تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 9 من 22 الأولىالأولى 12345678910111213141516171819 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 161 إلى 180 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #161

    افتراضي

    ( 85 )

    من سورة الأنعام

    { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ

    وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ

    سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ *

    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

    أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ

    وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *

    ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

    خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ

    وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ *

    لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ

    وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *

    قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ
    فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا

    وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

    { 100 - 104 }

    يخبر تعالى: أنه مع إحسانه لعباده وتعرفه إليهم،

    بآياته البينات، وحججه الواضحات

    -أن المشركين به، من قريش وغيرهم،

    جعلوا له شركاء، يدعونهم، ويعبدونهم،

    من الجن والملائكة، الذين هم خلق من خلق الله،

    ليس فيهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء،

    فجعلوها شركاء لمن له الخلق والأمر،

    وهو المنعم بسائر أصناف النعم، الدافع لجميع النقم،

    وكذلك "خرق المشركون" أي: ائتفكوا، وافتروا من تلقاء أنفسهم لله،

    بنين وبنات بغير علم منهم،

    ومن أظلم ممن قال على الله بلا علم،

    وافترى عليه أشنع النقص، الذي يجب تنزيه الله عنه؟!!.

    ولهذا نزه نفسه عما افتراه عليه المشركون فقال:


    { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ }

    فإنه تعالى، الموصوف بكل كمال،

    المنزه عن كل نقص، وآفة وعيب.


    { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

    أي: خالقهما، ومتقن صنعتهما، على غير مثال سبق،

    بأحسن خلق، ونظام وبهاء،

    لا تقترح عقول أولي الألباب مثله، وليس له في خلقهما مشارك.


    { أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ }

    أي: كيف يكون لله الولد، وهو الإله السيد الصمد،

    الذي لا صاحبة له أي: لا زوجة له،

    وهو الغني عن مخلوقاته، وكلها فقيرة إليه،

    مضطرة في جميع أحوالها إليه،

    والولد لا بد أن يكون من جنس والده؛

    والله خالق كل شيء

    وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه.


    ولما ذكر عموم خلقه للأشياء، ذكر إحاطة علمه بها فقال:

    { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

    وفي ذكر العلم بعد الخلق، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه،

    وهو هذه المخلوقات، وما اشتملت عليه من النظام التام، والخلق الباهر،

    فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق، وكمال حكمته،


    كما قال تعالى:

    { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }

    وكما قال تعالى:

    { وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }

    الحمد لله رب العالمين

  2. #162

    افتراضي

    ذلكم الذي خلق ما خلق، وقدر ما قدر.

    { اللَّهُ رَبُّكُمْ }أي: المألوه المعبود،

    الذي يستحق نهاية الذل، ونهاية الحب، الرب،

    الذي ربى جميع الخلق بالنعم،

    وصرف عنهم صنوف النقم.

    { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ }

    أي: إذا استقر وثبت، أنه الله الذي لا إله إلا هو،

    فاصرفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله،

    واقصدوا بها وجهه. فإن هذا هو المقصود من الخلق،

    الذي خلقوا لأجله

    { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

    { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }

    أي: جميع الأشياء، تحت وكالة الله وتدبيره،

    خلقا، وتدبيرا، وتصريفا.


    ومن المعلوم أن الأمر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه، وكمال انتظامه،

    بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الأشياء،

    ليست من جنس وكالة الخلق،

    فإن وكالتهم وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله.

    وأما الباري، تبارك وتعالى، فوكالته من نفسه لنفسه،

    متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل،

    فلا يمكن لأحد أن يستدرك على الله،

    ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا،

    ولا في تدبيره نقصا وعيبا.

    ومن وكالته: أنه تعالى توكل ببيان دينه،

    وحفظه عن المزيلات والمغيرات،

    وأنه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم.

    { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } لعظمته، وجلاله وكماله،

    أي: لا تحيط به الأبصار، وإن كانت تراه،

    وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم،

    فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية، بل يثبتها بالمفهوم.

    فإنه إذا نفى الإدراك، الذي هو أخص أوصاف الرؤية،

    دل على أن الرؤية ثابتة.


    فإنه لو أراد نفي الرؤية، لقال "لا تراه الأبصار" ونحو ذلك،

    فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة،

    الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة،

    بل فيها ما يدل على نقيض قولهم.

    { وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }

    أي: هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن،

    وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة، والخفية،

    وبصره بجميع المبصرات، صغارها، وكبارها،


    ولهذا قال: { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }

    الذي لطف علمه وخبرته،

    ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن.

    ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه،

    ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها،

    ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي،

    من حيث لا يحتسب،

    حتى أنه يقدر عليه الأمور التي يكرهها العبد، ويتألم منها،

    ويدعو الله أن يزيلها،

    لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها،

    فسبحان اللطيف لما يشاء،
    الرحيم بالمؤمنين.


    { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ

    وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

    لما بين تعالى من الآيات البينات، والأدلة الواضحات،

    الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد، نبه العباد عليها،

    وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم،

    فقال: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ }

    أي: آيات تبين الحق، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار،

    لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ، وبيانه، ووضوحه،

    ومطابقته للمعاني الجليلة، والحقائق الجميلة،

    لأنها صادرة من الرب، الذي ربى خلقه، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة،

    التي من أفضلها وأجلها، تبيين الآيات، وتوضيح المشكلات.


    { فَمَنْ أَبْصَرَ } بتلك الآيات، مواقع العبرة، وعمل بمقتضاها

    { فَلِنَفْسِهِ } فإن الله هو الغني الحميد.

    { وَمَنْ عَمِيَ } بأن بُصِّر فلم يتبصر، وزُجِر فلم ينزجر،

    وبين له الحق، فما انقاد له ولا تواضع،

    فإنما عماه مضرته عليه.


    { وَمَا أَنَا } أي الرسول

    { عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام

    إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته،

    وبلغت ما أنزل الله إليَّ، فهذه وظيفتي،

    وما عدا ذلك فلست موظفا فيه

    الحمد لله رب العالمين

  3. #163

    افتراضي

    ( 86 )

    من سورة الأنعام

    { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا

    وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا

    وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ

    فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ *

    وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا

    لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

    { 114 ، 115 }


    أي: قل يا أيها الرسول

    { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا }

    أحاكم إليه، وأتقيد بأوامره ونواهيه.

    فإن غير الله محكوم عليه لا حاكم.

    وكل تدبير وحكم للمخلوق

    فإنه مشتمل على النقص، والعيب، والجور،

    وإنما الذي يجب أن يتخذ حاكما،

    فهو الله وحده لا شريك له،

    الذي له الخلق والأمر.


    { الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا }

    أي: موضَّحا فيه الحلال والحرام، والأحكام الشرعية،

    وأصول الدين وفروعه، الذي لا بيان فوق بيانه،

    ولا برهان أجلى من برهانه، ولا أحسن منه حكما ولا أقوم قيلا،

    لأن أحكامه مشتملة على الحكمة والرحمة.


    وأهل الكتب السابقة، من اليهود والنصارى، يعترفون بذلك

    { ويَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ }


    ولهذا، تواطأت الإخبارات { فَلَا } تشُكَّنَّ في ذلك

    ولا { تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }


    ثم وصف تفصيلها فقال:

    { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا }


    أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأمر والنهي.

    فلا أصدق من أخبار الله التي أودعها هذا الكتاب العزيز،

    ولا أعدل من أوامره ونواهيه


    { لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ }

    [حيث حفظها وأحكمها بأعلى أنواع الصدق،

    وبغاية الحق، فلا يمكن تغييرها،

    ولا اقتراح أحسن منها]


    { وَهُوَ السَّمِيعُ }

    لسائر الأصوات، باختلاف اللغات على تفنن الحاجات.


    { الْعَلِيمُ }

    الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن،

    والماضي والمستقبل.
    الحمد لله رب العالمين

  4. #164

    افتراضي

    ( 87 )

    من سورة الأنعام

    { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ

    وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ

    وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

    { 121 }

    ويدخل تحت هذا المنهي عنه،

    ما ذكر عليه اسم غير الله كالذي يذبح للأصنام، وآلهتهم،

    فإن هذا مما أهل لغير الله به، المحرم بالنص عليه خصوصا.

    ويدخل في ذلك، متروك التسمية، مما ذبح لله،

    كالضحايا، والهدايا، أو للحم والأكل،

    إذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية، عند كثير من العلماء.


    ويخرج من هذا العموم، الناسي بالنصوص الأخر،

    الدالة على رفع الحرج عنه،

    ويدخل في هذه الآية، ما مات بغير ذكاة من الميتات،

    فإنها مما لم يذكر اسم الله عليه.


    ونص الله عليها بخصوصها، في قوله:

    { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } ولعلها سبب نزول الآية،

    لقوله { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ } بغير علم.

    فإن المشركين -حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتةَ، وتحليله للمذكاة،

    وكانوا يستحلون أكل الميتة- قالوا -معاندة لله ورسوله،

    ومجادلة بغير حجة ولا برهان-

    أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله؟

    يعنون بذلك: الميتة.

    وهذا رأي فاسد، لا يستند على حجة ولا دليل

    بل يستند إلى آرائهم الفاسدة

    التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والأرض، ومن فيهن.

    فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله وأحكامه،


    الموافقة للمصالح العامة والمنافع الخاصة.


    ولا يستغرب هذا منهم، فإن هذه الآراء وأشباهها،
    صادرة عن وحي أوليائهم من الشياطين،
    الذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم،

    ويدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير.


    { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ }
    في شركهم وتحليلهم الحرام، وتحريمهم الحلال
    { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

    لأنكم اتخذتموهم أولياء من دون الله،

    ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين،
    فلذلك كان طريقكم، طريقهم.


    ودلت هذه الآية الكريمة

    على أن ما يقع في القلوب
    من الإلهامات والكشوف،

    التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم،

    لا تدل –بمجردها على أنها حق،

    ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله.

    فإن شهدا لها بالقبول قبلت،

    وإن ناقضتهما ردت،

    وإن لم يعلم شيء من ذلك،

    توقف فيها ولم تصدق ولم تكذب،



    لأن الوحي والإلهام، يكون [من] الرحمن

    ويكون من الشيطان،

    فلا بد من التمييز بينهما والفرقان،

    وبعدم التفريق بين الأمرين،

    حصل من الغلط والضلال، ما لا يحصيه إلا الله.


    الحمد لله رب العالمين

  5. #165

    افتراضي

    ( 88 )

    من سورة الأنعام


    { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا
    يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ
    وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ
    رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ
    وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا



    قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا
    إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
    إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }


    { 128 }



    يقول تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } أي: جميع الثقلين،

    من الإنس والجن، من ضل منهم، ومن أضل غيره،

    فيقول موبخا للجن الذين أضلوا الإنس،

    وزينوا لهم الشر، وأزُّوهم إلى المعاصي:

    { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ }

    أي: من إضلالهم، وصدهم عن سبيل الله،

    فكيف أقدمتم على محارمي،

    وتجرأتم على معاندة رسلي؟


    وقمتم محاربين لله، ساعين في صد عباد الله

    عن سبيله إلى سبيل الجحيم؟


    فاليوم حقت عليكم لعنتي،ووجبت لكم نقمتي


    وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم، وإضلالكم لغيركم.

    وليس لكم عذر به تعتذرون،
    ولا ملجأ إليه تلجأون،


    ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع،


    فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال،

    والخزي والوبال،
    ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا،


    وأما أولياؤهم من الإنس، فأبدوا عذرا غير مقبول فقالوا:

    { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }

    أي: تمتع كل من الجِنّي والإنسي بصاحبه، وانتفع به.


    فالجنّي يستمتع بطاعة الإنسي له وعبادته،

    وتعظيمه، واستعاذته به.


    والإنسي يستمتع بنيل أغراضه،

    وبلوغه بسبب خدمة الجِنّي له بعض شهواته،


    فإن الإنسي يعبد الجِنّي، فيخدمه الجِنّي،


    ويحصل له منه بعض الحوائج الدنيوية،


    أي: حصل منا من الذنوب ما حصل،

    ولا يمكن رد ذلك،


    { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا }

    أي: وقد وصلنا المحل الذي نجازي فيه بالأعمال،

    فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريد،

    فقد انقطعت حجتنا ولم يبق لنا عذر،

    والأمر أمرك، والحكم حكمك.

    وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق،

    ولكن في غير أوانه.


    ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جور فيه،

    فقال: { النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا }

    ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه،

    ختم الآية بقوله:

    { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

    فكما أن علمه وسع الأشياء كلها وعمّها،

    فحكمته الغائية شملت الأشياء وعمتها ووسعتها.


    الحمد لله رب العالمين

  6. #166

    افتراضي

    ( 89 )

    من سورة الأنعام



    { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا

    لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا

    وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ

    كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا

    قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا

    إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ *

    قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ

    فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

    { 148 ، 149 }


    هذا إخبار من الله أن المشركين

    سيحتجون على شركهم وتحريمهم ما أحل الله، بالقضاء والقدر،

    ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر

    حجة لهم في دفع اللوم عنهم.


    وقد قالوا ما أخبر الله أنهم سيقولونه،

    كما قال في الآية الأخرى:

    { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
    لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } الآية.


    فأخبر تعالى أن هذة الحجة،


    لم تزل الأمم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل،

    ويحتجون بها،

    فلم تجد فيهم شيئا ولم تنفعهم،

    فلم يزل هذا دأبهم حتى أهكلهم الله، وأذاقهم بأسه.


    فلو كانت حجة صحيحة، لدفعت عنهم العقاب،

    ولما أحل الله بهم العذاب،

    لأنه لا يحل بأسه إلا بمن استحقه،


    فعلم أنها حجة فاسدة، وشبهة كاسدة، من عدة أوجه:

    منها:


    ما ذكر الله من أنها لو كانت صحيحة،

    لم تحل بهم العقوبة.


    ومنها:

    أن الحجة، لا بد أن تكون حجة مستندة إلى العلم والبرهان،


    فأما إذا كانت مستندة إلى مجرد الظن والخرص،

    الذي لا يغني من الحق شيئا، فإنها باطلة،


    ولهذا قال:

    { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا }

    فلو كان لهم علم - وهم خصوم ألداء- لأخرجوه،

    فلما لم يخرجوه علم أنه لا علم عندهم.


    { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ }

    ومَنْ بنى حججه على الخرص والظن،

    فهو مبطل خاسر،


    فكيف إذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟


    ومنها:

    أن الحجة لله البالغة، التي لم تبق لأحد عذرا،

    التي اتفقت عليها الأنبياء والمرسلون،

    والكتب الإلهية، والآثار النبوية،

    والعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، والأخلاق القويمة،

    فعلم بذلك أن كل ما خالف هذه الأدلة القاطعة باطل،

    لأن نقيض الحق، لا يكون إلا باطلا.


    ومنها:

    أن الله تعالى أعطى كل مخلوق، قدرة، وإرادة،

    يتمكن بها من فعل ما كلف به،

    فلا أوجب الله على أحد ما لا يقدر على فعله،
    ولا حرم على أحد ما لا يتمكن من تركه،

    فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر،

    ظلم محض وعناد صرف.


    ومنها:


    أن الله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم،

    بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم،

    فإن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا كفوا.


    وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من كابر،وأنكر المحسوسات،


    فإن كل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية،


    وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله،


    ومندرجا تحت إرادته.


    ومنها:

    أن المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك.
    فإنهم لا يمكنهم أن يطردوا ذلك،


    بل لو أساء إليهم مسيء بضرب أو أخذ مال أو نحو ذلك،


    واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج،


    ولغضبوا من ذلك أشد الغضب.


    فيا عجبا كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه.


    ولا يرضون من أحد أن يحتج به في مقابلة مساخطهم؟"


    ومنها:


    أن احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصودا،

    ويعلمون أنه ليس بحجة، وإنما المقصود منه دفع الحق،

    ويرون أن الحق بمنزلة الصائل،


    فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام

    وإن كانوا يعتقدونه خطأ

    الحمد لله رب العالمين

  7. #167

    افتراضي

    ( 90 )


    من سورة الأنعام


    { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ

    أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .....}

    { 151 }


    يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:

    { قُلْ } لهؤلاء الذين حرموا ما أحل الله.

    { تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } تحريما عاما شاملا لكل أحد،

    محتويا على سائر المحرمات، من المآكل والمشارب والأقوال والأفعال.


    { أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }

    أي: لا قليلاً ولا كثيراً.


    وحقيقة الشرك بالله:

    أن يعبد المخلوق كما يعبد الله،
    أو يعظم كما يعظم الله،
    أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية،

    وإذا ترك العبد الشرك كله صار موحداً،
    مخلصاً لله في جميع أحواله،

    فهذا حق الله على عباده،

    أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
    الحمد لله رب العالمين

  8. #168

    افتراضي

    ( 91 )

    من سورة الأنعام

    { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ
    يَأْتِيَ رَبُّكَ

    أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ

    يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ

    لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ

    أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا

    قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ }

    { 158 }

    يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الذين استمر ظلمهم وعنادهم،

    { إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ } مقدمات العذاب، ومقدمات الآخرة بأن تأتيهم

    { الْمَلَائِكَةِ } لقبض أرواحهم، فإنهم إذا وصلوا إلى تلك الحال،

    لم ينفعهم الإيمان ولا صالح الأعمال.

    { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } لفصل القضاء بين العباد،

    ومجازاة المحسنين والمسيئين.

    { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } الدالة على قرب الساعة.

    { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } الخارقة للعادة،

    التي يعلم بها أن الساعة قد دنت،


    وأن القيامة قد اقتربت.

    { لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ

    أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا }

    أي: إذا وجد بعض آيات الله لم ينفع الكافر إيمانه أن آمن،

    ولا المؤمنَ المقصر أن يزداد خيرُه بعد ذلك،

    بل ينفعه ما كان معه من الإيمان قبل ذلك،

    وما كان له من الخير المرجوِّ قبل أن يأتي بعض الآيات.

    والحكمة في هذا ظاهرة،

    فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيمانا بالغيب،

    وكان اختيارا من العبد،

    فأما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة،

    ولم يبق للإيمان فائدة، لأنه يشبه الإيمان الضروري،

    كإيمان الغريق والحريق ونحوهما،

    ممن إذا رأى الموت، أقلع عما هو فيه

    كما قال تعالى:

    {
    فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ

    وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ

    فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا

    سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ
    }




    وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم

    أن المراد ببعض آيات الله، طلوع الشمس من مغربها،

    وأن الناس إذا رأوها، آمنوا، فلم ينفعهم إيمانهم،

    ويُغلق حينئذ بابُ التوبة.

    ولما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم، منتظرا،

    وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه

    قوارع الدهر ومصائب الأمور،

    قال:

    { قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ }

    فستعلمون أينا أحق بالأمن.

    وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة والجماعة

    في إثبات الأفعال الاختيارية لله تعالى،

    كالاستواء والنـزول، والإتيان لله تبارك وتعالى،

    من غير تشبيه له بصفات المخلوقين.

    وفي الكتاب والسنة من هذا شيء كثير،

    وفيه أن من جملة أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها.

    وأن الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسنته،

    أن الإيمان إنما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا، كما تقدم.

    وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه.

    فالطاعة والبر والتقوى إنما تنفع وتنمو

    إذا كان مع العبد الإيمان.

    فإذا خلا القلب من الإيمان

    لم ينفعه شيء من ذلك.


    الحمد لله رب العالمين

  9. #169

    افتراضي

    ( 92 )

    من سورة الأنعام

    { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

    دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا

    وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *

    قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي

    لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ

    وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *

    قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا

    وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ

    وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا

    وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى

    ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ

    فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

    { 161 - 164 }


    يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم،

    أن يقول ويعلن بما هو عليه

    من الهداية إلى الصراط المستقيم:

    الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة،

    والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح،

    الذي عليه الأنبياء والمرسلون،


    خصوصا إمام الحنفاء،

    ووالد من بعث من بعد موته من الأنبياء،

    خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام،



    وهو الدين الحنيف المائل عن كل دين غير مستقيم،

    من أديان أهل الانحراف، كاليهود والنصارى والمشركين.


    وهذا عموم،

    ثم خصص من ذلك أشرف العبادات فقال:


    { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } أي: ذبحي،

    وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما،

    ودلالتهما على محبة الله تعالى،

    وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان، والجوارح

    وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال،

    لما هو أحب إليها وهو الله تعالى.


    ومن أخلص في صلاته ونسكه،

    استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله.


    وقوله: { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي } أي:

    ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله عليَّ،

    وما يقدر عليَّ في مماتي،


    الجميع { لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ } في العبادة،

    كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير،

    وليس هذا الإخلاص لله ابتداعا مني،

    وبدعا أتيته من تلقاء نفسي،


    بل { بِذَلِكَ أُمِرْتُ } أمرا حتما، لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله

    { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } من هذه الأمة.


    { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ } من المخلوقين

    { أَبْغِي رَبًّا } أي: يحسن ذلك ويليق بي،

    أن أتخذ غيره، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء،

    فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته، منقادون لأمره؟".

    فتعين علي وعلى غيري،

    أن يتخذ الله ربا، ويرضى به،

    وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين.


    ثم رغب ورهب بذكر الجزاء فقال:

    { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشر

    { إِلَّا عَلَيْهَا }


    كما قال تعالى:

    { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }


    { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } بل كل عليه وزر نفسه،

    وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره،

    فإن عليه وزر التسبب

    من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء.


    { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ } يوم القيامة

    { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من خير وشر،

    ويجازيكم على ذلك، أوفى الجزاء.
    الحمد لله رب العالمين

  10. #170

    افتراضي

    ( 93 )


    من سورة الأعراف


    { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ

    وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

    قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
    { 3 }


    خاطب اللّه العباد، وألفتهم إلى الكتاب فقال:

    { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ }

    أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم،


    وهو: { مِنْ رَبِّكُمْ }

    الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل عليكم هذا الكتاب

    الذي إن اتبعتموه، كملت تربيتكم، وتمت عليكم النعمة،

    وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها


    { وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }

    أي: تتولونهم، وتتبعون أهواءهم،

    وتتركون لأجلها الحق.


    { قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }

    فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة،

    لما آثرتم الضار على النافع، والعدو على الوليِّ.


    الحمد لله رب العالمين

  11. #171

    افتراضي

    ( 94 )


    من سورة الأعراف


    { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا

    وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ

    أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *

    قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

    وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

    كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ *

    فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ

    إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }

    { 28 -30 }


    يقول تعالى مبينا لقبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب،

    وينسبون أن الله أمرهم بها.


    { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً }

    وهي: كل ما يستفحش ويستقبح، ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة

    { قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا } وصدقوا في هذا.

    { وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } وكذبوا في هذا،

    ولهذا رد اللّه عليهم هذه النسبة فقال:

    { قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ }

    أي: لا يليق بكماله وحكمته أن يأمر عباده بتعاطي الفواحش

    لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره

    { أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وأي: افتراء أعظم من هذا"


    ثم ذكر ما يأمر به، فقال: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }

    أي: بالعدل في العبادات والمعاملات، لا بالظلم والجور.

    { وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }

    أي: توجهوا للّه، واجتهدوا في تكميل العبادات،

    خصوصا { الصلاة } أقيموها، ظاهرا وباطنا،

    ونقوها من كل نقص ومفسد.


    { وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }

    أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له.

    والدعاء يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة،

    أي: لا تراءوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم

    سوى عبودية اللّه ورضاه.


    { كَمَا بَدَأَكُمْ } أول مرة { تَعُودُونَ } للبعث،

    فالقادر على بدء خلقكم، قادر على إعادته،

    بل الإعادة، أهون من البداءة.


    { فَرِيقًا } منكم { هَدَى } اللّه،

    أي: وفقهم للهداية، ويسر لهم أسبابها، وصرف عنهم موانعها.


    { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ } أي: وجبت عليهم الضلالة

    بما تسببوا لأنفسهم وعملوا بأسباب الغواية.


    فـ { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }

    { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ

    فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً }


    فحين انسلخوا من ولاية الرحمن،

    واستحبوا ولاية الشيطان،

    حصل لهم النصيب الوافر من الخذلان،

    ووكلوا إلى أنفسهم فخسروا أشد الخسران.


    { وَهم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }

    لأنهم انقلبت عليهم الحقائق، فظنوا الباطل حقا والحق باطلا،


    وفي هذه الآيات

    دليل على أن الأوامر والنواهي تابعة للحكمة والمصلحة،

    حيث ذكر تعالى أنه لا يتصور أن يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول،

    وأنه لا يأمر إلا بالعدل والإخلاص،


    وفيه دليل

    على أن الهداية بفضل اللّه ومَنِّه،

    وأن الضلالة بخذلانه للعبد،

    إذا تولى - بجهله وظلمه - الشيطانَ، وتسبب لنفسه بالضلال،

    وأن من حسب أنه مهتدٍ وهو ضالٌّ، أنه لا عذر له،

    لأنه متمكن من الهدى،

    وإنما أتاه حسبانه من ظلمه

    بترك الطريق الموصل إلى الهدى.


    الحمد لله رب العالمين

  12. #172

    افتراضي

    ( 95 )


    من سورة الأعراف


    { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

    وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ

    وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا

    وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

    { 33 }


    ذكر المحرمات التي حرمها اللّه في كل شريعة من الشرائع فقال:

    { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ }

    أي: الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها،

    وذلك كالزنا واللواط ونحوهما.


    وقوله: { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }

    أي: الفواحش التي تتعلق بحركات البدن،

    والتي تتعلق بحركات القلوب،

    كالكبر والعجب والرياء والنفاق، ونحو ذلك،


    { وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ }

    أي: الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق اللّه،

    والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم،

    فدخل في هذا الذنوبُ المتعلقةُ بحق اللّه،

    والمتعلقةُ بحق العباد.


    { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا }

    أي: حجة،

    بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد.

    والشركُ هو أن يشرك مع اللّه في عبادته أحد من الخلق،

    وربما دخل في هذا الشرك الأصغر

    كالرياء والحلف بغير اللّه، ونحو ذلك.


    { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

    في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه،

    فكل هذه قد حرمها اللّه، ونهى العباد عن تعاطيها،

    لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة،

    ولما فيها من الظلم والتجري على اللّه،

    والاستطالة على عباد اللّه، وتغيير دين اللّه وشرعه.

    الحمد لله رب العالمين

  13. #173

    افتراضي

    ( 96 )


    من سورة الأعراف


    { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ

    أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ

    حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ

    قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا

    وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ }

    { 37 }


    أي: لا أحد أظلم { مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ْ}

    بنسبة الشريك له، أو النقص له، أو التقول عليه ما لم يقل،


    { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ْ} الواضحة المبينة للحق المبين،

    الهادية إلى الصراط المستقيم،

    فهؤلاء وإن تمتعوا بالدنيا،

    ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ،

    فليس ذلك بمغن عنهم شيئا،

    يتمتعون قليلا، ثم يعذبون طويلا،


    { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ ْ}

    أي: الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم واستيفاء آجالهم.


    { قَالُوا ْ} لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا

    { أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ}
    من الأصنام والأوثان،

    فقد جاء وقت الحاجة

    إن كان فيها منفعة لكم أو دفع مضرة.


    { قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ْ} أي: اضمحلوا وبطلوا،

    وليسوا مغنين عنا من عذاب اللّه من شيء.


    { وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ْ}

    مستحقين للعذاب المهين الدائم.
    الحمد لله رب العالمين

  14. #174

    افتراضي

    ( 97 )


    من سورة الأعراف


    { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا

    لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

    حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ

    وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ *

    لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ

    وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }

    { 40 - 41 ْ}


    يخبر تعالى عن عقاب من كذب بآياته فلم يؤمن بها،

    مع أنها آيات بينات، واستكبر عنها فلم يَنْقَد لأحكامها، بل كذب وتولى،

    أنهم آيسون من كل خير،

    فلا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا

    وصعدت تريد العروج إلى اللّه، فتستأذن فلا يؤذن لها،

    كما لم تصعد في الدنيا إلى الإيمان باللّه ومعرفته ومحبته

    كذلك لا تصعد بعد الموت،

    فإن الجزاء من جنس العمل.



    ومفهوم الآية أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر اللّه المصدقين بآياته،

    تفتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى اللّه،

    وتصل إلى حيث أراد اللّه من العالم العلوي،

    وتبتهج بالقرب من ربها والحظوة برضوانه.


    وقوله عن أهل النار

    { وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ } وهو البعير المعروف

    { فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }

    أي: حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما،

    في خرق الإبرة، الذي هو من أضيق الأشياء،


    وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال،

    أي: فكما أنه محال دخول الجمل في سم الخياط،

    فكذلك المكذبون بآيات اللّه محال دخولهم الجنة،


    قال تعالى:

    { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ

    فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }


    وقال هنا { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }

    أي: الذين كثر إجرامهم واشتد طغيانهم.


    { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ } أي: فراش من تحتهم

    { وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } أي: ظلل من العذاب، تغشاهم.


    { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } لأنفسهم،

    جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.
    الحمد لله رب العالمين

  15. #175

    افتراضي

    ( 98 )


    من سورة الأعراف


    { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ

    الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

    ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

    يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا

    وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ

    أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

    تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }

    { 54 }


    يقول تعالى مبينا أنه الرب المعبود وحده لا شريك له:

    { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ }

    وما فيهما على عظمهما وسعتهما، وإحكامهما،

    وإتقانهما، وبديع خلقهما.


    { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة،

    فلما قضاهما وأودع فيهما من أمره ما أودع


    { اسْتَوَى } تبارك وتعالى

    { عَلَى الْعَرْشِ } العظيم الذي يسع السماوات والأرض

    وما فيهما وما بينهما،

    استوى استواء يليق بجلاله وعظمته وسلطانه،

    فاستوى على العرش، واحتوى على الملك، ودبر الممالك،

    وأجرى عليهم أحكامه الكونية، وأحكامه الدينية،


    ولهذا قال: { يُغْشِي اللَّيْلَ } المظلم { النَّهَارَ } المضيء،

    فيظلم ما على وجه الأرض، ويسكن الآدميون،

    وتأوى المخلوقات إلى مساكنها، ويستريحون من التعب،

    والذهاب والإياب الذي حصل لهم في النهار.


    { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا }

    كلما جاء الليل ذهب النهار، وكلما جاء النهار ذهب الليل،

    وهكذا أبدا على الدوام، حتى يطوي اللّه هذا العالم،

    وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار.


    { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ }

    أي: بتسخيره وتدبيره، الدال على ما له من أوصاف الكمال،

    فخلْقُها وعظَمُها دالٌّ على كمال قدرته،

    وما فيها من الإحكام والانتظام والإتقان دال على كمال حكمته،

    وما فيها من المنافع والمصالح الضرورية وما دونها

    دال على سعة رحمته وذلك دال على سعة علمه،

    وأنه الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له.



    { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }

    أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها،

    أعيانها وأوصافها وأفعالها

    والأمر المتضمن للشرائع والنبوات،


    فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية،

    والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية،

    وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء،


    { تَبَارَكَ اللَّهُ } أي: عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه،

    فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها،

    وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير،

    فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته،


    ولهذا قال: { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }


    الحمد لله رب العالمين

  16. #176

    افتراضي

    ( 99 )


    من سورة الأعراف



    ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الألباب

    على أنه وحده، المعبود المقصود في الحوائج كلها

    أمر بما يترتب على ذلك، فقال:


    { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً

    إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

    وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا

    وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً

    إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }

    { 55 - 56}


    الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة،

    فأمر بدعائه { تَضَرُّعًا } أي: إلحاحا في المسألة، ودُءُوبا في العبادة،

    { وَخُفْيَةً } أي: لا جهرا وعلانية، يخاف منه الرياء،

    بل خفية وإخلاصا للّه تعالى.


    { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } أي: المتجاوزين للحد في كل الأمور،


    ومن الاعتداء كون العبد يسأل اللّه مسائل لا تصلح له،

    أو يتنطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء،

    فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه.


    { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } بعمل المعاصي

    { بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } بالطاعات،

    فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق،


    كما قال تعالى:

    { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ }


    كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق،

    وأحوال الدنيا والآخرة.



    { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا }

    أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه،

    طمعا في قبولها، وخوفا من ردها،

    لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه،

    ونزل نفسه فوق منزلته،

    أو دعاء من هو غافل لاَهٍ.



    وحاصل ما ذكر اللّه من آداب الدعاء:


    الإخلاص فيه للّه وحده،

    لأن ذلك يتضمنه الخفية، وإخفاؤه وإسراره،

    وأن يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا،

    ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة،


    وهذا من إحسان الدعاء،

    فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها،

    وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه،



    ولهذا قال: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }


    في عبادة اللّه،

    المحسنين إلى عباد اللّه،

    فكلما كان العبد أكثر إحسانا،

    كان أقرب إلى رحمة ربه،

    وكان ربه قريبا منه برحمته،

    وفي هذا من الحث على الإحسان ما لا يخفى.
    الحمد لله رب العالمين

  17. #177

    افتراضي

    ( 100 )


    من سورة الأعراف


    { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ

    فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ

    إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.

    { 59 }


    لما ذكر تعالى من أدلة توحيده جملة صالحة،

    أيد ذلك بذكر ما جرى للأنبياء الداعين إلى توحيده

    مع أممهم المنكرين لذلك،

    وكيف أيد اللّه أهل التوحيد،

    وأهلك من عاندهم ولم يَنْقَدْ لهم،

    وكيف اتفقت دعوة المرسلين على دين واحد ومعتقد واحد،



    فقال عن نوح - أول المرسلين -:

    { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ }

    يدعوهم إلى عبادة اللّه وحده، حين كانوا يعبدون الأوثان


    { فَقَالَ } لهم: { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } أي: وحده



    { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }

    لأنه الخالق الرازق المدبِّر لجميع الأمور،

    وما سواه مخلوق مدبَّر، ليس له من الأمر شيء،


    ثم خوفهم إن لم يطيعوه عذاب اللّه، فقال:

    { إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

    وهذا من نصحه عليه الصلاة والسلام وشفقته عليهم،

    حيث خاف عليهم العذاب الأبدي، والشقاء السرمدي،

    كإخوانه من المرسلين الذين يشفقون على الخلق

    أعظم من شفقة آبائهم وأمهاتهم،



    فلما قال لهم هذه المقالة، ردوا عليه أقبح رد.


    { قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ } أي: الرؤساء الأغنياء المتبوعون

    الذين قد جرت العادة باستكبارهم على الحق، وعدم انقيادهم للرسل،


    { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

    فلم يكفهم - قبحهم اللّه - أنهم لم ينقادوا له،

    بل استكبروا عن الانقياد له، وقدحوا فيه أعظم قدح،

    ونسبوه إلى الضلال،

    ولم يكتفوا بمجرد الضلال حتى جعلوه ضلالا مبينا واضحا لكل أحد.


    وهذا من أعظم أنواع المكابرة،

    التي لا تروج على أضعف الناس عقلا،


    وإنما هذا الوصف منطبق على قوم نوح،



    الذين جاءوا إلى أصنام قد صوروها ونحتوها بأيديهم،

    من الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر،

    ولا تغني عنهم شيئا،

    فنـزلوها منـزلة فاطر السماوات،

    وصرفوا لها ما أمكنهم من أنواع القربات،

    فلولا أن لهم أذهانا تقوم بها حجة اللّه عليهم

    لحكم عليهم بأن المجانين أهدى منهم،

    بل هم أهدى منهم وأعقل


    الحمد لله رب العالمين

  18. #178

    افتراضي

    ( 101 )


    من سورة الأعراف



    { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا

    قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ }

    { 65 }


    وقوله تعالى :

    { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ

    وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا

    فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *

    قال قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ

    أَتُجَادِلُونَن ِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ

    مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ

    فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ }

    { 70 ، 71 }


    أي: { و } أرسلنا { إِلَى عَادٍ } الأولى، الذين كانوا في أرض اليمن

    { أَخَاهُمْ } في النسب

    { هُودًا } عليه السلام،

    يدعوهم إلى التوحيد

    وينهاهم عن الشرك والطغيان في الأرض.


    فـ { قَالَ } لهم:

    { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ }

    سخطه وعذابه، إن أقمتم على ما أنتم عليه،

    فلم يستجيبوا ولا انقادوا.



    { قَالُوا } متعجبين من دعوته، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه:

    { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا }

    قبحهم اللّه،

    جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور،

    من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم،

    فقدموا ما عليه الآباء الضالون

    من الشرك وعبادة الأصنام،


    على ما دعت إليه الرسل

    من توحيد اللّه وحده لا شريك له،


    وكذبوا نبيهم، وقالوا:

    { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }

    وهذا استفتاح منهم على أنفسهم.



    فقَالَ لهم هود عليه السلام:

    { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ }

    أي: لا بد من وقوعه، فإنه قد انعقدت أسبابه، وحان وقت الهلاك.


    { أَتُجَادِلُونَن ِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ }

    أي: كيف تجادلون على أمور، لا حقائق لها،

    وعلى أصنام سميتوها آلهة،

    وهي لا شيء من الآلهة فيها، ولا مثقال ذرة


    و{ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ }

    فإنها لو كانت صحيحة لأنزل اللّه بها سلطانا،

    فعدم إنزاله له دليل على بطلانها،

    فإنه ما من مطلوب ومقصود - وخصوصا الأمور الكبار -

    إلا وقد بين اللّه فيها من الحجج، ما يدل عليها،

    ومن السلطان، ما لا تخفى معه.


    { فَانْتَظِرُوا } ما يقع بكم من العقاب، الذي وعدتكم به

    { إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ } وفرق بين الانتظارين،

    انتظار من يخشى وقوع العقاب،

    ومن يرجو من اللّه النصر والثواب.


    الحمد لله رب العالمين

  19. #179

    افتراضي

    ( 102 )


    من سورة الأعراف


    { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا

    لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

    وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *

    أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ *

    أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ *
    أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ

    فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }

    { 96 - 99 ْ}


    لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارا،

    وبالسراء استدراجا ومكرا،

    ذكر أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال،

    واستعملوا تقوى اللّه تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم اللّه،

    لفتح عليهم بركات السماء والأرض،

    فأرسل السماء عليهم مدرارا،

    وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم،

    في أخصب عيش وأغزر رزق،

    من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب،

    ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا


    { فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

    بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات،

    وهي بعض جزاء أعمالهم،

    وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة.


    { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ

    لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }


    { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى } أي: المكذبة، بقرينة السياق

    { أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا } أي: عذابنا الشديد

    { بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ } أي: في غفلتهم، وغرتهم وراحتهم.


    { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }

    أي: أي شيء يؤمنهم من ذلك، وهم قد فعلوا أسبابه،

    وارتكبوا من الجرائم العظيمة، ما يوجب بعضه الهلاك؟!



    { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ } حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون،

    ويملي لهم، إن كيده متين،


    { فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }

    فإن من أمن من عذاب اللّه، فهو لم يصدق بالجزاء على الأعمال،

    ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.



    وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ،

    على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.


    بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان،

    وأن لا يزال داعيا بقوله:

    { يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك }

    وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن،

    فإن العبد - ولو بلغت به الحال ما بلغت -

    فليس على يقين من السلامة.

    الحمد لله رب العالمين

  20. #180

    افتراضي

    ( 103 )


    من سورة الأعراف


    { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ

    أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ
    وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً

    ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ }
    [ 148 ]

    { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا }


    صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار

    { لَهُ خُوَارٌ } وصوت، فعبدوه واتخذوه إلها.


    وقال { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسي } موسى، وذهب يطلبه،


    وهذا من سفههم، وقلة بصيرتهم،

    كيف اشتبه عليهم رب الأرض والسماوات،

    بعجل من أنقص المخلوقات؟"


    ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية،

    ما يوجب أن يكون إلها

    {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ } أي: وعدم الكلام نقص عظيم،

    فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد، الذي لا يتكلم


    { وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا } أي: لا يدلهم طريقا دينيا،

    ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية،


    لأن من المتقرر في العقول والفطر،

    أن اتخاذ إله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر

    من أبطل الباطل، وأسمج السفه،


    ولهذا قال: { اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ }

    حيث وضعوا العبادة في غير موضعها،

    وأشركوا باللّه ما لم ينـزل به سلطانا،



    وفيها دليل على أن من أنكر كلام اللّه،

    فقد أنكر خصائص إلهية اللّه تعالى،

    لأن اللّه ذكر أن عدم الكلام دليل

    على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية.



    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •