[في أقسام نشوء البدع]
البدعة تنشأُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) : ـ وَهُوَ أَظْهَرُ الأقسام ـ أن يخترعها المبتدع.
(الثاني) : أَنْ يَعْمَلَ بِهَا الْعَالِمُ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ، فيفهمها الجاهل مشروعة.
(الثالث) : أَنْ يَعْمَلَ بِهَا الْجَاهِلُ مَعَ سُكُوتِ الْعَالِمِ عَنِ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَيَفْهَمَ الْجَاهِلُ أنَّها ليست بمخالفة.
(الرابع) : مِنْ بَابِ الذَّرَائِعِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي أَصْلِهِ مَعْرُوفًا، إِلَّا أنَّه يَتَبَدَّلُ الِاعْتِقَادُ فِيهِ مَعَ طُولِ الْعَهْدِ بِالذِّكْرَى.
إِلَّا أنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ لَيْسَتْ عَلَى وِزانٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْبِدْعَةِ عَلَيْهَا بِالتَّوَاطُؤِ، بَلْ هِيَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ عَلَى تَفَاوُتٍ؛ فالأوَّل هُوَ الْحَقِيقُ بِاسْمِ الْبِدْعَةِ، فإنَّها تُؤْخَذُ عِلَّةً بِالنَّصِّ عَلَيْهَا، وَيَلِيهِ الْقِسْمُ الثَّانِي، فإنَّ الْعَمَلَ يُشْبِهُهُ التَّنْصِيصُ بِالْقَوْلِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَبْلَغَ مِنْهُ في مواضع، لأنَّ الصَّوَارِفَ لِلْقُدْرَةِ كَثِيرَةٌ، قَدْ يَكُونُ التَّرْكُ لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، فإنَّه لَا عُذْرَ فِي فعل الإنسان بالمخالفة، مع علمه بكونها مخالفة.وَيَلِيهِ الْقِسْمُ الرَّابِعُ، لأنَّ الْمَحْظُورَ الْحَالِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِيهِ بِالْعَرْضِ، فَلَا تَبْلُغُ المفسدة المتوقعة أن تساوي رُتْبَةَ الْوَاقِعَةِ أَصْلًا، فَلِذَلِكَ كَانَتْ مِنْ بَابِ الذَّرَائِعِ، فَهِيَ إِذًا لَمْ تَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ فِي الْحَالِ بِدْعَةً، فَلَا تَدْخُلُ بِهَذَا النَّظَرِ تَحْتَ حَقِيقَةِ الْبِدْعَةِ.
وأمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَالْمُخَالَفَة ُ فِيهِ بِالذَّاتِ، وَالْبِدْعَةُ مِنْ خَارِجٍ، إِلَّا أنَّها لَازِمَةٌ لُزُومًا عَادِيًّا، وَلُزُومُ الثَّانِي أَقْوَى من لزوم الثالث، واللهُ أعلم.
مختصر كتاب الاعتصام (98)