الحمد لله وبعد
فبينا أقرأ في كتب الأدب ،ليرق طبعي ، وتنبل أخلاقي ، وتزكو نفسي ، وتسمو روحي ، وأجد سلوى عن كدر الدنيا ، ورفقا بنفسي ، وطلبا لطرائف الحكمة .
قابلني من الحكم والآداب مالا أستطيع تجاوزه دون تقييده ،

واختصارا للفوائد وكناشة للطائف والمعارف والحكم والأمثال ، عزمت بفضل الله تعالى على جعل كناشتى على موقعي المفضل المجلس العلمي حرسه الله للسنة وأهلها:
نفعا لنفسي وتعميما للخير.

فأكتب بسم الله مستعينا :

بسم الله الرحمن الرحيم ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( 1 ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( 2 ) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم( 3 ) )

هذه آداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ واتقوا الله ] ) ، أي : لا تسرعوا في الأشياء بين يديه ، أي : قبله ، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور ، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ ، [ إذ ] قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب الله . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي ، فضرب في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ، لما يرضي رسول الله " .

وقد رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه . فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ، ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله . (انظر حاشية 1)

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .

وقال العوفي عنه : نهى أن يتكلموا بين يدي كلامه .

وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ، حتى يقضي الله على لسانه .

وقال الضحاك : لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم .

وقال سفيان الثوري : ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) بقول ولا فعل .

وقال الحسن البصري : ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تدعوا قبل الإمام .

وقال قتادة : ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا كذا ، وكذا لو صنع كذا ، فكره الله ذلك ، وتقدم فيه .

( واتقوا الله ) أي : فيما أمركم به ، ( إن الله سميع ) أي : لأقوالكم ) عليم ) بنياتكم .
--------------------
حاشية 1---فهذا الحديث ضعيف من حيث السند رغم شهرته عند أهل الحديث وعلى ألسنة الفقهاء والأصوليين، فقد رواه الإمام أحمد في المسند وأصحاب السنن وغيرهم بألفاظ مختلفة ومتقاربة، لكنه ضعفه كثير منهم.
قال عنه الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل.
وقال البخاري: لا يُعرف الحارث إلاّ بهذا ولا يصحّ.

وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لإبهام أصحاب معاذ، وجهالة الحارث بن عمرو.

وقال الشيخ حسين أسد: إسناده ضعيف لانقطاعه.
وقال الشيخ الألباني: ضعيف.
وصححه بعضهم كابن عبد البر وابن القيم.
والله أعلم.