06-07-2014 | د. صالح بن درباش الزهراني
فهذه إجابات لعدة أسئلة مختلفة في باب العقيدة الإسلامية أجاب عليها الأستاذ الدكتور/ صالح بن درباش الزهراني أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى, وعضو الفريق العلمي والإداري لمركز التأصيل للدراسات والبحوث.





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فهذه إجابات لعدة أسئلة مختلفة في باب العقيدة الإسلامية
أجاب عليها الأستاذ الدكتور/ صالح بن درباش الزهراني أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى, وعضو الفريق العلمي والإداري لمركز التأصيل للدراسات والبحوث.
وننشرها ليعم النفع بها.

هل يلزم من رؤية الله في الآخرة التجسيم؟
السؤال (49583): رؤية الله يوم القيامة تستلزم أن يكون لله جسماً..هل هذا الكلام صحيح؟.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن رؤية الله تعالى في الدار الآخرة هي غاية ما يرجو المؤمن ، وهي أعلى نعيم في الجنة ، وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة وإجماع السلف ، [راجع الباب الخامس والستين من حادي الأرواح لابن القيم ، طلباً للاختصار]، والمسلم يجب عليه تلقي أحكام الدين أصوله وفروعه من الكتاب والسنة ، على وفق منهج السلف ، والتسليم لله ورسوله في كل حكم، وبخاصة فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته..
وإثبات رؤية المؤمنين لربهم في الدار الآخرة على الوجه اللائق بالله تعالى لا يستلزم نقصاً في حقه ولا شيئاً من المحاذير التي يذكرها نفاة الرؤية ، وذلك للأمور التالية:
أن الله أخبر في كتابه أن المؤمنين يرونه يوم القيامة ،فلو كان إثبات الرؤية يستلزم نقصاً في كماله أو أي شيء لا يليق بالله سبحانه لما أثبتها لنفسه، وقد أجمعت الأمة على أنه لا أحد أعلم بالله من الله ، فإثبات رؤيته يوم القيامة على الوجه اللائق به –سبحانه- لا يلزم منه التجسيم ولا أي نقص في كماله .
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة فيما رواه البخاري (4581)، ومسلم (182) من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- ، وبالإجماع فإنه لا أحد من الخلق أعلم بالله من رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد أكمل منه ولا أزكى ولا أتقى لله منه، ولو كان إثبات رؤية الله في الآخرة يلزم منه نقص في كمال الله أو أي محذور لم يثبت ذلك أعلم الناس بالله وأبرهم وأصدقهم .
أن السلف الصالح وفي مقدمتهم الصحابة –رضي الله عنهم- أجمعوا على إثبات رؤية الله في الدار الآخرة ، اتباعاً لما دلّ عليه الكتاب والسنة ، ولم يروا في إثبات ذلك محذوراً، ولا رأوا أن إثبات الرؤية يقتضي التجسيم ونحوه من المحاذير.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ونحوه من المحاذير فيه استدراك على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، اللذين أثبتا رؤية الله دون إخبار بأن إثباتها يقتضي التجسيم ...كما أن فيه سوء أدب مع الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ... فيه خرق لإجماع السلف الذين أثبتوا الرؤية على الوجه اللائق، دون أن يروا في ذلك الإثبات ما يؤدي إلى التجسيم المزعوم.
أن الزعم بأن رؤية الله تستلزم التجسيم ... هو مما ألقاه الشيطان من الشبه إلى نفاة الرؤية من المعتزلة والخوارج والإمامية ومن سار على نهجهم ، وقد استندوا إلى تلك الشبه لرد دلالة الكتاب والسنة على إثبات رؤية الله تعالى وسائر صفاته... ، فالتعلق بذلك من اتباع غير سبيل المؤمنين، وفيه سلوك لطرق أهل الغواية المبتدعين. نسأل الله السلامة من ذلك. والله أعلم.

لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟ وما حكمها؟ ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضاً مع عقيدتنا في البداء؟ وما الفرق بين النسخ والبداء؟ وشكراً.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن البداء معناه : التغير في العلم من حال إلى حال .
كالظهور بعد الخفاء، كقوله –تعالى-: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" [البقرة:284]، وقوله: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" [الزمر:47] أي: ظهر لهم من الله ما لم يكونوا يتوقعونه وكاستحداث رأي جديد وإنشائه، كقوله –تعالى-: "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" بمعنى: ثم نشأ لهم رأي جديد غير الرأي السابق.
والتغير في العلم يصح إطلاقه في حق البشر، فإذا ظهر للإنسان ما كان خافياً عليه، أو نشأ له رأي جديد قيل في حقه: (قد بدا له)، أما بالنسبة لله فإن التغير في العلم (البداء) بمعنييه السابقين لا يصح نسبته إليه، بل إن ذلك كفر –والعياذ بالله-
وذلك أن البداء يستلزم أن يكون مسبوقاً بالجهل ، والجهل صفة نقص ينـزه الله –تعالى- عنها؛ لأنه يناقض صفة علم الله المحيط بكل شئ، والشامل لكل شيء، والسابق على كل شيء، والذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه جهل ولا نسيان .. ، والقول بالبداء مستلزم لوصف الله بالجهل والعياذ بالله من ذلك ، فكان القول به في حقه سبحانه كفراً .
أما بالنسبة لعلم البشر فهو مسبوق بالجهل ويلحقه الجهل والنسيان .. ، فلا ضير أن يقال للمخلوق : (قد بدا له) .
والذين قالوا بالبداء في حق الله –تعالى- هم اليهود المغضوب عليهم ، والمعروفون بنسبة القبائح إلى الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وفي توراتهم المحرفة أشياء كثيرة من ذلك.
كما اشتهرت نسبة القول بالبداء إلى فرقة الكيسانية أو المختارية (كلاهما فرقة واحدة)، واستقر القول بهذه العقيدة في مذهب الرافضة ، وكتبهم مليئة بالروايات المقررة لهذه العقيدة الباطلة ( راجع-على سبيل المثال- أصول الكافي وبحار الأنوار ) ، وقد حاول بعض علمائهم تبرير القول بهذه العقيدة بتأويلها تأويلات تبعد الشنعة عنهم، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، إذ المقرر في كتبهم يناقض هذه التبريرات.
والذي دعاهم للقول بها: أنهم ينسبون لأئمتهم أخباراً تتحدث عن المستقبل، فيأتي الواقع مكذباً لها، ويَعِدون أتباعهم بأمور ستحدث في المستقبل، كانتصارهم على أعدائهم، وحصول الغلبة لهم عليهم، وقد يحددون ذلك بتواريخ معينة، فيكذب الواقع كل ذلك، فيقعون في مأزق التناقض بين الإخبار بالغيب والوعد بأمور مستقبلية، وبين الواقع المحسوس، لذا أرادوا إزالة هذا التناقض وإبعاد صفة الكذب عنهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به، وليسوا بمتناقضين، فنسبوا ذلك التناقض والكذب إلى الله، ولكن عدّلوا في العبارة فقالوا: (قد بدا لربكم) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فنـزهوا أنفسهم عن الكذب والتناقض ونسبوا ذلك إلى الله .
وأما النسخ:
فهو لغة: الرفع والإزالة ومنه: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخ الكتاب أي رفع منه إلى غيره.
واصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي متقدم أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة متأخر عنه.
والمراد بقوله: (رفع الحكم): تغييره من إيجاب إلى إباحة أو من إباحة إلى تحريم ..
والمراد بقوله: (أو لفظه) لفظ الدليل؛ لأن النسخ قد يكون للحكم دون اللفظ، وقد يكون للفظ دون الحكم، وقد يكون لهما جميعاً .
والمقصود بقوله: (بدليل من الكتاب والسنة) إخراج ما عداهما كالإجماع والقياس .
والمتقدم يسمى منسوخاً والمتأخر يسمى ناسخاً .
والنسخ واقع في الشرع كتاباً وسنة . قال تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [البقرة:106].
حيث يشرع الله حكمًا مؤقتاً بوقت محدد في علم الله ، ثم عند انقضائه ينسخه –سبحانه-؛ إما بحكم جديد ؛ وإما إلى غير بدل ، ولله الحكمة البالغة .
وقد ألف العلماء في الناسخ والمنسوخ كتباً عديدة سواء في القرآن أو في السنة ، وبعضها مطبوع متداول .
أما الفرق بين النسخ والبداء :
فهو أن النسخ ليس مسبوقاً بالجهل ، ولا هو من لوازمه ، بل علم الله سابق على النسخ ، والله عالم بما يشرع من أحكام ،حتى إذا انقضت المدة التي جعلها الله لذلك الحكم نسخه بما سبق في علمه أنه سيكون .
أما البداء فإنه يستلزم سبق الجهل، وهذا مناف لكمال الله –تعالى- فلا يجوز القول بما يؤدي إلى نفي كمال الله أو إثبات نقص في حقه -سبحانه وتعالى-.
والعجب من اليهود -إذ تحكي عنهم كتب الأصول - أنهم لا يقولون بالنسخ ، مع أنهم-كما سبق - يقولون بالبداء .
وسبب إنكارهم للنسخ حتى لا يلزمهم الاعتراف بنسخ شريعة عيسى لما جاء به موسى -عليهما السلام-، وبالتالي إنكار نسخ شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم - لدينهم .
أما السؤال الثاني:
وهو قوله : (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟ وما حكمها؟ ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضا مع عقيدتنا في البداء؟)
أما قوله : (لماذا يحرم الاعتقاد بعقيدة البداء؟) فلما تقدم من استلزام ذلك سبق الجهل في حق الله ، وذلك محال في حقه –تعالى-، كما سبق بيانه.
وأما قوله : (وما حكمها ؟ )فقد أجاب السائل بنفسه وهو التحريم ، بل إنها كفر بالله والكفر بالله أكبر المحرمات.
وأما قوله: (ولماذا لا يعتبر حديث تحويل الصلاة من خمسين صلاة لخمس صلوات تناقضًا مع عقيدتنا في البداء؟)
فنقول: بعد أن عرفت معنى البداء، وأنه لا يجوز القول به في حق الله –تعالى-، فإن ما حدث ليلة الإسراء بخصوص فرضية الصلاة ليس من قبيل البداء، والذي هو بمعنى (بدا لله بعد أن فرض الصلوات خمسين أن يخففها حتى صارت خمساً)، ولا يعد ذلك تناقضاً مع اعتقادنا بحرمة البداء على الله، وإنما ذلك من قبيل النسخ، والتدرج في التشريع، وذلك جائز وواقع، وكله وفق علم الله –تعالى-، والله أعلم وأحكم.
لتحميل باقي الأسئله انقر هنا:
http://www.taseel.com/UploadedData/u...file/ftawa.doc