تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 11 من 22 الأولىالأولى ... 23456789101112131415161718192021 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 201 إلى 220 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #201

    افتراضي

    ( 124 )



    من سورة التوبة


    { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ

    قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ *

    وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ

    قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *

    لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ

    إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ

    نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }

    { 64 - 66 }


    كانت هذه السورة الكريمة تسمى { الفاضحة }

    لأنها بينت أسرار المنافقين، وهتكت أستارهم،

    فما زال اللّه يقول: ومنهم ومنهم، ويذكر أوصافهم،


    إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين:

    إحداهما: أن اللّه سِتِّيرٌ يحب الستر على عباده.


    والثانية: أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين،

    الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلي يوم القيامة،

    فكان ذكر الوصف أعم وأنسب، حتى خافوا غاية الخوف.



    قال اللّه تعالى:

    { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ

    لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا *

    مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا }


    وقال هنا { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ }

    أي: تخبرهم وتفضحهم، وتبين أسرارهم،

    حتى تكون علانية لعباده، ويكونوا عبرة للمعتبرين.


    { قُلِ اسْتَهْزِئُوا } أي: استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية.


    { إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ } وقد وفَّى تعالى بوعده،

    فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم، وهتكت أستارهم.



    { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ } عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم،

    يقول طائفة منهم في غزوة تبوك

    { ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه-

    أرغب بطونا، [وأكذب ألسنا] وأجبن عند اللقاء } ونحو ذلك.


    ولما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم،

    جاءوا يعتذرون إليه ويقولون: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }

    أي: نتكلم بكلام لا قصد لنا به، ولا قصدنا الطعن والعيب.



    قال اللّه تعالى -مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك-:

    { قُلْ } لهم

    { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *

    لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }


    فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين

    لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه، وتعظيم دينه ورسله،

    والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل،

    ومناقض له أشد المناقضة.



    ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة،

    والرسول لا يزيدهم على قوله

    { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *

    لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }


    وقوله { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ } لتوبتهم واستغفارهم وندمهم،

    { نُعَذِّبْ طَائِفَةً } منكم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُوا مُجْرِمِينَ }

    مقيمين على كفرهم ونفاقهم.



    وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة،

    خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله،

    فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة.


    وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه
    أو سنة رسوله الثابتة عنه،

    أو سخر بذلك، أو تنقصه،

    أو استهزأ بالرسول أو تنقصه،

    فإنه كافر باللّه العظيم،

    وأن التوبة مقبولة من كل ذنب، وإن كان عظيما.

    الحمد لله رب العالمين

  2. #202

    افتراضي

    ( 125 )


    من سورة التوبة

    { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

    وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ

    رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ

    وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

    ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ}

    { 100 ْ}

    السابقون هم الذين سبقوا هذة الأمة

    وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللّه.


    { مِنَ الْمُهَاجِرِينَ }

    { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم

    يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا،

    وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقون }



    و من { الْأَنْصَارِ }

    { الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم

    يحبون من هاجر إليهم،

    ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا،

    ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }



    { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } بالاعتقادات والأقوال والأعمال،

    فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذم،

    وحصل لهم نهاية المدح،

    وأفضل الكرامات من اللّه.



    { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ }

    ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة،



    { وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ }

    الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان،

    والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة.


    { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }

    لا يبغون عنها حولا، ولا يطلبون منها بدلا،

    لأنهم مهما تمنوه أدركوه، ومهما أرادوه وجدوه.


    { ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }

    الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس، ولذة للأرواح،

    ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان،

    واندفع عنهم كل محذور.

    الحمد لله رب العالمين

  3. #203

    افتراضي

    ( 126 )


    من سورة التوبة


    { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

    عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ

    بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ *

    فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

    عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }

    { 128 - 129 }


    يمتن [تعالى] على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الأمي

    الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه،

    ولا يأنفون عن الانقياد له،

    وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم،

    والسعي في مصالحهم.


    { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }

    أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.

    { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ }

    فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم،

    ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان،

    ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه.


    { بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }

    أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم.

    ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق،

    وواجب على الأمة الإيمان به، وتعظيمه، وتعزيره، وتوقيره


    { فَإِنْ } آمنوا، فذلك حظهم وتوفيقهم،

    وإن { تَوَلَّوا } عن الإيمان والعمل،

    فامض على سبيلك، ولا تزل في دعوتك،


    وقل { حَسْبِيَ اللَّهُ } أي: الله كافيَّ في جميع ما أهمني،

    { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي: لا معبود بحق سواه.

    { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: اعتمدت ووثقت به،

    في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر،


    { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } الذي هو أعظم المخلوقات.

    وإذا كان رب العرش العظيم، الذي وسع المخلوقات،

    كان ربا لما دونه من باب أولى وأحرى.


    الحمد لله رب العالمين

  4. #204

    افتراضي

    ( 127 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

    ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

    يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ

    ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *

    إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا

    إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

    لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ

    وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ

    وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }



    { 3 - 4 }



    يقول تعالى مبينا لربوبيته وإلهيته وعظمته:

    { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }

    مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة،

    ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله.

    ومن جملة حكمته فيها، أنه خلقها بالحق وللحق،

    ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة.


    { ثُمَّ } بعد خلق السماوات والأرض

    { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } استواء يليق بعظمته.


    { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ } في العالم العلوي والسفلي من الإماتة والإحياء،

    وإنزال الأرزاق، ومداولة الأيام بين الناس،

    وكشف الضر عن المضرورين،

    وإجابة سؤال السائلين.


    فأنواع التدابير نازلة منه وصاعدة إليه،

    وجميع الخلق مذعنون لعزه

    خاضعون لعظمته وسلطانه.



    { مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ }

    فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة، ولو كان أفضل الخلق،

    حتى يأذن الله ولا يأذن، إلا لمن ارتضى،

    ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له.



    { ذَلِكُمْ } الذي هذا شأنه

    { اللَّهُ رَبُّكُمْ }

    أي: هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات الكمال،

    ووصف الربوبية الجامع لصفات الأفعال.


    { فَاعْبُدُوهُ }
    أي: أفردوه بجميع ما تقدرون عليه من أنواع العبودية،


    { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }

    الأدلة الدالة على أنه وحده المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام.



    فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام،

    وحكمه الديني وهو شرعه،

    الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له،


    ذكر الحكم الجزائي، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت،

    فقال: { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا }

    أي: سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم.


    { إنه يبدأ الخلق ثم يعيده } فالقادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته،

    والذي يرى ابتداءه بالخلق،

    ثم ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل

    منكر لأحد المثلين مع إثبات ما هو أولى منه،

    فهذا دليل عقلي واضح على المعاد.



    وقد ذكر الدليل النقلي فقال:

    { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } أي: وعده صادق لا بد من إتمامه

    { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به.

    { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم، من واجبات، ومستحبات،

    { بِالْقِسْطِ } أي: بإيمانهم وأعمالهم، جزاء قد بينه لعباده،

    وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين


    { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بآيات الله وكذبوا رسل الله.

    { لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } أي: ماء حار، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء.

    { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } من سائر أصناف العذاب

    { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } أي: بسبب كفرهم وظلمهم،

    وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

    الحمد لله رب العالمين

  5. #205

    افتراضي

    ( 128 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا

    وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ

    مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ

    يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *

    إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

    وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ }


    { 5 - 6 }


    لما قرر ربوبيته وإلهيته، ذكر الأدلة العقلية الأفقية الدالة على ذلك

    وعلى كماله في أسمائه وصفاته،

    من الشمس والقمر، والسماوات والأرض

    وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات،

    وأخبر أنها آيات { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } و { لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ }


    فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها،

    وكيفية استنباط الدليل على أقرب وجه،

    والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير، والرهبة من الشر،

    الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم واليقين.



    وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة،

    دال على كمال قدرة الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته،


    وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن،

    دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه.


    وما فيها من أنواع المنافع والمصالح

    -كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا،

    يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل-

    يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه،


    وما فيها من التخصيصات

    دال على مشيئة الله وإرادته النافذة.



    وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود،

    ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام،

    الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه،

    ولا يصرف خالص الدعاء إلا له،

    لا لغيره من المخلوقات المربوبات،

    المفتقرات إلى الله في جميع شئونها.



    وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله،

    والنظر فيها بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفتح البصيرة،

    ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة،

    وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به،

    وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة.


    الحمد لله رب العالمين

  6. #206

    افتراضي

    ( 129 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ

    وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ

    قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ

    سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ْ}


    { 18 ْ}



    يقول تعالى: { وَيَعْبُدُونَ ْ}

    أي: المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.



    { مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ْ}

    أي: لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع ولا تدفع عنهم شيئا.


    { وَيَقُولُونَ ْ} قولا خاليا من البرهان:



    { هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ْ}

    أي: يعبدونهم ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده،

    وهذا قول من تلقاء أنفسهم، وكلام ابتكروه هم،




    ولهذا قال تعالى -مبطلا لهذا القول-:

    { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ْ}


    أي: الله تعالى هو العالم،

    الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض،

    وقد أخبركم بأنه ليس له شريك ولا إله معه،

    أفأنتم-يا معشر المشركين- تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟

    أفتخبرونه بأمر خفي عليه، وعلمتوه؟

    أأنتم أعلم أم الله؟



    فهل يوجد قول أبطل من هذا القول،

    المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء أعلم من رب العالمين؟

    فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول،

    فإنه يجزم بفساده وبطلانه:



    { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ْ}

    أي: تقدس وتنـزه أن يكون له شريك أو نظير،

    بل هو الله الأحد الفرد الصمد

    الذي لا إله في السماوات والأرض إلا هو،

    وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه،

    فإنه باطل عقلا وشرعا وفطرة.



    { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ

    وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ

    وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ْ}



    الحمد لله رب العالمين

  7. #207

    افتراضي

    ( 130 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

    حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا

    جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ

    وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ

    دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

    لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *

    فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

    ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ}


    { 22 - 23 ْ}



    { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ْ}

    بما يسر لكم من الأسباب المسيرة لكم فيها، وهداكم إليها.


    { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ ْ} أي: السفن البحرية


    { وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ْ}

    موافقة لما يهوونه، من غير انزعاج ولا مشقة.


    { وَفَرِحُوا بِهَا ْ} واطمأنوا إليها، فبينما هم كذلك،


    إذ { جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ْ} شديدة الهبوب

    { وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ْ}

    أي: عرفوا أنه الهلاك،

    فانقطع حينئذ تعلقهم بالمخلوقين،

    وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله وحده،

    فدَعَوُه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

    ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام،

    فقالوا: { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ْ}



    { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ْ}

    أي: نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء، وما ألزموه أنفسهم،

    فأشركوا بالله،

    من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد،

    ولا يدفع عنهم المضايق،

    فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء،

    كما أخلصوها في الشدة؟!!



    ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم،

    ولهذا قال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ْ}

    أي: غاية ما تؤملون ببغيكم، وشرودكم عن الإخلاص لله،

    أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير

    الذي سينقضي سريعًا، ويمضي جميعًا، ثم تنتقلون عنه بالرغم.


    { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ْ} في يوم القيامة

    { فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ}

    وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم.

    الحمد لله رب العالمين

  8. #208

    افتراضي

    ( 131 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا

    ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ

    فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ *

    فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

    إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ *

    هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ

    وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ

    وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }

    { 28 - 30 ْ}


    يقول تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ْ}

    أي: نجمع جميع الخلائق، لميعاد يوم معلوم،

    ونحضر المشركين، وما كانوا يعبدون من دون الله.


    { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ْ}

    أي: الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم.

    { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ْ} أي: فرقنا بينهم، بالبعد البدني والقلبي،

    وحصلت بينهم العداوة الشديدة،

    بعد أن بذلوا لهم في الدنيا خالص المحبة وصفو الوداد،

    فانقلبت تلك المحبة والولاية بغضًا وعداوة.


    وتبرأ شُرَكَاؤُهُمْ منهم وقالوا: { مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ْ}

    فإننا ننزه الله أن يكون له شريك، أو نديد.


    { فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

    إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ْ}

    ما أمرناكم بها، ولا دعوناكم لذلك،

    وإنما عبدتم من دعاكم إلى ذلك،

    وهو الشيطان



    كما قال تعالى:

    { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ


    إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ْ} .



    وقال: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ

    أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ

    قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ

    بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ْ}


    فالملائكة الكرام والأنبياء والأولياء ونحوهم

    يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة

    ويتنصلون من دعائهم إياهم إلى عبادتهم

    وهم الصادقون البارون في ذلك،


    فحينئذ يتحسر المشركون حسرة لا يمكن وصفها،

    ويعلمون مقدار ما قدموا من الأعمال،

    وما أسلفوا من رديء الخصال،

    ويتبين لهم يومئذ أنهم كانوا كاذبين،


    وأنهم مفترون على الله، قد ضلت عبادتهم،

    واضمحلت معبوداتهم،

    وتقطعت بهم الأسباب والوسائل.



    ولهذا قال تعالى: { هُنَالِكَ ْ} أي: في ذلك اليوم

    { تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ْ} أي: تتفقد أعمالها وكسبها،

    وتتبعه بالجزاء، وتجازى بحسبه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر،

    وضل عنهم ما كانوا يفترون

    من قولهم بصحة ما هم عليه من الشرك

    وأن ما يعبدون من دون الله تنفعهم وتدفع عنهم العذاب.


    الحمد لله رب العالمين

  9. #209

    افتراضي

    ( 132 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام



    { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

    أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ

    وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ

    وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ

    فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *

    فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ

    فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ *

    كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ْ}


    { 31 - 33 ْ}



    أي: { قل ْ} لهؤلاء الذين أشركوا بالله، ما لم ينزل به سلطانًا

    - محتجًا عليهم بما أقروا به من توحيد الربوبية،

    على ما أنكروه من توحيد الألوهية -


    { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ْ}

    بإنزال الأرزاق من السماء، وإخراج أنواعها من الأرض،

    وتيسير أسبابها فيها؟


    { أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ْ}

    أي: من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟،

    وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل،

    ولكمال شرفهما ونفعهما.


    { وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ْ}

    كإخراج أنواع الأشجار والنبات من الحبوب والنوى،

    وإخراج المؤمن من الكافر، والطائر من البيضة، ونحو ذلك،


    { وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ْ} عكس هذه المذكورات،


    { وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ْ} في العالم العلوي والسفلي،

    وهذا شامل لجميع أنواع التدابير الإلهية،


    فإنك إذا سألتهم عن ذلك { فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ْ}

    لأنهم يعترفون بجميع ذلك،

    وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات.


    { فَقُلْ ْ} لهم إلزامًا بالحجة

    { أَفَلَا تَتَّقُونَ ْ} الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له،

    وتخلعون ما تعبدون من دونه من الأنداد والأوثان.


    { فَذَلِكُمُ ْ} الذي وصف نفسه بما وصفها به

    { اللَّهُ رَبُّكُمْ ْ} أي: المألوه المعبود المحمود،

    المربي جميع الخلق بالنعم

    وهو: { الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ْ}



    فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء،

    الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه،

    ولا يأتي بالحسنات إلا هو،

    ولا يدفع السيئات إلا هو،

    ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام.


    { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ْ} عن عبادة من هذا وصفه،

    إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم،

    ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا،

    ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.


    فليس له من الملك مثقال ذرة،

    ولا شركة له بوجه من الوجوه،

    ولا يشفع عند الله إلا بإذنه،


    فتبا لمن أشرك به، وويحًا لمن كفر به،

    لقد عدموا عقولهم، بعد أن عدموا أديانهم،

    بل فقدوا دنياهم وأخراهم.


    ولهذا قال تعالى عنهم:

    { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ْ}

    بعد ما أراهم الله من الآيات البينات والبراهين النيرات،

    ما فيه عبرة لأولي الألباب،

    وموعظة للمتقين وهدى للعالمين.

    الحمد لله رب العالمين

  10. #210

    افتراضي

    ( 133 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

    قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ *

    قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ

    قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ

    أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ

    أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى

    فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ *

    وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا

    إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ْ}


    { 34 - 36 ْ}



    يقول تعالى - مبينًا عجز آلهة المشركين،

    وعدم اتصافها بما يوجب اتخاذها آلهة مع الله-

    { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ْ} أي: يبتديه

    { ثُمَّ يُعِيدُهُ ْ} وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير،

    أي: ما منهم أحد يبدأ الخلق ثم يعيده،

    وهي أضعف من ذلك وأعجز،


    { قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ْ}

    من غير مشارك ولا معاون له على ذلك.


    { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ْ}

    أي: تصرفون وتنحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء والإعادة

    إلى عبادة من لا يخلق شيئًا وهم يخلقون.


    { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ْ}

    ببيانه وإرشاده، أو بإلهامه وتوفيقه.


    { قُلِ اللَّهُ ْ} وحده

    { يَهْدِي لِلْحَقِّ ْ} بالأدلة والبراهين، وبالإلهام والتوفيق،

    والإعانة إلى سلوك أقوم طريق.


    { أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ْ} أي: لا يهتدي

    { إِلَّا أَنْ يُهْدَى ْ} لعدم علمه، ولضلاله،

    وهي شركاؤهم، التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى


    { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ْ}

    أي: أيّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل،

    بصحة عبادة أحد مع الله، بعد ظهور الحجة والبرهان،

    أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده.


    فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله

    أوصافا معنوية، ولا أوصافا فعلية، تقتضي أن تعبد مع الله،

    بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها،

    فلأي شيء جعلت مع الله آلهة؟


    فالجواب: أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان،

    أقبح البهتان، وأضل الضلال،

    حتى اعتقد ذلك وألفه، وظنه حقًا، وهو لا شيء.


    ولهذا قال: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء أي:

    ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله،

    فإنه ليس لله شريك أصلا عقلًا ولا نقلاً،

    وإنما يتبعون الظن و { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ْ}

    فسموها آلهة، وعبدوها مع الله،

    { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ

    مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ْ} .


    { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ْ}

    وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة.

    الحمد لله رب العالمين

  11. #211

    افتراضي

    ( 134 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ

    إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ

    وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

    وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ْ}

    { 61 ْ}




    يخبر تعالى عن عموم مشاهدته،

    واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم،

    وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام


    فقال: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ْ}

    أي: حال من أحوالك الدينية والدنيوية.


    { وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ ْ}

    أي: وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك.


    { وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ْ} صغير أو كبير

    { إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ْ}

    أي: وقت شروعكم فيه، واستمراركم على العمل به.


    فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة،

    والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى،

    فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم.



    { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ ْ}

    أي: ما يغيب عن علمه، وسمعه، وبصره ومشاهدته

    { مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

    وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ْ}

    أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه.



    وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر،

    كثيرًا ما يقرن الله بينهما،


    وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء،

    وكتابته المحيطة بجميع الحوادث،


    كقوله تعالى:

    { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

    إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }

    الحمد لله رب العالمين

  12. #212

    افتراضي

    ( 135 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *

    الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *

    لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ

    لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ}


    { 62 - 64 ْ}


    يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم

    فقال: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ْ}

    فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال.


    { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ْ} على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال،

    وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون،

    ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.



    ثم ذكر وصفهم فقال: { الَّذِينَ آمَنُوا ْ}

    بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره،

    وصدقوا إيمانهم، باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي.


    فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله [تعالى] وليًا،


    و { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ْ}


    أما البشارة في الدنيا،

    فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة،

    وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق،

    وصرفه عن مساوئ الأخلاق.


    وأما في الآخرة،

    فأولها البشارة عند قبض أرواحهم،


    كما قال تعالى:

    { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ

    أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ْ}


    وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم.


    وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم،

    والنجاة من العذاب الأليم.


    { لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ْ} بل ما وعد الله فهو حق،

    لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله،

    الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه.



    { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ْ} لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور،

    والظفر بكل مطلوب محبوب،


    وحصر الفوز فيه،

    لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى.


    والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب،

    رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى،

    ولهذا أطلق ذلك فلم يقيده.


    الحمد لله رب العالمين

  13. #213

    افتراضي



    ( 136 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ

    وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ

    إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ *

    هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

    { 66 - 67 ْ}



    يخبر تعالى: أن له ما في السماوات والأرض، خلقًا وملكًا وعبيدًا،

    يتصرف فيهم بما شاء من أحكامه،

    فالجميع مماليك لله، مسخرون، مدبرون،

    لا يستحقون شيئًا من العبادة،

    وليسوا شركاء لله بوجه الوجوه،


    الحمد لله رب العالمين

  14. #214

    افتراضي


    ولهذا قال: { وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ


    إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ْ} الذي لا يغني من الحق شيئًا

    { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ْ} في ذلك، خرص كذب وإفك وبهتان.



    فإن كانوا صادقين في أنها شركاء لله،

    فليظهروا من أوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة،

    فلن يستطيعوا،

    فهل منهم أحد يخلق شيئًا أو يرزق،

    أو يملك شيئًا من المخلوقات،

    أو يدبر الليل والنهار، الذي جعله الله قياما للناس؟.



    و { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ْ}

    في النوم والراحة بسبب الظلمة، التي تغشى وجه الأرض،

    فلو استمر الضياء، لما قروا، ولما سكنوا.


    { و ْ} جعل الله { النَّهَارَ مُبْصِرًا ْ} أي: مضيئًا، يبصر به الخلق،

    فيتصرفون في معايشهم، ومصالح دينهم ودنياهم.



    { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ْ}

    عن الله، سمع فهم، وقبول، واسترشاد، لا سمع تعنت وعناد،

    فإن في ذلك لآيات، لقوم يسمعون،


    يستدلون بها على أنه وحده المعبود

    وأنه الإله الحق،

    وأن إلهية ما سواه باطلة،

    وأنه الرءوف الرحيم العليم الحكيم.

    الحمد لله رب العالمين

  15. #215

    افتراضي

    ( 137 )




    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ

    لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ

    إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *

    قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ *

    مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ

    ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ْ}

    { 68 - 70 ْ}


    يقول تعالى مخبرًا عن بهت المشركين لرب العالمين

    { قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ْ}

    فنزه نفسه عن ذلك بقوله: { سُبْحَانَهُ ْ}

    أي: تنزه عما يقول الظالمون في نسبة النقائص إليه علوًا كبيرًا،



    ثم برهن على ذلك، بعدة براهين:

    أحدها: قوله: { هُوَ الْغَنِيُّ ْ} أي: الغنى منحصر فيه،

    وأنواع الغنى مستغرقة فيه،

    فهو الغني الذي له الغنى التام بكل وجه واعتبار من جميع الوجوه،

    فإذا كان غنيًا من كل وجه،

    فلأي شيء يتخذ الولد؟

    ألحاجة منه إلى الولد،

    فهذا مناف لغناه فلا يتخذ أحد ولدًا إلا لنقص في غناه.



    البرهان الثاني، قوله: { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ْ}

    وهذه كلمة جامعة عامة

    لا يخرج عنها موجود من أهل السماوات والأرض،

    الجميع مخلوقون عبيد مماليك.


    ومن المعلوم أن هذا الوصف العام ينافي أن يكون له منهم ولد،

    فإن الولد من جنس والده، لا يكون مخلوقًا ولا مملوكًا.

    فملكيته لما في السماوات والأرض عمومًا، تنافي الولادة.



    البرهان الثالث، قوله: { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ْ}

    أي: هل عندكم من حجة وبرهان يدل على أن لله ولدًا،

    فلو كان لهم دليل لأبدوه،

    فلما تحداهم وعجزهم عن إقامة الدليل، علم بطلان ما قالوه.

    وأن ذلك قول بلا علم،


    ولهذا قال: { أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ْ}

    فإن هذا من أعظم المحرمات.



    { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ْ}

    أي: لا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم،

    وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلاً،

    ثم ينتقلون إلى الله، ويرجعون إليه،

    فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.


    { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ْ}

    الحمد لله رب العالمين

  16. #216

    افتراضي

    ( 138 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي

    فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ

    وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *

    وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا

    وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*

    وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ

    فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ }

    { 104 - 106 }




    يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين،

    وإمام المتقين وخير الموقنين:

    { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ْ}

    أي: في ريب واشتباه، فإني لست في شك منه،

    بل لدي العلم اليقيني أنه الحق،

    وأن ما تدعون من دون الله باطل،

    ولي على ذلك الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة.


    ولهذا قال: { فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ}

    من الأنداد، والأصنام وغيرها،

    لأنها لا تخلق ولا ترزق،

    ولا تدبر شيئًا من الأمور،

    وإنما هي مخلوقة مسخرة،

    ليس فيها ما يقتضي عبادتها.



    { وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ }

    أي: هو الله الذي خلقكم، وهو الذي يميتكم، ثم يبعثكم،

    ليجازيكم بأعمالكم، فهو الذي يستحق أن يعبد،

    ويصلى له ويخضع ويسجد.


    { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ْ}

    أي: أخلص أعمالك الظاهرة والباطنة لله،

    وأقم جميع شرائع الدين حنيفًا، أي: مقبلاً على الله، معرضًا عما سواه،



    { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ْ}

    لا في حالهم، ولا تكن معهم.


    { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ْ}

    وهذا وصف لكل مخلوق،

    أنه لا ينفع ولا يضر،

    وإنما النافع الضار، هو الله تعالى.


    { فَإِنْ فَعَلْتَ ْ}

    بأن دعوت من دون الله، ما لا ينفعك ولا يضرك

    { فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ْ}

    أي: الضارين أنفسهم بإهلاكها،


    وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى:

    { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ْ}



    فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره،

    لكان من الظالمين المشركين

    فكيف بغيره ؟!!
    الحمد لله رب العالمين

  17. #217

    افتراضي

    ( 139 )


    من سورة يونس عليه الصلاة والسلام


    { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ

    فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ

    وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ

    يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }


    { 107 }



    هذا من أعظم الأدلة على أن الله وحده المستحق للعبادة،

    فإنه النافع الضار، المعطي المانع،

    الذي إذا مس بضر، كفقر ومرض، ونحوها

    { فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ }

    لأن الخلق، لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء،

    لم ينفعوا إلا بما كتبه الله،

    ولو اجتمعوا على أن يضروا أحدا،

    لم يقدروا على شيء من ضرره، إذا لم يرده الله،


    ولهذا قال: { وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ }

    أي: لا يقدر أحد من الخلق، أن يرد فضله وإحسانه،



    كما قال تعالى:

    { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ، فَلَا مُمْسِكَ لَهَا

    وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ }



    { يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }

    أي: يختص برحمته من شاء من خلقه،

    والله ذو الفضل العظيم،


    { وَهُوَ الْغَفُورُ } لجميع الزلات، الذي يوفق عبده لأسباب مغفرته،

    ثم إذا فعلها العبد، غفر الله ذنوبه، كبارها، وصغارها.


    { الرَّحِيمِ } الذي وسعت رحمته كل شيء،

    ووصل جوده إلى جميع الموجودات،

    بحيث لا تستغنى عن إحسانه، طرفة عين،



    فإذا عرف العبد بالدليل القاطع،

    أن الله، هو المنفرد بالنعم، وكشف النقم،

    وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات،

    وأن أحدًا من الخلق، ليس بيده من هذا شيء

    إلا ما أجراه الله على يده،

    جزم بأن الله هو الحق،

    وأن ما يدعون من دونه هو الباطل.


    الحمد لله رب العالمين

  18. #218

    افتراضي

    ( 140 )


    من سورة هود ( عليه الصلاة والسلام )




    { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا

    وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
    ومستودعها

    كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }


    { 6 }


    أي: جميع ما دب على وجه الأرض، من آدمي، أو حيوان بري أو بحري،

    فالله تعالى قد تكفل بأرزاقهم وأقواتهم، فرزقها على الله.


    { وَيَعْلَمُ
    مُسْتَقَرَّهَا ومستودعها } أي: يعلم مستقر هذه الدواب،

    وهو: المكان الذي تقيم فيه وتستقر فيه، وتأوي إليه،

    ومستودعها: المكان الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها،

    وعوارض أحوالها.


    { كُلِّ } من تفاصيل أحوالها

    { فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }

    أي: في اللوح المحفوظ المحتوي على جميع الحوادث الواقعة،

    والتي تقع في السماوات والأرض.


    الجميع قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه،

    ونفذت فيها مشيئته، ووسعها رزقه،

    فلتطمئن القلوب إلى كفاية من تكفل بأرزاقها،

    وأحاط علما بذواتها، وصفاتها.

    الحمد لله رب العالمين

  19. #219

    افتراضي

    ( 141 )


    من سورة هود ( عليه الصلاة والسلام )


    { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

    وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ

    لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

    وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ

    لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }

    { 7 }


    يخبر تعالى أنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }

    أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة

    { و } حين خلق السماوات والأرض

    { كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } فوق السماء السابعة.


    فبعد أن خلق السماوات والأرض استوى عليه يدبر الأمور،

    ويصرفها كيف شاء من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية.



    ولهذا قال: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: ليمتحنكم،

    إذ خلق لكم ما في السماوات والأرض بأمره ونهيه،

    فينظر أيكم أحسن عملا.



    قال الفضيل بن عياض رحمه الله:

    "أخلصه وأصوبه"

    قيل يا أبا علي: "ما أخلصه وأصوبه" ؟.


    فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا، لم يقبل.


    وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل،

    حتى يكون خالصا صوابا.


    والخالص: أن يكون لوجه الله،

    والصواب: أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة،



    وهذا كما قال تعالى:

    { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }


    وقال تعالى:

    { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

    يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

    وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }



    فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ومعرفته بأسمائه وصفاته،

    وأمرهم بذلك،

    فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين،

    ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون،

    ولا بد أن يجمعهم في دار يجازيهم فيها

    على ما أمرهم به ونهاهم.
    الحمد لله رب العالمين

  20. #220

    افتراضي

    ( 142 )

    من سورة هود ( عليه الصلاة والسلام )

    { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ

    وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *

    فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ

    فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

    فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

    { 13 - 14 }



    { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } أي: افترى محمد هذا القرآن؟

    فأجابهم بقوله: { قُلْ } لهم

    { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ

    وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

    أنه قد افتراه ،

    فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة،

    وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته،

    فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات.


    { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } على شيء من ذلكم


    { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ }

    [من عند الله] لقيام الدليل والمقتضي، وانتفاء المعارض.



    { وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي: واعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

    أي: هو وحده المستحق للألوهية والعبادة،

    { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

    أي: منقادون لألوهيته، مستسلمون لعبوديته،



    وفي هذه الآيات

    إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله

    أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين.


    خصوصا إذا كان القدح لا مستند له،

    ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك،

    ماضيا على أمره، مقبلا على شأنه،



    وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها.

    بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض،

    على جميع المسائل والمطالب.



    وفيها أن هذا القرآن، معجز بنفسه،

    لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله،

    ولا بعشر سور من مثله، بل ولا بسورة من مثله،

    لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك،

    فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك.



    وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن،

    علم القرآن، وعلم التوحيد،


    لقوله تعالى:

    { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •