الحلقة الرابعة من : قراءة أبي عُبُود لكتاب (الجامع في العلل والفوائد/ للدكتور الفحل)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الرابعة من : قراءة شيخنا أبي عُبُود - عبد الله بن عبود باحمران - لكتاب ( الجامع في العلل والفوائد / للدكتور ماهر الفحل ) .

قال الشيخ الفاضل أبو عُبُود عبدالله بن عبود باحمران - حفظه الله ووفقه - :

((
الحلقة الرابعة :

ب) لم تحتفِ بذكر الوساطة ما يفيد أنها من أبي إسحاق لا من شعبة :
1) وذلك أَنْ يُصرِّح إمام ناقد أنّ أبا إسحاق لم يسمع من فروة ، أو لم يسمع من فروة هذا الحديث .
2) لم يذكر الدكتور الفاضل أنه رُوي عن أبي إسحاق في إحدى طرق الحديث عنه أنّه قال : (( حُدِّثْتُ عن فروة )) .
3) لم يذكر الدكتور الفاضل أنَّ أبا إسحاق صرَّح بالسماع من الوساطة التي ذكرها فقال : (( حدثنا رجل ، عن فروة ... )) .
ج) وقع لشعبة نحو هذا :
فقد زاد وساطة بين حجر بن عنبس ووائل بن حجر وهو علقمة بن وائل ، لم يزدها سفيان ورجَّح البخاري وغيره رواية سفيان على رواية شعبة ، وقد بيَّن ذلك الدكتور الفاضل في (4/427-430) ، وفي (4/430-437) .
د) عناية شعبة بالمتون وحفظها أعلى من عنايته بالأسانيد فيحْدُث من ذلك أنْ يَضْعُفَ ضبطه أحياناً نادرة لبعض الأسانيد ، فيزيد فيها بما فيه مخالفة لمن هو أولى منه وخاصة سفيان الثوري . وقد قال الدكتور الفاضل في (4/427) : (( والسبب في خطأ شعبة في الأسانيد : عنايته بالمتون ... )) أهـ .
11) ومن مرجحات الرواية الموصولة نشاط أو اختلاط أبي إسحاق فقد قال الدكتور في (2/75- 76) : (( ويبدو أن هذا هو صنيع صاحبي الصحيحين ، فقد أخرجا عن بعض المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط ، فقد أخرج البخاري ... وكذلك روى الإمام مسلم لأبي إسحاق السبيعي بطريق عمار بن رزيق ... )) أهـ .
ي) وأزيد مثالاً آخر يتبيَّن منه أنَّ الدكتور يعتمد في ترجيحه على الدليل وليس على قول الإمام المتقدم :
1) ففي (4/404-413) : ذكر رواية حماد بن سلمة ، وعبد العزيز الدراوردي ، ومحمد بن إسحاق ، وعبد الواحد بن زياد ، وأبي طوالة ، وخارجة بن مصعب ، كلهم عن عمرو بن يحيى بن عُمارة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، مرفوعاً .
2) ثم ذكر رواية سفيان ، عن عمرو ، عن أبيه مرسلاً .
3) ماذا صنع الدكتور الفاضل تجاه هاتين الروايتين الموصولة والمرسلة ؟ .
4) قال الدكتور الفاضل في (4/407-408) : (( بقي أنْ نعرف هل الصواب في هذا الحديث الوصل كما في رواية حماد ومن تابعه ، أو هو مرسلٌ كما هو عند الثوري ؟
إنَّ الحكم في هذا إذا كان استناداً إلى قواعد الترجيح المعتمدة ، وعلى ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث يكون لصالح الرواية الموصولة ؛ لأنَّه جاء من عدة رواة أغلبهم من الثقات عن عمرو ، في حين أنَّ الثوريَّ تفرد بإرساله . ولكن رغم هذا فقد ذهب بعض العلماء إلى ترجيح المرسل ... )) أهـ .
5) الدكتور حكم للرواية الموصولة استناداً إلى الدليل المُرَجِّح وليس لقول الإمام المتقدم .
6) بهذا الدليل المُرَجِّح خالف حكم (( بعض العلماء )) للرواية المرسلة .
7) هل (( بعض العلماء )) من المتأخرين أم من المتقدمين ؟ .
8) الدكتور الفاضل نقل قول الذين خالفهم ، فقال في (4/408) : (( ولكن رغم هذا فقد ذهب بعض العلماء إلى ترجيح المرسل قال الترمذي : " حديث أبي سعيد ... وكأنَّ رواية الثوري ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أثبت وأصح " ... وقال الدارمي : " الحديث أكثرهم أرسلوه " . وقال الدارقطني ... : " والمرسل المحفوظ " . وضعفه النووي ... )) أهـ .
9) فقد خالف الدكتورُ الأئمةَ النقاد المتقدمين : الترمذي ، الدارمي ، الدارقطني ، الذين قال الدكتور في حقهم : (( ولكن رغم هذا ذهب بعض العلماء ... )) .
والصواب مع (( بعض العلماء )) الذين حكموا للرواية المرسلة ، والدكتور يجمد على قرينة الترجيح بالعدد ، ويغفل عن قرينة الترجيح بالصفة : الحفظ والضبط والإتقان عند مخالفة العدد الذين هم دونه حفظاً وإن كانوا ثقاتاً ، وأنَّ راوياً واحداً – وهنا سفيان – يَرْجحُ بعددٍ من الرواة الثقات أحياناً – كما في هذه الرواية المرسلة – وسفيان عند الدكتور : (( الجبل في الحفظ والإتقان حتى أنه ما خالفه ثقة إلاّ وكان الصواب عند الثوري )) كما في (2/255) ، ولا أتذكّر أنّ الدكتور ذَكَرَ قرينة الترجيح هذه ضبط وإتقان الفرد في كتابه ( الجامع ) ، وأنها تُقَدَّم أحياناً على القرينة العامة الأقوى التي هي قرينة العدد ، أ و رجَّح بها إلاَّ في (4/358) فقط .
ولن أبجث بيان صواب ترجيح : (( بعض العلماء )) ؛ لأنه ليس من طريقتي في هذه القراءة ، والبحث المجمل في البيان السابق لبيان نوعٍ من ترجيحات الدكتور ، والإشارة إلى غيرها .
10) وذكر الدكتور (( بعض العلماء )) الذين استأنس بهم – هل اتَّبَعهم ؟ - في ترجيحه الرواية الموصولة في (4/410-412) وهم : الرافعي ، ابن المنذر ، الحاكم ، ابن حزم ، ابن دقيق العيد ، ابن تيمية ، ابن التركماني ، الألباني . وعقب ذلك قال الدكتور في (4/413) : (( ومما تقدم أرى أنَّ حديث عمرو موصولاً أصح ... ) أهـ .
ك) كنتُ نويتُ الاكتفاء بالمثالَيْن السابقَيْن ؛ فنقضتُ ذلك لتأكيد الدليل ؛ فأزيد مثالاً ثالثاً :
1) ذكر الدكتور الفاضل في (1/233) حديث همام بن يحيى ، عن ابن جُرَيْج ، عن الزهري ، عن أنس قال : (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )) .
2) ونقل فيه قول أبي داود : (( هذا حديث منكر ، وإنَّما يعرف عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس : (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ خاتماً من وَرِقٍ ثم ألقاه )) والوهم فيه من همام ، ولم يرو إلا همام )) أهـ .
3) ونقل بعده قول النسائي : (( هذا حديث غير محفوظ )) .
4) وقول النسائي مجمل هو قول أبي داود نفسه المُبيِّن من قول الدكتور نفسه حين قال في (1/2340 – الحاشية " 5 " ) : (( ... فالمنكر وغير المحفوظ هما واحد عند المتقدمين )) أهـ .
5) وإنما نوَّعا العبارة ؛ لأنه عند أبي داود قَوِيَ ظهور وهم همام بن يحيى في الحديث بمخالفته المعروف المعلوم ؛ فبيَّنه مصرِّحاً فيه بوهمه .
والنسائي أجمل الحكم الذي فيه تفرُّد همام بما لا يحتمل منه ولم يقوَ عنده وهمه وخطؤه أن يصل إلى النكارة ؛ فيصرِّح بها .
والدكتور الفاضل لم أذكر أن بيَّن وعلَل في كتابه ( الجامع ) لماذا الأئمة في حديثٍ واحدٍ يقولون : (( منكر )) ، (( غير محفوظ )) ، (( خطأ )) ، (( وهم )) ؟ .
وفي كلا الحكمين الحكم بتفرُّد همام بن يحيى ؛ لأن أدنى ما يجتمع فيه الحكم بـ (( منكر )) و (( غير محفوظ )) هو وجود التفرد ، والتفرُّد ليس علةً بذاته وإنما هو كاشف للعلة القادحة أو للتفرُّد المقبول وذلك لحال الإسناد والمتن . وهنا التفرُّد الكاشف للعلة القادحة التي جعلت أبا داود يصرِّح بالنكارة مبيِّناً سببها ومَن يتحمَّلها .
6) ماذا صنع الدكتور الفاضل مع حكم الإمامَيْن الناقدَيْن المتقدمَيْن أبي داود والنسائي ؟ .
7) ردَّه متَّبعاً الدليل ، حين دفع على الأقل حكمهما الأدنى – وهو التفرُّد – بالمتابعة ، وذلك على أسلوب السؤال والجواب .
8) قال الدكتور في (1/235-237) : (( وقد يقول قائل : إنَّ نسبة الوهم فِيْه إلى همام فيها نظر ، ووجهة النظر فيه : إنَّ توهيم همام في متن الحديث وإسناده إنما يتجه فيما لو صحت دعوى تفرده ومخالفته متناً وإسناداً ، ولكننا نجد أنَّ هماماً متابع عليه متناً وإسناداً ، فقد رواه الحاكم ... من طريق يحيى بن المتوكل البصري عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس ، به مرفوعاً . فنقول : أما يحيى بن المتوكل، فقد ذكره ... فمن هذا يظهر أنَّ حال يحيى يصلح للمتابعة والاعتضاد ، ... وبهذا تظهر صحة متابعة يحيى بن المتوكل لهمام ... ويبدو أنَّ الخطأ في هذا الحديث من ابن جريج ، ولا سيما أنَّ ابن المتوكل وهماماً بصريان ، وقد نص العلماء على أنَّ رواية البصريين عن ابن جريج فيها خلل من جهة ابن جريج لا من جهة أهل البصرة . وبيانه : أنَّ ابن جريج دلّس على البصريين الوساطة بينه وبين الزهري ، وهو زياد بن سعد ، وقد صرَّح بِهِ لغيرهم . كما أنَّه – وعند تحديثه لأهل البصرة – لم يكن متقناً لحفظ المتن فأخطأ فيه . فانحصر الخطأ في تدليس ابن جريج ، ... )) أهـ .
9) ففي قول الدكتور هذا :
*أ) ردّ (( دعوى تفرد همام ومخالفته متناً وإسناداً )) .
*ب) الوهم ليس من همام إنما : (( فانحصر الخطأ في تدليس ابن جريج )) .
*ج) على ماذا اعتمد ؟ اعتمد على : (( صحة متابعة يحيى بن المتوكل لهمام )) .
10) فالدكتور خالف أبا داود ، والنسائي في أمرين :
الأول : الحكم بالتفرُّد ؛ فنتج عنه :
الآخر : تحميل الوهم تدليس ابن جُرَيج ، لا همَّاماً .
11) وأتذاكر مع الدكتور الفاضل في أمور :
الأول : إذا نصَّ إمام متقدم – كما هنا – على التفرُّد المقرون بالإعلال ، كيف تكون النظرة للمتابعة للمتفرِّد وخاصة ممن مرتبته في الحفظ : (( يصلح للمتابعة والاعتضاد )) – كما هنا - ؟ .
هل في الآتي من قول الدكتور إجابة ؟ فإنه قال في (2/171) : (( أما المتقدمون : فالأصل عندهم في تنصيصهم على تفرد الراوي بالحديث إشارتهم إلى استغراب ذلك المتفرد ، وإعلال الرواية به ، و أحياناً قليلة يريدون إعلال متابعاتها ، وعدم الاعتداد بتلك المتابعات .. )) أهـ .
هذا في التفرُّد كيف ومع التفرُّد الجزم بتوهيم المتفرِّد الذي هو هنا همام ؛ والذي يمنعها من صلاحيتها وغيرها من رفع الوهم ؟ .
الجواب من أبي عُبُود : (( جزمُ إمامَيْن ناقدَيْن على أنَّ هماماً تفرَّدَ ووهمَ هو حكم ناتج عن استقراء تام للمرويات ولم يخفَ عليهما طريق ابن المتوكل )) . والذي قال نحوه الدكتور في نحو هذا المقام في (2/129) .
الثاني : قول الحافظ الذي نقلتَه عنه في (1/234) : (( والخلل في هذا من جهة أن ابن جريج دلَّسه عن الزهري ، بإسقاط الواسطة ، زياد بن سعد ، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره )) أهـ .
هل في قول الحافظ هذا – وهو من المتأخرين – تسليم وانقياد لجزم أبي داود ، وغيره ، لتحميل همام الوهم في متنه ؟ .
الثالث : ابن المتوكل وهمام بصريان ، وكذلك مِمَّن روى عن ابن جُرَيج بدون : (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )) رَوحُ بن عُبادة ، وهو بصري . والدكتور عزى رواية رَوح هذه إلى (( مسلم في صحيحه (6/152 "2093" "60 " )) كما في (1/235- الحاشية "3" ) . ورَوح أرجح منهما بدون مُرَجِّح .
و(( سماع رَوح منه كان بالبصرة )) نقله الدكتور في (1/263) عن الحافظ مقراً له .
الرابع : إذا كان ابن جُريج دلَّس على البصريين الوساطة بينه وبين الزهري ، وهو زياد بن سعد ، وصرَّح به لغيرهم ، فلماذا دلَّسه ؟ ما هو السبب من أسباب التدليس الذي يُنَزَّل على زياد بن سعد ؟ .
(( زياد بن سعد أثبت أصحاب الزهري )) نقله الدكتور في (1/234- الحاشية "1" ) ؛ فَمَن هذا حاله أّيُدلِّسه ابنُ جُرَيج ؟ .
الجواب من الدكتور نفسه ، فإنه قال في (1/250) : (( هذا الإسناد تالف ، من أجل تدليس ابن جريج وهو مع ثقته وجلالته يدلس تدليساً قبيحاً كما ذكره الدارقطني )) . وفي ( الحاشية "3" ) نقل قول الدارقطني : (( تجنب تدليس ابن جريج فإنَّه قبيح التدليس لا يدلس إلاَّ فيما سمعه من مجروح )) ؛ لذلك قال الدكتور في (1/251) : (( وإنما صنع ابن جريج هذا لشدة ضعف شيخه محمد بن عبيد الله ، وبهذا نفهم معنى كلام الدارقطني بأن ابن جريج يدلس تدليساً قبيحاً ؛ إذ لا يدلس إلاَّ عن مجروح )) أهـ ؟ .
فهل زياد بن سعد مجروح ؟ .
وبهذا نُرْجِع قول الدكتور عليه عندما قال في (5/269) : (( وأنا أُحذِّرُ من تصحيحات المتأخرين التي تنبثق من النظر إلى كثرة الأسانيد من غير الخوض في غمرة عللها ، مخالفين أو متجاهلين حينذاك تعليلات الأئمة المتقدمين من أهل الشأن والحفظ والإتقان الذين سبروا وخبروا المتون واطلعوا على كوامن العلل وخفايا المتون والأسانيد ، فإليهم المآل في هذا الأمر ، وكلامهم هو الحكم الذي ترضى حكومته )) أهـ .
فكيف يا دكتور بمتابعة واحدة ومِمّن يصلح في الشواهد والمتابعات رددتَ حكومة أبي داود والنسائي ، واتّبعتَ مَنْ هو بعض ممَّن تعنيهم بهذا التحذير ؟ .
ل) وأزيدُ مثالاً آخــر .......
يتبع .