تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من مطويات منشورات سيرتا (2)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    الدولة
    الجزائر العاصمة
    المشاركات
    9

    افتراضي من مطويات منشورات سيرتا (2)

    الغبطة والحسد
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
    فهذه كلمات حول الغبطة والحسد الذي ابتلي به كثير من الناس في مجتمعنا، ولا يخفى على ذي لب ما يجره الحسد من حقد وبغضاء بين المسلمين، وقد جاءت مذمومة في قوله ح محذرا أمته: «إياكُم والحَسَدَ، فإنَّ الحَسَدَ يأكُلُ الحَسَناتِ كما تأكُلُ النَارُ الحَطَبَ».
    ولعظم خطرها رأينا ذكر هذه المسائل المتعلقة بالحسد والفرق بينه وبين الغبطة التي مدحها رسول الله ح كما سيأتي.
    تعريف الغبطة:
    v لغة: «بالكسر هي الفرح و السرور. قال في القاموس: الغبطة من الحال و المسرّة».
    v أمّا شرعا: فقال البغوي: «هي تمنِّي مثل النّعمة الّتي على الغير من غير تمنّ لزوالها عن صاحبها»([1])، وقال بعضهم: «هي تمنّي حسن الحال الّذي لحق المغبوط من غير تمنّي زوال تلك الحال عليه».
    فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللّغوي وفسّرها بعضهم بالمنافسة؛ قال ابن عبد البرّ: «الحسد: التنافس في الدنيا. ومعناه: طلب الظهور فيها على الناس، والتكبّر عليهم، ومنافستهم في رياستهم، والبغي عليهم على ما أتاهم الله، وأمّا التنافس و الحسد على الخير و طرق البرّ فليس من هذا في شيء»([2]).
    قال النووي : «وهي مباحة في أمر الدنيا ومستحبة في أمر الآخرة».([3])
    وقال غيره: «هي محمودة وقد وقعت من الأنبياء و الشّهداء كما جاء في الحديث القدسي: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: الْمُتَحَابُّون َ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء» [صححه الألباني في صحيح الجامع (4312)].
    وتسمّى الحسد المجازي. قال علي القاري: «الاغتباط و الغبطة هو حسد خاصّ يقال: اغتبطت الرَّجلَ أغبِطُه غبطًا إذا اشتهيتَ أن يكون لك مثل ما له، وأن يدوم عليه ما هو فيه فالغبطة تمنّي مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه، بخلاف الحسد».([4])
    تعريف الحسد:
    v وأمّا الحسد لغة: فقال ابن الأعرابي: «مأخوذ من الحسدل وهو القراد يقرد الجلد فيمصّ الدّم أي يقشره، فالحسد يقشر القلب كما يقشر القرد الجلد»([5]).
    v و أمّا شرعا فهو: «أن يرى الرّجل لأخيه نعمة يتمنّاها لنفسه وزوالها عن أخيه. زاد ابن الجوزي: وأمّا الحسد فهو تمنّي زوال ذلك عن المحسود و إن لم يحصل له».([6])
    وهو مذموم مطلقًا بل هو من عمل إبليس ـ لعنه الله ـ فهو أوّل من حسد آدم: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [\c].
    وهو من خصال اليهود قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)[\`: 54]، وقال تعالى عن أهل الكتاب: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [\^:109].
    وهو من كبائر الذنوب قال النّووي: «وهو حرام بالإجماع والنّصوص الكثيرة»
    سبب وقوعه
    فطر الله الإنسان على حب الأشياء والاستئثار بالأمور، وكراهية المشاركة فيما يرغب به الإنسان.
    قال ابن الجوزي: «لأنه وضع في الطّباع كراهة المماثلة وحبّ الرِّفعة على الجنس فإنّ الإنسان إن رأى من قد ينال ما لم ينل أحبّ بالطبع أن يزول ذلك عنه ليقع التّساوي أو يحصل له الارتفاع على ذلك الإنسان. وهذا أمر مركوز في الطباع فلا يسلم منه أحد، ولكنّ المذموم العمل بمقتضى الحسد كسبِّ المنعم عليه أو السعيِ في إزالة نعمته»([7]).
    أقسام الحسد:
    الحسد كلّه مذموم لكنّ بعضه أخطر من بعض:
    v فأشدّه حرمة أن يسعى الحاسد في نقل نعمة المحسود لنفسه أو لغيره سواء بلسانه أو بيده وهذا أخبث أنواع الحسد و أقبحها .
    v أن لا يسعى في إزالة النّعمة عن المحسود بل يضمرها ويتمنّاها وهذا آثمٌ أيضا لكنّه أخفّ من الأوّل .
    v أن لا يسعى في إزالة النّعمة عن المحسود بل يضمرها و يجاهد نفسه في تركها فهو غير آثم كما قال الحسن البصري، وظاهره أنّ محلّه إن عجز عن إزالة الحسد من نفسه بأن جاهدها في تركه ما استطاع بخلاف من يحدّث نفسه به اختيارا مع تمنّي إزالة نعمة المحسود فهذا لا شكّ في تأثيمه بل تفسيقه ومنهم من يسعى في حصول مثل نعمة المحسود فهذا حسن إن كان في الأمور الدّينية ولا حسن فيه في الأمور الدنيوية.
    سبب تحريمه
    الحسد مذموم شرعًا و طبعًا لما يُلحقه من الضرر على الحاسد و المحسود.
    v فهو اعتراض الحاسد على الله تعالى إذ أنعم على غيره بما لم ينعم به عليه.
    v وظاهر حال الحاسد أنّه غير راض بقسمة الله على عباده، وأنّ المنع و العطاء منه مبنيّ على الحكمة البالغة والعلم التّام بما يصلح المنعم عليه و ما يفسده.
    v ولأنّ الحسد يحمل صاحبه على احتقار أخيه، لأنّه ما تمنّى زوال النعمة عليه إلاّ لأنه استصغره واستكثر نعمة الله عليه.
    v ولأنّ الحسد يُنقص إيمان الحاسد و يُضعفه، فإنّه بحسده لأخيه لا يحبّ له ما يحبّ لنفسه، وقد جاء في الحديث «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [متفق عليه].
    v ولأنّ الحاسد يوقع نفسه في ضرر عظيم لقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ).
    علاجه
    يكمن علاج داء الحسد أن يعلم الإنسان الأمور التالية:
    v ينبغي لمن وجد الحسد في نفسه أن يكره ذلك فيه كما يكره في نفسه سائر المنهيّات.
    v أن يتذكر ذمّ الإسلام للحسد، وما ينتجه من ألم و خزي و مذمّة عند الله تعالى.
    v أن يعلم أنّه من كبائر الذّنوب، لما فيه من الاعتراض على فعل الله وحكمته، وربّما اعتقد أنّه أحقّ بتلك النعمة من المحسود فيوجب على الله ما يلقيه في الكفر وفساد الدين عياذا بالله.
    v أن يعلم الحاسد أنه بفعله يحارب ربّه لأنّه لم يرض بقسمة الله تعالى في خلقه، والله تعالى يقول: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [:32].
    v أنّه يتعب نفسه و يحزنها من غير فائدة وبطريق محرّم وتصرّف رديء.
    v أنّ الحسد ينافي أمر الأخوّة ويضعف رباطها ويوقع الشحناء والبغضاء، وقد جاء النّهي عن ذلك في قوله ح : «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»[رواه مسلم].
    وجه اللقاء بين الغبطة و الحسد
    وممّا جعل الحسد والغبطة يلتقيان أنّ الرّسول ح أطلق الحسد وأراد به الغبطة وذلك في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود ط مرفوعا: «لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»، وعن ابن عمر م نحوه وفيه : «رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ».
    قال العلماء إن معناه هنا الغبطة.([8])
    ومعنى الحديث على وجوه:
    1 ـ أي لا غبطة أعظم ولا أفضل في هذين الأمرين. ووجه الحصر فيهما أنّ الطّاعات إمّا بدنية أو مالية أو كائنة عنهما.
    2 ـ أو يحمل الحسد على حقيقته والاستثناء في الحديث منقطع، والتّقدير نفي الحسد إلاّ في العلم و المال. قال الحافظ: أي لا رخصة في الحسد إلاّ في خصلتين، أو لا يحسن، ومثله: «لَا يَحِلُّ الكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالكَذِبُ فِي الحَرْبِ، وَالكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ»[رواه الترمذي وقال الألباني صحيح دون قوله ليرضيها].
    قال في فيض الباري: «ولا أجد شيئا أربى وأنمى من العلم فإنّه يحمل إلى الآفاق في زمن يسير».([9])
    3- أو المقصود لا غبطة كاملة لتأكّد الأجر فيهما إلاّ هاتين الخصلتين العلم والمال.
    4 - أو لا غبطة محبوبة عند الله إلاّ هاتين و ما في معناهما.
    ولذلك قال النووي وغيره الحسد قسمان: حسد حقيقي و مجازي، فالحقيقي تمنّي زوال النعمة عن صاحبها وهو حرام بإجماع الأمّة و النّصوص الصّحيحة، وأمّا المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنّى النعمة الّتي على غيره من غير زوالها.
    وبوّب البخاري لذلك فقال: باب الاغتباط في المال والحكمة.
    أنواع الغبطة:
    وهي على ثلاثة أقسام من جهة التّفصيل، وقسمين من حيث الجملة؛ فإنّها إن كانت في الطّاعة فهي محمودة لما فيها من المنافسة على الخير. قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [\Ò].
    وإن كانت في المعصية فهي مذمومة لقوله I: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» [رواه أحمد وغيره].
    وأما من جهة التفصيل: فإن كانت من باب تمنّي الخير وحصوله، كمن يرى نعمة الله على غيره فيتمنّى أن يكون له مثلها أو أفضل منها لتعميم الخير وحصول الفضل فهي محمودة ومطلوبة، وإن سعى في تحصيلها فهو أعظم، وأفضلها ما كان في العلم والمال قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [\f]، ولذلك سميت غبطة لما تحقّق لصاحبها من الفرح و السرور. قال النووي: «وهي مستحبّة في أمور الآخرة».
    وإن كانت في تمنّي حصول مطالب الدّنيا و ملذّاتها و التباهي بها فهي مذمومة مستقبحة، وقد حكى الله تعالى مثلها في قصّة قارون حين قالوا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)، فقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [\x].
    أو إن كانت في تمنّي حصول ما عند الغير ممّا يستحيل، كتمنّي النساء ما عليه الرجال أو العكس فهي مذمومة أيضا قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [\`].
    وعليه: فإنّه لا ينبغي أن تكون الغبطة في الأمور الخسيسة، بل ينبغي أن تكون في الأمور الجليلة كالجود و العلم مع العمل وسائر الطاعات و الفضائل.
    فضل الغبطة :
    ـ من فضائلها: ترويض النفس على الطمع في فضل الله تعالى، فإنّ الله ذو فضل عظيم. وأن يتعلّم العبد حسن اللّجوء إلى الله تعالى في حصول الخير في الدنيا والآخرة بما شرعه الله من الغبطة .
    ـ قد يكون لمن تمنّى شيئا من تلك الخيرات مثل أجر صاحبها، خاصّة إن صدقت نيته وقويت عزيمته.
    ـ تحقيق الإيمان بقدرة الله تعالى و زيادته على العطاء؛ فإنّما حسد الحاسد غيره لقلّة إيمانه بذلك.
    وبهذا نعلم ونتعلّم أنّ الحسد مذموم على كلّ حال، و الغبطة محمودة في حال دون حال والله تعالى أعلم.
    والحمد لله رب العالمين.


    ([1]) شرح السنة (1/299).

    ([2]) التمهيد (18/22).

    ([3]) شرح صحيح مسلم.

    ([4]) عمدة القاري (92 ـ 12).

    ([5]) تهذيب اللغة (4/164).

    ([6]) غريب الحديث (1/212).

    ([7]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/288).

    ([8]) شرح رياض الصالحين (4/648).

    ([9]) فيض الباري شرح صحيح البخاري (3 /96).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: من مطويات منشورات سيرتا (2)

    جزاكم الله خيرًا
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •