لسان العرب .. الطريق لحفظ شعائر الإسلام !! ..
أبقى الله عز وجل لهذه الأمة رجالاً ومعلمين نَــصَحَةً تفتخر بلغتها ولسانها العربي المبين ، وألقى ربهم سبحانه في روعهم الدراية بمقاصد خطبها في التنزيل والتأصيل ، بعد توفيقهم بالتمكن تحصيلًا لآلتها وفقهها ..
ولغة العرب : لغة فهم الشريعة ، وبمعرفتها تُدرى أحكامها ومقاصدها .. يقول شيخُ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم : ( إنّ اللغةَ العربيّةَ من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، فإنَّ فهم الكِتابِ والسنة فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللغةِ العربيةِ، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ) .. وقوله أيضاً : ( وليس أثر اعتياد اللغة الفصحى مقصوراً على اللسان ، بل يتعمق حتى يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قوياً بيِّناً، ويؤثر أيضاً : في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق ) ..
ويعرف أهل الغيرة على دينهم ولغتهم كيف نصب أولئك النفر من أهل التغريب العادين على بلاد الإسلام .. شرك الفساد والإفساد لأمة الإسلام من خلال تحريف لغتها وهويتها ..
رَسَمَ علامة الأدب مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - في كتابه وحي القلم (3/34) قائلاً : ( ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاّ ذلَّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرض الأجنبيُّ المستعمرُ لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ : أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ !! ) ..
ومن كان جادًا في طلب العلم والمعرفة ، فسأذكر له كتابـًا عمدةً في كشف تلك الصنعة الحاقدة ،وإلإجالة الفاسدة القادمة إلينا من تلك البلدان البعيدة .. وصاحب ذلك الكتاب علم من أعلام الأدب واللغة بلا منازع ، ألا وهو الأستاذ ( محمود محمد شاكر ، أبو فهر ) في كتابه العجاب ( المتنبي ) لنعلم كيف كان الضرر كبيرًا حين تعلم البعض من أبناء الإسلام لغتهم من أرض الاستشراق والمكر والخديعة .. والمؤلفات في ذلك كثر ، وما ذكرته غنية للأريب ، ودليل لغيره لمن أراد الزيادة والإفادة ..
والمنكر، والمتعجب من بعض أبناء الأمة : معذور بعدم درايته بتاريخ تحريف العقائد والعـــوائد ، وضررهــا الكبير في إيجاد جيل مهزوم ممكن للمحتل وجوداً وفكراً وسلوكــًا !! ..
وقصة التغريب : لسانــًا وعقيدةً ومنهجــًا وسلوكــًا .. يعرفها من كان له علم ودارية بتاريخ التحريف الذي فعله أبناء بنات بني الأصفر!! .. واسألوا أئمة الصنعة ، والتمكن في العلم وآلته ، ومن هم أدرى بذلك المكر والإفساد .. كعميد المحققين العرب ( عبد السلام هارون ) ومبدع اللغة ( الطناحي ) واقرأ عجائب العلم والتاريخ ، لأديب الفقهاء ، وفقهيه الأدباء ( الشيخ علي الطنطاوي ) وذلك الرجل الفذ في العلم والفهم ( محمدمحمد حسين ) في كتابه الغاية في الإتقان والإبداع ( الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ) وتاريخ التغريب لعلامة الوقت ( بكر بن عبد الله أبو زيد ) وغيرهم كُــثــرٌ .. كَـثَّـرَ الله جمعهم الكريم ..
وها أنا أذكر في هذا الموضع رقم تقرير علامة العربية أبي فهر محمود محمد شاكر - رحمه الله تعالى- في كتابه برنامج طبقات فحول الشعراء ( ص117 ) وقريباً من تحريره في كتابه < المتنبي > عندما قال مشخصاً هذا الهوان والاستغراب والخضوع الانهزامي حتى في اللغة العربية لدكاترة الاستشراق قديماً ، وهو ما استمر إلى الآن :
( أنا لم أبلغ يوماً من السذاجة والغفلة و طيب النفس ، مبلغـــًا يحملني على أن أعتقد ، مغروراً بما أعتقد ، أنَّ فتى أعجميًا ، غريب الوجه واليد واللسان عن العربية ، يدخل في العشرين ، أو الخامسة والعشرين من عمره ، قسم "اللغات الشرقية" في جامعة من من جامعات الأعاجم ، فيبتدئ تعلم ألف ، باء ، تاء ، ثاء ، أو أبجد هوز ، في العربية ، و يتلقى العربية نحوها و صَرفَها و بلاغتَها شعرها وسائر آدابها وتواريخها ، عن أعجمي مثله ، وبلسان غير عربي ، ثم يستمع إلى مُحَاضر في آداب العرب أو أشعارها أو تاريخها أو دينها أو سياستها بلسان غير عربي ، ويقضي في ذلك بضعَ سنوات قلائل ، ثم يتخرج لنا مستشرقًا في اللسان العربي والتاريخ العربي والدين العربي ، ندين له نحن العرب بالطاعة ..
ولم أبلغ من السذاجة أن أعتقد أن هذا ممكن ، و إن كنت أعلم علم اليقين < أنَّ كثيرًا من أهل جلدتنا اليوم قد دانوا بذلك ، وجعلوا الأمر ممكنًا كل الإمكان > !! ..

بل أقول أيضًا ، أنْ لو نشأ ناشئ الفتيان مِنَّا على حب عربيته ، وعلى توقير تاريخه ، و على الالتزام بمعرفة أمته ، وعلى الشموخ بنفسه عن الدنايا المذلة ، و الخضوع المهين للسادة ، وعلى حب الإتقان للعمل ، و كان ذلك نهجَ مدارسنا وجامعاتنا وصحافتنا وكتبنا وبيوتنا منذ يُولد المولود فينا ، كما هو نهج كلِّ بلد أعجميٍّ صار له السلطان علينا اليوم ، لو كان ذلك ، لجاء هؤلاء المستشرقون جميعــًا ، هالكهم وحيهم ، ليتعلموا على يد "صاحب المطبعة" منَّا ، ناهيك بالعالم منا والإمام ..
أرأيتَ قط رجلاً واحدًا من غير الإنجليز أو الألمان مثلًا ، مهما بلغ من العلم والمعرفة ، كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية ، و خصائص لغتها ، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية ، وفي حياة المجتمع الإنجليزي ، يدين له علماء الإنجليز بالطاعة والتسليم ؟!) .. رحم الله ذلك العلم الفذ .. ولعله يأتي زمان على البعض من أبناء أمتنا المتأثرين بلغة الجرائد، وعاديات التجديد < الهدم > فيعلموا أنهم على غير شيء من التمكن ؛ فيعودا لائمين لأنفسهم في إضاعة زمانهم بعبثية الهزل الذي يظنوا - وبعض الظن أثم - أنهم حصلوا علومــًا فاقت من سبقهم .. فإذا كُشف لهم الغطاء ، قالوا : يا ليتنا عرفنا قدر أنفسنا ، وقبلنا نصح الناصحين ..

حسن الحملي ..