دور الاحتياج المعنوي في أمن اللبس
إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في أسلوب القرآن الكريم الذي يرفض اللبس ولا يترك له مجالا البتة ، فعند إضافة المصدر إلى الفاعل ثم لا يُذكر المفعول ،وعند إضافة المصدر إلى المفعول ولا يُذكر الفاعل ،قد يحصل اللبس ،إلا أننا نجد القرآن الكريم سرعان ما يبدد اللبس عن طريق السياق اللغوي والاحتياج المعنوي ،وذلك كما في الأمثلة التالية :
قال تعالى"وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة "فهنا المصدر "استغفار" مضاف إلى الفاعل "إبراهيم" بدليل قوله تعالى "لأبيه"فسيدنا إبراهيم هو المستغفِر وهو الفاعل لا المفعول ،وإذا حذفنا كلمة "لأبيه "حصل اللبس، أما إذا اعتبرنا كلمة "الاستغفار" خاصة بالله تعالى ،وأن الاستغفار يكون من العبد إلى الله وليس من الإنسان إلى الإنسان فلا لبس أصلا ،لأنه لا يوجد احتياج معنوي بين الاستغفار والإنسان ،فلا نقول:استغفرت زيدا ،بل:استغفرت الله.
وقال تعالى"لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " وكلمة "دعاء"مصدر مضاف إلى مفعوله ،والفاعل هو الإنسان الذي يدعو بالخير ،والخير لا يدعو " فعلاقة " الخير" مع المضاف هي علاقة المصدر مع المفعول وليس الفاعل ،والاحتياج المعنوي يحل لنا المشكلة ،لأن الخير لا يدعو . وقال تعالى" متى نصر الله" فهل المصدر مضاف إلى الفاعل أم إلى المفعول؟السياق اللغوي يقول لنا:إن المصدر مضاف إلى الفاعل ،بدليل السياق اللغوي"وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله "فهم لم يعودوا قادرين على إحراز النصر دون عون الله .
وقال تعالى" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم" فهل كلمة "أذى" مضافة إلى الفاعل أم إلى المفعول؟السياق الداخلي يدلنا على أن المصدر مضاف إلى الفاعل بدليل قوله تعالى"وتوكل على الله" الذي يؤذن بأن الله سيعصمه من الناس ،وبدليل السياق الخارجي كذلك ،لأننا نعرف أن المشركين هم الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويستشهد النحاة المحدثون على لبس اللغة بالعبارات المشهورة"زيارة بعض الناس تجلب الهم " و"نقد تشومسكي نقد مبرر" ،فلا ندري هل المصدران:"زيارة" و"نقد" مضافان إلى الفاعل أم إلى المفعول ؟والذي يبدو لي أن هذه العبارات ملبسة وهي بحاجة إلى أن تحتوي على ما يزيل لبسها ،وذلك في السياق اللغوي الداخلي أو ما ينوب عنه من السياق الخارجي ،فجملة "زيارة بعض الناس تجلب الهم" و"نقد تشومسكي نقد مبرر"لا بد أن تحتوي على ما يزيل لبسها في السياق اللغوي الداخلي أو الخارجي ،وإلا كانت جملا غير مفهومة ، والمتكلم لا يقول جملا غير مفهومة ، فجملة "زيارة بعض الناس تجلب الهم" ينبغي أن تكون مثلا"زيارة بعض الناس لنا تجلب الهم" أو "زيارة بعض الناس في بيوتهم تجلب الهم"أو أن ينوب السياق الخارجي عن ذلك بكون المخاطب يعلم بأمر الزيارة ،كأن يقول لك شخص منزعج وقد شاهدتَ خروج الزوار من عنده "زيارة بعض الناس تجلب الهم"فتعرف أنه يقصد إضافة المصدر إلى الفاعل وليس إلى المفعول .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وأن الاحتياج المعنوي يقوم بدور هام في أمن اللبس .