وبعضهم يأتيه فتحُه
- كما يقولون -
في أيامٍ ،
وبعضهم في أسابيع ،
وبعضهم إلى عشرين سنَة ،
أو أكثر ،
وهو لم يُفتح عليه ،
يُردِّد يردِّد
ولم يفتح عليه ؛
فيقولون:
لم يُفتح عليك لأنَّ قلبك لم يتنقَّ ،
أو ارتباطك بالشيخ ضعيف !.
وبعضهم يأتيه فتحُه
- كما يقولون -
في أيامٍ ،
وبعضهم في أسابيع ،
وبعضهم إلى عشرين سنَة ،
أو أكثر ،
وهو لم يُفتح عليه ،
يُردِّد يردِّد
ولم يفتح عليه ؛
فيقولون:
لم يُفتح عليك لأنَّ قلبك لم يتنقَّ ،
أو ارتباطك بالشيخ ضعيف !.
الحاصل :
عندهم فلسفات طويلة ،
وأمور كثيرة يعالجون بها هذه الأمور ،
ثم إذا حصل الفتح أو الكشف :
ينتقل الطالب أو المريد
من مرحلة المجاهدات والرياضات
إلى مرحلةٍ يسمُّونها المشاهدات ،
والكشوفات ، والتجليات :
فيحصل له الفتح بأن يُخاطَب
- يخاطبُه رجلٌ -
أو يرى مناظر غريبة جدّاً ،
أو يرى أشياء تخاطبه وتكلمه ،
وهذا الفتح يكون عبارة
عن كرامة بالنسبة لهذا المريد ،
فإذا أعطي هذه الكرامة
- كما يسمُّونها –
تكون : خوارق حسيَّة ،
وتكون اطِّلاع على المغيبات
- كما يعتقدون - ،
تكون برؤية النبيِّ صلى الله عليه وسلم ،
والاجتماع به يقظة ،
تكون بمخاطبة الله له مباشرة !! .
وبالمناسبة
أذكر لكم أن هناك كتاباً اسمه
"المواقف والمخاطبات"
لعبد الجبار النَّسَري ،
عاش في القرن الخامس ،
وهو كتاب كبير ،
أظنه أكثر من خمسمائة صفحة ،
هذا الكتاب كله مخاطبات ، ومواقف ،
مثل : وقفتُ بين يدي الله الحق فقال لي !
وخاطبني الحق فقال لي !
وهذا مِن أئمتهم ،
ويستشهدون بما في هذا الكتاب
الذي حققه المستشرقون
- الذين هم دائماً وراء نشر تراث الصوفية - .
المهم :
تحصل له هذه المخاطبات ،
أو هذه المكاشفات ،
ثم ينتقل بعد ذلك من هذه الكرامات
إلى أنه قد يصير هو شيخاً ،
ويمكن أن يبقى مرتبطاً بالشيخ الأول ،
المهم :
أن الدرجة الخامسة
بعد الكرامات ، والكشوفات هي :
الشطحات :
وهو أنه إذا ذَكَر ،
أو حضر مجلس ذكر ،
أو حضر أمامه ناسٌ :
تظهر على لسانه
الكلمات الكفرية الشنيعة جدّاً ،
ويسمُّونها شطحات
ويعبِّرون بها عن عين الجمع
- كما يسمُّونه -
ومعنى عين الجمع :
اتحادهم بالله !!
- والعياذ بالله -
أو الاستغراق ،
أو السُّكُر ،
والحُب ،
والوجد ،
أو ما يلبِّسون به على النَّاس
بأنَّ هذه الكلمات الكفريات
سببها هذا الكلام ،
ثم إن من يبلغ به الحد إلى الشطحات
- كما كان الحلاَّج وأمثاله
كل كلامهم شطحات من هذه الكفريات -
يعتبرون أنَّ هذا قد بلغ غاية الولاية ،
عندما يمشي الحلاج في الشارع - مثلاً -
ويدَّعي أنَّه هو الله!
ويقول :
أنا الحق!
وما في الجبة إلا الله!
ويسمعه الناس
- هو وأبو اليزيد البسطامي وأمثالهم - .
يقولون:
إن هذه الدرجة : الولاية الكبرى ،
هذا ليس كفراً !
كما يظنُّ النَّاس الملبَّس عليهم ،
المحجوبون ، المغفلون ،
هذا مِن عِظَم ولايتهم ،
ترقَّوا في مشاهدة الحقَّ !
والفناء فيه ،
والجمع معه ،
والالتصاق به ،
حتى أصبحوا بهذه الدرجة ،
هذا الأمر يجعلنا نستعرض
بعض كلام لأبي حامد الغزالي ،
وأنا تعمدت اختيار الغزالي لأنَّه متقدمٌ ؛
ولأن كتبه مشهورة ،
ولأنَّه معروف عند الكثير.
يقول الغزالي
في الجزء الرابع من "مجموعة رسائله" (صفحة 25) :
أول مبادئ السالك :
أن يكثر الذكرَ بقلبه ،
ولسانه بقوة ،
حتى يسري الذكر في أعضائه ، وعروقه ،
وينتقل الذكر إلى قلبه .
- قال سفر :
لعلَّ الوقت يتَّسع ،
وأنقل لكم صورة مولد حصلت ،
وحضرها أحد الكتَّاب الإنجليز ،
وسجَّلها ، ودوَّنها ،
لتشاهدوا قضية كيف أن الذِّكر يقوُّونه
حتى يدخل في الأعضاء ،
ثم يحصل للإنسان الإغماء - .
يقول :
فحينئذ يسكت لسانه ،
ويبقى قلبه ذاكراً يقول :
"الله ، الله "
باطناً مع عدم رؤيته لذكره ،
ثم يسكن قلبه ،
ويبقى ملاحظاً لمطلوبه ،
مستغرقاً به ،
معكوفاً عليه ،
مشغوفاً إليه ،
مشاهداً له .
- قال سفر :
وهذه درجة المشاهدة ،
يذكر الله - كما يزعمون -
حتى يصل إلى مرحلة المشاهدة ،
ولا تعجبوا مِن قوله
"يسكت حتى عن الذكر باللسان" ،
ثم حتى عن الذكر بالقلب ؛
لأنَّ الغزالي يذكر في "الإحياء" ،
يقول :
لا ينبغي للمريد في أثناء الخلوة أن يُشغل نفسه ،
لا بتفكيرٍ ،
ولا بحديثٍ
- يذكر ذلك عن الصوفية
لا عن نفسه فقط -
ولا بقرآنٍ ، ولا بعلمٍ ،
بل يتفرغ للذكر ،
فقط "الله ، الله "
أو : "هو ، هو" باللسان ،
والقلب ، والأعضاء ،
ثم يترك اللسان إلى القلب ،
ثم يترك القلب
فيصل إلى المشاهدة - .
ونتابع كلامه عن المشاهدة يقول :
ثم يغيب عن نفسه لمشاهدته ،
ثم يفنى عن كليَّته بكليَّته
حتى كأنَّه في حضرة !
{ لمن الملك اليوم للواحد القهار } ،
فحينئذ يتجلَّى الحقُّ على قلبه !
فيضطرب عند ذلك ،
ويندهش ، ويغلب عليه السُّكُر ،
وحالة الحضور ، والإجلال ،
والتعظيم ،
فلا يبقى فيه متَّسعٌ لغير مطلوبه الأعظم
- كما قيل :
فلا حاجة لأهل الحضور
إلى غير شهود عيانه !
وقيل في قوله تعالى
{ وشاهدٍ ومشهودٍ }
– قال سفر :
انظروا تفسير الباطنية -
قيل : فالشاهد : هو الله ،
والمشهود :
هو عكس جمال الحضرة الطلبية
فهو الشاهد والمشهود
- يعني :
الله تعالى - .
ثم يقول عن كيفية السير إلى الطريق ،
أو كيف يبذل الجهد اليسير ،
يقول :
هناك طرق أوأنواع :
الأول :
تقليل الغذاء بالتدريج ،
فإنَّ مَددَ الوجود ، والنَّفس ،
والشيطان من الغذاء ؛
فإذا قلَّ الغذاء :
قلَّ سلطانه .
قال سفر :
وهذا هو الذي يستعمله
سحرة الهند !
وهي التي تنقلهم إلى مرحلة
"المانخوليا"،
فإنَّ أيَّ إنسانٍ يجوع لأيامٍ طويلةٍ يُهلوس ،
ويهوِّس ،
ويرى مثل هذه الأشياء ؛
لكن هم يعتقدون أنها كشوفات إلهيَّة ،
وتجليات ربانيَّة
- والعياذ بالله - .
الثاني :
ترك الاختيار ،
وإفناؤه
- يعني يفني نفسه ، وينسى نفسه -
في اختيار شيخ مأمون ليختار له ما يصلحه فإنَّه –
أي : المريد - مثل الطفل ،
والصبي الذي لم يبلغ مبلغ الرجال ،
أو السفيه المبذِّر ،
وكل هؤلاء لابد لهم مِن وصيٍّ ،
أو وليٍّ ، أو قاضٍ ،
أو سلطان يتولى أمرهم .
قال سفر :
المريد يكون بمثل هذه الحالة ،
ولذلك قلت :
إن الإنسان يخلع عقله ،
ويخلع علمه ،
ويخلع كلَّ شيءٍ
عندما يريد أن يدخل
إلى عالم الصوفية ،
يسلِّم كلَّ شيءٍ للشيخ،
ولا يعترض عليه بأي شيءٍ .
الطريق الثالث :
يقول من الطرق
طريقة الجنيد قدَّس الله روحه ،
وهو خلال شرائط :
دوام الوضوء ،
ودوام الصوم ،
ودوام السكوت،
ودوام الخلوة،
ودوام الذكر
وهو قول لا إله إلا الله ،
ودوام ربط القلب بالشيخ ،
واستفادة علم الواقعات منه
بفناء تصرفه
في تصرف الشيخ ،
ودوام نفى الخواطر ،
ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى
في كل ما يرد منه عليه
ضراً كان أو نفعاً .
قال سفر :
[ هذه هي ] الجبرية المطلقة ،
والاستكانة المطلقة ،
ويقول
الآن أصبحت منفعلاً لما تختاره
مني ففعلي كله طاعات
يجلس وما يتصرف فيه الله
فهو الفعل ،
وهو الطاعة ،
كما قلنا هذا في الخلوة ،
وقد ترك الجمعة ،
والجماعة ، والعبادات .
إلى أن يقول :
وترك السؤال عنه مِن جنة ،
أو تعوذ من نار !
بمعنى :
يحذر في هذه الحالة
أن يسأل الله الجنة ،
أو يتعوذ به من النار !
لاحظتم هذا الربط بما ذكره
محمد علوي مالكي في كلامه السابق ،
ونقولاته السابقة ،
وما ذكرناه هناك
من أنَّهم لا يسألون الله الجنة ،
ولا يستعيذون به من النار ،
يعتبرون أنهم لو سألوا الله الجنة
في تلك اللحظة ،
والاستعاذة به من النار :
تفرق جمعيته - يعني : تشتت قلبه -
ولا يمكن أن يعود إلا بأن يبدأ الخلوة مِن أولها ،
ويبدأ الأذكار من أولها
حتى يجتمع قلبه على المحبوب وحده فقط ،
فلا ينظر إلى جنَّة ،
ولا إلى نار
ولا لأيِّ شيءٍ .
وإلى هنا هذا هو مقام المشاهدة .
يحذرنا الغزالي يقول :
إن الإنسان عندما ينتقل من مقام المشاهدة
إلى مقام المكاشفة
تبدأ الصور تظهر أمامه فيقول له :
كيف تفرِّق بين الصورة ؟
كيف تعرف حقائقها ؟