العاقل لا يعادي على الحالات كلها؛ لأن العداوة لا تخلو من أن تكون لأحد رجلين: إما حليم لا يؤمن مكره، أو جاهل لا يؤمن شتمه، ولا يجب على العاقل إذا عادى؛ أن يغره إحسانه الى عدوه ما يرى من سكونه إليه؛ فإن الماء وإن أطيل إسخانه، ليس بمانعه ذلك من إطفاء النار، إذا صب عليه،ا ولا يجب أن يعظم عليه، حمله عدوه على عاتقه، إذا وثق بحسن عاقبته؛ لأن اللين والمكر؛ أنكى في العدو من الفظاظة والمكابرة؛ ألا ترى النار مع حرِّها، لا تحرق من الشجر، إلا ما ظهر، والماء مع برده ولينه، يستأصلها، ومجانبة المرء عدوه في العشرة، أحد الأعوان عليه عند الفرصة.
كما أنبأنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا العتبي عن أبيه قال قال الأحنف بن قيس من جالس عدوه حفظ عليه عيوبه
وأنشدني الأبرش ...
لا تخافن إن رماك عدو ... بعيوب إذا تكون بريا.
إنما العيب أن يكون محقا ... في الذي قاله ولست نقيا.
فإذا كان كاذبا كنت بالصدق ... على العائب الكذوب جريا.
ولقد يلزق العدو بجنب ... السمراء عيبا تخاله مكويا ...

العاقل لا يغيره إلزاق العدو به العيوب والقبائح؛ لأن ذلك لا يكون له وقع، ولا لكثرته ثبات، ولا يلتذ المرء ما كان عدوه باقيا، كما لا يجد السقيم، طعم النور والطعام حتى يبرأ.

وأشد مكيدة العدو وما يعمل فيك من سبيل مأمنك والغالب بالشر مغلوب وإن من أعظم الأعوان على الأعداء تعاهد المرء ولده وعياله وخدمه وتوقيه إياهم على المعائب والزلات
أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال قال سليمان بن داود لابنه يا بني إذا أردت أن تغيظ عدوك فلا ترفع عن ابنك العصا.

قاله ابن حبان في "روضة العقلاء" (1/98).