تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 17 من 17

الموضوع: شرح الأربعين النووية للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي شرح الأربعين النووية للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

    [align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
    مقدمة الشيخ فى طلب العلم :
    الأربعون النووية أحاديث جمعها النووى رحمه الله ، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين ، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه ، أو هو نصف الإسلام ، أو ثلثه أو نحو ذلك كما ذكر النووى فى مقدمته ، والتزم رحمه الله أن تكون الأحاديث صحيحة ، ومعظمها فى صحيحى البخارى ومسلم ، وقد ذكرها رحمه الله محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها ، وقد شرح هذه الأحاديث شراح كثيرون وربت شروحها على العشرين شرحا ، ومن أشهرها شرح الحافظ بن رجب رحمه الله ، المسمى جامع العلوم والحكم .
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " ، وسلوك الطريق للعلم ينقسم إلى قسمين : سلوك طريق حسىّ كأن يأتى الإنسان من بيته إلى المسجد ، والثانى : معنوىّ ، كأن يطالع فى الكنب ويذاكر مع العلماء ، وكلا الأمرين يترتب عليه هذا الثواب .
    إن طلب العلم الشرعىّ ليس لمجرد العلم بحكم الله تعالى وحكم رسوله ؛ لأن هذا يحصل من المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، ولذلك ترى الكفار الذين درسوا الفقه الإسلامىّ عندهم من علم الفقه ما ليس عند كثير من المسلمين . المقصود من العلم العمل ، وكل علم لا ينتج عملا فهو وبال على صاحبه ؛ لأن هذا الذى تعلم ولم يعمل من أول وأولى أهل النار بالعقوبة والعياذ بالله كما قال الناظم :
    وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
    فالعلم سلاح إما لك أو عليك .
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " القرآن حجة لك أو عليك " ، وليس فيه قسمة ثالثة لا لك ولا عليك . إن عملت به فى حق الله تعالى ما بينك وبين الله من عبادة ، إن عملت به فى حق الله تعالى ما بينك وبين الناس من المعاملة والخلق وغير ذلك فأنت موفق والعلم حجة لك ، وإن كانت الأخرى فقد جانبك التوفيق وصار العلم وبالا عليك ..
    إنه يجب على طالب العلم مراعاة ما يلى :
    أولا : حسن النية فى طلب العلم
    1- بأن يكون قصده بالطلب امتثال أمر الله ورجاء ثوابه .
    هل أمر الله بالعلم ؟
    أمر الله بالعلم فى أعظم الأشياء ، قال تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " ، وقال عز وجل : " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ، وقال : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " ، وهذا حث على العلم ، فتنوى بطلب العلم امتثال أمر الله ..إذا نويت ذلك سيكون طلب العلم عبادة تتقرب بها إلى الله ، تقلب صفحات الكتاب ، فأنت فى عبادة ، كالذى يهندس مسدسه للجهاد ، وإذا كان العلم بهذه النية فلا يعدله شىء .
    2- تنوى بطلب العلم رفع الجهل عن نفسك أولا وعن الناس ثانيا .
    عن نفسك لأنك خلقت جاهلا : " والله خلقكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا " ، وأنت بنفسك ترى أنك كلما رجعت إلى كتاب الله زاد علمك ، العلم نور يستضاء به ، ولذلك تجد أكثر الناس انشراحا فى الصدر هم أهل العلم .
    3- أن تنوى حفظ الشريعة ؛ لأن الشريعة محفوظة بالكتب المسطورة وكذلك بالقلوب ، وحفظ الشريعة كما يكون بتقييد المعلومات يكون كذلك بتطبيق المعلومات .
    4- أن ينوى بذلك حماية الشريعة لا سيما فى زمن تكثر فيه الفتن ، حماية الشريعة غير حفظها ، حمايتها هى الدفاع عنها ورد كيد الكائدين ، وإبطال شبه المبطلين ؛ لأن الشريعة لا تحمى إلا بأصحابها ، كما أن الديار لا تحمى إلا بشجعانها . أرأيت لو أن رجلا مبتدعا قام فى مكتبة فيها من كل كتاب زوجان ، فيها العلوم الكثيرة ، وقام يتكلم بالبدعة ويؤكدها ويقررها وليس عنده إلا الكتب وطلاب علم مبتدئون يغترون بقوله ، هل يمكن لهذه الكتب السلفية أن تدافع ؟ لكن لو كان هناك طالب علم أمكن أن يدافع .
    الشريعة الإسلامية مستهدفة منذ بزغ فجر نورها ، واليوم أشد لأن الدول المتحضرة وهى المتخلفة فى الواقع تخاف من الإسلام خوفا شديدا ، ولهذا يذكر عن بعض زعمائهم أنه قال لما فكك الله الاتحاد السوفييتى : الآن استرحنا من الشيوعية ، لكن بقى علينا العدو الأكبر وهو الإسلام ، ولذلك الآن تجدون حملتهم للنصارى واليهود ومساعدتهم ضد المسلمين ، وهم يبثون سمومهم فى الأمة الإسلامية من كل ناحية : تارة بالشبه وتارة بالأخلاق وتارة بالمعاملات الربوية والميسرية وما أشبه ذلك . الناس اليوم فى ضرورة لحماية الشريعة .
    هذه أربعة أشياء يدور حولها الإخلاص فى طلب العلم .
    قال الإمام أحمد رحمه الله : العلم لا يعدله شىء لمن صحت نيته ، قالوا : كيف يا أبا عبد الله ؟ قال ينوى رفع الجهل عن نفسه وعن غيره ، وهذا جزء من إخلاص النية .
    ثانيا : أن يعمل بعلمه ؛ لأن هذا ثمرة العلم ، وهو الآن قد أمسك بالحجة إما له أو عليه ، فليعمل ، واعلم أنك إذا عملت بالعلم زدت إيمانا وزدت أجرا وقبولا عند الناس : " والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم "
    زادهم هدى : أى علما ، وآتاهم تقواهم : أى عملا صالحا .
    كلما عملت بالعلم فرحت بالمسألة تعرفها من كتاب الله وسنة نبيه ثم عملت بها ازددت علما ، وإيمانا وقبولا عند الناس وفكاكا من الإثم . اعمل بالعلم ، أرأيت الرجل يعرف أن الغيبة حرام و من كبائر الذنوب ، ولكنه يغتاب الناس ، هل انتفع بعلمه ؟
    إذن علمه ضرر عليه .
    إذا عملت بعلمك صرت موثوقا عند الناس ، وقبل الناس منك ، وعرفوا أن دعوتك صحيحة ، وأنك تفعل ما تقول ، وهذا شىء مشاهد : لو أن رجلا حذر الناس من إسبال الثوب ، وهو مسبل ثوبه ، جاء بالأدلة والنصوص الواضحة البينة ، وقبل الناس نصوصه ، لكن هل قبولهم لها كقبولهم إياها من قبل رجل مستقيم ؟
    التطبيق العملىّ أقوى من القول باللسان .
    فى حجة الوداع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدى من صحابته أن يجعل حجه عمرة ، أو قرانه عمرة ، فراجعوه فى ذلك ، حتى قالوا قولا يستحيى من ذكره ، فلما رآهم لم تطب نفوسهم ، قال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولأحللت معكم .
    ويذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما حاصر التتار دمشق وكان فى رمضان قال للجنود : أفطروا أقوى لكم ، فتردد بعض الناس ، وسألوا بعض العلماء ، فقالوا : لا تفطروا ، لستم مرضى ولا على سفر ، فأخذ ابن تيمية خبزة وجعل يمر بين صفوف المقاتلين ويأكلها ، كل ذلك من أجل أن يطمئنهم إلى جواز الإفطار ، وما قاله صحيح ؛ لأن فيه دليل ، فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى غزوة الفتح وكانت فى رمضان أمرهم أن يفطروا ، منهم من أفطر ومنهم من لم يفطر ، فلما قربوا إلى مكة قال : " إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فأفطروا " ، فجعل السبب : التقوّى على القتال .
    المهم أنكم إذا عملتم بعلمكم صار ذلك أقوى قبولا لقولكم وأشد طمأنينة لقبوله .
    يتبع إن شاء الله
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي

    واصل بارك الله فيك .
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظــــاعنة مشاهدة المشاركة
    أرأيت لو أن رجلا مبتدعا قام فى مكتبة فيها من كل كتاب زوجان ، فيها العلوم الكثيرة ، وقام يتكلم بالبدعة ويؤكدها ويقررها وليس عنده إلا الكتب وطلاب علم مبتدئون يغترون بقوله ، هل يمكن لهذه الكتب السلفية أن تدافع ؟ لكن لو كان هناك طالب علم أمكن أن يدافع ...
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظــــاعنة مشاهدة المشاركة
    المهم أنكم إذا عملتم بعلمكم صار ذلك أقوى قبولا لقولكم وأشد طمأنينة لقبوله .


    رحم الله الشيخ محمداً، ما أطيب كلامه، وأحسن تعليمه
    جزاك الله خيراً أختنا الكريمة
    يسرني متابعتك لصفحتي على الفيسبوك
    http://www.facebook.com/profile.php?...328429&sk=wall

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    61

    افتراضي

    ننتظر البقية

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي

    آل عامر
    الحمادى
    قارىء
    أشكر لكم تعقيبكم
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي الحديث الأول

    الحديث الأول :
    "عن أمير المؤمنين أبى حفص عمر بن الخطاب ررر قال : سمعت رسول الله يقول : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "
    رواه إمام المحدثين البخارى ومسلم
    الشرح :
    الحافظ الإمام النووى رحمه الله من أصحاب الشافعى الذين تعتبر أقوالهم ومن أشد الشافعية فى الحرص على التأليف ، وألف فى فنون شتّى : فى الحديث ومتعلقاته ، وفى اللغة ، وهو فى الحقيقة من أعلم الناس ، والظاهر والله أعلم أنه من أخلص الناس فى التأليف لأن تأليفاته انتشرت فى العالم الإسلامى ، لا تكاد تجد مسجدا إلا وتجد فيه رياض الصالحين مما يدل على صحة نيته ، وهو رحمه الله مجتهد ، والمجتهد يخطىء ويصيب ، وقد أخطأ رحمه فى مسائل الأسماء والصفات ، فكان يؤول فيها ، لكنه لا ينكرها ، فمثلا " استوى على العرش " ، يقولون : استولى على العرش ، لكنهم لا ينكرون استوى ؛ لأنهم لو أنكروه لكفروا ، يصدقون به لكنهم يحرفونه ، مثل هذه المسائل إذا علمنا صدق الإمام النووى رحمه الله ، وكثرة ما انتفع الأمة بمؤلفاته فإنها تغتفر ، ولقد ضل قوم أخذوا يسبونه سبا عظيما من الخلف الخالفين ، حتى قال بعضهم يجب أن يحرق شرح النووى على صحيح مسلم . نسأل الله العافية
    والأحاديث ليست أربعين ، بل هى اثنان وأربعون ، لكن العرب يحذفون الكسر فى الأعداد .
    هذه الأربعون ينبغى لطالب العلم أن يحفظها لأنها منتخبة من أحاديث عديدة وفى أبواب متفرقة .
    شرح الحديث :
    أمير المؤمنين : أبو حفص عمر بن الخطاب ، آلت إليه الخلافة بتعيين أبى بكر الصديق رضى الله عنه له ، فهو حسنة من حسنات أبى بكر ، وتنصيبه فى الخلافة شرعى ؛ لأن الذى عينه أبو بكر ، وأبو بكر تعين بمبايعة الصحابة له فى السقيفة ، فخلافته شرعية كخلافة أبى بكر ، ولقد أحسن أبو بكر اختيارا حيث اختار عمر بن الخطاب .
    وفى قوله : سمعت ، دليل على أنه أخذه من النبى بلا واسطة ، والعجب أن هذا الحديث لم يروه عن النبى إلا عمر مع أهميته ، لكن له شواهد فى القرآن والسنة ، ففى القرآن : " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " ، هذه نية
    " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا " وهذه نية .
    وقال النبى صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص : " واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله فى فىّ امرأتك " ، قوله : " تبتغى بها وجه الله " هذه نية ، فالمهم أن معنى الحديث ثابت فى القرآن والسنة ، ولفظ الحديث انفرد به عمر رضى الله عنه ، ولكن تلقته الأمة بالقبول التام ، حتى أن البخارى رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث .
    من الناحية البلاغية :
    1- " إنما الأعمال بالنيات " : الحصر ، وهو إثبات الحكم فى المذكور ونفيه عما سواه .
    2-" فهجرته إلى ما هاجر إليه " : إخفاء نية من هاجر للدنيا ، والفائدة البلاغية : تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل ، يعنى ليس أهلا لأن يذكر ( الدنيا والمرأة )
    3- " ولكل امرىء ما نوى " أيضا مبتدأ وخبر
    4- فمن كانت " : جملة شرطية .
    فى اللغة :
    الأعمال جمع عمل ويشمل الأعمال القلبية والنطقية والجوارحية .
    القلبية : مثل التوكل والإنابة والخشية .
    النطقية : أقوال اللسان وهى الأكثر
    الجوارحية : اليدين والرجلين وما أشبه ذلك .
    النيات : جمع نية ، وهى القصد ومحلها القلب ، فهى عمل قلبى ولا تعلق للجوارح بها .
    لكل امرىء : إنسان
    ما نوى : ما نواه
    هاتان الجملتان هل هما بمعنى واحد أو مختلفتان .
    الجواب : يجب أن نعلم ان الأصل فى الكلام التأسيس دون التوكيد ، ومعنى التأسيس أن الثانية لها معنى مستقل ، والتوكيد أن الثانية بمعنى الأولى . والقاعدة أنه إذا دار الأمر بين أن يكون الكلام تأسيسا أو توكيدا أن نجعله تأسيسا .
    فالأولى باعتبار المنوى وهو العمل ، والثانية باعتبار المنوى له وهو المعمول له ، ويدل لهذا ما قدمه النبى بقوله : فمن كانت هجرته ، وعلى هذا فيبقى الكلام لا تكرار فيه .
    المقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات ، وتمييز العبادات بعضها من بعض .
    تمييز العادات مثل الرجل يأكل الطعام شهوة فقط ، والثانى يأكله امتثالا لأمر الله : " كلوا واشربوا " ، صار أكل الثانى عبادة والأول عادة .
    ثانيا : الرجل يسبح بالماء تبردا والثانى يسبح للغسل من الجنابة ، الأول عادة والثانى عبادة ، ولهذا لو كان على الرجل جنابة ثم انغمس فى البحر للتبرد ثم صلى ، لا يجزئه ذلك ، لابد من النية ، ولهذا قال بعض أهل العلم :
    عبادات أهل الغفلة عادات ، وعادات أهل اليقظة عبادات .
    يصلى الإنسان ركعتين : أحدهما ينوى بها الفريضة ، والثانية ينوى بها النافلة ، بهذا تميزت العبادتان .
    النية محلها القلب ، لا ينطق بها إطلاقا ؛ لأنك تتعبد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور لست تعمل لإنسان حتى تقول عملت هذا لك ، أنت تعمل لله عز وجل .
    والنطق بها بدعة لا سرا ولا جهرا ، خلافا لمن قال من أهل العلم أنه ينطق بها سرا ، وبعضهم قال ينطق بها جهرا وعللوا ذلك بأن يطابق اللسان القلب ، والرد عليهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ، لو كان هذا من شرعه لبينه للناس ، ويذكر أن عاميا من أهل نجد كان فى الحرم وإلى جانبه رجل لا يعرف إلا الجهر بالنية ، لما أقيمت صلاة الظهر قال الرجل : اللهم إنى نويت أن أركع أربع ركعات صلاة الظهر خلف إمام المسجد الحرام ، قال العامّى : انتظر ، باقى عليك التاريخ !!
    قد يقول قائل : قول الملبّى " لبيك اللهم عمرة وحجا " أليس هذا نطق بالنية ؟ الجواب : هذا إظهار للشعيرة ، ولهذا قال بعض العلماء : إن التلبية فى النسك كتكبيرة الإحرام فى الصلاة ، يعنى إذا لم تلبى ما انعقد إحرامك .
    ولهذا ليس من السنة أن نقول ما قاله الفقهاء رحمهم الله : اللهم إنى أريد نسك العمرة فيسرها لى ، وإن حبسنى حابس فمحلى حيث حبستنى .
    لا تقل هذا ؛ لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ، ولا دليل .
    " وإنما لكل امرىء ما نوى "
    هذه للمعمول له ، ويتفاوت الناس فيها تفاوتا عظيما ، تجد رجلين يصليان بجوار بعضهما ، بينهما كما بين المشرق والمغرب فى الثواب ؛ لأن هذا مخلص وهذا غير مخلص ، تجد شخصين يطلبان العلم أحدهما بعيد من الجنة والثانى قريب منها ، " من طلب علما وهو مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة " .
    ثم ضرب النبىّ صلى الله عليه وسلم مثلا بالمهاجر فقال : " فمن كانت هجرته "
    الهجرة : هى الترك ، والمراد بها : الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة أو المدينة .
    • رجل انتقل من مكة إلى المدينة يريد ثواب الله والوصول إليه : يريد ثواب الله ، كقوله : " يا أيها النبىّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الله ورسوله " ، يريد وجه الله ونصرة دين الله ، و" رسوله " : يريد رسول الله ليفوز بصحبته والذب عنه ونشر دينه .
    والله يقول : " من تقرب إلىّ شبرا تقربت إليه ذراعا " ، من أراد الله فإنه يكافئه بأعظم مما عمل ، وكذلك الرسول .
    بعد موت الرسول هل يمكن أن نهاجر إلى رسول الله ؟
    الجواب : أما إلى شخصه فلا ، ولذلك لا نهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول لأنه تحت الثرى ن وأما إلى سنته وشرعه فهذا وارد ، نظير هذا قوله تعالى : " فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله وإلى الرسول "
    من ذهب إلى بلد ليتعلم الحديث فهذا هجرته إلى الله ورسوله .
    ومن هاجر إلى امرأة يتزوجها ، خطبها وقالت لا أتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدى فهجرته إلى ما هاجر إليه .
    أو دنيا يصيبها : علم أن فى البلد الفلانى تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح .
    الفوائد :
    1- هذا الحديث ركن من أركان الإسلام ، وليس من الأركان الخمسة ، ولكن على الإسلام مداره ، ولهذا قال العلماء : مدار الإسلام على حديثين : هذا الحديث ، وحديث عائشة رضى الله عنها : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
    2- هذا الحديث عمدة أعمال القلوب ، فهو ميزان الأعمال الباطنة . وحديث عائشة عمدة أعمال الجوارح .
    أمثلة : رجل يعمل أعمالا صالحة لكنه يأتى ببدع كثيرة ، هذا نيته طيبة لكن عمله فاسد ، ورجل يصلى صلاة صحيحة لكنه يرائى والده ، هذا عمله جيد لكن نيته فاسدة فعمله مردود .
    3- أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض ، والعبادات عن المعاملات " إنما الأعمال بالنيات " ، مثل صلاة بعد الزوال يجب أن ينويها ظهرا ، أو رجل عليه ظهران : أمس وقبل أمس ، يجب أن يميز أحدهما عن الآخر ، ولو صلى الصلاة ولم ينو فى قلبه أىّ وقت لها فلا تجزىء ، وهذا مذهب الحنابلة ، والقول الصحيح أنها صحيحة .
    4- الحث على الإخلاص لله عز وجل ؛ لأن النبىّ قسم الناس إلى قسمين : قسم أراد الله ورسوله ، وقسم العكس ، والإخلاص جدير بالحث عليه ؛ لأنه هو الركيزة الأولى الهامة التى خلق الناس من أجلها : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .
    5- مشروعية الهجرة ( المقبولة منها ) ، والهجرة سنة مؤكدة ، وهى الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وإذا كان الإنسان فى بلد الشرك لا يستطيع أن يظهر شعائر دينه وجب عليه أن يهاجر .
    6- حسن تعليم النبىّ ، وذلك بالتنويع والتقسيم فى الكلام ( النية والهجرة ) ، وهذا من حسن التعليم .
    7- قرن الرسول مع الله بالواو ( إلى الله ورسوله ) ، مع أن رجلا قال للنبىّ صلى الله عليه وسلم : " ما شاء الله وشئت " ، قال : بل ما شاء الله وحده ، فما الفرق ؟
    أما ما يتعلق بالشريعة فبالواو ؛ لأن ما صدر عن النبىّ من الشرع كالذى صدر من الله : " من يطع الرسول فقد أطاع الله " ، وأما الأمور الكونية فلا يجوز أن يقرن مع الله أحد بالواو ؛ لأن كل شىء تحت إرادة الله ، فإذا قائل : هل ينزل المطر غدا ؟ قيل : الله ورسوله أعلم ، فهذا خطأ ، وإذا قال : هل هذا حرام أو حلال ، قيل : الله ورسوله أعلم فهذا صحيح ؛ لأن حكم الرسول فى الأمور الشرعية حكم لله .
    * أيهما أفضل : العلم أو الجهاد فى سبيل الله ؟
    العلم أفضل ؛ لأن الناس كلهم محتاجون إلى العلم ، قال الإمام أحمد : العلم لا يعدله شىء ، ولا يمكن أبدا أن يكون الجهاد فرض عين لقوله : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم " ، ولكن قد يفضل بالنسبة لبعض الأشخاص والأحوال .

    رواه إمام المحدثين إسماعيل البخارى ، و مسلم القشيرى النيسابورى ، وهما أصح الكتب المصنفة فى علم الحديث .
    والبخارى أصح من مسلم لأنه يشترط فى الرواية أن يكون الراوى قد لقى من روى عنه ، أما مسلم فيكتفى بمطلق المعاصرة وإن لم يثبت لقيّه ، وقد أنكر على من يشترط اللقاء فى أول الصحيح إنكارا عجيبا ، والصحيح عند البخارى ، لكن ذكر العلماء أن سياق مسلم أحسن من سياق البخارى ؛ لأنه يذكر الحديث ثم يذكر شواهده وتوابعه فى مكان واحد ، والبخارى يفرّق ، ففى الصناعة مسلم أفضل وفى الرواية والصحة البخارى أفضل ، قال بعض أهل العلم : " ولولا البخارى ما ذهب مسلم ولا راح " ؛ لأنه شيخه .
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي

    تنبيه :
    وددت أن أشير إلى أنى أنقل كلام الشيخ محمد بالنص كما جاء ، ولا أتصرف إلا بما يستقيم به سياق الحديث و لا يخل بالمعنى .
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    135

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    جزاكِ الله خيرا و بارك الله فيك ..
    هل هو الكتاب أم تفريغ لما في الأشرطة؟

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي

    الفارس
    هل الأحاديث مفرغة على كتاب ؟
    إن كانت كذلك فأرجو تبليغى حتى أتوقف عن التفريغ .
    جزاك الله خيرا
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظــــاعنة مشاهدة المشاركة
    الفارس
    هل الأحاديث مفرغة على كتاب ؟
    إن كانت كذلك فأرجو تبليغى حتى أتوقف عن التفريغ .
    جزاك الله خيرا

    الأشرطة مفرغة ومخرجة إخراجاً جيداً في كتاب منذ أكثر من سنتين
    وظننتك تعلمين هذا، وأنك إنما رغبت في الإفادة بنقل الكتاب على هيئة مشاركات

    يسرني متابعتك لصفحتي على الفيسبوك
    http://www.facebook.com/profile.php?...328429&sk=wall

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي

    جزاك الله خيرا ، لم أكن أعلم
    سأتوقف عن التفريغ إذاً .
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي


    وجزاك ربي خيراً

    والكتاب مطبوعٌ باسم (دار الثريا) ضمن المشروع المختص بإخراج كتب الشيخ

    يسرني متابعتك لصفحتي على الفيسبوك
    http://www.facebook.com/profile.php?...328429&sk=wall

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    135

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    جزاكِ الله خيرًا أختنا الكريمة، ولعلك تعملي على مالم يخرج من دروس الشيخ مكتوبًا، بارك الله فيك.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    49

    افتراضي

    شرح الأربعين لشيخنا مطبوع في كتاب ،وموجود على الشبكة في موقع الشيخ ـ رحمه الله ـ على هذا الرابط.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    228

    افتراضي

    الفارس
    ليتك تدلنى على ما لم يفرغ ، أحسن الله إليك

    الشيخ عمر
    جزاك الله خيرا
    إِذَا مَرَّ بى يَـوْمٌ وَلمْ أَقْتَبِـسْ هُدَىً وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْمَـاً ، فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِى !

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    142

    افتراضي رد: شرح الأربعين النووية للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

    بسم الله نور على نور , والحمد لله الذي خلق النور , وسبحان الله الذي كلم موسى على جبل الطور . اللهم لك الحمد حتى

    ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً . اللهم لك الحمد ملئ السماوات وملئ

    الأرض وملئ ما بينهما وملئ ما شئت من شيءٍ بعد , أهل الثناء والمجد ,أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد , اللهم لا مانع لما

    أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد . اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء بيدك

    الخير إنك على كل شيء قدير . اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترحم الشيخ ابن عثيمين رحمة واسعة ,

    اللهم إغفر له وأرحمه , وعافه واعف عنه , وأكرم نزله ’ ووسع له مدخله , اللهم وسع له في قبره , ومده له مد بصره .

    اللهم أسكنه في عليين, واحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا , اللهم لا تحرمنا أجره , ولا

    تحرمنا علمه .
    اللهـم صل على محمد وعلى آل محمـد
    كما صيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
    إنـك حـميـد مجـيـد,
    اللهـم بارك على محمد وعلى آل محمـد
    كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
    إنك حميد مجيد

    آمـــــــــــــ ـــــــــــــيـ ـــــــــــــــ ـــــــــــن

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    2

    افتراضي رد: شرح الأربعين النووية للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

    شكرا على الموضوع

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •