نؤمن أن العرش حق؛ لأن الله ذكره في كتابه؛ قال -تعالى-: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54].

العرش لغةً:

مأخوذ من الرفع والارتفاع، كما قال في قوم فرعون: ﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137]، وقال -تعالى-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ﴾ [الأنعام: 141].


هناك أقوال أخرى في معنى العرش، وهي غير صحيحة:


1- أن العرش هو الفلك من الأفلاك.

2- أن العرش هو الملك.

وكلاهما باطل؛ لأن الفلك والملك لا يوصفانِ بالصفات التي وُصف بها العرش، من أنه له قوائم وتحمله الملائكة؛ كما سيأتي - إن شاء الله تعالى.

3- أن العرش هو الكرسي.

هذا ليس بصحيح؛ لأن مادة (عرش) غير مادة (كرس)،وأن العرش وُصِف بصفات ليست كالصِّفات التي وُصِف بها الكرسي، وهذا صنيع الطحاوي في عقيدته؛ حيث فرَّق بينهما قائلاً: "والعرش والكرسي حق".

وسبب هذه التعريفات الخاطئة أن العرش في اللغة له أكثر من معنى؛ منها:


1- سرير الملك:


قال الخليل: العرش: السرير للمَلِك، وقال الأزهري: والعرش في كلام العرب سرير الملك، يدلُّك على ذلك سرير مَلِكة سبأ سماه الله - جل وعلا - عرشًا، فقال: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

2- سقف البيت:


قال الزبيدي: العرش من البيت سقفه، ومنه الحديث: ((أو كالقناديل المعلقة بالعرش)).

3- ركن الشيء:


قال الزبيدي: والعرش: ركن الشيء، قال الزجاج والكسائي: وبه فسر قولُه: ﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [البقرة: 259]؛ أي: على أركانها.

4- الملك:


قال الأزهري: والعرش: الملك، يقال: ثُلَّ عرشُه؛ أي: زال ملكُه وعزُّه.

5- قوام أمر الرجل:


قال ابن فارس: استعيرت كلمة عرش هنا، فقيل لأمر الرجل وقوامه: عرش.

6- عرش السماك:


قاله ابن فارس. 7- عرش البئر:


قال ابن الأعرابي: والعرش بناء فوق البئر.

8- ظاهر القدم:


قال ابن الأعرابي: العرش: ظاهر القدم، وباطنه: الأخمص.


ومن المعلوم أن معرفة كل معنى من هذه المعاني، إنما يتحدَّد بحسب ما أُضِيف إلى الكلمة، والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك؛ ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية قد جاءت معيِّنة لهذا المعنى وحدَه دون غيره من المعاني.

أما زعم الجهمية بأن معنى العرش يحتمل عدة معانٍ، فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: "هذا تلبيس منك على الجهال وكذبٌ ظاهر، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدَّة معاني؛ فاللام للعهد، وقد صار بها العرش معيَّنًا، وهو عرش الرب -تعالى- الذي هو سرير ملكه التي اتفقت عليه الرسل، وأقرَّتْ به الأمم إلا مَن نابذ.


قال الطبري في قوله -تعالى-: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ﴾ [الزمر: 75]؛ يعني بالعرش: السرير.

وقال ابن كثير: هو سريرٌ ذو قوائم، تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات.

وقال أيضًا: والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال -تعالى-: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

وليس هو فلكًا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم.

وقال أمية ابن الصلت:


مجِّدوا الله وهو للمجد أهل
ربُّنا في السماء أمسى كبيرَا

بالبناءِ الأعلى الذي سبَقَ النا
سَ وسوَّى فوق السماء سريرَا

شرجعًا لا ينالُه بصرُ العي
نِ تَرَى دونه الملائكَ صُورَا
وصف العرش:


للعرش أوصاف كثيرة وصفه بها ربُّنا في كتابه، وكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الأوصاف:

وصفه: بأنه مجيد، قال -تعالى-: ﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ ﴾ [البروج: 15] على قراءة حمزة والكسائي.

ووصفه: بأنه عظيم، فقال -تعالى-: ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].

ووصفه: بأنه كريم، فقال -تعالى-: ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116].

ووصفه: بأنه يُحمَل، فقال -تعالى-: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [غافر: 7].

ووصفه: بأنه يَستوي عليه - سبحانه - فقال: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] استواءً يَلِيق بجلاله وعظمته، لا يشبه استواء المخلوقين، كما هو معلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة.

ووصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن له قوائمَ؛ كما في الحديث: ((يصعق الناس، فأكون أوَّل مَن يفيق، فإذا بمُوسَى باطش - أو قال: آخذ - بقائمةٍ من قوائم العرش)) .متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - البخاري (4211)، مسلم (2373).


ووصفه أيضًا كما في الحديث: ((مَثَل السموات السبع للعرش كمَثَل حلقةٍ ألقيت في فلاة، ومثل الكرسي للعرش كذلك)).

ووصفه بأنه مخلوق، قال الحافظ في قوله -تعالى-: ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]: إشارة إلى أن العرش مربوب، وكل مربوب مخلوق.

ووصف حملة العرش، فقال في حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أُذِن لي أن أحدِّث عن مَلَك من ملائكة حملة العرش، إن ما بين شحمةِ أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)) .أبو داود (4729)، وصححه الألباني في الصحيحة (151).


ونؤمن بأنه عرشٌ على الحقيقة ليس على المعنى، وأنه يفوق العروش، وليس كعروش الملوك، فقد قال -تعالى- في وصف عرش الملوك في قصة يوسف: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ [يوسف: 100]، وقال - سبحانه - في وصف عرش بلقيس: ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23].

أما عرش الرحمن، فهو عرش يليق به - سبحانه وتعالى.