التعريف بدراسة مقارنة للإسلام بعلم الطب وعلم الأحياء

لعل
مما يسوغ القيام بدارسة مقارنة للإسلام بالطب أن الإسلام بتعاليمة وشعائره وفرائضه يكتسب من الوجهة الطبية على الخصوص أهمية بالغة بما اشتمل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من معطيات علمية صرفة كثيرة ومتنوعة مطابقة لمعارفنا الحديثة ، ولا سيما في علم الطب .ثم إذا نحن انطلقنا من هذا العلم فإننا نجده أثناء مزاولته وفي شتى ممارساته وعملياته يعرض عدة مواضيع للنقاش على أنظار رجال الفلسفة والأخلاق والفقه والتشريع هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا نجد الطب قد التحم بالأمة العربية وبالإسلام طوال ما يزيد على خمسة قرون التحاما تاما.وبالتالي فمعالجة موضوع الطب وعلم الأحياء من حيث علاقتهما بالإسلام تقتضي أن نناظر جملة وتفصيلا المعطيات العلمية بالمعطيات الدينية مستقاة من مصدريها اللذين هما القرآن والسنة. فهذا ما حاولنا القيام به عند فحصنا مختلف وجوه هذا الموضوع الذي لا يجمع شتاته سوى مفهوم الإنسان حسب القرآن.ولذلك توخينا بادئ ذي بدء أن نقدم في أول فصل مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي مقابلين هذا المفهوم ببعض المعطيات العلمية الحديثة غير متعمقين في ما وراء الطبيعة من غيبيات تنتصب شاهقة سامقة تملأ بجلالها حياة المسلمين الروحية والمادية مشرقة بأنوار الطهر والصفاء في حياة المحسنين من عباد الله الصالحين.فالقسم الأول من هذا البحث خصصناه لدراسة مجملة لعلاقات الطب وعلم الأحياء بالإسلام، وضمنه قدمنا الإطار الشرعي الإسلامي الذي فيه يمكن حل بعض المشاكل التي تطرح نفسها عند الممارسة الطبية ...أما الأقسام الأخرى فقد أردناها مفصلة ومحللة، وهي تعالج مواضيع طبية بدت لنا دراستها أكثر إفادة وإمتاعا، ألا وهي المبادئ الإسلامية الخاصة بالنظافة والصحة والوقاية الطبية والتغذية والتعاليم المتعلقة بالخمر والمخدرات وعملية الختان مع استعراضنا للقيم الطبية الكامنة في إقامة الشعائر الإسلامية محللة في الفصول التالية : الصلاة وآثارها الطبية ثم الصيام وعلاجه لبعض الأمراض ، ثم مسائل مختلفة تتعلق بتناسل البشر وتكون الجنين مثل ما ينص عليه القرآن، ثم الإجهاض ومنع الحمل والتعقيم والتلقيح الإصطناعي والوراثة وعلم تحسين النسل والتربية الإسلامية في ما يخص العلاقات الجنسية.وأخيرا جعلنا مسك الختام النظر في تراثنا الثقافي الطبي الإسلامي من خلال تاريخ الطب وتأمل ماضينا العربي المجيد مستدلين بذلك على أن الفكر العلمي للأطباءالعرب نبتت جذوره من دين الإسلام وخلد آثاره منذ القرونالوسطى في الحضارة الإنسانية التي تفرعت إلى نظريات علمية مستقاة من القرآن الكريم . وقد كان باعثنا على القيام بهذه الدراسة رغبة شديدة في إبراز أفكار ظلت تخامرنا مدة دراستنا الجامعية وألحت علينا بقوة في الطور النهائي فلم يسعنا إلا أن نتخذها مادة لبحثنا ،وهي تتلخص فيما يلي :

1) الإسلام دين له مبادئ شمولية ونظرته السديدة إلى الإنسان وإلى الكون وعلاقة أحدهما بالآخرتساعد على إدراك ماهية الإنسان من حيث كيانه النفساني -الجسماني والروحي وعلى تحقيق اتزانه وانسجامه مع محيطه البيئوي والكوني.

2) إن ديناً كدين الإسلام يتضمن عدة مبادئطبية وتتوثق ضمن تعاليمه الصلة بين ما هو تعبدي وقدسي من جهة وبين ما هو طبيعي وطبي وصحي وجنسي واجتماعي من جهة أخرى ، أو بعبارة أخرى ينسجم فيه الروحي معالجسدي ، إن مثل هذاالدين خليق بأن يكفل اتزان الإنسان في كل زمان ومكان وأن يعيد لإنسان الحضارة العصرية اتزانه. إنه حقا دين أمة وسط ، لا إفراط ولا تفريط، (وجعلناكم أمة وسطا) وصدق الله العظيم.

3) إن الإسلام ليعنى أشد العناية في كل الأحوال والظروف بنظافة وصحة الفرد والجماعة. ومحرماته كلها تستجيبلدواعي طبية : فهولا يحرم إلا ما كان ضارا بالصحة ( صحة الجسم أو العقل أو الروح ، صحة الفرد أو الجماعة ).

4)لا غرو أن الإسلام بما له من مبادئ طبية كثيرة تجعل الطب يسيرعلى خط مواز مع شعائره الدينية نقول لا غروأن يقود هذا الدين فكر المسلمين وعملهم (في المجال الطبي على الأخص). فإن الازدهار العلمي ، ولا سيما الطبي ، في الحضارة الإسلامية كان منبثقا من الفكر الديني ومنه كان يستمد قوته.

5)إن دراسة جذية للمخطوطات الطبيةالعربية تتحتم لغايتين أولاهما سد ما في تاريخ الطب من فراغ ثم على الأخص جرد المصطلحات التقنية المستعملة من لدن كبار الأطباءالعرب ( بالاعتماد على أهم المؤلفات) بقصد إغناء القاموس العلمي العربي ، لأن تعريب تعليم الطب سيكون بلا شك نقطة التحول المتصلة في النهضة الطبية العربية.

6) إن الطبيب في حياته المهنية والعالم الأحيائيفي بحوثه مسوقان بحكم عملهما إلى مواجهة مشاكل خلقية ودينية قد تكون أحيانا عويصة مثل مشكلة الموت والمشاكلالناتجة عن عمليات التدبير الاصطناعي لتكوين الجنين وخلق الإنسان وتناسله .ولذلك ارتأينا من المفيد ونحن في بيئة إسلامية أن نضع في هذه الدراسة بكيفية إجمالية موجزة الإطارالديني حيث يتيحالإسلام حل هذه المشاكل.

7) إن اشتراك الطبيبوالمريض معا فى الانتماء الى ثقافة حضارة واحدة له من الناحية النفسانية أهمية كبرى في علاجالمريض. ولذلك يبدو لنا من المفيد للطبيب الممارس عمله في وسط إسلامي أن يكون ذا إلمام بأحكام الشريعة الإسلامية المتصلة بالمسائل الطبية ، فذلك أضمن لفعالية العلاجوأرشد إلى الموقف الذي ينبغي أن يتخذهإزاء بعض المشاكل الاجتماعية والخلقية والدينية التي كثيرا ما يمتحن بها الخلق الطبي .وهذا ما يبعثنا على الرجاء في أن تدرج ذات يوم ضمن التعليم الطبي (عندنا معشر المسلمين على الأقل) بعض تعاليم الإسلام التي لها صلة مباشرة بالطب ، كما نأمل أن تتخذ هذه التعاليم أساسا لتعليم الأخلاق الطبية.ونحن في هذه الدراسة لا ندعي الإحاطة بكل جوانب الموضوع ولا إيفاءه كل حقه من الدرس والبحث وإنما تناولنا ،ولو باختصار كبير، جوانب متنوعة آملين أن يحفز عملنا هذا همم المتخرجين من كليات الطب في بلادنا فيتعمقوا في مثل هذه المواضيع ويتوسعوا فيما لخصناه ويسهموا في دراسة كل مسألة على حدة باستدلال علمي أقوم منطقا وأبلغ حجة.عنوان الأطروحة:
L’Islam et la Culture médicale ou Médecine et Biologie dans leur rapport avec l’Islam. (T.M. 47/1979 – Soutenue le 17 Mars 1979 – Faculté de Médecine de Rabat – Université Mohammed V – Maroc.).

الباب الأول

الفصل الأول
: مصادر التشريع الإسلامي وعلاقتها بالطب...
- القرآن والطب.
- السنة النبوية والطب.
- القوانين الفقهية والطب.

الفصل الثاني: مفهوم الإنسان في الطب من خلال النظرة الإسلامية ، مقارنة مع المفاهيم العلمية الحديثة (النقد الحديث للداروينية الحديثة لـ مونود بأدلة رياضية لجورج صالي في كتابه المنشور بالفرنسية (الصدفة واليقين) وإثبات أن أصل الحياة من الطين من خلال دراسة علمية حديثة في مختبرات أمريكا.

الباب الثاني
النظافة والطب الوقائي في الإسلام(أربعة فصول)

الفصل الثالث
: عموميات حول النظافة والطب الوقائي في الإسلام.
الفصل الرابع: الختان بين الطب والإسلام.
الفصل الخامس: التغذية في الإسلام.
الفصل السادس: الخمر والمخدرات وأثرهما السيئ على الصحة.

الباب الثالث
الشعائر الإسلامية وأثرها الطبي

الفصل السابع
: الصلاة وأثرها الطبي (في علاج أمراض نفسية وعضوية مزمنة كالسرطان والشلل).
الفصل الثامن: الصيام وأثره الطبي.

الباب الرابع

الفصل التاسع
: علم تكوين الأجنة والقرآن.
الفصل العاشر: الوراثة وتحسين النسل في الإسلام.
الفصل الحادي عشر: الإجهاض ومظاهره الاجتماعية والقانونية والطبية والدينية.
الفصل الثاني عشر: التحكم في وسائل الإنجاب في نظر الإسلام:
- تحديد النسل والتخطيط العائلي.
- التعقيم.
- التلقيح الاصطناعي وطفل الأنبوبة.
الفصل الثالث عشر: التربية الجنسية في الإسلام.

الباب الخامس

الفصل الرابع عشر
: بعض المظاهر الطبية في الحضارة العربية كأثر مباشر للفكر الإسلامي
( استعراض للمنعطفات الكبرى لتاريخ الطب الإسلامي ).

خاتمة: بالفرنسية والعربية.
ثبت بهوامش يتبع.
مصادر البحث زهاء 200 مرجع باللغة العربية واللغات الأجنبية.
قسم ابن رضوان عواض قسم أبقراط
(وذلك قبل أن يوجد القسم الإسلامي المعتمد حاليا المعروف بوثيقة الكويت).