تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 17 من 22 الأولىالأولى ... 78910111213141516171819202122 الأخيرةالأخيرة
النتائج 321 إلى 340 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #321

    افتراضي

    ( 232 )


    من سورة الأنبياء


    { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ

    بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ *

    أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا

    لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ

    وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ *

    بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ

    أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا

    أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ }


    { 42 - 44 ْ}


    يقول تعالى - ذاكرا عجز هؤلاء، الذين اتخذوا من دونه آلهة،

    وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن،

    الذي رحمته، شملت البر والفاجر، في ليلهم ونهارهم -

    فقال:

    { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ } أي: يحرسكم ويحفظكم

    { بِاللَّيْلِ } إذ كنتم نائمين على فرشكم، وذهبت حواسكم

    { وَالنَّهَارِ } وقت انتشاركم وغفلتكم

    { مِنَ الرَّحْمَنِ } أي: بدله غيره،

    أي: هل يحفظكم أحد غيره؟

    لا حافظ إلا هو.


    { بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ }

    فلهذا أشركوا به، وإلا فلو أقبلوا على ذكر ربهم،

    وتلقوا نصائحه، لهدوا لرشدهم، ووفقوا في أمرهم.


    { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا }

    أي: إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم،

    من يقدر على منعهم من ذلك السوء، والشر النازل بهم؟؟


    { لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ }

    أي: لا يعانون على أمورهم من جهتنا،

    وإذا لم يعانوا من الله، فهم مخذولون في أمورهم،

    لا يستطيعون جلب منفعة، ولا دفع مضرة.


    والذي أوجب لهم استمرارهم على كفرهم وشركهم



    { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ }

    أي: أمددناهم بالأموال والبنين، وأطلنا أعمارهم،

    فاشتغلوا بالتمتع بها، ولهوا بها، عما له خلقوا،

    وطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم،

    وعظم طغيانهم، وتغلظ كفرانهم،

    فلو لفتوا أنظارهم إلى من عن يمينهم، وعن يسارهم من الأرض،

    لم يجدوا إلا هالكا ولم يسمعوا إلا صوت ناعية،

    ولم يحسوا إلا بقرون متتابعة على الهلاك،

    وقد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس الأشراك،


    ولهذا قال:

    { أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }

    أي: بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا،

    حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين،

    فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه.


    { أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ }

    الذين بوسعهم، الخروج عن قدر الله؟

    وبطاقتهم الامتناع عن الموت؟

    فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟


    أم إذا جاءهم رسول ربهم لقبض أرواحهم،

    أذعنوا، وذلوا، ولم يظهر منهم أدنى ممانعة؟

    الحمد لله رب العالمين

  2. #322

    افتراضي

    ( 233 )


    من سورة الأنبياء


    { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ

    وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ *

    وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ

    لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

    { 45 - 46 ْ}


    أي: { قُلْ } يا محمد، للناس كلهم:

    { إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ }

    أي: إنما أنا رسول،

    لا آتيكم بشيء من عندي،

    ولا عندي خزائن الله،

    ولا أعلم الغيب،

    ولا أقول إني ملك،

    وإنما أنذركم بما أوحاه الله إلي،

    فإن استجبتم، فقد استجبتم لله،

    وسيثيبكم على ذلك،

    وإن أعرضتم وعارضتم،

    فليس بيدي من الأمر شيء،

    وإنما الأمر لله،

    والتقدير كله لله.


    { وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ }

    أي: الأصم لا يسمع صوتا، لأن سمعه قد فسد وتعطل،

    وشرط السماع مع الصوت، أن يوجد محل قابل لذلك،

    كذلك الوحي سبب لحياة القلوب والأرواح، وللفقه عن الله،

    ولكن إذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى،

    كان بالنسبة للهدى والإيمان،

    بمنزلة الأصم، بالنسبة إلى الأصوات

    فهؤلاء المشركون، صم عن الهدى،

    فلا يستغرب عدم اهتدائهم،

    خصوصا في هذه الحالة،

    التي لم يأتهم العذاب، ولا مسهم ألمه.


    فلو مسهم { نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ }

    أي: ولو جزءا يسيرا ولا يسير من عذابه،

    { لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

    أي: لم يكن قولهم إلا الدعاء بالويل والثبور، والندم،

    والاعتراف بظلمهم وكفرهم واستحقاقهم للعذاب.

    الحمد لله رب العالمين

  3. #323

    افتراضي

    ( 234 )


    من سورة الأنبياء



    { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا

    وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا

    وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }

    { 47 ْ}


    يخبر تعالى عن حكمه العدل،

    وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم في يوم القيامة،

    وأنه يضع لهم الموازين العادلة،

    التي يبين فيها مثاقيل الذر،

    الذي توزن بها الحسنات والسيئات،

    { فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ } مسلمة أو كافرة

    { شَيْئًا } بأن تنقص من حسناتها، أو يزاد في سيئاتها.


    { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ }

    التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، من خير أو شر

    { أَتَيْنَا بِهَا } وأحضرناها، ليجازى بها صاحبها،


    كقوله:

    { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*

    وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }

    وقالوا

    { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً

    إِلَّا أَحْصَاهَا

    وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا }


    { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }

    يعني بذلك نفسه الكريمة،

    فكفى به حاسبا،

    أي: عالما بأعمال العباد، حافظا لها،

    مثبتا لها في الكتاب،

    عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها،

    موصلا للعمال جزاءها.
    الحمد لله رب العالمين

  4. #324

    افتراضي

    ( 235 )


    من سورة الأنبياء


    { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ

    أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ }


    { 50 }


    { وَهَذَا } أي: القرآن

    { ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ } فوصفه بوصفين جليلين،

    كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب،

    من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله،

    ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم،

    ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها،

    ومن أحكام الجزاء والجنة والنار،

    فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية،


    وسماه ذكرا، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر،

    من التصديق بالأخبار الصادقة،

    والأمر بالحسن عقلا، والنهي عن القبيح عقلا،



    وكونه { مباركا } يقتضي كثرة خيراته ونمائها وزيادتها،

    ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن،

    فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية، أو أخروية،

    فإنها بسببه، وأثر عن العمل به،

    فإذا كان ذكرا مباركا، وجب تلقيه بالقبول والانقياد والتسليم،

    وشكر الله على هذه المنحة الجليلة، والقيام بها،

    واستخراج بركته، بتعلم ألفاظه ومعانيه،


    وأما مقابلته بضد هذه الحالة، من الإعراض عنه،

    والإضراب عنه صفحا وإنكاره، وعدم الإيمان به

    فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم،

    ولهذا أنكر تعالى على من أنكره فقال:

    { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ }
    الحمد لله رب العالمين

  5. #325

    افتراضي

    ( 236 )


    من سورة الأنبياء


    { وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ *

    إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ *

    قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ *

    قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *

    قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ *

    قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ

    وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * }


    { 51 - 56 ْ}




    { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ }

    أي: من قبل إرسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما،

    فأراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأعطاه من الرشد،

    الذي كمل به نفسه، ودعا الناس إليه،

    ما لم يؤته أحدا من العالمين، غير محمد،

    وأضاف الرشد إليه، لكونه رشدا، بحسب حاله، وعلو مرتبته،

    وإلا فكل مؤمن، له من الرشد، بحسب ما معه من الإيمان.

    { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } أي: أعطيناه رشده، واختصصناه بالرسالة والخلة،

    واصطفيناه في الدنيا والآخرة، لعلمنا أنه أهل لذلك، وكفء له، لزكائه وذكائه،

    ولهذا ذكر محاجته لقومه، ونهيهم عن الشرك، وتكسير الأصنام، وإلزامهم بالحجة،



    فقال: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ }

    التي مثلتموها، ونحتموها بأيديكم، على صور بعض المخلوقات

    { الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }

    مقيمون على عبادتها، ملازمون لذلك،

    فما هي؟ وأي فضيلة ثبتت لها؟

    وأين عقولكم، التي ذهبت حتى أفنيتم أوقاتكم بعبادتها؟

    والحال أنكم مثلتموها، ونحتموها بأيديكم،

    فهذا من أكبر العجائب، تعبدون ما تنحتون.





    فأجابوا بغير حجة، جواب العاجز، الذي ليس بيده أدنى شبهة

    فقالوا: { وَجَدْنَا آبَاءَنَا }

    كذلك يفعلون، فسلكنا سبيلهم، وتبعناهم على عبادتها،

    ومن المعلوم أن فعل أحد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة،

    ولا تجوز به القدوة، خصوصا، في أصل الدين،

    وتوحيد رب العالمين،



    ولهذا قال لهم إبراهيم مضللا للجميع:

    { لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

    أي: ضلال بين واضح،

    وأي ضلال، أبلغ من ضلالهم في الشرك، وترك التوحيد ؟

    " أي: فليس ما قلتم، يصلح للتمسك به،

    وقد اشتركتم وإياهم في الضلال الواضح، البين لكل أحد.





    { قَالُوا } على وجه الاستغراب لقوله، والاستعظام لما قال،

    وكيف بادأهم بتسفيههم، وتسفيه آبائهم:

    { أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ }

    أي: هذا القول الذي قلته، والذي جئتنا به، هل هو حق وجد؟

    أم كلامك لنا، كلام لاعب مستهزئ، لا يدري ما يقول؟

    وهذا الذي أرادوا، وإنما رددوا الكلام بين الأمرين،

    لأنهم نزلوه منـزلة المتقرر المعلوم عند كل أحد،

    أن الكلام الذي جاء به إبراهيم، كلام سفيه لا يعقل ما يقول،

    الحمد لله رب العالمين

  6. #326

    افتراضي

    فرد عليهم إبراهيم ردا بين به وجه سفههم، وقلة عقولهم فقال:

    { بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ

    وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }

    فجمع لهم بين الدليل العقلي، والدليل السمعي.




    أما الدليل العقلي،

    فإنه قد علم كل أحد حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم،

    أن الله وحده، الخالق لجميع المخلوقات، من بني آدم، والملائكة، والجن،

    والبهائم، والسماوات، والأرض، المدبر لهن، بجميع أنواع التدبير،

    فيكون كل مخلوق مفطورا مدبرا متصرفا فيه،

    ودخل في ذلك، جميع ما عبد من دون الله.




    أفيليق عند من له أدنى مسكة من عقل وتمييز،

    أن يعبد مخلوقا متصرفا فيه، لا يملك نفعا، ولا ضرا،

    ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا،

    ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر ؟



    أما الدليل السمعي:


    فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام،

    فإن ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق،

    ومن أنواع هذا القسم شهادة أحد من الرسل على ذلك فلهذا قال إبراهيم:


    { وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ }

    أي: أن الله وحده المعبود وأن عبادة ما سواه باطل


    { مِنَ الشَّاهِدِينَ }

    وأي شهادة بعد شهادة الله أعلى من شهادة الرسل؟

    خصوصا أولي العزم منهم

    خصوصا خليل الرحمن.
    الحمد لله رب العالمين

  7. #327

    افتراضي

    ( 237 )


    من سورة الأنبياء


    { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ *

    فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ *

    قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ *

    قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ *

    قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ *

    قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ *

    قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ *

    فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ *

    ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ *

    قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ *

    أُفٍّ لَكُمْ

    وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ *

    قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *

    قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ *

    وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * }

    { 57 - 70 }


    ولما بين أن أصنامهم ليس لها من التدبير شيء

    أراد أن يريهم بالفعل عجزها وعدم انتصارها

    وليكيد كيدا يحصل به إقرارهم بذلك

    فلهذا قال: { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } أي أكسرها على وجه الكيد

    { بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } عنها إلى عيد من أعيادهم،

    فلما تولوا مدبرين، ذهب إليها بخفية

    { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } أي كسرا وقطعا،

    وكانت مجموعة في بيت واحد، فكسرها كلها،

    { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } أي إلا صنمهم الكبير، فإنه تركه لمقصد سيبينه،


    وتأمل هذا الاحتراز العجيب،

    فإن كل ممقوت عند الله، لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم، إلا على وجه إضافته لأصحابه،

    كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول:

    " إلى عظيم الفرس " " إلى عظيم الروم " ونحو ذلك،

    ولم يقل " إلى العظيم "

    وهنا قال تعالى: { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } ولم يقل " كبيرا من أصنامهم "

    فهذا ينبغي التنبيه له،

    والاحتراز من تعظيم ما حقره الله، إلا إذا أضيف إلى من عظمه.


    وقوله: { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } أي ترك إبراهيم تكسير صنمهم هذا

    لأجل أن يرجعوا إليه، ويستملوا حجته، ويلتفتوا إليها، ولا يعرضوا عنها

    ولهذا قال في آخرها: { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ }

    فحين رأوا ما حل بأصنامهم من الإهانة والخزي

    { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ }

    فرموا إبراهيم بالظلم الذي هم أولى به حيث كسرها

    ولم يدروا أن تكسيره لها من أفضل مناقبه ومن عدله وتوحيده،

    وإنما الظالم من اتخذها آلهة، وقد رأى ما يفعل بها


    الحمد لله رب العالمين

  8. #328

    افتراضي


    { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } أي: يعيبهم ويذمهم،

    ومن هذا شأنه لا بد أن يكون هو الذي كسرها

    أو أن بعضهم سمعه يذكر أنه سيكيدها

    { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } فلما تحققوا أنه إبراهيم

    { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ } أي: بإبراهيم

    { عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ } أي بمرأى منهم ومسمع

    { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } أي: يحضرون ما يصنع بمن كسر آلهتهم،

    وهذا الذي أراد إبراهيم وقصد أن يكون بيان الحق بمشهد من الناس

    ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة،


    كما قال موسى حين واعد فرعون:

    { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }


    فحين حضر الناس وأحضر إبراهيم قالوا له:

    { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا } أي: التكسير { بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ }؟

    وهذا استفهام تقرير،

    أي: فما الذي جرأك، وما الذي أوجب لك الإقدام على هذا الأمر؟.


    فقال إبراهيم والناس شاهدون: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا }

    أي: كسرها غضبا عليها، لما عبدت معه،

    وأراد أن تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده،

    وهذا الكلام من إبراهيم، المقصد منه إلزام الخصم وإقامة الحجة عليه،


    ولهذا قال: { فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ }

    وأراد الأصنام المكسرة اسألوها لم كسرت؟

    والصنم الذي لم يكسر، اسألوه لأي شيء كسرها،

    إن كان عندهم نطق، فسيجيبونكم إلى ذلك،

    وأنا وأنتم، وكل أحد يدري أنها لا تنطق ولا تتكلم،

    ولا تنفع ولا تضر،

    بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها بأذى.


    { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ }

    أي: ثابت عليهم عقولهم، ورجعت إليهم أحلامهم،

    وعلموا أنهم ضالون في عبادتها،

    وأقروا على أنفسهم بالظلم والشرك،


    { فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ } فحصل بذلك المقصود،

    ولزمتهم الحجة بإقرارهم أن ما هم عليه باطل وأن فعلهم كفر وظلم،

    ولكن لم يستمروا على هذه الحالة،

    ولكن { نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ } أي: انقلب الأمر عليهم،

    وانتكست عقولهم وضلت أحلامهم،


    فقالوا لإبراهيم: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ }

    فكيف تهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا أن نسألها وأنت تعلم أنها لا تنطق؟ .


    فقال إبراهيم - موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رءوس الأشهاد،

    ومبينا عدم استحقاق آلهتهم للعبادة-:

    { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ }

    فلا نفع ولا دفع.

    { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }

    أي: ما أضلكم وأخسر صفقتكم،

    وما أخسكم، أنتم وما عبدتم من دون الله،

    إن كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال،

    فلما عدمتم العقل، وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة،

    صارت البهائم، أحسن حالا منكم.



    فحينئذ لما أفحمهم، ولم يبينوا حجة، استعملوا قوتهم في معاقبته،

    فـ { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }

    أي: اقتلوه أشنع القتلات، بالإحراق، غضبا لآلهتكم، ونصرة لها.

    فتعسا لهم تعسا،

    حيث عبدوا من أقروا أنه يحتاج إلى نصرهم، واتخذوه إلها،

    فانتصر الله لخليله لما ألقوه في النار

    وقال لها: { كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ }

    فكانت عليه بردا وسلاما،

    لم ينله فيها أذى، ولا أحس بمكروه.


    { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} حيث عزموا على إحراقه،

    { فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } أي: في الدنيا والآخرة،

    كما جعل الله خليله وأتباعه، هم الرابحين المفلحين.
    الحمد لله رب العالمين

  9. #329

    افتراضي

    ( 238 )


    من سورة الأنبياء

    { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ

    أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *

    فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ

    وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ

    رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }


    { 83 - 84 }

    أي: واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب

    - مثنيا معظما له، رافعا لقدره -

    حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه،


    وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا

    فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة،

    واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله،



    فنادى ربه: رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ

    وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

    فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه،

    وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ،

    وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له،


    وقال له:

    { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }

    فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة

    فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى،



    { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي: رددنا عليه أهله وماله.

    { وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ }

    بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا،


    { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به،

    حيث صبر ورضي، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة.


    { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

    أي: جعلناه عبرة للعابدين،

    الذين ينتفعون بالعبر،

    فإذا رأوا ما أصابه من البلاء،

    ثم ما أثابه الله بعد زواله،

    ونظروا السبب، وجدوه الصبر،

    ولهذا أثنى الله عليه به في قوله:

    { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

    فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر.


    الحمد لله رب العالمين

  10. #330

    افتراضي

    ( 239 )


    من سورة الأنبياء



    { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ

    فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ

    أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
    إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
    *


    فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ

    وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

    { 87 - 88 }


    أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس،


    أي: صاحب النون، وهي الحوت،

    بالذكر الجميل، والثناء الحسن،

    فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم،

    فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم.

    [فجاءهم العذاب] ورأوه عيانا، فعجوا إلى الله، وضجوا وتابوا،

    فرفع الله عنهم العذاب


    كما قال تعالى:

    { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا

    إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ

    فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ }

    وقال:

    { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ

    فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ }


    وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس، من أكبر فضائله.

    ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبا،

    وأبق عن ربه لذنب من الذنوب،

    التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [لقوله:

    { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ } { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه]

    والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم

    قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه،

    أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى،

    ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق

    على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه،




    فركب في السفينة مع أناس،

    فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟

    لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم،

    فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت،

    وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات:


    { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }

    فأقر لله تعالى بكمال الألوهية،

    ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة،

    واعترف بظلم نفسه وجنايته.


    قال الله تعالى:

    { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *

    لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }



    ولهذا قال هنا:

    { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ }

    أي: الشدة التي وقع فيها.

    { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

    وهذا وعد وبشارة، لكل مؤمن وقع في شدة وغم،

    أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف لإيمانه

    كما فعل بـ " يونس " عليه السلام.
    الحمد لله رب العالمين

  11. #331

    افتراضي

    ( 240 )


    من سورة الأنبياء

    { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً

    وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ *

    وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ *

    فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ

    وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }


    {92 - 94 }


    ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس:

    { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }

    أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم

    وأئمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون،

    كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.




    ولهذا قال: { وَأَنَا رَبُّكُمْ }

    الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا،

    فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا،

    والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له،

    بجميع أنواع العبادة

    كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها،


    ولهذا قال: { فَاعْبُدُونِ }

    فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.



    وكان اللائق، الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه،

    ولكن البغي والاعتداء، أبيا إلا الافتراق والتقطع.


    ولهذا قال: { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ }

    أي: تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقا، وتشتتوا،

    كل يدعي أن الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر


    و { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }



    وقد علم أن المصيب منهم،

    من كان سالكا للدين القويم، والصراط المستقيم،

    مؤتما بالأنبياء وسيظهر هذا، إذا انكشف الغطاء،

    وبرح الخفاء، وحشر الله الناس لفصل القضاء،

    فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب،


    ولهذا قال: { كُلٌّ } من الفرق المتفرقة وغيرهم

    { إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي: فنجازيهم أتم الجزاء.




    ثم فصل جزاءه فيهم، منطوقا ومفهوما،

    فقال: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ }

    أي: الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب

    { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله، وما جاءوا به

    { فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ }

    أي: لا نضيع سعيه ولا نبطله،

    بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.




    { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }

    أي: مثبتون له في اللوح المحفوظ،

    وفي الصحف التي مع الحفظة.


    أي: ومن لم يعمل من الصالحات،

    أو عملها وهو ليس بمؤمن،

    فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.

    الحمد لله رب العالمين

  12. #332

    افتراضي

    ( 241 )


    من سورة الأنبياء

    { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *

    لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ *

    لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ *

    إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *

    لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ *

    لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ

    وَتَتَلَقَّاهُم ُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }


    { 98 - 103 }

    أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره

    { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي: وقودها وحطبها

    { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وأصنامكم.


    والحكمة في دخول الأصنام النار،

    وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب،

    بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم،


    فلهذا قال:

    { لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا }

    وهذا كقوله تعالى:

    { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ

    وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ }

    وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون،

    لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.


    { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } من شدة العذاب

    { وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } صم بكم عمي،

    أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها،

    لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.



    ودخول آلهة المشركين النار،

    إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.


    وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عُبد من الأولياء،

    فإنهم لا يعذبون فيها،

    ويدخلون في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى }

    أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ

    وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.


    { أُولَئِكَ عَنْهَا } أي: عن النار

    { مُبْعَدُونَ } فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها،

    بل يبعدون عنها، غاية البعد،

    حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها،



    { وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ }

    من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر،

    مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،

    مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.


    { لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ }

    أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع،

    وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين

    فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم،

    لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون.


    { وَتَتَلَقَّاهُم ُ الْمَلَائِكَةُ } إذا بعثوا من قبورهم،

    وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين:

    { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }

    فليهنكم ما وعدكم الله،

    وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة،

    وليكثر فرحكم وسروركم،

    بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.

    الحمد لله رب العالمين

  13. #333

    افتراضي

    ( 242 )


    من سورة الأنبياء


    { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ

    كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ

    وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ *

    وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ

    أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }


    { 104 - 105 }


    يخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات - على عظمها واتساعها -

    كما يطوي الكاتب للسجل أي: الورقة المكتوب فيها،

    فتنثر نجومها، ويكور شمسها وقمرها، وتزول عن أماكنها


    { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ }

    أي: إعادتنا للخلق، مثل ابتدائنا لخلقهم،

    فكما ابتدأنا خلقهم، ولم يكونوا شيئا، كذلك نعيدهم بعد موتهم.


    { وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }

    ننفذ ما وعدنا، لكمال قدرته،

    وأنه لا تمتنع منه الأشياء.


    { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ } وهو الكتاب المزبور،

    والمراد: الكتب المنزلة، كالتوراة ونحوها


    { مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي: كتبناه في الكتب المنزلة،

    بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ،

    وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه



    والمكتوب في ذلك: { أَنَّ الْأَرْضَ } أي: أرض الجنة

    { يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }

    الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات،

    فهم الذين يورثهم الله الجنات،


    كقول أهل الجنة:

    { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ

    وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ }


    ويحتمل أن المراد:

    الاستخلاف في الأرض،

    وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها


    كقوله تعالى:

    { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

    لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ

    كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } الآية.
    الحمد لله رب العالمين

  14. #334

    افتراضي

    ( 243 )


    من سورة الأنبياء


    { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ *

    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ *

    قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

    فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *

    فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ

    وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ *

    إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ *

    وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *

    قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ

    وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }


    { 106 - 112 }


    يثني الله تعالى على كتابه العزيز " القرآن "

    ويبين كفايته التامة عن كل شيء، وأنه لا يستغنى عنه

    فقال: { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ }

    أي: يتبلغون به في الوصول إلى ربهم، وإلى دار كرامته،

    فوصلهم إلى أجل المطالب، وأفضل الرغائب.

    وليس للعابدين، الذين هم أشرف الخلق، وراءه غاية،

    لأنه الكفيل بمعرفة ربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله،

    وبالإخبار بالغيوب الصادقة، وبالدعوة لحقائق الإيمان،

    وشواهد الإيقان، المبين للمأمورات كلها، والمنهيات جميعا،

    المعرف بعيوب النفس والعمل، والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله،

    والتحذير من طرق الشيطان، وبيان مداخله على الإنسان،

    فمن لم يغنه القرآن، فلا أغناه الله، ومن لا يكفيه، فلا كفاه الله.


    ثم أثنى على رسوله، الذي جاء بالقرآن فقال:

    { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }

    فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به، قبلوا هذه الرحمة،

    وشكروها، وقاموا بها،

    وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته.


    { قُلْ } يا محمد { إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ }

    الذي لا يستحق العبادة إلا هو،

    ولهذا قال: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

    أي: منقادون لعبوديته مستسلمون لألوهيته،

    فإن فعلوا فليحمدوا ربهم على ما منَّ عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن.



    { فَإِنْ تَوَلَّوْا } عن الانقياد لعبودية ربهم،

    فحذرهم حلول المثلات، ونزول العقوبة.


    { فَقُلْ آذَنْتُكُمْ } أي: أعلمتكم بالعقوبة

    { عَلَى سَوَاءٍ } أي علمي وعلمكم بذلك مستو،

    فلا تقولوا - إذا أنزل بكم العذاب: { مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ }

    بل الآن، استوى علمي وعلمكم، لما أنذرتكم، وحذرتكم،

    وأعلمتكم بمآل الكفر، ولم أكتم عنكم شيئا.


    { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ }

    أي: من العذاب لأن علمه عند الله، وهو بيده، ليس لي من الأمر شيء.


    { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }

    أي: لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم،

    وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين، ثم يكون أعظم لعقوبتكم.


    { قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ }

    أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء،

    وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة،

    بما عاقب الله به الكافرين من وقعة " بدر " وغيرها.


    { وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }

    أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون،

    من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم،

    فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا،

    ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن،

    الذي ناصية كل مخلوق بيده،

    ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد.

    الحمد لله رب العالمين

  15. #335

    افتراضي

    ( 244 )


    من سورة الحج

    { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ

    فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ

    خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ *

    يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ

    ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ *

    يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ

    لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }


    { 11 - 13 }


    أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان،

    لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته،

    بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن،


    { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ }

    أي: إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء،

    اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه.

    فهذا، ربما أن الله يعافيه،

    ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه،



    { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } من حصول مكروه، أو زوال محبوب

    { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } أي: ارتد عن دينه،


    { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ }

    أما في الدنيا،

    فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله،

    وعوضا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه،

    ولم يحصل له إلا ما قسم له،


    وأما الآخرة، فظاهر،

    حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار،

    { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } أي: الواضح البين.





    { يَدْعُو } هذا الراجع على وجهه

    { مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ }

    وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله،

    فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا،

    { ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ }

    الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية،

    حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني ،

    وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه،

    ليس بيده من الأمر شيء

    بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب،



    ولهذا قال: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ }

    فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم

    { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } أي: هذا المعبود

    { وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }

    أي: القرين الملازم على صحبته،

    فإن المقصود من المولى والعشير،

    حصول النفع، ودفع الضرر،

    فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم.
    الحمد لله رب العالمين

  16. #336

    افتراضي

    ( 245 )


    من سورة الحج


    { مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

    فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ

    فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }


    { 15 }


    أي: من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله، وأن دينه سيضمحل،

    فإن النصر من الله ينزل من السماء

    { فَلْيَمْدُدْ } ذلك الظان { بِسَبَبٍ } أي: حبل

    { إِلَى السَّمَاءِ } وليرقى إليها

    { ثُمَّ لِيَقْطَعْ } النصر النازل عليه من السماء


    { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ }

    أي: ما يكيد به الرسول، ويعمله من محاربته،

    والحرص على إبطال دينه، ما يغيظه من ظهور دينه،


    وهذا استفهام بمعنى النفي

    [وأنه] لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الأسباب.



    ومعنى هذه الآية الكريمة:

    يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم،

    الساعي في إطفاء دينه،

    الذي يظن بجهله، أن سعيه سيفيده شيئا،

    اعلم أنك مهما فعلت من الأسباب، وسعيت في كيد الرسول،

    فإن ذلك لا يذهب غيظك، ولا يشفي كمدك،

    فليس لك قدرة في ذلك،

    ولكن سنشير عليك برأي، تتمكن به من شفاء غيظك،

    ومن قطع النصر عن الرسول -إن كان ممكنا-


    ائت الأمر مع بابه، وارتق إليه بأسبابه،

    اعمد إلى حبل من ليف أو غيره، ثم علقه في السماء،

    ثم اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر،

    فسدها وأغلقها واقطعها،

    فبهذه الحال تشفي غيظك،

    فهذا هو الرأي: والمكيدة،



    وأما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك،

    ولو ساعدك من ساعدك من الخلق.



    وهذه الآية الكريمة،

    فيها من الوعد والبشارة

    بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى،

    ومن تأييس الكافرين،

    الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم،

    والله متم نوره، ولو كره الكافرون،

    أي: وسَعَوْا مهما أمكنهم.


    الحمد لله رب العالمين

  17. #337

    افتراضي

    ( 246 )


    من سورة الحج


    { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ

    وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ *

    حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ

    وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ

    فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }



    { 30 - 31 }


    { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ } أي: الخبث القذر

    { مِنَ الْأَوْثَانِ }

    أي: الأنداد، التي جعلتموها آلهة مع الله،

    فإنها أكبر أنواع الرجس،



    والظاهر أن { من } هنا ليست لبيان الجنس،

    كما قاله كثير من المفسرين، وإنما هي للتبعيض،

    وأن الرجس عام في جميع المنهيات المحرمات،

    فيكون منهيا عنها عموما،

    وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصا،


    { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }

    أي: جميع الأقوال المحرمات،

    فإنها من قول الزور الذي هو الكذب، ومن ذلك شهادة الزور

    فلما نهاهم عن الشرك والرجس وقول الزور.



    أمرهم أن يكونوا { حُنَفَاءَ لِلَّهِ }

    أي: مقبلين عليه وعلى عبادته، معرضين عما سواه.


    { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ } فمثله

    { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ } أي: سقط منها

    { فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ } بسرعة

    { أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

    أي: بعيد، كذلك المشرك،

    فالإيمان بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة.

    ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء،

    عرضة للآفات والبليات،

    فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء،

    كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان

    تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه،

    وأذهبوا عليه دينه ودنياه.


    الحمد لله رب العالمين

  18. #338

    افتراضي

    ( 247 )

    من سورة الحج

    { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ

    وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ *

    ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ

    وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ

    وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }


    { 61 - 62 }


    ذلك الذي شرع لكم تلك الأحكام الحسنة العادلة،

    هو حسن التصرف، في تقديره وتدبيره،

    الذي { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ }

    أي: يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا،

    فيأتي بالليل بعد النهار، وبالنهار بعد الليل،

    ويزيد في أحدهما ما ينقصه في الآخر، ثم بالعكس،

    فيترتب على ذلك، قيام الفصول،

    ومصالح الليل والنهار، والشمس والقمر،

    التي هي من أجل نعمه على العباد، وهي من الضروريات لهم.


    { وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ }

    يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف، اللغات، على تفنن الحاجات،

    { بَصِيرٌ }

    يرى دبيب النملة السوداء،

    تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء


    { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ

    وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ }


    { ذَلِكَ } صاحب الحكم والأحكام

    { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ }

    أي: الثابت، الذي لا يزال ولا يزول،

    الأول الذي ليس قبله شيء،

    الآخر الذي ليس بعده شيء،

    كامل الأسماء والصفات، صادق الوعد،

    الذي وعده حق ولقاؤه حق، ودينه حق،

    وعبادته هي الحق، النافعة الباقية على الدوام.


    { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ }

    من الأصنام والأنداد، من الحيوانات والجمادات،

    { هُوَ الْبَاطِلُ }

    الذي، هو باطل في نفسه،

    وعبادته باطلة، لأنها متعلقة بمضمحل فان،

    فتبطل تبعا لغايتها ومقصودها،


    { وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

    العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات

    وفي قدره، فهو كامل الصفات،

    وفي قهره لجميع المخلوقات،


    الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته،

    الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة،

    والسماوات مطويات بيمينه،

    ومن كبريائه، أن كرسيه وسع السماوات والأرض،

    ومن عظمته وكبريائه، أن نواصي العباد بيده،

    فلا يتصرفون إلا بمشيئته،

    ولا يتحركون ويسكنون إلا بإرادته.


    وحقيقة الكبرياء التي لا يعلمها إلا هو،

    لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل،

    أنها كل صفة كمال وجلال وكبرياء وعظمة،

    فهي ثابتة له، وله من تلك الصفة أجلها وأكملها،

    ومن كبريائه،

    أن العبادات كلها، الصادرة من أهل السماوات والأرض،

    كلها المقصود منها، تكبيره وتعظيمه، وإجلاله وإكرامه،

    ولهذا كان التكبير شعارا للعبادات الكبار، كالصلاة وغيرها.

    الحمد لله رب العالمين

  19. #339

    افتراضي

    ( 248 )



    من سورة الحج


    { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ

    وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }


    { 64 }


    { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في الْأَرْضِ }

    خلقا وعبيدا، يتصرف فيهم بملكه وحكمته وكمال اقتداره،

    ليس لأحد غيره من الأمر شيء.


    { وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ }

    بذاته الذي له الغنى المطلق التام، من جميع الوجوه،

    ومن غناه، أنه لا يحتاج إلى أحد من خلقه،

    ولا يواليهم من ذلة، ولا يتكثر بهم من قلة،

    ومن غناه، أنه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا،

    ومن غناه، أنه صمد، لا يأكل ولا يشرب،

    ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلق بوجه من الوجوه،

    فهو يطعم ولا يطعم،

    ومن غناه، أن الخلق كلهم مفتقرون إليه،

    في إيجادهم، وإعدادهم وإمدادهم، وفي دينهم ودنياهم،


    ومن غناه، أنه لو اجتمع من في السماوات ومن في الأرض،

    الأحياء منهم والأموات، في صعيد واحد،

    فسأل كل منهم ما بلغت أمنيته، فأعطاهم فوق أمانيهم،

    ما نقص ذلك من ملكه شيء،


    ومن غناه، أن يده سحاء بالخير والبركات، الليل والنهار،

    لم يزل إفضاله على الأنفاس،


    ومن غناه وكرمه، ما أودعه في دار كرامته،

    مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.



    { الْحَمِيدِ }

    أي: المحمود في ذاته، وفي أسمائه، لكونها حسنى،

    وفي صفاته، لكونها كلها صفات كمال،

    وفي أفعاله، لكونها دائرة بين العدل والإحسان والرحمة والحكمة

    وفي شرعه، لكونه لا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة،

    ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة،


    الذي له الحمد، الذي يملأ ما في السماوات والأرض،

    وما بينهما، وما شاء بعدها،

    الذي لا يحصي العباد ثناء على حمده،

    بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده،

    وهو المحمود على توفيق من يوفقه، وخذلان من يخذله،

    وهو الغني في حمده، الحميد في غناه.
    الحمد لله رب العالمين

  20. #340

    افتراضي

    ( 249 )

    من سورة الحج

    { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ

    وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ *

    وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ

    تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ

    يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا

    قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ مْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ

    النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }


    { 71 - 72 }


    يذكر تعالى حالة المشركين به، العادلين به غيره،

    وأن حالهم أقبح الحالات،

    وأنه لا مستند لهم على ما فعلوه، فليس لهم به علم،

    وإنما هو تقليد تلقوه عن آبائهم الضالين،

    وقد يكون الإنسان لا علم عنده بما فعله،

    وهو -في نفس الأمر- له حجة ما علمها،


    فأخبر هنا، أن الله لم ينـزل في ذلك سلطانا،

    أي: حجة تدل عليه وتجوزه،

    بل قد أنزل البراهين القاطعة على فساده وبطلانه،


    ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق

    فقال: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ }

    ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم وحل.


    وهل لهؤلاء الذين لا علم لهم بما هم عليه

    قصد في اتباع الآيات والهدى إذا جاءهم؟

    أم هم راضون بما هم عليه من الباطل؟


    ذكر ذلك بقوله: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا }

    التي هي آيات الله الجليلة، المستلزمة لبيان الحق من الباطل،

    لم يلتفتوا إليها، ولم يرفعوا بها رأسا،


    بل { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ }

    من بغضها وكراهتها،

    ترى وجوههم معبسة، وأبشارهم مكفهرة،


    { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا }

    أي: يكادون يوقعون بهم القتل والضرب البليغ،

    من شدة بغضهم وبغض الحق وعداوته،

    فهذه الحالة من الكفار بئس الحالة، وشرها بئس الشر،

    ولكن ثم ما هو شر منها، حالتهم التي يؤولون إليها،


    فلهذا قال:

    { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ مْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ

    وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

    فهذه شرها طويل عريض،

    ومكروهها وآلامها تزداد على الدوام.

    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •