قال ابن القيم في ((إعلام الموقعين 13/12))
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصلبإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان اللهيبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنهأساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، «وقد استأذن الصحابة رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - في قتال الأمراء الذينيؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا، ما أقامواالصلاة» وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته» ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذاالأصل وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كانرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيعتغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت وردهعلى قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك - مع قدرته عليه - خشية وقوع ما هو أعظممنه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر،ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هوأعظم منه كما وجد سواء.

[
إنكار المنكر أربع درجات]
فإنكارالمنكر أربع درجات؛ الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لميزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شرمنه؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة؛فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدمالفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرميالنشاب وسباق الخيل ونحو ذلك، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أوسماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كانتركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلالهم عن ذلك، وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقلهعنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى، وهذا بابواسع؛ وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول: مررتأنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كانمعي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر اللهوعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموالفدعهم.