وصفوة خلقة.
    فالأنبياء معصومون في كل ما يخص أمور الرسالة والنبوة، ومعصومون من كل كبيرة وصغيرة مستقبحة، ومن كل خارم للمروءة، فهم الأوصياء والأمناء على وحيه الدالين عليه خلقه، و« من المقطوع به أن الأنبياء والرسل هم صفوة البشر، خلقهم الله تعالى على الفطرة السليمة، النقية عن الآفات الخلقية، وقد هيأ لهم الله -جل وعلا- نشأة أعدهم بها لتحمل أمانة دعوة الخلق إلى التوحيد والعمل الصالح، فهم مكلفون من الله عز وعلا بهداية الخلق بالبيان الواضح، وإقامة الحجة الدامغة ومقارعة الخصوم، يزين ذلك عقل راحج، وفطانة راشدة تبهت عقول المعاندين والمجادلين بالباطل » (1).
    والعصمة من الصفات الواجبة في حق الرسل والأنبياء، اللازمة لمقام النبوة، وهي جماع خصال الخير التي تنوء بالنبي عن كبائر الذنوب وتجنبه صغيرها المتعمد.
    وقبل الكلام عن العصمة وموقف الفرق منها يحسن بنا بيان معنى العصمة لغة واصطلاحا.
    تعريف العصمة لغة:
    العصمة في لغة العرب جاءت بمعنى الوقاية والمنع والحفظ.
    قال ابن منظور: «العِصْمة في كلام العرب المَنْعُ، وعِصْمةُ الله عَبْدَه أن يَعْصِمَه مما يُوبِقُه، عَصَمه يَعْصِمُه عَصْماً منَعَه ووَقَاه وفي التنزيل: (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ) (2) ... واعْتَصَمَ فلانٌ بالله إذا امتنع به، والعَصْمة: الحِفْطُ، يقال: عَصَمْتُه فانْعَصَمَ، واعْتَصَمْتُ بالله إذا امتنعْتَ بلُطْفِه من المَعْصِية، وعَصَمه الطعامُ: منَعه من الجوع، وهذا طعامٌ يَعْصِمُ: أي يمنع من الجوع، واعْتَصَمَ به واسْتَعْصَمَ: امتنعَ وأبَى، قال الله عز وجل حكايةً عن امرأَة العزيز حين راودَتْه عن نفْسِه ( فَاستَعْصم ) ( 3 ) ، أي تَأَبَّى عليها ولم يُجِبها إلى ما طلبَتْ » (4).
    تعريف العصمة في الاصطلاح:
    قال الراغب: "عصمة الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام- حفظهم بما خصوا به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الأخلاق والفضائل، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق"(5).
    وعرفها صاحب كتاب نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض بأنها: "لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء"(6).
    وقال الشوكاني: "واختلفوا في معنى العصمة فقيل: هو أن لا يمكن المعصوم من الإتيان بالمعصية، وقيل: هو أن يختص في نفسه أو بدنه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه عليها، إنها القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية، وقيل: إن الله منعهم منها بألطافه بهم فصرف دواعيهم عنها، وقيل: إنها بتهيئة العبد للموافقة مطلقا، وذلك يرجع إلى خلق القدرة على كل طاعة"(7).
    وقيل: "المراد بالعصمة الحفظ من صدور الذنب"(8).
    وعرفها أحد الباحثين بقوله: "أي يكون الرسل والأنبياء معصومين في تحمل الرسالة والتبليغ عن الله فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، ولا يكتمون شيئا منه"(9).
    أما أجمع وأدق تعريف كان للدكتور أحمد عبد اللطيف، قال: "العصمة: هي حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم، مما تستقبحه الفطر السليمة قبل النبوة، وحفظهم من الكبيرة وصغائر الخسة بعدها، وتوفيقهم للتوبة والاستغفار من الصغائر، وعدم إقرارهم عليها"(10).
    الأنبياء معصومون من الكبائر والخلاف في الصغائر غير المستقبحة.
    لا خلاف بين أهل السنة وبين غيرهم من الفرق في عصمة الأنبياء من الكفر والكبائر وما استقبح من الصغائر، ولم يشذ في ذلك إلا أتباع ابن كرام (الكرامية).
    واختلف السلف في عصمة النبي من الصغائر غير المستقبحة فذهب فريق إلى عدم عصمتهم منها، قال ابن تيمية:"القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول"(11).
    وفي المقابل من هذا القول رأى آخرون أن مذهب السلف يقول بعصمة الأنبياء من كل صغيرة وكبيرة، قال ابن حجر إن السلف قد "اختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر(12)، فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا، وأولوا الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل، ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم إما أن يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن .."(13).
    والراجح في المسألة أنهم معصومون من الكفر ومن الكبائر ومما يزري من الصغائر، دون سائر الصغائر، والقول بوقوع الصغائر من الأنبياء لا ينافي القول بالعصمة، وذلك لأنهم لا يصرون على المعصية، بل يتوبون منها فور وقوعها، وذلك لأنهم مؤيدون بالوحي.
    قال الكفوي: "واعلم أن الأنبياء عصموا دائما عن الكفر، وقبائح يطعن بها أو تدني إلى دناءة الهمة، وعن الطعن بالكذب، وبعد البعثة عن سائر الكبائر لا قبلها، وعن الصغائر عمداً، لا الصغائر غير المنفرة خطأ في التأويل، أو سهوا مع التنبه، وتنبيه الناس عليها لئلا يُقتدى بهم فيها، أما المنفرة كسرقة لقمة أو حبة، أو غير ذلك مما يدل على دناءة الهمة، فهم معصومون عنها مطلقا"(14).
    أما الشواهد الدالة على العصمة من كتاب الله عز وجل فهي كثيرة جدا، فمنها على سبيل المثال قوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحَى)(15)، و(سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) (16)، وغيرها من الآيات التي تثبت تأييد الله لرسله ووقايتهم وحفظهم.
    فأنبياء الله معصومون من كبائر الذنوب وكذا قد عصمهم الله وجنبهم ما يستقبح من الذنوب، وإن أذنبوا وفقهم إلى التوبة والأوبة، وكذلك قد عصمهم الله في تحملهم لرسالته وتبليغهم إياها للناس، وعصمهم من كل ما يستقذر من الأمراض، وينفر الناس عنهم.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــ
    (1) جلال الدين السيوطي وآراؤه الاعتقادية– سعد خليفة: (2/364).
    (2) سورة هود من الآية: (43).
    (3) سورة يوسف، من الآية: (32).
    (4) لسان العرب مادة :(عصم): (12/403).
    (5) روح المعاني للآلوسي: (6/199).
    (6) نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض، وبهامشه شرح الشفا لعلي القاري- للشيخ أحمد شهاب الدين المصري: (4/39).
    (7) إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول- الشوكاني: (1/70).
    (8) روح المعاني للآلوسي: (6/199).
    (9) منهج الإمام الشوكاني في العقيدة – عبد الله نومسوك: (ص:671)، والكتاب أصله بحث حصل به البحث على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لعام 1412هـ.
    (10) عصمة الأنبياء- د. أحمد عبد اللطيف آل عبد اللطيف: (ص24)– رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم القرى– نقلا عن د. سعد خليفة- جلال الدين السيوطي وآراؤه الاعتقادية: (2/366).
    (11) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (4/319).
    (12) أي فيما عدا الكفر والكبائر وما يزري بفاعله من الصغائر.
    (13) فتح الباري لابن حجر: (11/440).
    (14) الكليات– لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي: (1/645).
    (15) سورة النجم الآيات: (3و4).
    (16) سورة الأعلى الآيات: (6و7).
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة!

    أحسنت بارك الله فيك
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    الجزائر العاصمة
    المشاركات
    595

    Lightbulb








  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية حاكيا للخلاف ومبينا الراجح في هذه المسألة : "الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون عن الله سبحانه وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة ، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه ، كما قال تعالى : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

    وقال : وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ .

    وقال : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ .
    قال : "وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة، فإن النبي هو المنبئ عن الله ، والرسول هو الذي أرسله الله تعالى ، وكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ، والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين ..." .

    إلى أن قال : "وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة، فللناس فيه نزاع : هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع ؟ ومتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها ؟ أم هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها لا في فعلها ؟ أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط ؟ وهل تجب العصمة من الكفر والذنوب قبل المبعث أو لا ؟

    والقول الذي عليه جمهور الناس - وهو الموافق للآثار المنقولة من السلف - إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا ، والرد على من يقول : إنه يجوز إقرارهم عليها . وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول ، وحجج النفاة لا تدل على وقوع ذنب أقر عليه الأنبياء ، فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه دون ما نهوا عنه ورجعوا عنه، كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه ، فأما ما نسخ من الأمر والنهي، فلا يجوز جعله مأمورا به ولا منهيا عنه فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه . وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال ، أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح ، أو أنها توجب التغيير ، أو نحو ذلك من الحجج العقلية ، فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع ، وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه، كما قال بعض السلف : كان داود عليه السلام بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة . وقال آخر : لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه ، وقد ثبت في الصحاح حديث التوبة : لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا ... الحديث .

    إلى أن قال : "وفي الكتاب والسنة الصحيحة والكتب التي أنزلت قبل القرآن مما يوافق هذا القول ما يتعذر إحصاؤه ، والرادون لذلك تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية والقدرية والدهرية لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد ، وهي من جنس تأويلات القرامطة الباطنية التي يعلم بالاضطرار أنها باطلة ، وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه ، وهؤلاء يقصد أحدهم تعظيم الأنبياء فيقع في تكذيبهم ، ويريد الإيمان بهم فيقع في الكفر بهم .
    ثم إن العصمة المعلومة بدليل الشرع والعقل والإجماع - وهي العصمة في التبليغ - لم ينتفعوا بها إذ كانوا لا يقرون بموجب ما بلغته الأنبياء ، وإنما يقرون بلفظ حرموا معناه ، أو كانوا فيه كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني . والعصمة التي كانوا ادعوها لو كانت ثابتة، لم ينتفعوا بها ، ولا حاجة بهم إليها عندهم، فإنها متعلقة بغيرهم ، لا بما أمروا بالإيمان به ، فيتكلم أحدهم فيها على الأنبياء بغير سلطان من الله ، ويدع ما يجب عليه من تصديق الأنبياء وطاعتهم ، وهو الذي تحصل به السعادة وبضده تحصل الشقاوة ، وقال تعالى : فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ

    والله تعالى لم يذكر في القرآن شيئا من ذلك عن نبي من الأنبياء، إلا مقرونا بالتوبة والاستغفار :

    كقول آدم وزوجته : قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

    وقول نوح : قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

    وقول الخليل عليه السلام : رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ، وقوله : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ .

    وقول موسى : أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ، وقوله : قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي وقوله : فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .

    وقوله تعالى عن داود : فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ .

    وقوله تعالى عن سليمان : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ . -----------------

    إلى أن قال : "وبهذا يظهر جواب شبهة من يقول : إن الله لا يبعث نبيا إلا من كان معصوما قبل النبوة . كما يقول ذلك طائفة من الرافضة وغيرهم ، وكذلك من قال : إنه لا يبعث نبيا إلا من كان مؤمنا قبل النبوة ، فإن هؤلاء توهموا أن الذنوب تكون خفضا وإن تاب التائب منها ، وهذا منشأ غلطهم، فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا، فهو غالط غلطا عظيما، فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منها شيء أصلا ، لكن إن قدم التوبة، لم يلحقه شيء ، وإن أخر التوبة، فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله .

    والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه كانوا لا يؤخرون التوبة ، بل يسارعون إليها ويسابقون إليها ، لا يؤخرون ولا يصرون على الذنب ، بل هم معصومون من ذلك ، ومن أخر ذلك زمنا قليلا، كفر الله ذلك بما يبتليه به، كما فعل بذي النون صلى الله عليه وسلم ، هذا على المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة ، وأما من قال : إن إلقاءه كان قبل النبوة، فلا يحتاج إلى هذا . والتائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع في الكفر والذنوب ، وإذا كان قد يكون أفضل، فالأفضل أحق بالنبوة ممن ليس مثله في الفضيلة . وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر من ذنوبهم ، وهم الأسباط الذين نبأهم الله تعالى .



    وقال تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكم ُ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا .

    وإذا عرف أن الاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية ، وهذا الكمال إنما يحصل بالتوبة والاستغفار ، ولا بد لكل عبد من التوبة ، وهي واجبة على الأولين والآخرين، كما قال تعالى : لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .

    وقد أخبرنا الله سبحانه بتوبة آدم ونوح ومن بعدهما إلى خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، وآخر ما نزل عليه - أو : من آخر ما نزل عليه - قوله تعالى : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا

    ثم ذكر نصوصا كثيرة في استغفار النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : "ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة متظاهرة ، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة ، ولكن المنازعون يتأولون هذه النصوص من جنس تأويلات الجهمية والباطنية، كما فعل ذلك من فعله في هذا الباب ، وتأويلاتهم تبين لمن تدبرها أنها فاسدة ، من باب تحريف الكلم عن مواضعه، كتأويلهم قوله : لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، المتقدم ذنب آدم ، والمتأخر ذنب أمته ، وهذا معلوم البطلان" .

    وقال أيضا : "والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم، يقولون : إنهم معصومون من الإقرار عليها ، وحينئذ، فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم، فإن الأعمال بالخواتيم ، ويقول----------------------------------------------------------------------------- شيخ الإسلام ابن تيمية--(20/88) :

    "وهذا القول يقوله طوائف من أهل البدع والكلام والشيعة وكثير من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم ممن يوجب عصمة الأنبياء من الصغائر وهؤلاء فروا من شيء ووقعوا فيما هو اعظم منه فى تحريف كلام الله عن مواضعه وأما السلف قاطبة من القرون الثلاثة الذين هم خير قرون الأمة وأهل الحديث والتفسير وأهل كتب قصص الأنبياء والمبتدأ وجمهور الفقهاء والصوفية وكثير من أهل الكلام كجمهور الاشعرية وغيرهم وعموم المؤمنين فعلى ما دل عليه الكتاب والسنة مثل قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى وقوله ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين بعد أن قال لهما ألم أنهكماعن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين وقوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم مع أنه عوقب باخراجه من الجنة وهذه نصوص لا ترد إلا بنوع من تحريف الكلم عن مواضعه "—منقول بتصريف

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •