المسألة الثالثة: ضعف الطرق التي فيها سرد الأسماء


الأولى: ما أخرجه الترمذي(3574)، وابن حبان(2384)، والحاكم (1/16)، والبيهقي في (السنن) (10/27)، و في(الأسماء والصفات) (ص15 – 16)، وفي (الاعتقاد) (ص50)، والبغوي في (شرح السنة) (5/32), كلهم من طريق الوليد بن مسلم أخبرنا شعيب بن أبي حمزة, عن أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعون اسماً مائة غير واحدة من أحصاها دخل الجنة, هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس..)) . قال الترمذي عقب الحديث: (هذا حديث غريب, حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح, ولا نعرفه إلا من حديث صفوان ابن صالح, وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث، وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح) اهـ.
ولم ينفرد به صفوان بن صالح كما قال الترمذي, فقد أخرجه البيهقي في (الأسماء) (ص 15) من طريق موسى بن أيوب النصيبي, وهو ثقة عن الوليد بن مسلم.
وهذه الطريق هي أحسن الطرق على ضعف فيها كما سيأتي بيانه.
الثانية: ما أخرجه ابن ماجه (3861) من طريق عبد الملك ابن محمد الصنعاني ثنا زهير بن محمد التميمي ثنا موسى بن عقبة حدثني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة به مع اختلاف في سرد الأسماء ونقص وتقديم وتأخير.
قال البوصيري في (الزوائد): لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا من غيره غير ابن ماجه, والترمذي, مع تقديم وتأخير, وطريق الترمذي أصح شيء في الباب.
قال: وإسناد طريق بن ماجه ضعيف لضعف عبد الملك بن محمد. اهـ.
قلت: عبد الملك بن محمد هو الحميري البرسمي قال فيه الحافظ: لين الحديث.
الثالثة: أخرجها الحاكم (1/17) والبيهقي في (الأسماء) (ص: 18-19) وفي (الاعتقاد) (ص51) من طريق خالد بن مخلد القطواني ثنا عبد العزيز بن حصين بن الترجمان ثنا أيوب السختياني وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
قال الحاكم:(عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثقة وإن لم يخرجاه).
فتعقبه الذهبي بقوله: (بل ضعفوه).
وقد ذكر من ضعفه في (الميزان) (2/627): (قال البخاري ليس بالقوي عندهم, وقال ابن معين ضعيف، وقال مسلم: ذاهب الحديث، وقال ابن عدي: الضعف على رواياته بين).
وقال البيهقي في (الأسماء) (ص19): (ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة, وكذلك في حديث الوليد بن مسلم, ولهذا الاحتمال ترك البخاري ومسلم إخراج حديث الوليد في الصحيح) اهـ.
ونقل الحافظ في (التلخيص) (4/173) عن ابن العربي قوله: (لا نعلم هل تفسير هذا الأسامي في الحديث أو من قول الراوي).
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – رحمه الله – كما في (مجموع الفتاوى) (6/379): (فالحديث الذي فيه ذكر ذلك (أي الأسماء الحسنى) هو حديث الترمذي روى الأسماء الحسنى في (جامعه) من حديث الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة, ورواها ابن ماجه في سننه من طريق مخلد بن زياد القطواني عن هشام بن حسان بن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما كل منهما من كلام بعض السلف، فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه). (وانظر مجموع الفتاوى 8/96-97 و22/482).
وقال ابن كثير في (التفسير) (2/269) والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك.
أي أنهم جمعوها من القرآن، كما روى عن جعفر بن محمد, وسفيان بن عيينة, وأبو زيد اللغوي والله أعلم) اهـ.
وقال الحافظ في (الفتح) (11/215): واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر عن بعض الرواة، فمشى كثير منهم على الأول، واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم, لأن كثيراً من هذه الأسماء كذلك، وذهب آخرون إلى أن التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه, ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العلماء.
ثم نقل عن الحاكم قوله: (إن العلة فيه مجرد تفرد الوليد بن مسلم, وأنه أوثق ممن رواه بدون ذكر الأسماء).
ورد عليه الحافظ بقوله: (وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط, بل الاختلاف فيه, والاضطراب, وتدليسه, واحتمال الإدراج) اهـ.
وقد نقل الحافظ ما يدل على الإدراج، وهو ما أخرجه عثمان الدارمي في (النقض على المريسي) عن هشام بن عمار عن الوليد فقال عن خليد بن دعلج عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره بدون التعيين، قال الوليد: وحدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال: (كلها في القرآن (هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وسرد الأسماء).
وأخرجه أبو الشيخ بن حيان من رواية أبي عامر القرشي عن الوليد بن مسلم بسند آخر فقال: حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة، قال زهير: (فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال أو أولها أن تفتتح بلا إله إلا الله وسرد الأسماء) اهـ.
وهذه الرواية هي رواية ابن ماجه السابقة, ولكن وقع فيها سرد الأسماء أولاً ثم بعد أن انتهى سردها، قال زهير: (فبلغنا من غير واحد من أهل العلم، أن أولها يفتح بقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, بيده الخير, وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى).
قال الحافظ: (والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك الصنعاني، ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج) اهـ.
قلت: بل عبد الملك لين الحديث كما نقلنا آنفاً من قول الحافظ نفسه!
وقال في (بلوغ المرام) (ص254): (والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة) اهـ.
وقال الصنعاني في (سبل السلام) (4/108): (اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) اهـ.
خلاصة القول أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ولا يصح رفعها.
منقول
http://www.dorar.net/enc/aqadia/439