الداعية بين التأثير والتأثر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عادة ما يتأثر الإنسان بما حوله من طباع البيئة ، فتجدها غالبا في منطقه وكلامه ، وفي تصرفاته وأفعاله ، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم " من بدا جفا " أي من سكن البادية وصار يعامل الأعراب الذين لا يرون إلا الأنعام والجبال والسماء والصحراء صار مثلهم يفكر مثلهم .
يحكى أن شاعرا من البادية ذهب ليمدح أحد لملوك فقال :
أنت كالكلب في الوفاء ،وكالدلو في العطاء ................الخ وصار يشبهه بالحيوانات التي يعرفها الشاعر فما رأى غير ذلك في بيئته .( هل يحكم عليه بالعذر )
حتى هم جلساء الملك وخدمه أن يفتكوا به ،ولكن الملك أمهلهم ،وأمر له بحجرة في القصر وأن يأكل ويلبس مما يلبسه أهل الحضر ، ثم جيء به بعد فترة ، فقام يمدح الملك بما يليق من ألفاظ حسنة وعبارات جزلة ،وذلك دليل على أن الشاعر يتأثر بمحيط بيئته وكذلك الداعية ابن بيئته ،وهذه المقدمة لتتعلم أن للطباع اختلافا وللأفكار خلافا ، فلا تجتهد أن توحد الناس على قول ، فذلك ضيق أفق ، فسعة الاختلاف جاء من سعة الطباع واختلاف الأمزجة والمكان والطقس كل ذلك يؤثر على الإنسان "ولا يزالون مختلفين "
فالاختلاف في الفروع رحمة بالكلفين ،وإياك أن تألو وتخرج من بين شفتيك للناس كلمة قولا واحدا ، فهذا إجحاف لا يقوله إلا أحيمق ، فلقد كان للإمام أحمد في المسألة الواحدة وجهان وروايتان ، بل وصلت مسألة فيها خمسة أقوال ، فمن أنت كي تضيق على الناس دينها .
فتأثر بما ينفعك واعرف لكل بيئة طباعها " فالعادة محكمة " والعرف دليل من أدلة التشريع لا يستهان به .
لا تكن كالإسفنج تتشرب من كل ما حولها وتخرج كل ما تشربه إذا عصرت ،ولكن كن كالأرض الطيبة الصالحة تشرب من كل المياه ولكن لاتخرج إلا النبت الصالح .
فتأثيرك سيشيع من خلال تأثرك بالآخرين . خذ من كل المشارب " والحكمة ضالة المؤمن " إياك أن تبغض عالما من أجل أن شيخك يبغضه ، فتكره مؤمنا فتقع في مداحض الزلق وهذا الشَرَك وقع فيه كثير من الدعاة فحرموا أنفسهم من علم كثير بسبب أن شيخه بدع شيخا ، ولم يعلم أن كلام الأقران لايجرح ، تأثر بمن شئت ولكن لا تكن كالإسفنج ، خذ ما ينفعك ودع ما يشين ، فالحلال بين والحرام بين ، والأقران كما قيل : كالتيوس في الزرابي فهم ينطحون بعضهم فلا تجعل نفسك خصما لأحد المشايخ تعاديه فينتج التعصب المذموم من أجل شيخك . ولكن إن استطعت أن تقرب بينهما وتصلح وترمم الشرخ فافعل وإلا فلا تحرم نفسك من علم كثير ، وكي تستفيد أنت ، وأنت تُعلِم الناس وصرت مؤثرا ، إياك أن تقع فيما وقع فيه مشايخك من الغيرة والحسد على الأقران أو أقران مشايخهم .
وفي النهاية المقال حبيب قلب رسولك صلى الله عليه وسلم أثر وتأثر بالحب ، وحافظ على قلبك فهو محل حب الله تعالى وإياك أن يشوبه مرض من أمراض القلوب .
وللمقال بقية " كيف تؤثر " أو وسائل الوصول للقلوب "
وصل اللهم على محمد وآله وسلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عادل الغرياني